أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهند صباح - جهاز مخابرات الله .. أماكن العقاب (ج١)، تاريخ الآخرة (ج٢)، الروح (ج٣)















المزيد.....



جهاز مخابرات الله .. أماكن العقاب (ج١)، تاريخ الآخرة (ج٢)، الروح (ج٣)


مهند صباح
كاتب

(Mohanad Sabah)


الحوار المتمدن-العدد: 6834 - 2021 / 3 / 7 - 18:03
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هلُموا لنفكر بصوتاً عَالٍ
تاريخ «الجحيم»،‏ وَ «الهاوية»

ما الذي سيحدث للبشرية جمعاء عندما تموت؟
ماذا يحدث لنا عندما نموت؟
أين سنذهب بعد ذلك؟
هل سنبقى على هيئتنا أم سنتغير؟
هل سنتعرف على أنفسنا أم سنجهلها؟
هل سنذهب مع أولئك الذين سبقونا من قبل؟
هل سنرى الذين رحلوا من قبلنا؟
وَكمَا يقُول شاعر المهجر "إيليا ابو ماضي"
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيـــــــتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيـــــــتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيـــــــتُ
كَيفَ جِئتُ كَيفَ أَبصَرتُ طَريقي
لَســـــــتُ أَدري!
أَجَديدٌ أَم قَديمٌ أَنا في هَذا الوُجود
هَل أَنا حُرٌّ طَليقٌ أَم أَسيرٌ في قُيود
هَل أَنا قائِدُ نَفسي في حَياتي أَم مَقود
أَتَمَنّى أَنَّني أَدري وَلَكِن لَستُ أَدري
أَتُراني قَبلَما أَصبَحتُ إِنساناً سَوِيّاً
أَتُراني كُنتُ مَحواً أَم تُراني كُنتُ شَيّا
أَلِهَذا اللُغزُ حَلٌّ أَم سَـــــــيَبقى أَبَدِيّا
لَستُ أَدري وَلِماذا لَستُ أَدري لَســـــــتُ أَدري.

فرضية الآمال والأماني عند البشرية، هيّ أن يكون هنالك شيءٍ في نهاية المطاف بعد الموت، لكن المرعب فيّ الموضوع، أن البشرية لم تفكر بصورةٍ مغايرة إطلاقًا، في أن ماذا لو لم يوجد شيءٍ هناك؟

أسئلة كثيرة وعديدة طرحت حول حياة ما بعد الموت، فالحضارات والشعوب القديمة بحثت بشكلاً دؤوب عن إجابات لهذه الأسئلة، وإلى غاية اللحظة الناس تبحث عنّ إجابات، حول لغز الآخرة والموت. فكل شعبًا وأمة يخبرها دينها أين سوف تذهب، لأننا كما نعلم أن كل دين يحتكر الحقيقة لهُ، ويدعي امتلاكها. بالرغم أنهُ لا يمتلكها، أيّ دين لا يمتلك الحقيقة المطلقة فهذا زعمًا كاذب، فكل الأديان تمتلك حسب اختلافها جنات وملكوت النيران وجحيم، ترغيب وترهيب.

فعادةٍ الدين يخبر الناس بمصيرها النهائي هذا ليس بشيئًا جديدًا، وهذه النقطة بالذات تنم عن جهلنا الفظيع وجهل البشرية التام، جهلها الأول أنها إهانة عقلها حينما باتت صاغية إلى هكذا نوع من أنواع الخطاب، وجهلها الثاني، أنها تدعيّ معرفة مصيرها النهائي وكل هذه الادعاءات هيّ منزوعة تمامًا من أيٍ دليلاً علميًا، بل إنها مجردة من كلّ أدوات المنطق، والتي تم استبدلها بأدوات الغيبيات والمهدِّئات، أو بواسطة دينٍ ما، وهنا يسقط الفرد فيّ جهلاً كبير، لأنه يتلقف الأجوبة الجاهزة المُعلبة ويتعود عليها، ويتوقف عن البحث عنّ الأجوبة السليمة المنطقية، لأنه سيعتقد فيّ هذه الحالة أن ما بحوزته هيّ الإجابة السليمة وهنا المُعضلة الكبيرة، ومع غسيل المخ بهذه الطريقة، ومع الوقت يصبح هذا الفرد متأكدًا وواثقًا من نفسهُ أين سيذهب وَفي الواقع هُو لا يعرف شيءٍ، ولا يخيفني ويؤرقني في الواقع إلا أولئك الواثقون من دينهم وجهلهم وايمانهم.

لذلك أنني أرى أن الشعوب التي يغلب عليها الطابع الديني، هيّ شعوبًا جاهلة وجهلها مريحًا لها، ومن يحاول العبث بهذه الراحة، يعتبر تهديدًا خطيراً لوجودها، أنها مهدِّئات الدين وغيبياتهُ وما أكثر مهدِّئاتهُ التي تخفف على الإنسان من اللغوب فيّ التفكير، لذلك هيّ تكون شعوبًا متدينة جدًا وَجاهلة جداً جداً.

أننا جميعنا سوف نموت، ونحن نعلم ذلك. ولكن ما الذي يكمن وراء موتنا؟ ما الذي سيبقى لدينا بعد موتنا؟
ومع ذلك، منذ عهد الإغريق والعبرانيين القدماء، كان هناك سجال وتاريخ طويل جدًا ومعقد لتخيلاتنا حول الآخرة، سواء بعد موتنا الفردي أو بعد نهاية الحياة برمتها. تاريخ طويل جداً من محاولات الإجابة على سلسلة من الأسئلة الدائمة والشائكة والمحرمة في بعض الأحيان والتي دائما تصارع الأدمغة والعقول: هل نحنُ كبشر سنبقى على قيد الحياة بعد الموت؟ أم أننا مَيْتُون أو ميتين أو مُتَمَاوتونَ؟

هل سنلتحق يا ترى مع من تركناهم وراءنا منذُ سنين أو أولئك الذين رحلوا من قبلنا؟ هل سنعاقب على أفعالنا في هذه الحياة أم نكافأ عليها؟ ولكن كيف سنعاقب وكيف سنكافأ، ولماذا سنعاقب؟ وعلى ماذا سنكافأ.. الأمر حيرة يا سادة... هل ستكون لدينا فرصة بعد الموت للتعويض؟ أو تغيير طرقنا وتفكيرنا؟ هل ستستمر حياتنا بعد الموت مباشرةٍ أم أننا سننتظر مرةٍ أُخرى نهاية قاسية وَمريرة أخرى لبدء حياةٍ أخرى؟ وقد تكون رحلتنا ما بعد الموت هيّ (انتظار لا نهائي!)، أي نوع من الأجسام والأجساد قد يكون لدينا؟ وأين سنكون يا ترى؟ أسئلة وتساؤلات تحلق في سماء العقول، تبحث عن إجابات .. وَلكن لست أدري!

أن كل ما نعرفهُ هو أننا لا نعرف شيئًا أننا جاهلون، وأن ما بحوزتنا هو عبارة عنّ خزانات كبيرة ممتلئة بالتخيلات والفانتازيا، وهذه الخزانات تغذي البشرية بصورةٍ مستمرةٍ بالآمال والطمأنينة والسكينة، ولكن أياً كان الوضع، فإن تاريخ الآخرة بغيبياتهُ وخرافاته في الواقع هو تاريخ آمال البشر الذين يتمنون أن يكون هناك شيءٍ بعد الموت، مجرد أمنية. ولكن الخوف الحقيقي للبشرية، والذي لم تفكر به إطلاقًا هو أنهُ: لن يكون هناك شيءٍ، أنني أعلم أن الأمر قد يكون مرعبًا للبعض.

أمكان العقاب عند الأديان، معظم البشر يسلمون بأن هناك شيءٍ بعد الموت، بدلاً من أن يسلموا أنهُ لا شيء بعد الموت، تسليم الناس أن هناك شيءٍ بعد الموت، يرجع بصورة مباشرة إلى الأديان، لأنها رسخت فكرة الآخرة والجنة والإله فيّ عقول الناس، ولأن تاريخ الآخرة يوعد الناس بمكافأت وحوافز وهدايا ويتحدث لهُم عن سعادة لا نهائية، وأنهار من الخمر وكواعب اترابا وكأساً دهاقا وغلمان كاللؤلؤ المكنون ويمنحهم حياة أبدية، وبذات الوقت ينذرهم بعقاب أبدي، الشعوب التي لا تجيد التحدث بالمنطق وَالعقلانية، هيّ شعوباً متأخرة. تعيش حالة جمود فكري حاد وَدوغمائية دينية نسبتها مرتفعة جداً، تحلم بالسعادة الأبدية في السماء، لكنها تعيش كوابيس العقاب الأبدي على الأرض.

وعلى مدى قرون من الزمن منذُ أن نشأت الأديان الإبراهيمية وَ بعض من الحضارات القديمة، مثل الإغريقيون وهذه الحضارة تسبق الأديان بقرون من الزمن، فجميعها اخترعت أماكن لعقاب المخالفين لهم والغير مصدقين بهُم أو الغير مقتنعين بأساطيرهم، فنجد عند الإسلام ابتكر جهنم، وَعند المسيح ابتكر الجحيم، وَعند اليهودية ابتكرت شيول، وَعند الإغريق ابتكر هاديس. وبما أن الغالبية يعرفون جهنم والجحيم، فلنذهب لنتعرف على شيول وَهاديس
وَ"هاديس" أو «هادِس» هو: ملك أو ربّ العالم السفلي تحت الأرض عالم الموتى عند الإغريقيون وَفي الميثولوجيا والأساطير الإغريقية تخبرنا أن هاديس اخترع مخلوق وحشي وأسماه (الكراكن) وذلك لإخافة الناس وإرعابهم وأفزاعهم. وهاديس معناها "مانح الثروة" كناية عما تحملهُ باطن الأرض من كنوز والتي هي جزء من مملكته واشتهر هاديس بخوذته التي تخفيه عن الأنظار. حسناً لنأخذ نُبذةٍ عن «هادِس» فيّ الميثولوجيا الإغريقية هو أبن كرونوس وريا وأخ لكبير الآلهة زيوس إله السماء والصاعقة وأخ لهيرا ربة الأرباب، وأُم كلاً من هيفيستوس إله النار والحدادة، وآرس إله الحرب. ويعتبر أيضاً أخ إلى بوسيدون إله البحر والعواصف والزلازل أصبح "هاديس" ملك العالم السفلي عالم الموتى يصور هاديس عادةٍ كرجل ملتحٍ وبيدهِ صولجان وبجانبه كلب بثلاثة رؤوس، هذا الإله الناس لا تحب رؤيتهُ لأنه مصحوب بالموت الذي يحرمهم من الحياة وهو في نفس الوقت إله قاسٍ عنيد لا تأخذه شفقه أو رحمة. وَلا يتراجع في قراراته مهما كانت قسوتها. وَ الأسطورة الوحيدة التي صورتهُ بكثرة في الفنون هيّ أسطورة خطفه لبيرسيفون. وبيرسيفون هيّ أبنة "ديميتر" إلهة الطبيعة والنبات والفلاحة عند الإغريق، وتعتبر من الآلهة الكبار لأنها أخت بوسيدون وزيوس وهاديس، وتأتي بالمرتبة الرابعة عند الإغريق، ويقال إن العبادة لها يزيد من منتوجات المحاصيل وأنها إذا غضبت تفقد الأرض خصوبتها ولهذا كانوا يحرصون على إرضائها. بالنسبة للوحش الأسطوري الذيّ اخترعهُ "الكراكن" ‏في الأساطير الإغريقية هو مخلوق وحشي خلقه الإله هاديس (إله العالم السفلي) لتخويف الناس، علاوةٍ على ذلك، الكراكن هو كائن أسطوري في الفلكلور النرويجي عبارة عن وحش بحري يُقال أنه يسكن سواحل النرويج يشبه في شكله الحبار العملاق أو أخطبوط وهو يجوب مياه النرويج وغرينلاند وآيسلندا ويهاجم السفن عن طريق لف مخالبه حولها ويرهب البحارة، حسب ما تقول الأسطورة الاسكندنافية.

وَأما بالنسبة لشيول: بحسب الكتاب العبري المُسمى "التناخ" وهذا الكتاب عبارة عنّ نصوص يهودية مقدسة عند اليهود، وَهيّ خليط من نصوص عبرية وآرامية، أن شيول هو مكان الظلام حيث يذهب إليه الموتى، وَيصف الكتاب العبري شيول بأنها المكان الدائم للموتى، وتعتبر شيول موطنًا للموتى الأشرار، بينما الجنة هي موطن الموتى الصالحين حتى يوم القيامة، وشيول تعادل جهنم في الإسلام وبحسب ما تعتقدهُ اليهودية أن شيول تُمثل مشهدًا لعالمًا سفلياً تحت الأرض حيث تذهب أرواح الموتى إليه بعد فناء الجسد. إذاً لنبحر قليلاً في نصوص التوراة والانجيل ونرى ماذا قالت النصوص عن «شيول» على لسان يهوه إله اليهود ويسوع إله المسيح، وَما طرح عنّ «شيول» في العهد القديم والعهد الجديد، من باب المعرفة والأمانة العلمية فيّ نقل المعلومة الدقيقة الموجودة في بُطون الكتب الدينية، يذكر الكتاب المقدس العهد القديم شيول أو الهاوية، فيّ "سفر الجامعة" وهو أحد أسفار التناخ والعهد القديم. ووفقًا للتقاليد الحاخامية، أن من كتب سفر الجامعة هو سليمان، يقول سفر الجامعة الإصحاح ١٠:٩ (وكل مَا تحصُل عليه من عملٍ، فاعملهُ بكُل قُوتك، إِذ لن تجد في الهَاوية التي أنت ماضٍ إليها أيَّ عملٍ أو ابتكارٍ أو معرفةٍ أو حكمةٍ). وهنا "شيول" تشير إلى قبر محدد، وَلكن «شيول» فيّ الواقع تشير إلى شيءٍ أكبر بكثير من مقبرة جماعية كبيرة.‏
على سبيل المثال،‏ يذكر فيّ إشعياء في الإصحاح ٥:‏١١١٤ (ويلٌ لمن ينهضُون في الصباح مُبكرين يسعون وراء المُسكر حتَّى ساعةٍ مُتأخرةٍ من الليل إلى أن تُلهبهُم الحمرُ. ١٢ يتلهَّون في مَآدبهم بالعُود وَالرَّباب وَالدُّف وَالنَّاي وَالخمر، غير مُكترثين لأعمال الربِّ وَلا ناظرين إلى صُنع يديهِ، ١٣ لِذلك يُسبى شعبي لأنهُم لا يعرفُون، ويمُوتُ عُظماؤُهُم جُوعاً، وَيهلُك العامَّةُ ظمأً. ١٤ لهذا وسَّعت الهاويةُ أحشاءَها وَفغرت شدقهَا إلى مَا لا نهاية، لينحدِر فيها شُرفاءُ أُورُشليم وَجماهيرُها وَعجيجُها وكُلّ طربٍ فيهَا) وهذا يعنيّ أنها أكبر بكثير من مقبرة. وَيؤكد الكتاب المقدس أن الهاوية لا تشبع.
يذكر فيّ سفر أمثال وَالإصحاح ٣٠: ١٥١٦ (للعلقةِ بنتانِ هَاتفتانِ: هَاتِ، هَاتِ. ثلاثةُ أشياء لا تشبعُ قَطُّ، وَالرابعةُ لاَ تقُولُ كفى: ١٦ الهاويةُ، وَالرحمُ العقيمُ، وأرضٌ لاَ ترتوي من الماءِ، والنَّارُ التي لا تقُولُ أبداً كفى). يقول الكتاب المقدس ان ‹الهاوية لا تشبع›.‏

يذكر (‏سفر أمثال ٢٧:‏٢٠‏)‏ كمَا أن الهاوية وَالهلاكَ لا يشبعانِ، هكذا لا تشبعُ عينَا الإنسان. وهذا يعني أن شيول أو الهاوية لا تمتلئ مطلقاً،‏ ولا حدود لها.‏ لذلك لا يشار بها إلى مكان حرفي في موقعٍ محدد،‏ بل تعني المدفن العام للموتى،‏ أو الموقع المجازي حيث يرقد معظم الجنس البشري رقاد الموت.‏ أو الراقدون تحت التراب.

سفر أيوب ١٣:١٤ (ليتكَ تُواريني في عالم الأمواتِ، وتُخفيني إلى أن يعبُر عني غضبُك، وَتُحددُ لِي أجلاً فتذكُرني)
سفر أعمال الرسل ٢:‏٣١ (فقد تكلَّم عن قيامة المسيح كمَا رَآها مُسبقًا، فقال إن نفسهُ لم تُترك في هُوَّة الأموات)
سفر التكوين ٣٧:‏٣٥ (وَعندما قامَ جميعُ أبنائهِ ليُعزوهُ أبَى أن يتعزَّى وَقال: إنِّي أمضي إلى ابني نَائحاً إلى الهاويةِ وَبكى عليهِ أبُوهُ)
سفر المزامير ٥٥:‏١٥ (ليُفاجئ الموتُ أعدَائي فينزِلُوا إلى الهاويةِ أحياءً، لأَن الشرَّ جَاثمٌ في وسطِ مَساكنهمْ)

وهنا يتبين لنا، من نصوص الأسفار - عالم الأمواتِ - هُوَّة الأموات - نَائحاً إلى الهاويةِ - فينزِلُوا إلى الهاويةِ. أن الهاوية لا تضم الذين خدموا يهوه إله التوراة فقط،‏ بل أيضاً أشخاصاً كثيرين لم يخدموه.‏

وأطرح تساؤلاتي، كيف علمتم بذلك؟ ما الأدلة العلمية على وجود الهاوية؟ هل هنالك شخصاً ذهب إلى الهاوية رآها ورجع مرةٍ أُخرى، ثم أخبر الناس؟ أين المنطق من هذا كلهُ!؟ هل هنالك تجربة علمية ممكن أن تثبتوا بها هذه الادعاءات؟ أم هيّ فقط طريقة تستخدم لتخويف الناس وإرعابهم.

ثُم من ناحيةٍ أُخرى وَحين أمعنتُ النظر في سفر الرؤيا العهد الجديد ٢٠:‏١٢١٥ (١٢) ورأيتُ الأمواتَ، كباراً وَصغاراً واقفينَ قُدامَ العرشِ. وَفُتحت الكُتُبُ، ثُمَّ فُتحَ كتابٌ آخرُ هُو سجلُّ الحياةِ، وَدينَ الأمواتُ بحسبِ ما هُو مُدوَّنٌ في تلك الكُتُبِ، كُلُّ واحدٍ حسبَ أعمالهِ. (١٣) وَسلمَ البحرُ منْ فيهِ من الأمواتِ الذينَ فيهمَا، وَحُكمَ على كُلِّ واحدٍ بحسبِ أعمالهِ. (١٤) وطُرحَ الموتُ وَهاويةُ المَوتى في بُحيرةِ النارِ، هَذا هُو الموتُ الثَّاني. (١٥) وَكُلُّ من لمْ يُوجد اسمُهُ مَكتُوباً في سجلِّ الحياةِ طُرح في بُحيرِة النَّارِ)

ذهب ذهني مباشرةٍ من بعد قراءة هذا النص في الكتاب المقدس إلى النصوص القرآنية، فكرة النص ومحتوى النص في سفر الرؤيا، يشبه تمامًا النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، هنالك من قام بتحوير النص ونقلهُ للقرآن بصيغةٍ إسلامية تتناسب مع نصوص القرآن، وبالتالي بعد مراحل من النقل والتنقل والتعديل ظهر في القرآن بصورةٍ أُخرى وَلكن لهُ نفس المعنى، وَمن ثُم تم التعديل عليهِ من جديد وفلترتهِ وتطويرهُ من قبل المذاهب الشيعية والسنية ليتماشى مع أدبياتها وموروثاتها، وهذا ما سنراهُ جليًا واضحٍ في النصوص القرآنية والأحاديث النبوية والإمامية الشيعيّة على حدٍ سواءً.. ولا مناص إطلاقاً من هذا الأمر أو ترقيعهُ.

لنتطرق إلى نصوص الإسلام حول هذه النقطة (٠)..
ففيّ موروثات الإسلام ونصوص القرآن هنالك ملكان واحدٍ أسمهُ "الرقيب" وَالآخر يدعى "العتيد"، وظيفتهما موكلين بكتابة كل ما يعملهُ ويقولهُ المسلمين، وبحسبِ النص القرآني فالملك الذي عن اليمين صفته أنه رقيب وعتيد ، والملك الذي عن الشمال صفته أنه رقيب وعتيد.

وكمَا موجود في القرآن ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) سورة ق/16-18.

لاحظ النص الوارد وكأنها دائرة المخابرات الإلهية، فهذا عمل مخابرات وهؤلاء هُم ضباط الله الذين يتلصصون ويتجسسون على الناس، فالنص الوارد يعني: أن هذين الملكين يكتبان عمل الإنسان المسلم لا ينفكون عنهُ ولا يغيبون عليهِ، ويترصدون لهُ في كُلَّ لفظٍ وقولٍ، يراقبون كُلَّ تحركاتهُ ويكتبون كُلَّ كلماتهِ التي ينطقُ بها، بل لا يتركون حرفاً إلا وَقاموا بتدوينهِ ولا يفوتهم شيءٍ.

وَيؤكد ذلكَ النص القرآني الآخر: ( وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ) الانفطار/10-12 "

- مــــخابرات الله!
وفي النص القرآني الآخر ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”. التوبة:105
فقهاء الشيّعة يعتبرون هذا النص، ويفسرونهُ على أنهُ يخص "علي بن أبي طالب" وأنَّ هذه الآية نزلت في حق علي كمَا يدعيّ الإمام الرضا وفقهاءَهم بإنهُ هو المعني بهذا النص حسبَ اعتقادهم الديني، وَكمَا دلَّت على ذلك بعض رواياتِهم حيث تشير إلى أن هذا النص مرتبط بعلي، بعض الروايات على ذلكَ..

(١). في تفسير العيّاشي عن محمد بن حسان الكوفي عن محمد بن جعفر عن أبيه (ع) قال: «إذا كان يوم القيامة نصب منبر عن يمين العرش له أربع وعشرون مرقاة ويجيء علي بن أبي طالب (ع) وبيده لواء الحمد فيرتقيه ويعلوه ويعرض الخلائق عليه، فمن عرفه
دخل الجنة، ومن انكره دخل النار، وتفسير ذلك في كتـاب الله: ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”.
قال: هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)».

(٢). وَفي تفسير علي بن إبراهيم القمي ج١ ص٣٠٤: بسنده عن أبي الله (ع) قال: «ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتى يُعرض عمله على رسول الله (ص) وعلى أمير المؤمنين (ع) وهلُمَّ جراً إلى آخر من فرض الله طاعته فذلك قوله: ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ“.

(٣). وَفي تفسير الكافي للشيخ الكليني ج١ ص ٢١٩ بسنده عن عبد الله بن أبان الزيات وكان مكيناً عند الرضا (ع) قال: قلت للرضا (ع): ادع الله لي ولأهل بيتي
فقال: «أو لست أفعل؟! والله إن أعمالكم لتُعرض عليَّ في كل يوم وليلة.
قال: فاستعظمت ذلك،
فقال لي: أما تقرأ كتاب الله (عزّ وجل): ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ”.
قال: «هو والله علي بن أبي طالب (ع)».

(٤). في الكافي للشيخ الكليني ج١ ص ٢١٩ بسنده عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله (عزّ وجل): ” اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ” [التوبة: 105] قال: «هم الأئمة».

أيّ بمعنى أن الشيعة تعتقد وتؤمن أن “وَالْمُؤْمِنُونَ” الواردة في النص تعني هُم آل محمد! - وَالمُراد من ذلك هُو إنّ أعمال العباد تُعرض على رسول الله وعلي حصراً على حدٍ سواءً، لكن كيف علمتم بذلك؟

- وقت عرض الأعمال حسب أدبيات السنة والشيعة.. لهُ حكايةٍ عند المذاهــــب الإسلامية.
حــــرب الأيام بين الســــنة وَالشــــيعة
ــــ
عند السنة: حديث عن النبي يقول: حياتي خيرٌ لكم تُحدِّثون ويُحدِّثُ لكم ، فإذا أنا متُّ كانت وفاتي خيرًا لكم تُعرضُ عليَّ أعمالُكم ، فإن رأيتُ خيرًا حمِدتُ اللهَ وإن رأيتُ غيرَ ذلك استغفرتُ اللهَ لكم
الراوي: بكر بن عبدالله المزني
المحدث: محمد ابن عبدالهادي
المصدر: الصارم المنكي
الجزء أو الصفحة:329
حكم المحدث: مرسل إسناده صحيح

عند الشيعة: رواية في معاني الأخبار للشيخ الصدوق ص٤١٠ بسنده قال: قال رسول الله (ص): «حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم، أمّا حياتي فتحدثوني وأحدِّثكم، وأما موتي فتُعرض عليَّ أعمالكم عشية الاثنين والخميس، فما كان من عمل صالح حمدت الله عليه وما كان من عمل سيئ استغفرت الله لكم».

قارن بين حديــــث السنة وروايــــة الشيعة المذكورة أعلاه!

عند السنة: حديث عن النبي يقول: إنَّ مِن أفضلِ أيَّامِكُم يومَ الجمعةِ؛ فيهِ خَلقَ اللَّهُ آدَمَ، وفيهِ قُبِضَ، وفيهِ النَّفخةُ، وفيهِ الصَّعقةُ؛ فأَكْثروا منَ الصَّلاةِ عليَّ فيهِ؛ فإنَّ صلاتَكُم يومَ الجمعةِ مَعروضةٌ عليَّ. قالوا: وَكَيفَ تُعرَضُ صلاتُنا عليكَ وقد أرِمتَ -أي بَليتَ-؟ فقالَ: إنَّ اللَّهَ عزَّ وجلَّ حرَّمَ على الأرضِ أن تأكُلَ أجسامَنا
الراوي: أوس بن أبي أوس وقيل أوس بن أوس والد عمرو
المحدث: المنذري
المصدر: الترغيب والترهيب
الجزء أو الصفحة: 1/336
حكم المحدث: له عله دقيقة امتاز إليها البخاري وغيره

عند الشيعة: رواية في بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٩
ومنه نقلا من تبيان شيخ الطائفة في تفسير قوله تعالى: " وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون " قال: روي في الخبر أن الاعمال تعرض على النبي صلى الله عليه وآله في كل اثنين وخميس فيعلمها، وكذلك تعرض على الأئمة عليهم السلام فيعرفونها وهم المعنيون بقوله: والمؤمنون.

إذن...
عند السنة أعمال العباد والصلاة تعرض على النبي يوم الجمعة
عند الشيعة أعمال العباد والصلاة تعرض على النبي وآله يوم الاثنين والخميس

في هذه الحالة ، لو قارنت بين النص القرآني الذي ذكرناهُ سابقاً، سورة ق/16-18. وَما بين أحاديث السنة وروايات الشيعة، سترى أن الفكرة أخذت من نص الانجيل في سفر الرؤيا العهد الجديد ٢٠:‏١٢١٥ كمَا ذكرناهُ سابقاً.

يتبـــــــع... (ج٢).

في القرن السابع قبل الميلاد، وَفي نفس الفترة بالتحديد سواء كانت في اليونان القديمة "الإغريق"، أو في إسرائيل القديمة "العبرانيون"، الاثنان لم يكونان مختلفين أو مختلفون حول مصير موتاهُم، سواءٍ كانوا جيدين أو أشرار، صالحين أم فاسدين، أغنياء أو فقراء، فالإغريقيون يعتقدون أن موتاهم،
١. أما يرسلون إلى (هاديس) وهُو العالم السفلي للموتى تحت الأرض
٢. أو يرسلون إلى (تارتاروس) وهُو مكان العذاب وَالعقاب للمذنبين وَالمخطئين على الأرض بعد موتهم، وهُو بمثابة سجن تحت الأرض، أبعد من (هاديس)، كما الأرض أبعد مَن السماء، ويسكنها الذين تمردوا في حياتهم ضد (زيوس)، زيوس يُلقَّب عند الإغريق بـ "أب الآلهة والبشر" أيّ مَا يُعادل الله في الإسلام.
يقول أفلاطون: أرموا في تارتاروس كل من سرق من الأماكن المقدسة , أو من قام بالقتل الحرام أو من قام بعمل مماثل لهذة الأعمال , هؤلاء لن يتسطيعوا الصعود من هناك أبدًا.
٣. وَأمَا يرسلون إلى (إليسيون) وهُو مكان الملذات للطيبين، وَكمَا تُسمى في (الميثولوجيا الإغريقية)، بـ "جزيرة الخالدين" والتي تقع في المغرب الأقصى مَن قرص الأرض حسب اعتقادهم، ويحيط بها ويحميها "أوقيانوس" إله المحيط، وإليها يُرسل قُضاةُ الموتى الخالدين والمباركين كي يقضوا حياةً أبديَّةً كلّها سعادة ونعيم، فإن جزيرة إليسيون دائمة الخضرة، وفيها حدائق غنّاء نضرة، كثيرة الورود كأن فصل الربيع ابتدأ فيها، تجري فيها أنهار ماء كالرحيق، تنبثق من (نبع ليثي)، ومن يشرب من مائها ينسى كل أنواع الهموم والعذاب. وفيها تُخرج الأرض مزروعاتها ثلاث أو أربع مرّات في العام، وليس فيها فصول حارّة أو باردة، وإنّما هناك نسيم الغرب العليل. وَهي تُعادل الجنة في الإسلام.
وَالعبرانيون كانوا يعتقدون بحسب التوراة، إن كل الموتى سواء كانوا سعداء أم أشقياء يدخلون إلى عالم الهاوية أو الجحيم "شيول" وَيعتبر شيول بأنه مكان الموتى الأبدي وَالموتى الأشرار أو الفاجرين، بينما تعتبر الجنة هَي مكان الموتى الصالحين، وَشيول تُعادل جهنم في التلمود، وَالنار في الإسلام.

وَلكن عندمَا أقبلَ العصر المسيحي، على دول الغرب لتنصير أوروبا وَالتي كانت تُسمى قديمًا بـ "أوروبا الوثنية" وَالذي بدأ عام 312م أي بعد انهيار الإمبراطورية الرومانية الغربية، كانت هاتان الروايتان بمثابة الحجر الأسَاسِيَّ، لبناء رواية مَا حول الآخرة وَالموت في الفكر الغربي القديم، بل أنها أثرت تأثيرًا مباشرٍ فيها، وَكانت قاعدة تأسيسيَّة ألهمَت الفكر الغربي وَاستلهمَت أوروبا منها المعرفة في هذا الغرض، وَمزجت روايتها وَخلفيتها مَع هذهِ الروايتان، ونسَجَت مَع بعضهما البعض.

في الهامش:
(ليثي) تعني النسيان، وهُو أحد الأنهار الخمسة في العالم السفلي، يرد نهر النسيان في الأساطير الإغريقية ليجسد منبعاً من ينابيع العالم الآخر يشرب منه الموتى لينسوا ما كانت عليه حالهم في الحياة الدنيا. إنَّ كلمة "لثيه" تعني في الإغريقية "النسيان". و نهر ليثي أو نهر النسيان في الأساطير الإغريقية والرومانية هو أحد الأنهار الخمسة في العالم السفلي، والأنهار الأربعة الأُخرى تبدأ،
بنهر ستيكس (نهر الكراهية)،
ونهر أكرون (نهر الحزن)
ونهر كوكايتس (نهر الرثاء)،
ونهر فلاغيثن (نهر النار).

وَيبقى تاريخ الآخرة يحَكي وَيسرد لنا عن أحلامًا مُغلفة بالسعادة الأبدية المُطلقة اللاَّنهائيَّة، وَفي ذات الوقت يُمطرنا بوابلاً مَن الكوابيس المُفزعة وكُتلةً مَن العقاب الأبدي اللاَّ نهائيّ، وَيتفنن تاريخ الآخرة على مر القرون في ابتداع وَابتكار طرقًا جديدةٍ، إن تاريخ الآخرة حول الناس إلى سُعداء وَخائفين في آنٍ واحدٍ

كان رجل الدين عند الإغريقيون والعبرانيون هو من ينوب عن المتوفى في تحديد مصيره أين سيذهب مباشرة بعد الوفاة، هذهِ السردية كانت بمثابة اعتقاد سائد في تلك الآونة، حيث كانوا يعتقدون أن(الروح) توضع في ميزان ويتم وزنها، والحكم عليها أيضًا حسب معايير الفضيلة والرذيلة التي صنعتها الروح في الحياة، وعلى سبيل المثال العبرانيون كانوا يعتقدون أن الروح ذات الدرجة الرفيعة في الأعمال الصالحة ترسل بعد الموت إلى جنة إبراهيم لتعيش في نعيمه، بينما الإغريقيون كانوا يعتقدون أن الروح التي مارست الأعمال الطالحة الساقطة والخسيسة ترسل بعد الموت إلى حفرة (هاديس) كما ذكرناها مسبقًا.

سرديات وروايات تحديد مصائر البشر في "النهاية" أو بعد الموت، كانت منتشرة في تلك الأزمنة ومدفوعة بتكهنات وغيبيات وتنبؤات، فمثلاً المسيحيون يعتقدون أن (يسوع) سيعود ليحكم على الأحياء والأموات في يوم القيامة، من جانب آخر أن المسيحيون الأوائل كانوا أقل اهتماماً بالحياة ما بعد الموت وأكثر تركيزاً على التكهن والتنبؤ لعودة يسوع في الدينونة.
وكانت أيضًا هنالك سردية أخرى تتكون من روايتين داخل هذهِ التكهنات رواية تقول: إن يسوع عندما يعود سيبارك المؤمنين المسيحيين وسيدخلهم إلى الأبد في ملكوت السماء، ورواية أُخرى تقول أنه سيرمي الملعونين الذين لم يؤمنوا به في نار الجحيم الأبدية، وأن أعداد (الملعونين) ستكون أكثر بكثير من المؤمنين، مع هذهِ التكهنات والتنبؤات تكونت فكرة تاريخ الآخرة عند الغرب عُمُومًا، ولكن يجب أن أنوه أن الغرب تحول إلى "هلقام" بسبب هذهِ الفكرة لأنه تكفل بتقبلها إذن عليه أن يدفع الديات الخاصة بها، ناهيك أنها زجت به في سلسلة طويلة من المفاوضات السخيفة وأجبرتهُ على تقديم تنازلات عديدة وولدت داخل المجتمعات الغربية نزاعات وصراعات داخلية محتدمة، لأن هذهِ الفكرة بالذات لخصت ما بعد الموت بل إنها طرحت مستقبل للبشر بعد الموت، وهذا المستقبل الغيبي فتن الكثير من المؤمنين بهذه الفكرة.

فالتقاليد المسيحية وفكرة ما بعد الموت التي جاءت إلى الغرب، في الواقع خدمت بشكلاً كبير الطبقة العليا والأغنياء المترفين على حدٍ سواءً مادِّيًّا ومعنويًّا مثل الدُّوق والملوك والكونتيسة والأُسر النبيلة بشكلاً خاص حيث منحتهم هذه التقاليد الهيبة الاجتماعية والقوة السياسية، بل إن هذه التنبؤات مثل عودة المسيح وحياة ما بعد الموت والتي منحت الهيبة والقوة إلى الطبقات التي ذكرناها مسبقًا باتت شبه معلقة واندثرت تمامًا عند هذهِ الطبقات وانخفض التركيز عليها ليس كما في السابق، لكن هذهِ التنبؤات لقيت رواجًا كبيرًا فيما بعد عند الفقراء والمسحوقين والمحرومين اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً، وبقيت عالقه في أذهانهم وظل هؤلاء الفقراء يتوقعون عودة المسيح الوشيكة ويعتقدون أنه عندما يعود المسيح (يسوع)، سوف يحصل هؤلاء المظلومون على حقوقهم التي تم حرمانهم منها. أيّ تمامًا كما يقول المثل المصري أكلونا لحم ورمونا عظم أو كما يقول المثل العراقي (تريد أرنب؟ .. أخذ أرنب!، تريد غزال؟ أخذ أرنب!)
وهذه هي قاعدة الاقوياء فالقوي القادر المقتدر يفرض إرادتهُ على الضعيف العاجز، وهذهِ القاعدة لا يزال معمول بها حتى الآن ومتبعة في أغلب البلدان ومفعولها ساري في كل الأزمان.

ومن الجدير بالذكر أن الغالبية العظمى من المؤمنين المسيحيين لم يستخدموا على مرّ العصور والقرون مصطلح (جوهر الإيمان) لوصف ماهية إيمانهم الرئيسي، وفي الواقع أن هذا المصطلح أصله يوناني وجاء من حضارة الإغريق، وبالتالي أن هذا المصطلح المقتطف من التقليد اليوناني، ساهم بشكلاً كبير في تشكيل مفهوم الإيمان المسيحي. وأن مصطلح جوهر الإيمان مان متأصلاً ومرسخًا عند الفلاسفة اليونانيين لأن مفهوم الجوهر الإيماني الذي تمت صياغتهُ من قبل الحضارة الإغريقية أعطى هذا المفهوم طابع مختلف للإيمان أيّ شيئًا جوهريًا، لذلك أن منذ بداية القرن الثالث، اعتمد التقليد المسيحي للإيمان على التقليد اليوناني الذي يقول إن الأفراد كانوا يتألفون من جسد وروح خالدة. ويتبين لي أن علاقة المسيحية مع الأفراد كانت بحاجة ماسة إلى التقاليد اليونانية وعناصرها.

وفي الحقيقة أن هذا الشعور الإيماني الذي تبنتهُ المسيحية من اليونان صنع أزمة وفوضى أن صح التعبير بين سردية مصير الفرد بعد الموت من جانب وبعد يوم القيامة من جانبًا آخر. وفيما بعد أصبح الدين يدعي ويتكهن قائلاً: إن (الروح) هي التي تنجو بين الموت واليوم الأخير لها، وهنالك ادعاء آخر يقول أن الجسد هو الذي يبعث في اليوم الأخير ويعاد تدويرهُ مع الروح، وعلى ضوء هذهِ الادعاءات أصبح تاريخ الآخرة هو تاريخ صراع ونزاع بين الجسد والروح باعتبار أن الروح الكامنة داخل جسد الإنسان هي بمثابة جوهر ما هو عليه الإنسان. وهذا العمل ليس سليمًا بالضرورة لأنه يضع المؤمنين أمام خيارين لا ثالث لهما، ويجبرهُم على الاعتراف به كما ذكرنا سلفًا، فإما الإيمان بنجاة الروح أو الإيمان بمبعث الجسد.

يتبـــــــع... ج٣

الروح كلمة في الأصل جاءَت من اللاتينية "spiritus" أي بمعنى ("نفس") وهذهِ الكلمة أصبح لها معاني عديدة وتفسيرات متعددة وهي ذات معنى ميتافيزيقي بحت، فيما بعد دخلت كلمة الروح حيز التنفيذ في اليهودية والمسيحية والإسلام على حدٍ سواءً.

لو نظرنا نظرة فكرية وعقلية سنجد أن الأديان صنعت معارضة بين الجسد والروح واعتمدت عليهما في صياغة أساطيرها ومعتقداتها، بل إن النفس (الروح) متصلة مع الجسد، والجسد متصل مع الروح، فإذا سقطت الروح سقط الجسد، وأن سقط الجسد سقطت الروح، لكن منطقيًا أن الجسد هو الذي ينهار على الروح، أيّ أن الجسد هو أشبه بسقف الروح (النفس)، ومن هنا نستطيع أن نميز أن الأديان ابتكرت للجسد والروح مواقع جغرافيّة بعد الموت، وقد تكون هذهِ المواقع فوق الأرض أو تحتها وإما أن تكون مواقع في السماء.. ونتيجة هذهِ الابتكارات هي أن تمنح الروح رتبة مركزية.

بل أن هذا الابتكار الذي وصلت له الأديان، جاء في الواقع لإحياء الروح ما بعد الموت، ونقل هذه الصورة إلى الناس بشكلاً ملائمًا وبالإضافة إلى وجود عامل المتعة التي إضافته الأديان، وجعلت الروح أما أن تكون في فرح بالسماء، أو تكون في معاناة بالجحيم، فهي طرحت هذه الفرضية لكي تتجنب مفاهيم الجسد، وأنه كيف ستبعث الأجساد الماديّة من جديد؟ فهي جنحت إلى الجانب الروحي وليس الجانب المادي، لأن الجانب الروحي جانبًا ميتافيزيقي يعد أكثر ملائمة مع سردية الآخرة الجانب الغيبي.

أن الهيئات والسلطات الإلهية السماويّة الواثبة في كتب الأديان، صنعت عبث وفوضى عارمة في حياة الإنسان على الأرض، وجعلتهُ أمام أمرين.. الأمر الأول يتمحور حول أن الإنسان خلق ليحب الله ويطيع الله ويعبد الله وفي هذهِ الحالة سيكون الإنسان أمام إقصاءً واضح لكل العلاقات الإنسانيّة، أما الأمر الأخر هو أن يؤمن الإنسان بالعلاقات الإنسانية وفي هذهِ الحالة يجب على الإنسان أن يستبعد الله الواثب في كتب الأديان.

الأديان حولت السماء إلى مكان للأنشطة التجاريّة على الأرض، فكل دين على الأرض صنع له مطارًا لسفر إلى السماء، وكل الأديان تمتلك دائرة لإصدار جواز سفر، بل إنها تروج إلى إصدار وتجديد واستخراج بدل فاقد أيضًا، وتصدر تأشيرات (فيزا دينيّة)، الميزة في سفريات الأديان أنها ذهابًا من دون رجوع.. بل مؤخرا طرحت أيضًا فكرة "لم الشمل" فالسابقون يحق لهم لم الشمل مع العائلة والأصدقاء.

فإن عبارة أن (الله محبة) والتي يرددها الكثيرون، في الواقع لا اعتقد أنها عبارة سليمة، فكيف يكون الله محبة وهو يعترف أنه صنع للبشر نار وجهنم وجحيم مليءً بالنيران والحرائق، وحفر مكدسة بالظلام، وقبور محشوة بالديدان والافاعي، بل أنه روج إلى إصدار أقسى العقوبات وممارسة أبشع أنواع التعذيب، والتلذذ باوجاع وآلام البشر، ومحصلة هذا كلهُ يعتبر تهميشًا للعقل الإنساني بصورةٍ مباشرة ولا شك في ذلك.

قصة حياة ما بعد الموت هي أيضًا جزء من تاريخ اختراع البشر من أجل البحث عن العدالة، فإن غياب العدالة في الحياة.. دفعت الإنسان إلى ابتكار (حياة) ما بعد الموت، وهي أن يجنح الإنسان إلى الغيبيات والاعتقادات السائدة، فالجانب الأرضي من الحياة لا يمنح الإنسان في العادة العدالة، بل في غالبية الأحيان تكون العدالة غائبة تمامًا عن المشهد، وهنا تتكفل الأديان بتوفير عدالة غيبية يحصل عليها الإنسان المحروم منها بعد الموت كمكافأة خاصة به، أيّ أنها بمثابة حل للمظلومين في الحياة، وفي الواقع هي خديعة كبيرة ومخدر لا ينتهي مفعولهُ.

وعندما نغوص في أعماق الأديان نجد أنها صنعت أماكن للإنسان بعد الموت، وقامت بتقسيمها على النحو الآتي صالحون وطالحون، أخيار وأشرار، عقوبات ومكافآت، رذائل وفضائل. وفكرة السماء والجحيم تطورت منذ القرن الخامس وبدأت بالتطور تدريجيًا حتى تحولت إلى اختيارات، وهذهِ الاختيارات جاءت نتيجة الإصلاحات التي قامت بها المذاهب والطوائف الدينية بمختلف تسمياتها وعناوينها، والتي شكلت صورتها على القاعدة التي اخترعها البشر منذ القدم، واتفقت كل الأديان بمللها ونحلها أن مصير موتاهم في نهاية المطاف يكمن في يد الله، وأن الله هو الذي يكافئ الخير ويُعاقب الشر، وأن الروح (النفس) يتم وزنها بميزان عند لحظة الموت ويقرر مصيرها الأبدي وفقًا لمقاييس مختلفة وهذهِ السردية كما ذكرنا سلفًا عنها فهي تحتاج إلى شرح مطول، ولكن تعقيبًا على هذهِ السردية فعندما قرأت كتب الأديان الإبراهيمية وجدتُ أن الله الموجود هناك عكس ذلك تمامًا، وجدتُ أن الله كافأ الأشرار وعاقب الأخيار، فالآلهة التي تمكث بين طيات الكتب وعقول الناس هي آلهة غير صالحة وغيّر عادلة وليست رحيمة كما يعتقد الناس.

فآلهة الأديان أما أن تبارك أو تلعن، تهلك أو تنقذ، تمدح أو تشتم، تهدي من تشاء أو تضل وتذل من تشاء، وفقاً لمقاييس الفضائل أو الرذائل، فإن غياب السعادة على الأرض دفعت الناس للبحث عن كيفية إرضاء الإله الذي في السماء، فإن إرضاء الإله المعبود، هو أخطر من اسقاط حكومة !

باختصار شديد، أن الله بحسب اعتقادات الأديان هو يفعل ما يحلو له، لا يسأل ولا يساءَل عن ما يصنعهُ وإنما يعبد ويطاع كما قلنا، فأن أولئك الذين يميلون إلى النقاء وينبذون الشوائب والترسبات لن ينتخبون الله في حياتهم، ولكن أولئك الذين يميلون إلى القوة والعنف هُم من سيصوتون بأغلبية ساحقة إلى الله وسيموتون من أجلهُ.

أن الآخرة ليست إلا دراما إلهية سوداويّة، وأن فكرة الآخرة وحياة ما بعد الموت هي جاءت من تخيلات البشر، والمدهش في الأمر أنها تعتبر شهادة أمل رسمية لدى البشرية من دونها ممكن أن يتحولون إلى مجانين، أدمغتهم لا تستوعب فكرة الزوال والفناء، فجاءت هذهِ الفكرة لتمنح الأمل إلى الضعفاء الذين لا يستطيعون أن يمضون في الحياة من دون أمل في البقاء فيما بعد، لذلك أن هذهِ الفكرة يا سادة صورت للبشر أن الحياة سوف تتمدد إلى ما بعد القبر والمقبرة، بل هي رسخت أن هنالك نور يتوارى وراء ظلام القبور والمقابر وأن الموت ليس نهاية المطاف، وأن العدالة والمساواة الغائبة في الدنيا، سيكافأ عليها البشر في حياةٍ أُخرى، إذًا هي دراما كما ذكرت سابقًا، وأننا في مسرحية قائمة لم يسدل الستار عليها ولن يسدل، وإننا لسنا إلا ممثلون نلعب ادوار ثانويّة وكل منا يريد إن يلعب دور البطل الخالد والسرمديّة.

فإن تخيلاتنا الدينيّة شوهت مفهوم الخير لدينا وشوهت مفهوم المرض عندنا، بل أن هذه التخيلات أثرت بشكلاً كبيرًا جدًا على كيفية فهمنا إلى الحياة، وكيف يجب أن نفكر في هذه الحياة، وكيف يجب أن نتصرف فيها، لكي ما لا تصبح حياتنا مجرد نهاية خياليّة بائسة، الحقيقة الثابتة أننا كبشر نعلم أننا جميعنا سنموت وهذا بحد ذاته هو جزءً أو فصلاً من المسرحيّة هذا هو انتصارنا ومأساتنا على حدٍ سواءً.



#مهند_صباح (هاشتاغ)       Mohanad_Sabah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة وَ الدين كيف كانت حياة المرأة في المجتمعات العربية ال ...
- وهم الأديان والحياة الآخرة
- مُجازاة الإنسان في مكافأة الأديان (لغز المكافأة)
- الدين والدولة والعقل
- إله الإسلام أبتكر العمليَّة الاستشهاديَّة والجماعات الإسلامي ...
- مصطلحات آلهة و أديان
- فايروسات دينية
- بلهارسيا العراق


المزيد.....




- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهند صباح - جهاز مخابرات الله .. أماكن العقاب (ج١)، تاريخ الآخرة (ج٢)، الروح (ج٣)