أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهند صباح - وهم الأديان والحياة الآخرة















المزيد.....



وهم الأديان والحياة الآخرة


مهند صباح
كاتب

(Mohanad Sabah)


الحوار المتمدن-العدد: 6749 - 2020 / 12 / 1 - 14:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقالة ثقيلة ودسمة تحتاج إلى قراءة متأنّية لهضمها، أدعوكم جميعًا لقراءتها.

المجتمعات والثقافات والحضارات في جميع أنحاء العالم تدرك وتعلم جيدًا أن البشر لديهم وقت محدود هنا على الأرض، ومن أجل أن تتعامل مع هذا الوقت المحدود وتتقبل فكرة الرحيل، اخترعت وابتكرت الأساطير والخرافات والطقوس المجنونة جدًا لتفسر للبشرية أين سينتهي
بها الحال عندما ينتهي وقتها وتكون ميتة وهذا السؤال يلهث وراءهُ غالبية المؤمنين، لذلك الدين استغل هذه النقطة بمهارة وصنع ساحات للقتال والتناحر على الأرض لا نهاية لها، وابتكر على الأرض أصنام وأوثان وأوهام وخرافات عديدة، وغريبة في ذات الوقت لكن الغريب فعلاً هو أن فكرة الآخرة التي جاء بها الدين تشترك في معتقدات متطابقة تقريبًا مع تلك الثقافات الأخرى المختلفة على الرغم من وجودها على بعد آلاف الأميال وأحياناً العديد من السنوات والقرون البعيدة، إذاً لنكتشف العناصر التي تتشاركها فيها هذه المعتقدات القديمة حول أوجه التشابه
ما بين أساطير الحياة وفكرة الآخرة عبر الحضارات والثقافات المختلفة الأخرى فإن فكرة (الله) موجودة في كل دين تقريباً، وفي كل أسطورة تدعي ألوهية الخلق في ماهيتها، الفكرة المثيرة والخطيرة في آنٍ وَاحدٍ أن آلهة الأديان جميعهم عُمُومهم لديهم شيءٍ واحد مشترك: إنهم أفضل منك وأفضل من البشرية جمعاء، بل الأمر يتعدى أكثر من هذا ويذهب أبعد من ذلك بكثير لأن هذه الآلهة لم تكتفي بأنها هي التي تخلق وأنها منحت لك كل ما تعرفه حسب ما تزعم، بل يمكنها أيضاً أن تختار وتقرر لك أين تذهب عندما تموت، وهذا الموضوع بالذات تشترك فيه شعوب ومجتمعات مختلفة كثيرة.

حسب نظرة الآلهة إلى البشر لا يهم من أين أتيت وأين يكون موقعك الجغرافي في العالم أو إلى أي فترةٍ زمنية تنتمي إليها أو أن أُصولك تعود الى حقبة زمنية معينة، سواء كانت الحضارات المصرية القديمة، أو الإيروكوا: شعوب الإيروكوا أشهر قبائل الهنود الحمر الإيروكوا هم الشعب الأكثر حضورًا في ثقافات الهنود الحمر وأثروا في الخيال الأوروبي حول الهنود، أو ديانة السيَنتولوجيا الحديثة أو كما تعرف بديانة المشاهير- والذين يعتقدون أن هناك طاغية فضائي يسكن في الفضاء يُدعى ”أكزينو“، وحتى يحل مشكلة التفاقم السكاني قام بتجميد جميع البشر ثم نقلهم للأرض ورماهم في البراكين وألقى عليهم القنابل الذرّية. وأن ”أكزينو“ قام بتقييد أرواح القتلى وزرعها بالبشر الحاليين على أشكال مختلفة تسمى Thetans عند الولادة، وأن الجسد مجرد هيكل للـ Thetans والتي تتركه لاحقاً في الحياة الأخرى، بعكس الأديان التقليدية، فالسنتولوجيا لا تحفّز المنتسبين لتقوية إيمانهم، وأي شخص يجهر بالضعف أو الشك يتم فصله والتخلي عنه وفي بعض الأحيان اضطهاده وملاحقته، ومن أبرز مشاهير ديانة الساينتولوجيا هُم الممثلان جون ترافولتا وتوم كروز.

والسؤال هو: لماذا أصبح البشر يفكرون بهذه الطريقة؟ ويميلون بشدة إلى هذا النوع من التفكير؟
إذاً لنبحر ونتبحر ونغوص في هذا الجانب بالذات ونقوم بتحليلهُ منطقيًا، بالنسبة لي الشيء الأكثر منطقية هو أن البشر هُم من اخترعوا الله أو الآلهة كفكرة والفكرة شيدت عليها فكرة، وبواسطة هذا الاختراع قرروا إلى أين سوف تذهب البشرية عندما تموت، ولم يكتفي البشر باختراع الآلهة وحسب وإنما أخترعوا أيضاً فكرة النار والجنة، ولهذا كانوا بحاجة لاختراع دفّة لقيادة هذه الأفكار لتحرّيكها يمينًا ويسارًا ودفّة القيادة كانت هي الكتب والنصوص والطلاسم والألغاز وغالبًا ما تلقي النصوص الدينية على مسامع البشر الأحاجي والألغاز، أن البشر أذكياء صنعوا لغزاً ليس لهُ حل، أن الأولاد قبل أن يهجعوا إلى نومهم هم بحاجة إلى الأحاجي والقصص الخيالية، والبشرية تشبه الأولاد الصغار هُم بحاجةٍ إلى الأحاجي والخرافات لتسكن أنفسهم وتهدأ عقولهم وتهجع أبدانهم أنه مُرفين لتخدير الأدمغة، أن البشر وجدوا في هذه الاختراعات أغلالٍ للسيطرة والتلاعب بالكائنات الأخرى لتلبي حاجتها من السادية والمازوخية والمتعة في قتل وإذلال المجتمعات الأخرى وبعد كل هذا التوهان والتنكيل اخترعت باب الغفران والتوبة! وكما ذكرنا سابقًا البشرية بدأت بفكرة وبنيت فوقها فكرة والفكرة تنتج الفكرة إلى ما لا نهاية.

هناك إرادة حرة في الحياة، ولكن لا توجد إرادة حرة في الموت؟ لذلك أن الأديان الإبراهيمية احتكرت هذه النقطة لتحمل البشرية جمعاء مسؤولية مصيرهم في الآخرة، لأن جميع البشر لا يؤمنون بموسى ويسوع ومحمد فهذه الأديان الإبراهيمية اليهودية والمسيحية والإسلام تتضارب من الأساس مع المعتقدات الأخرى المختلفة عنها وتتنافر معها تنافرًا واضحًا وتنظر لها ولمعتنقيها نظرةٍ دونية ونظرة استحقار، فأذا كان الأمر بهذه الصورة الشمولية عند هذه الأديان فماذا عن قبائل "أوا" وَ "موندوروكو" البرازيلية وهُم السكان الأصليين للبرازيل والذين لديهم معتقداتهم وطقوسهم الدينية الخاصة بهم، ماذا عن قبائل الأمازون المطيرة العريقة والتي تعيش منعزلة عن العالم داخل أدغال البرازيل والإكوادور، وبالتأكيد هذه القبائل لا تعرف نوح ولا موسى ولا يسوع ولا محمد ولا تؤمن بهم ولديها نوع آخر تمامًا من التفسير للموت والوجود وماذا يحدث عندما نموت كبشر، وعلى سبيل المثال قبيلة "بيراها" وهي أحد الشعوب الأصلية الموجودة في غابة الأمازون بالبرازيل، وهُم يعيشون أساسًا على ضفاف نهر مايسي في هومايتا ومانيكوري في ولاية الأمازون، هذه القبائل والشعوب التي ذكرناها سابقًا هي شعوب لاألوهية أي بمعنى أنها شعوب لا متدينة ترفض الإلوهية أو الاعتقاد في إله شخصي أو تعدد الآلهة، فقبيلة "بيراها" والتي تعيش في منطقة نائية في البرازيل تفتقر بصورةٍ شحيحة إلى الحروف والكلمات والأرقام والألوان وليس لديها أي شكل من أشكال التسلسل الهرمي أو الإجتماعي ولا تمتلك هيكل قيادة وليس لديها آلهة وأنبياء وأئمة ومعممين ووعاظون وتيجان رؤوس، وأحد أهم وأقوى معتقداتهم هو المعارضة الشديدة والتامة للإكراه، ولأكون دقيقًا هُم يرفضون إرغام البشر على معرفة معتقداتهم أي بمعنى أنهم لا يذهبون في جميع أنحاء العالم بصورةٍ دعوية أو تبشيرية أو غزو لكي يقولوا للناس ما الذي يجب القيام به، ومن هو الإله الصحيح وأن دينهم هو الصح وباقي الأديان خطأ، وعلاوةٍ على ذلك فأن ثقافة قبيلة "بيراها" لا تعلم عن الأديان شيئًا فكل ما وصل لها من الأديان هو "يسوع" إله المسيح وقد تم تقديمه إلى قبيلة بيراها عدة مرات في تاريخهم لكنهم كانوا يرفضونه في كل مرةٍ يقدم بها إليهم، ويرجع سبب رفض القبيلة إلى هذا العرض الذي يقدمهُ المسيحيون إليهم ببساطة هُم يطرحون حقيقة بسيطة وهي أن لا يوجد أحدًا يؤمن بيسوع وقد رآه بالفعل، ولا يوجد أحدًا قد ذهب إلى الآخرة وشاهد بِأُمِّ عَينيَّه ما يحدث هناك ثم عاد مرةٍ أُخرى ليقول للناس الحكاية الآخروية، قبيلة البيراها هي مجتمع غاباتي (عملي) يؤمن بالواقعية ولا يؤمن بالمرويات والشفويات والسرديات، قاعدة حياتهم الأشياء التي لم تحصل ولم تتحقق هي ليست موجودة من الأساس، لذلك من الصعب جدًا على أي دين تبشيري أو دعوي أن يقنع فردٍ واحدًا من أفراد قبيلة بيراها بدينه.

تعيش البشرية جمعاء اليوم في حقبة زمنية معينة وتحت إجراءات احترازية ووقائية مشددة تحكمها كائنات دقيقة لا تُرَى بالمِجهر العاديّ ولا بالعين المجرّدة ألا وهي الفيروسات وكيف تغيرت الحياة بشكلاً واضح وكيف كانت الحياة قبل فيروس كورونا وكيف تغيرت بعد فيروس كورونا، ونحن البشر عشنا ورأينا الحالتين، فالله اختراع بشري ونحنُ نعيشهُ والبشرية تعيشهُ أيضًا لكن بأسماءٍ مختلفة أنا اعتقد ستأتي حقبة زمنية على البشر ويعيشون حياة ما بعد الله، فالبشرية غالبيتها على علاقة مع الآلهة فكيف سيكون شكل حياة الإنسان ما بعد الآلهة أو الله؟

فمن يبحث عن مصدر القوة ليتسلط على مجتمعًا ما ، قد يكون يريد أن يصبح زعيمًا على دولة ، أو رئيساً على قبيلة أو قائدًا على مجتمع أو خليفةٍ للدين، أفضل طريقة للتسلط والسيطرة على أي مجتمع هي اختراع الآخرة والإدعاء بأنك تمتلك خطٍ مباشرًا معها ! مشكلة البشرية أنها تتقبل الأشياء الغير موجودة فهي لا تتقبل الأشياء التي تراها بعينها بقدر ما تتقبل الأشياء التي لا تراها بعينها، فلو كان للبشرية آلهة تراها وآلهةٍ لا تراها ستختار الآلهة التي تراها وتبعد الآلهة التي لا تراها فالبشر يؤمنون بالآلهة السرية أكثر من الآلهة العلنية، لذلك البشرية هي تهين نفسها بنفسها لأنها تجبر كل الأشياء التي حولها لتتماشى مع اعتقاداتها ومخيلاتها واساطيرها فهي تقنع نفسها بأن يجب أن يكون في نهاية المطاف آخرة وخالق وقصص عن كيفية الخالق يخلق المخلوق فهذا الخطاب خطاب الآخرة والخالق هو خطابًا قويًا جدًا ويؤثر بالبشر بصورةٍ مباشرةٍ وبالذات يستهدف وعي الإنسان.

يولد البشر المؤمنين بغض النظر عن عرقهم وقوميتهم وجنسيتهم ودينهم وتنشئتهم وتعليمهم وطقوسهم واعتقاداتهم هُم بالأصل يولدون ليسوا مؤمنين، هُم أصبحوا مؤمنين بالاستنساخ الصورة الموجودة في الأساس قبل ولادتهم ومجيئهم إلى الحياة، وحين ولادتهم يتم حشوهم حشواً دقيقًا بالأفكار مثل المِخَدّة التي يتم حشوها بالقطن ونضعها تحت رؤوسنا عند النوم هذه الأدمغة يتم أيضًا حشوها بالتلقين والأفكار الموجودة في الأساس في تلك البيئة والمحيط وهي الأفكار العتيقة المتعارف عليها الأيمان بالله والآخرة وهذه المفاهيم يتم شحنها وتصديرها عند الولادة ثم يتم حقن المولود منذ نعومة أظفاره بما حقن به الآباء والأجداد فالجميع يستنسخون من بعضهم ذات الصورة التي جميعهم يرونها كما هي من دون أي إختلاف، فموضوع مثل الخلق والخالق والله والإله يعتبر هذا موضوع ثقيلاً جدًا حين يطرح في مجتمع متدين أو في دولة مؤمنة بدين ما، وفي الغالب يتم قتل من يجهر بهكذا مواضيع في الدول ذات الصبغة الدينية الأصولية فالأسئلة التي تحرج جماعة مؤمنة يعتبر مصدر إنطلاق الأسئلة هو خطرًا كبير يهدد وجودهم وايمانهم وبالكاد يجب التخلص منهُ، لا تستهدف هذه الجماعات الأسئلة والسعي في إيجاد حلول وإجابات لها بقدر استهدافها إلى من طرح هكذا نوعية من الأسئلة، فالأسئلة التي تستفز عقولهم وضمائرهم لا يستطيعون قتلها فيميلون إلى قتل من طرحها.

دعونا نلقي نظرة على فكرة النار التي تطرحها الأديان الإبراهيمية بقوة كعقاب إلهي إلى الغير المؤمنين بها اليهودية والمسيحية والإسلام، جميع هذه الأديان تتبنى فكرة حرق البشر بالنار إلى الأبد، أنا أراهُ شيئًا غريب وسادي ومازوخي ما الفائدة من هذا التعذيب المستمر لمجرد عدم الأيمان بها؟
وعلى ما يبدو أن فكرة النار تلعب دورًا مهمًا في العديد من أساطير الحياة الآخرة في اليهودية والمسيحية والإسلام على حدٍ سواءً، على الرغم أن النار ضرورية جدًا إلى البشر في الحياة حيث نحن البشر نستخدم النار لطهي الطعام، ولنخبز الخبز بحرارة النار أو بوضعه في فرن أو تنور، لتسخين المياه، ولتدفئة المنازل أن النار ميزة إنسانية ونصرةٍ للعلم أن الإنسان الأول استخدم النار لطهي الطعام قبل 700 ألف سنة في زمن الإنسان الأول مثل الهومو إريكتوس "الإنسان المنتصب" وهذا يعني أن الإنسان الأول، الهومو إريكتوس، نجح في السيطرة على النار، لكن بعد ذلك جاءت الأديان الإبراهيمية واتخذت من النار رمزًا العذاب والعقاب بقدر ما هي مفيدة للإنسان في الحياة بقدر ما هي مكان سيء في الآخرة، في المسيحية الجحيم وفي الإسلام جهنم في الإسلام يعاقب الله العصاة بالحرق إلى الأبد في جهنم، وكلما تحترق جلود العصاة يبدلها الله بجلود جديدة لتحترق مرة أخرى !! تضرم النيران في الناس وتُحرق أعضائهم أمامهم وتحترق جلودهم بالكامل ثم تقوم بتجديدها ثم حرقها مرةٍ أُخرى كل هذا فقط للمتعة والتلذُذ كيف يعقل هذا الخطاب ؟

أساطير الإغريق تحدثت ما بعد الحياة عن النار، الزرادشتية تحدثت عن النار ما بعد الحياة، الحضارات القديمة، والرومان والصينيون والعرب جميعهم تحدثوا عن أتون النار، أليس فكرة (النار) التي تطرحها الأديان مفادها حرق الأعداء أحــــ ــــياء لإخراجهم من الأرض؟ أليس هذا ما فعلتهُ وطبقتهُ بحذافيره د١عــ ــش الدولة الإســ ــلامية حين أقدمت على حــ ــرق الطيار الأردني (معاذ الكساسبة) حيًا، أليس هذا ما حدث في بنغلادش حين قامت حشود غاضبة بقــ ــتل رجلاً وحرقـ ـــت جــ ــثتهُ بعد اتهامه بتدنيــ ــس القرآن، أليس هذا ما فعله خالد بن الوليد بمالك بن نويرة أليس أبوبكر الصديق من أحـ ـــرق "الفجاءة السُلمي" حيًّا أليس علي بن أبي طالب كان يــ ــحرق السبئية والزنادقة أحياء هكذا كانوا يتعاملون مع خصومهم والمختلفين معهم، والأخير كان ينشد الشعر قائلاً:

لَمّا رَأَيتُ الأَمرَ أَمراً مُنكَراً
أَجَّجتُ ناري وَدَعَوتُ قَنبَرا
ثُمَّ اِحتَفَرتُ حُفَراً وَحُفَراً
وَقَنبَرٌ يَحطِمُ حَطماً مُنكَراً

الأساطير والأديان تتشابه إلى حدٍ كبير في فكرة الحياة الآخرة والجنة والخلود أو الملكوت، ويتفقون جميعهم على أنها في مكان ما في السماء العالية !، وتصر الأديان الإبراهيمية أن الجنة أو الملكوت هي من نصيب المؤمنين بها فقط، أما الغير مؤمنين بها سوف يرسلون إلى مكان بشع ومظلم ممتلئ بالرعب والخوف والفزع، وهنا يذهب ذهني مباشرةٍ إلى شيئًا غريب اكتشفت أن هنالك علاقة وطيدة ومتينة بين الأديان والأساطير والكهوف والسماء والغيوم، فالأساطير الإغريقية تحدثت عن السماء والكهوف فلاسفة اليونان تحدثوا عن الكهوف والغيوم والمسيحية والإسلام تحدثت عن السماء والكهوف، ففي الإسلام محمدًا شقّ القمر إلى فرقتين، وطار على بغله إلى السماوات السبع، ثم اختبئ في كهف "غار حراء" علاوةٍ على ذلك يوجد في القرآن سورة للقمر وسورة للكهف، وقصة أصحاب الكهف مثلاً، من الواضح أن هنالك علاقة بين الكهوف التي تكون في العادة تحت الأرض يغزوها الظلام والرهبة والصمت والحيات والعقارب، والغيوم الفائقة الجمال ذات المظهر الخداع، فقصة أهل الكهف موجودة في المصادر الزرادشتية واليهودية والمسيحية والإسلام، فالقصة القرآنية أصحاب الكهف لها شبه كبير جدًا بقصة أصحاب الكهف نيام أفسوس السبعة في المسيحية بل أن قصة النيام السبعة أقدم من النص القرآني، حتى الفيلسوف اليوناني أرسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل المسيح تناول هذه القصة وكان يسميها أسطورة النيام السبعة في كتابه الجزء الرابع (الفيزياء) أو (Physics ) وبذلك هي أقدم من المسيحية وهذا يعني أن جميع هذه الأديان تسرق القصص من غيرها وتتناقلها من بعضها البعض.

تم رواية القصة من قبل الفيلسوف اليوناني ارسطو الذي عاش في القرن الرابع قبل المسيح تناول هذه القصة والتي سماها اسطورة النيام السبعة في كتابه الجزء الرابع (الفيزياء) حيث يقول أن هذا الأسطورة كانت منتشره إنتشار كبير بين الوثنين واليونانيين أي قبل ولادة المسيح بقرون. وبعدها ذكرت هذه القصة من قبل الإسلام بمئات السنين وبالتحديد بعد ولادتة المسيح ب (106)عام , علمًا أن هذه القصة ذكرت أيضاً من قبل المسيحية وهذا يعني أنها تمت سرقتها من الحضارة اليونانية من قبل الديانة المسيحية وتمت سرقتها للديانة الإسلامية من قبل الديانه المسيحية.
راوي القصّة الأولى إتيان الإفسوسي سنة 448
تمّ تدوينها باليونانيّة تقريبًا سنة 449
نقلها يعقوب السروجي إلى السريانيّة سنة 490 تقريبًا
نقلها يوحنا الإفسوسي إلى السريانية سنة 570 تقريبًا
نقلها عنهُ قرقوار دي تور إلى اللاتينية سنة 580 تقريبًا

اعتقد أهل بلاد ما بين النهرين القدماء أن الموتى يذهبون للعيش في عالم تحت الأرض يعرف باسم "الأرض المظلمة"، واعتقدوا أن كل حفرة كهف تحت الأرض يمكن أن تكون نقطة وصول. ومن الأمثلة الأخرى حضارة المايا العريقة في أمريكا الوسطى الذين كانوا يعتقدون إن أرواح الموتى تذهب إلى عالم تحت الأرض يعرف باسم (شي بالي)، والصينيين القدماء آمنوا بأن الجحيم يتكون من 18 مستوى تحت الأرض. ثم لدينا شعب الإيغبو في أفريقيا وهو واحد من أكبر المجموعات الإثنية في أفريقيا والذين يعتقدون أن موتاهم سافروا في أعماق الأرض ليعيشوا داخل رحم الإلهة أو الله.

وزيادةٍ في المعرفة الدين والمعتقدات عند حضارة المايا سادت فيها السلطة الدينية والسياسية، حيث كانت تدير شؤون المجتمع. كما كان لشعب المايا باختلاف طبقاته طقوس دينية متنوعة. وتعددت الآلهة لديهم، فكان لهم احتفالات خاصة كالقداس بالإضافة إلى بعض الاحتفالات عند الطوارئ مثل المجاعات والأوبئة والجفاف. واعتمدوا الأهرام الحجرية معابد لهم، وكان المعبد مزخرفاً بالنقوش الغائرة أو مرسوماً بتصميمات متقنة. وكان المتعبدون يقدمون الذرة والفاكهة وطيور الصيد وأحياناً الدم كقرابين وعطايا للآلهة. وكان من أهم الطقوس الدينية والقرابين المقدمة للألهة هي دهان بعض العبيد والبسطاء والسجناء، و تقديمهم لكي يضحوا بأنفسهم، وكان يتم تجهيزهم لكي يطلق عليهم السهام ثم يلقوا بأنفسهم من فوق الأهرامات، وبعد السقوط يقوموا بخلع قلوبهم ويقدموها كقربان للكهنة.

وأيضًا نذكر الحياة الدينية عند حضارة الإنكا: حيث تعددت مظاهر العبادة وأشكالها عند شعب الإنكا ، ولكن شجعت قيادة الإنكا عبادة "إنتي" وهو إله الشمس، و فرضت سيادتها على الطوائف الأخرى. بالنسبة إلى العادات والتقاليد عند الإنكا من عادات طبقة النبلاء في شعب الإنكا، ارتدائهم للحلي الثقيلة في آذانهم، ولذلك أطلق عليهم ذو الأذان الكبيرة. وكان الملك يخشي سحر العوام من الشعب أن يصيبه، فكان على من يريد أن يتحدث مع الملك، أن يدخل حاملاً علي ظهره ثقلاً عظيماً، ويدخل زاحفاً، ولا يرفع عينيه عن الأرض أثناء الحديث مع الملك، ويكون الملك محاطً بزوجاته وذلك لمسح لعابه أثناء الحديث لمنع إصابته بالسحر. كما أنه كان يحمل الملك على هودج من الذهب الخالص، وهو يرتدى ثياباً من أجود أنواع الصوف. ولم يكن يلمس برجليه الأرض بل يحمل علي صولجان ذهبي ذا ثلاث صقور ويرتدي قناعاً ذهبياً علي شكل الشمس، يتدلى منه حبل ذهبي مجدول، ويعتمر قبعة من ريش النعام، بالإضافة إلى حلقين ذهبيين وغطاء من الجلد وصوف الفيكونا وهو من أندر أنواع الصوف، ويكون مرصعاً بالأحجار الكريمة والتركواز.

ومن باب الإلمام بالشيء كان دين الڤايكـِنگ قَبْل المسيحية مشابهاً لدين القبائلِ الألمانيةِ الأخرى، حيث قدسوا عدداً مِنْ الآلهةِ، مثل أودين (Odin) إله الحربِ، وزعيمِ الآلهةِ النرويجيةِ ثور Thor إله الرعدِ، وبالدر(Balder) إله الضوءِ. إعتقدَ محاربو الڤايكـِنگ بأنهم إذا ماتوا بشكل بطولي فإنهم سيدعون للسكن مع Odin في فاهالا، قصره في عالمِ الآلهةِ. تُعارضُ الآلهةُ النرويجيةُ مجموعة كبيرة من العمالقةِ الشريّرينِ، تحت قيادة لوكي Loki. إعتقدَ الڤايكـِنگ بأنَّ الآلهة والرجال سيحطمون في النهاية في راگناروك Ragnarok معركة هائلة ضدّ العمالقةِ، ومع ذلك سيكون هناك عالم سلمي جديد يَظْهرُ من قعر الكارثةِ.

وشعب الإسكيمو الذي يؤمن بأنهم جاءوا من تحت سطح الأرض، حيث يقع عالم كبير وضخم في جوف الأرض الداخلي، ومن خلال كتبهم الدينية، ومأثوراتهم الشعبية، وأساطيرهم القديمة حيث يؤمنون أن أجدادهم جاءوا من بلاد في “باطن الأرض” من الشمال، ويشيرون بأيديهم دومًا إلى شمال القطب الشمالي، وأن أرض أجدادهم خضراء وواسعة الأرجاء وبها بحيرات لا تتجمد أبدًا، وبها شتى أنواع الحيوانات والطيور، وأن فيها شمسًا تتوسط السماء دافئة، ومختلفة عن شمسنا هذه.

وأيضًا الدين والمعتقد عند الويكان أو ديانة الويكا، ويؤمن غالبية أتباعها بالتقمص وهو انتقال الروح إلى جسد مولود حديثاً بعد الموت. لكن المعتقدات حول تفاصيل ذلك تختلف بين تقاليد وأخرى. فبعض التقاليد تقول أن "الروح البشرية تتقمص في الأجساد البشرية حصراً لعدّة حيوات لكي تتعلّم الدروس وتتقدّم روحياً". لكن هنالك تقاليد أخرى تعتبر أنه يمكن للروح أن تتقمّص في فصائل حيّة أخرى كالحيوانات. وتقول الويكا أنه خلال الفترة بين تقمّص وآخر، ترتاح الروح في العالم الآخر المعروف لدى الويكا باسم "أرض الصيف" وبعض أتباع الويكا يعتبرون أنه يمكن الاتصال بالأرواح الموجودة في العالم الآخر عبر الوسطاء الروحيين، يؤمن غالبية أتباع الويكا بالقدرة على التأثير على العالمين المادي والروحي عبر السحر لكن مفهومهم له يختلف كثيراً عن المفهوم الشعبي السائد حوله، ترتكز معتقدات الويكا الدينية على خمسة عناصر وهي: النار، الهواء، الماء، الأرض، الروح.

الدين والمعتقدات عند شعب (البيما-الباباغو) وهي إحدى القبائل الهندية الأمريكية الأصيلة في أمريكا الشمالية ومؤسسون حضارة "هوهوكام" التي قامت في وسط وجنوب أريزونا بين القرنين الثاني قبل الميلاد والرابع عشر الميلادي تقريبًا وكانت معاصرة لحضارة أناسازي واسمها يعني الأسلاف أو القدامى بلغة البيما والباباغو الدين عند شعوب البيما عبارة عن توليفة دينية وثنية، حيث تؤمن هذه القبيلة بأن أرواح الموتى تمضي قدمًا إلى أرض الموت وهذه الأرض حسب اعتقادهم تقع في جهة الشرق، حيث يعيش الموتى هناك في مجتمع مثل مجتمع الأحياء بعد أن عانوا من مصاعب الحياة، من تقاليدهم وطقوسهم أنهم يدفنون أمواتهم على مسافة من القرية التي يعيشون بها وتكون شكل قبورهم على هيئة كهف مغطى بالصخور يواجه جهة الشرق بالتحديد، ومن عاداتهم أيضًا أما أن يدفنون ممتلكات الشخص المتوفى معهُ في الكهف أو أن توضع فوق القبر وأما أن يقوموا باتلافها وتدميرها في المنزل، طقوس العزاء عندهم تأخذ طابع مسيحي إلى حدٍ ما ويُحتفل بالذكرى السنوية الأولى لوفاة المتوفى، ويتم إعداد وليمة كبيرة من قبل أسر القرية والذين بدورهم يفرغون منازلهم للسماح لأرواح الموتى بزيارة الأسرة في سلام حسب اعتقادهم.

وكذلك أيضاً البولينيزيون: وهُم مجموعة إثنية لغوية من الأشخاص، المرتبطين ارتباطًا وثيقًا، والذين ينتمون إلى بولنيزيا حيث يؤمنون بأن السماء كانت في مكان ما إلى الغرب، بل أعتقد سكان بولينيزيا أن في الآخرة سيحتفظ عامة الناس والطبقات العليا بمكانتهم بعد الموت.

هذه الفكرة ليست شيئًا جديدًا يطرح، بل أن هذه الفكرة شكلت جزءًا رئيسيًا في العديد من أساطير الآخرة القديمة بما في ذلك تلك التي طرحها القدماء المصريين واليونانيين في كل من هذه الأديان، حيث نجد أن الأديان برمتها تحدد الأخلاق الخاصة بك كإنسان من قبل إله أو إلهة وبمجرد أن يتخذوا قرارهم بشأنك، فإنه من الممكن أن يرسلونك إلى الآخرة المناسبة، وفي الغالب يمكن أن ينطق الحكم عليك دون مشاركة الله في الحكم فموظفون الله على الأرض يقومون بهذه المهمة على أكمل وجه، بل إن الله يلعب دورًا كبيرًا في أساطير التناسخ بالبوذية والأديان الصينية ومع ذلك، إذا كنت شخصًا سيئاً بالنسبة لله أو الأديان، سوف تصبح محاصرًا تمامًا في دائرة مفرغة لا نهاية لها من الحياة والموت على الأرض هذين أو هاتينِ الرمزين هما رأس مال الأديان.

وتُشارك أيضًا جميع الأديان الهندية الرئيسية في المعتقدات التناسخية فيما بينها، ويمكن رؤيتها في العديد من الديانات القبلية في العالم في أماكن بعيدة وواسعة على الخريطة مثل أستراليا وسيبيريا وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا، وَ في الغالب نجدها تشترك في نفس الفكرة، أليس من الغريب أن كل هذه الأديان تشترك في الاعتقاد نفسهُ بأنه يجب أن يعيش الإنسان الحياة وفقًا لقواعد معينة من أجل التمتع في الحياة الآخرة لأن الحياة الآخرة كما تصفها الأديان ممتعة ! لا يمكن لأي إنساناً عاقل أن يقول أن فكرة الدين قد تم صناعتها من دون سبب، وإنما السبب الحقيقي وراء صناعة الأديان هي السيطرة على أدمغة الناس وعقولها.

أختتم مقالتي واقفًا في حبور تام اتساءل مندهشًا كيف استطاع كل هذا العدد الكبير من البشر المختلفين والمختلفون، المنفصلين والمنفصلون أن يتوصلوا إلى ذات الفكرة والمعنى وذات المنهج والتفكير، فجميعهم يستخدمون الأحكام الأخلاقية كمعايير للدخول إلى الحياة الآخرة أو حياة ما بعد الموت، فهل هنالك حضارات أو معتقدات أو أديان رفضت طريقة التفكير هذه قطعًا لم أجد، ولذلك تبقى هذه الأديان في كل العصور والأزمان وفي جميع أنحاء العالم، تسعى بشكلاً رتيب ودُؤوب إلى التضحية بأرواحهم وأنفسهم كل يوم لاِسترضاء تفسيرًا متطرف للدين هُم يختارونهُ ونصوصًا عنيفة حبلتِ بها تلك الكتب هُم من يقوموا بتسهيل عملية ولادتها، استرضاءَهُا قائمًا على قدمًا وساق.



#مهند_صباح (هاشتاغ)       Mohanad_Sabah#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مُجازاة الإنسان في مكافأة الأديان (لغز المكافأة)
- الدين والدولة والعقل
- إله الإسلام أبتكر العمليَّة الاستشهاديَّة والجماعات الإسلامي ...
- مصطلحات آلهة و أديان
- فايروسات دينية
- بلهارسيا العراق


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهند صباح - وهم الأديان والحياة الآخرة