أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العقل الإرتيابي














المزيد.....

العقل الإرتيابي


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 6833 - 2021 / 3 / 6 - 15:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أركيولوجيا العدم
٢٤ - الإنسان الإرتيابي

نحن مصنوعون من نفس المادة التي تصنع منها الاحلام ...
وليم شيكسبير (العاصفة)

هذه المغامرة الجديدة التي قرر الإنسان خوضها، هي التوقف عن تشغيل العقل واللجوء إلى إمكانياته، هذه الآلة الجهنمية التي أحالت حياته إلى جحيم وجعلته يعيش في كابوس دائم من القلق، أو على الأقل تجميد العقل إلى حين ووضعه بين قوسين أو في حالة توقف مؤقت. فيبدو وكأن العقل قد استنفذ كل طاقاته ووصل إلى حدوده القصوى، حيث اكتشف الحجر الفلسفي، أحسن وأروع تطبيقات العقل عرفتها البشرية طوال التاريخ. فلا شك أن أروع وأقصى تقدم فكري وإبداع عقلي : هو التخلي عن العقل وإمكانية الإستغناء عنه وعدم اللجوء إلى إمكانياته المحدودة. أو في أحسن الأحوال التشكك في فعاليته وقدرته على حل معضلات البشرية. وحين ننظر جيدا إلى هذه الظاهرة، نجدها في حقيقة الأمر شيئا طبيعيا وملازما للإنسان منذ أمد طويل، وإن كان غير واع بهذه الظاهرة. فمنذ البداية أعتبر الإنسان العقل كشيء خارجي أو كعضو زائد أو كأداة سقطت عليه من السماء متعالية مثل الظواهر الطبيعية كالشمس أو القمر، يمكن التشكك في وجوده وإحتمال كونه مجرد حلم أو وهم. العقل كان دائما جزءا إضافيا للإنسان، يمكنه تطويعه وتنميته أو توقيفه عن العمل كلما شاء. العقل إذا كان منذ البداية قادرا على خداع نفسه وخلق خرافات وأساطير لا حصر ولا تعداد لها، حتى وصل به الأمر إلى إعتبار العقل ذاته مجرد أسطورة من الأساطير وخرافة من الخرافات التي تملأ أحلامنا وتساعدنا على النوم وإجتياز الأرق والسهاد في ليالي الشتاء الباردة.
الشك ظاهرة فلسفية قديمة ظهرت في اليونان مع الفيلسوف Πύρρων / Pýrrhôn الذي عاش بين ٣٦٥٢٧٥ ق.م، وقد أكد في نظريته الشكية على عدم ثقته في الحواس والعقل، وتوصَّل أنه لا ينبغي الجزم بأي حكم لا نفيا ولا إثباتا وإتخاذ موقف لا أدري، ولا هذا ولا ذاك. وجاء من بعده السوفسطائيون فردوا أسس المعرفة إلى الحس وحده، وانتهوا إلى أن الفكر لا يقع على شيء ثابت، ومن ثَم امتنع إصدار الأحكام وبطل القول بالحقيقة المطلقة، وهو ما يسمى بالشك المطلق. أَمَّا الشك النسبي فقد تَحوَّل من موقف يؤدي إلى تعليق الحقيقة نهائيا أو إنكارها إلى شك في بعض مصادرها؛ كَشكِّ الحِسِّيين في قدرة العقل على المعرفة وشك العَقلِيِّين في الحس، أو شكٍّ عابر يمثل مرحلة في حياة المفكر، عادة ما تكون في شكل أزمة روحية ووجودية يعاني منها لفترة قد تطول أو تقصر ينتقل منها إلى المعرفة اليقينية مثل حالة القديس أوغسطين أو كييركغارد. وهناك شك ممنهج وعقلي وهو ما اصْطُلِحَ عليه بالشك المنهجي، ويتمثل هذا الشك بقيام المفكر بتطهير وتنقية عقله من كل ما يحويه من معلومات مسبقة وأحكام ومعارف متفق عليها؛ ليتمكن من البدء بدراسة موضوعه، وكأنه لا يعلم عنه شيئا، فلا يتأثر بالأخطاء المألوفة، أو المغالطات التي يتلقاها من غيره أو يقرؤها في كتب الباحثين. والشك المنهجي بهذا المعنى تجربة عاشها بعض المفكرين وأهمهم بطبيعة الحال هو ديكارت. ويبدأ الشك المنهجي بمعاينة العلوم النظرية، وهذه هي الخطوة الأولى التي قام بها ديكارت حين مارس شكه المنهجي، حيث قَرَّر أن يشك في كل مُسَلَّمٍ عنده من آراء، وأن يهدم كل ما سبق أن دان به من معتقدات، وأن يشرع في اختبار معارفه خطوة خطوة. بينما ذهب الغزالي إلى أبعد من ذلك وهو الشك في العلوم الضرورية والمبادئ القبلية، وأَيَّدَ ذلك بالأحلام التي يراها الانسان ثم يتبين له كذبها باليقظة، وقاس عليها حالة اليقظة بأنها قد تكون مزيفة، وقد يعيش لحظة يدرك فيها كذب ما يراه في يقظته، وهو ما رأيناه قبل ذلك في جمهورية إفلاطون والصور أو الظلال المنعكسة على حائط الكهف.
الإنسان إذا يرفض ان يفكر، يرفض أن تكون الحياة والوجود أمورا عقلية. يفضل أن يحيا ويدير أموره بواسطة الجهاز البدائي الأوتوماتيكي، والذي - فيما يبدو - أكثر إثارة وفعالية. فيترك العنان للإنفعالات والعواطف تدير أمور وجوده، ويفضل الحياة الروتينية على الخلق والإبداع والمغامرة والقطيعة، يفضل العبودية على الحرية، يفضل السلطة على المساواة، يفضل الإيمان بالله وسعاة البريد من الأنبياء والرسل على الإيمان بإبليس وقبيلته من الشياطين، يفضل الإستسلام والعمالة والتعاون مع العدو على المقاومة، يفضل الأبيض على الأسود والإمتلاء على الفراغ والسكون بدل الحركة … بإختصار يفضل الإنسان الكينونة على العدم. أي يفضل أن يكون حجرا على أن يكون اليد التي تمسك بالحجر. الإنسان ليس فقط حيوانا مثل بقية الحيوانات، ولكنه حيوان كسول، والكسل خاصيته وميزته الأساسية. والكسل ليس هو عدم الإستسلام لمنبه الصباح والنوم حتى منتصف النهار، الكسل هو هذه الرغبة الملحة في الحياة ببساطة وبدون تعقيدات جانبية وترديد بأن الإنسان تعلم الحياة قبل أن يتعلم التفكير. الإنسان الكسول لا يريد الخوض في المواضيع الشائكة والمزعجة والتي لا تفيده في حياته اليومية حسب إعتقاده.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السوبرمان
- الكمبيوتر المصاب بالكورونا
- الله والبق بانق
- ليبيا .. ضرورة رؤية يسارية للمستقبل
- قلق دراكولا
- تمطط الكون
- مطاردة الذئاب
- اللغة - اللوغوس
- صحراء الملح
- الفراغ بين الكلمة والكائن
- اللغة المقعرة
- فيض الكينونة
- من الكلام ما يقتل
- ليبيا والإختيار الإجباري
- تجري السمكة من محطة لمحطة
- ليبيا : كارثة فبراير المجيدة
- الدال والمدلول وما بينهما
- علاقة اللغة بالأشياء
- هل كلمة -كلب- تنبح ؟
- الحرف الأول


المزيد.....




- فوائد التدليك العلاجي للجسم
- نسخة صينية مقلدة من شاحنة ماسك المثيرة للجدل
- Beats تعلن عن سماعاتها الجديدة
- وسائل إعلام: خرق أمني أتاح الوصول إلى معلومات تتعلق بانعقاد ...
- بنما: إغلاق صناديق الاقتراع في انتخابات الرئاسة والرئيس السا ...
- قيادي كبير من حماس: النصر قاب قوسين أو أدنى وسننتصر ونهدي ال ...
- مصارعة الثيران: إسبانيا تطوي صفحة تقليد عمره مئات السنين
- مجازر جديدة للاحتلال باستهدافه 11 منزلا برفح ومدرسة للأونروا ...
- الجراح البريطاني غسان أبو ستة يتحدث عن المفاجأة الألمانية في ...
- العثور على جثث يُشتبه أنها لأستراليَين وأميركي فقِدوا بالمكس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - العقل الإرتيابي