جمال عبد العظيم
الحوار المتمدن-العدد: 6818 - 2021 / 2 / 19 - 21:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في إجتماع مجلس الأمن حول ليبيا يوم الخميس 28 يناير 2021 ، كان الموقف الأمريكي هو مطالبة كل الأطراف بالبدء فوراً في سحب القوات المسلحة والمرتزقة من ليبيا . وهي رسالة من الإدارة الأمريكية الجديدة لجميع اللاعبين ، بأن يحترموا السيادة الليبية . وهذا الموقف ليس مجرد موقفاً دبلوماسياً نمطياً ، حيث يتزامن مع تحول أمريكي حاد فيما يخص الأزمة الليبية والشرق الأوسط بعامة ، لإصلاح ما أفسدته إدارة ترامب في المنطقة ، وتركها ليبيا فريسة للطامحين في روسيا وتركيا وأوروبا ، وكانت مواقفها من ليبيا ضبابية وغامضة . حتى وصلت أعداد المرتزقة والعسكريين الأجانب في ليبيا إلى 20000 حسب تقديرات الأمم المتحدة في ديسمبر 2020 . والتي أحصت 10 قواعد عسكرية تأوي قوات أجنبية في البلاد .
والواضح أن الإدارة الأمريكية الحالية تعمل على إعادة الملف الليبي إلى سلم أولوياتها ، وسوف تستند إلى الموقف الأممي من ليبيا حيث قرار مجلس الأمن في 23 أكتوبر 2020 ، والداعي إلى وقف إطلاق النار في ليبيا . وقد ترددت تقارير بأنه يجري الآن إعادة خطوط الإتصال بين القيادات الليبية ودوائر صنع القرار الأمريكي ، حيث توقفت أثناء فترة الرئيس السابق ترامب ، ومن المتوقع أن تتراجع أهمية الجنرال خليفة حفتر .
وربما كان تعليق صفقة الطائرات إف - 35 مع الإمارات ضغطاً عليها بسبب وجودها في ليبيا . أما مصر فهي تحاول الآن التواصل مع حكومة الوفاق الوطني في غرب ليبيا ، وإحتضنت القاهرة جلسات الحوار بين فرقاء الأزمة الليبية وتوشك أن تتخلى عن رجلها في شرق ليبيا الجنرال خليفة حفتر .
** الأهمية الجيوإستراتيجية لليبيا :
يمتد الساحل الليبي لألفي كيلو متر تشغل معظم الضفة الجنوبية للبحر المتوسط ، وهي نقطة إلتقاء بين أوروبا المتوسط والوطن العربي وإفريقيا . وبإمكان من يسيطر على ليبيا أن يهدد أمن واستقرار كل هذه الدوائر ، هذا عدا الثروة النفطية الليبية الهائلة . ومن هنا فالصراع على ليبيا لن يكون سهلاً ، والمؤكد أن تنسحب مصر والإمارات ، وأن تشاكس روسيا وتركيا .
الوجود الروسي في ليبيا :
تسعى القيادة الروسية إلى بناء عالم متعدد الأقطاب ، يكون لها فيه دور مركزي . ويحتاج هذا إلى تحدي النفوذ الأمريكي ، من خلال السيطرة على منطقة أوراسيا ومنطقة الشرق الأوسط وصولاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط . وبعد أن إستقر لها الوضع في سوريا تطلعت إلى ليبيا لتحقيق الأهداف الآتية :
1- من خلال ليبيا تستطيع روسيا تأمين أكثر من مركز قيادة وسيطرة للوحدات البحرية التابعة لها في البحر المتوسط ، كما توفر لها ليبيا محطة لإمداد السفن الروسية في البحر المتوسط ، وهو ما يجعل لها سلطاناً في أوروبا وإفريقيا ، وتشكل الموانئ البحرية الليبية في طبرق ودرنة مركزاً لوجيستياً وجيواستراتيجياً للقوة البحرية الروسية يربطها بطرطوس السورية .
2- بسيطرة روسيا على ليبيا ستسيطر على طريق اللاجئين لأوروبا ، وبالتالي تمتلك ورقة ضغط على أوروبا .
3- تأمين مصالحها في سوريا واستخدام ورقة ليبيا للمقايضات السياسية ، خاصة أن القوى العظمى موجودة في الملفين السوري والليبي معاً .
لكل هذه الأسباب تدخلت روسيا ودعمت الإنقلاب على حكومة فايز السراج المعترف بها دولياً ، وهو الدعم الذي ظهر للعالم بعد 2017 ، حيث قدمت خدمات لوجيستية لقوات حفتر ، ثم أرسلت إليه مقاتلين مسلحين بواسطة شركات عسكرية خاصة أشهرها شركة فاجنر .
** وقد إستفادت روسيا من موقف مصر والإمارات المعادي لحكومة الوفاق لكونها إمتداداً لثورات الربيع العربي ، واستفادت أيضاً من ضعف الدور الأوروبي وغموض الدور الأمريكي . وقد كشف خبراء أممين في مايو 2020 عن إستجابة الطرف الروسي لطلبات حفتر والمتمثلة في :
* تقديم التوصيات لتعزيز نفوذه وتزويده بتحليل سياسي للأوضاع إلى جانب دعمه إعلامياً .
* إجراء مفاوضات سرية بين حفتر وأطراف ليبية أخرى مثل سيف افسلام القذافي .
* تقديم دعم عسكري وفني لحفتر يتمثل في صيانة 536 مركبة عسكرية .
*** والخلاصة أن روسيا حافظت في ليبيا على وجود سياسي بشكل مباشر ووجوداً عسكرياً بشكل غير مباشر كونه يفتقد الشرعية . والهدف في النهاية هو مواصلة العمل على إستعادة الدور الدولي على حساب نفوذ أمريكا وريادتها العالمية .
الوجود التركي في ليبيا :
كانت حكومة الوفاق وتركيا قد وقعتا في نوفمبر 2019 مذكرة للتفاهم الأمني والعسكري . وفي يناير 2020 صادق البرلمان التركي خلال جلسة طارئة على مشروع قرار يسمح بإرسال قوات إلى ليبيا . وهي الخطوة التي غيرت موازين القوة العسكرية على الأرض لصالح قوات الوفاق في مواجهة جيش حفتر . وبهذا صنعت تركيا لنفسها موطئ قدم في منطقتي شرق المتوسط وشمال إفريقيا . كما أنها كسرت الحصار المضروب عليها من التحالف المصري اليوناني القبرصي ، والذي حرمها من ترسيم الحدود لتفقد مياهها الإقتصادية في المتوسط وهي المتخمة بحقول الغاز . وتوفر ليبيا لتركيا مصالح إقتصادية هائلة ، من خلال السيطرة على آبار النفط والغاز في الشرق ، ومواصلة البحث عن اليورانيوم والذهب في الجنوب . وتستغل تركيا ميزتها الأيديولوجية هناك لتتخذ من ليبيا قاعدة لإعادة الخلافة العثمانية ، من خلال القوى الإسلامية الموالية لها في ليبيا والمغرب العربي وشمال إفريقيا .
الموقف الأمريكي :
تدرك جميع الأطراف أن عودة الحضور الأمريكي للساحة الليبية ممكنة في أي وقت وستغير قواعد اللعبة تماما . والإدارة الأمريكية الجديدة لم تضيع الوقت وتستعيد الآن زمام المبادرة للسيطرة على المشهد الليبي ، مستندة إلى الشرعية الدولية كما أسلفنا . ويرجح ألا تسمح أمريكا بزيادة الحضور العسكري الروسي أو التركي في ليبيا ، لأن ذلك يؤدي للسيطرة على طريق الهجرة الدولية لأوروبا ، والتحكم في النفط الليبي والسيطرة على البحر المتوسط ، وزيادة الحضور في شمال إفريقيا . كما أن سيطرة روسيا على النفط الليبي سيزيد من نفوذها في أوروبا كمصدر رئيسي للغاز ، وهذا يلقي معارضة أمريكية شديدة وعقوبات مفروضة على الشركات المساهمة في بناء خط أنبوب الغاز الروسي "نورد ستريم 2" . كما أن سيطرة روسيا على الغاز الليبي سوف تخنق أوروبا من الجنوب . وهذا يناقض أساس الهيمنة الإمبريالية الأمريكية على العالم . حيث لابد لأمريكا أن تسيطر على أوراسيا (أوروبا وآسيا) فتلك هي منطقة ظهور الإمبراطوريات على مدى التاريخ . وهي لا تزال تحتفظ بأهميتها ، فيعيش فيها 75 % من سكان العالم ، ويوجد بها ثلاثة أرباع موارد الطاقة الموجودة في العالم وتستحوز على 60 % من إجمالي الدخل السنوي للعالم . وبها أقوى 6 إقتصادات وأكثر 6 دول إنفاقاً على التسليح . وكذلك كل الدول النووية المعلنة في العالم - عدا واحدة - موجودة أيضاً في أوراسيا . وهو ما يجعل قوة أوراسيا تفوق بكثير قوة الولايات المتحدة الأمريكية .
وعليه فإن أوراسيا يجب أن تبقى محور وبؤرة إهتمام أمريكا لمنع ظهور قوة أورواسيوية مسيطرة أو منافسة ، تحد من قدرة أمركيا على ممارسة السيادة العالمية . ولكي تنفرد أمريكا بالسيادة العالمية لابد لها من الإحتفاظ بقاعدتها في أوروبا ، وإذا إنتهى وجود أمريكا في أوروبا فسوف تنتهي أوتوماتيكياً الهيمنة الأمريكية على العالم . ووفق هذه الحقائق فأن أمريكا لا تملك التخلى عن ليبيا لقوى أخرى منافسة سواء أوروبية أو آسيوية . حيث من يتحكم في ليبيا سيمكنه كما تقدم خنق أوروبا والتأثير على تموضع أمريكا العسكري على القارة الأوروبية . وتلك هي نهاية أمريكا كإمبراطورية ، ومن هنا تأتي أهمية الملف الليبي والتي ستدفع جو بايدن للسيطرة على الخلاف بين الفرقاء
وإدارته بمعرفتها .
#جمال_عبد_العظيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟