باتر محمد علي وردم
الحوار المتمدن-العدد: 1616 - 2006 / 7 / 19 - 13:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الكثير مما يسمى "المحللين الإستراتيجيين" على القنوات الفضائية يتوقعون امتداد الحرب التي يدفع الشعب اللبناني ثمنها لتصبح حربا إقليمية، ولكن هذا من الصعب أن يحصل لسبب بسيط جدا وهو أن الطقوس العسكرية في الشرق الأوسط اعتادت على وضع الشعب اللبناني وحده في المذبح. لا إيران ستضحي بتحالفها الإستراتيجي غير المعلن مع الولايات المتحدة لتقاسم السيطرة على العراق، ولا سوريا ستقبل أن يتم "جرها" إلى مواجهة " إقليمية يمكن أن تضطر عندها لدفع ثمن ذاتي، وبالنسبة لواقع الشرق الأوسط وسياساته القذرة فإن لبنان وحده سيكون ساحة المحرقة.
مشكلة الشارع العربي بصراحة أنه لم يتعلم بعد الحكمة السياسية من المدرسة السورية، والتي تقول بأن سوريا وحدها فقط هي التي تحدد موعد "المواجهة" مع إسرائيل بعد استكمال شروطها. منذ العام 1982 وبعد الصراع الجوي المعروف بين الطائرات الإسرائيلية والسورية والذي سقطت فيه الطائرات السورية بشكل مرعب، لم تضع سوريا مواردها وقدراتها العسكرية ولا بنيتها التحتية ولا شعبها تحت المطرقة الإسرائيلية، بالرغم من وجود أرض سورية محتلة من قبل إسرائيل أكثر من الأرض اللبنانية المحتلة من نفس العدو.
نتذكر جميعا التجربة التركية عام 2000 حيث طالبت تركيا سوريا بتسليم عبد الله أوجلان زعيم المعارضة الكردية في تركيا والذي كان مختبئا في سوريا. في البداية حاولت القيادة السورية العزف على وتر النضال التحرري وأنها لن تسلم أوجلان، ولكن فور أن استعرضت تركيا عضلاتها العسكرية المخيفة على الحدود السورية تم تسليم أوجلان فورا، فهل يعي خالد مشعل هذا الدرس من الحكمة السورية؟
السلوك السوري الحكيم لم يتعلمه للأسف حزب الله الذي وضع لبنان كله في مواجهة آلة التدمير الإسرائيلية بدون غطاء سياسي قادر على حماية الشعب اللبناني من هذه الوحشية. الأردن ومصر والسعودية دول تدرس التاريخ، وقد تعلمت الحكمة السورية جيدا..ونحن في الأردن تعلمناها بكل قسوة عندما ضاعت القدس في العام 1967 بعد أن وضعنا جيشنا تحت القيادة المصرية-السورية ودخلنا في حرب تم التخطيط لها في إذاعة صوت العرب وخطابات القومية العربية. ضاعت القدس وفلسطين وبقيت الأنظمة القومية العربية تقول بأننا لم نخسر لأن هذه الأنظمة بقيت صامدة. هذه الحكمة التي تعلمناها مفادها عدم التسرع في الدخول في مواجهات غير محسوبة ولهذا فإن الأردن والسعودية ومصر لن ترضخ لمشاعر الشارع العربي ولن تخوض معركة حددها وقررها حزب الله وحده، وربما بمشورة مع إيران. هذا بالطبع ليس قرارا شعبيا وسيغضب الناس ويجعل التهم بالخيانة تنهال على هذه الدول وحكامها ، ولكن مسؤولية قادة هذه الدول هي حماية مصالح بلادهم وحياة شعوبهم وعمل منشآتهم وهم يقومون بهذا الدور ولكن القرار غير شعبي، وهذه من مفارقات السياسة العربية!
سوريا هي الأذكى والأكثر حكمة، إنها تحصل دائما على تعاطف الشارع العربي بشعاراتها القومية والتحررية والنضالية ولكنها لم تدفع أبدا ثمنا ذاتيا لهذه المواقف وهذا هو الدرس الأكبر في السياسة العربية لمن يريد أن يستوعب.
#باتر_محمد_علي_وردم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟