أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - سمات الدولة الحديثة/ أولا: الفردية














المزيد.....

سمات الدولة الحديثة/ أولا: الفردية


فارس تركي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 6763 - 2020 / 12 / 17 - 01:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


لقد ظهرت الدولة الحديثة وكما ذكرنا سابقاً في المائتي سنة الأخيرة من تاريخ البشرية ، وهذا الظهور لم يكن ظهوراً مفاجئاً بل هو نتاج لعملية تفاعل سلبية تصادمية استمرت لآلاف السنين ما بين سمات المجتمع البدائي من جهة وبين الظروف الجغرافية المحيطة به ، حيث أن بعض المجتمعات البشرية وجدت نفسها تواجه ظروف وتحديات جغرافية تجعل من سماتها البدائية سمات مسببة للخسارة ومانعة لتحقيق الربح ، وتجبرها على تغيير أو تعديل بعض أو كل تلك السمات ، وتدفعها باتجاه إنتاج وتبني سمات جديدة تحقق لها الربح وتبعدها عن الخسارة ، هذه السمات التي انتقلت فيما بعد إلى الدولة الحديثة . فما هي أهم تلك السمات وكيف ظهرت :
1 – الفردية : إن سمة الفردية أو المبادرة الفردية أو التفكير الفردي أو سمها ما شئت هي النقيض الموضوعي لسمة العقل الجمعي التي تعد من أهم سمات المجتمعات البدائية ، فكيف تمكنت بعض تلك المجتمعات من التخلص تدريجياً من سيطرة العقل الجمعي عليها لتحل محله سمة الفردية والجواب يكمن في الجغرافيا . إذ أن المجتمعات التي تمكنت من تحقيق هذا الهدف واجهت ظروفاً جغرافية تتناقض وتتصادم مع سمة العقل الجمعي ومع كل ما تعنيه وما ينتج عنها ، لتدخل بذلك في صراع استمر لآلاف السنين مع تلك السمة إنتهى بالقضاء عليها وإحلال سمة الفردية محلها لأن الجغرافية تنتصر دائماً . إن الظروف الجغرافية التي يمكن أن تنجز مثل هذه المهمة هي الظروف التي تتمتع بها المناطق الخضراء بشكل عام لأنها تحفز الإبداع البشري وتقدم لأفراد المجتمع العديد من البدائل والاختيارات والاحتمالات وتشجعهم على خلق شخصيات متنوعة ومتباينة وليست شخصية واحدة مستنسخة ، وتبذر في داخلهم البذور الأولى لفلسفة الاختلاف وتعدد الآراء وتباين الرؤى والأفكار ، وتبعدهم شيئاً فشيئاً عن سيطرة وسطوة العقل الجمعي الذي سيصبح في ظل مثل هذه الظروف الجغرافية سمة مسببة للخسارة والابتعاد عنها يجلب الربح . فضلاً عن أن الجغرافيا الخضراء بحد ذاتها جغرافيا متنوعة ومتعددة الأشكال والمظاهر مما يساعد على زرع فكرة وفلسفة التعدد في نفسية وعقلية من يعيش فيها .
يضاف إلى ذلك أن المناطق الخضراء تشجع على العمل والابتكار وإعمال العقل من أجل تطويعها واستخراج خيراتها وزيادة وارداتها واستغلال تضاريسها ، والعمل والابتكار يخضع في كل زمانٍ ومكان لقانون التجربة والخطأ ، بمعنى التجربة والتعلم من الخطأ ومراكمة الخبرات وهذه العملية بمجملها ستساعد على خلق عقلية منطقية ومتشككة وناقدة ، تربط الأسباب بالنتائج والأحداث بمسبباتها ، وهذه العقلية هي بالضبط النقيض للعقل الجمعي وتمثل عدوه الطبيعي ، وهي المعول الذي سيهدم سطوته وهيمنته . فالإنسان الناقد والمتسائل والمتشكك والإنسان الذي يتشرب بقانون السبب والنتيجة ويمارس ويعيش هذا القانون يومياً لا بد له في نهاية المطاف من أن يتخلص من ربقة العقل الجمعي ولا بد أن يصنع فرديته وتفرده .
كما أن البيئة التي تتميز بكثرة خيراتها ، والتي تحتاج إلى العمل والابتكار وبذل الجهد من أجل استغلال تلك الخيرات ، ستؤدي بمرور الوقت إلى تعزيز وزيادة الفروق الفردية بين أفراد المجتمع الواحد . إذ أنه وكما هو معروف لا يوجد شخصان متطابقان مئة بالمئة من حيث المهارات والمواهب التي يتمتعون بها أو من حيث القدرات العقلية والفكرية فلا بد من وجود اختلافات وفروقات بين شخص وآخر، إن هذه الفروق ستزداد وتتوسع أكثر في المناطق المحفزة للعمل والإبداع ، إذ ستكون بمثابة حقل لاختبار تلك المواهب والقدرات ولمعرفة أيها أصلح وأيها أقدر على البقاء ، وسيصبح الشخص الذي يتمتع بأفضل المواهب والقدرات هو الأقرب للفوز والأقدر على النجاح وتحقيق أعلى الأرباح والفوائد . وكل ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة وتعزيز شعور المرء بفرديته وبأنه مختلف عن الآخرين ، وسيولد لديه حاجة ملحة جديدة تتمثل في الرغبة ببناء الذات أو تحقيق الذات والتميز عن الآخرين ، وسيسعى إلى مراكمة المزيد والمزيد من أسباب النجاح والقوة المادية والمعنوية ، وهكذا ستدخل سمة الفردية بحالة تحالف غير معلن مع ظروف الجغرافيا الخضراء ، فكلما اقترب الإنسان من السلوك الفردي كلما كافأته تلك الظروف ، وكلما حصل على مكافآت وأرباح أكثر كلما التصق الإنسان – مدفوعاً بحرصه على الربح والمنفعة - أكثر وأكثر بالسلوك الفردي وهكذا دواليك .
إن سمة الفردية وبمرور الوقت ووفقاً لمبدأ تحقيق الربح وتجنب الخسارة سوف تتعزز وتزداد تجذراً في المجتمع البدائي الذي يعيش في مثل هذه الظروف الجغرافية ، بينما سمة العقل الجمعي ستنحسر ويضعف حضورها وتقتلع جذورها ويقل تأثيرها على أفراد المجتمع حتى تصل إلى أضعف درجات التأثير . لذلك فإن هذا النوع من المجتمعات واجه طوال التاريخ السابق لظهور الدولة الحديثة مشكلة في إنشاء وتأسيس الدولة القديمة إذ أنه كان أما عاجزاً تماما ًعن تأسيسها ، أو إنه أسس وأنشأ نسخة ضعيفة ومفككة ومشوهة منها ، حيث أن وجود عقل جمعي قوي ومسيطر يعد شرطا ً أساسياً لتأسيس الدولة القديمة القوية والمتمكنة . إلا أن هذا المجتمع ذاته تمكن مع بداية العصر الحديث وعصر النهضة والتنوير من إنتاج الدولة الحديثة ونقل إليها سمة الفردية التي كانت قد نضجت كثيراً في هذه الفترة وصار لها حضوراً قوياً ومؤثراً وأصبحت سمة أصيلة ومتجذرة في بنيته ومرتبطة به ارتباطاً عضوياً لا انفصام له .



#فارس_تركي_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأثير الجغرافيا على أفكار البشر وسلوكياتهم
- الدولة الحديثة
- سادساً: غياب منظومة حقوق الإنسان
- خامساً: الروح الحربية وفلسفة القوة
- رابعاً : العقلية البدائية
- ثالثا: المنهج الوعظي الخطابي
- ثانياً : النظام الأبوي والديكتاتورية
- سمات الدولة القديمة / اولاً : العقل الجمعي
- الدولة القديمة
- ثالثاً : الصراع من أجل نيل الاعتراف ( الثيموس )
- ثانيا: التاريخ حر
- سنن التاريخ وقوانينه
- هل أصبح العالم غابة مرة أخرى ؟ وهل يجب على الأمريكيين أن يهت ...
- من نحن ؟
- مبدأ ترامب والمواجهة مع إيران
- النسق القيمي
- عقول وحقائق
- عقلنا عندما ينتخب !
- الانتخابات الأمريكية والتدخلات الروسية
- وهم المعرفة


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فارس تركي محمود - سمات الدولة الحديثة/ أولا: الفردية