أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان جواد كاظم - ذكريات بغدادية - بائع الفستق السوداني على ناصية جامع مرجان














المزيد.....

ذكريات بغدادية - بائع الفستق السوداني على ناصية جامع مرجان


احسان جواد كاظم
(Ihsan Jawad Kadhim)


الحوار المتمدن-العدد: 6753 - 2020 / 12 / 6 - 11:09
المحور: الادب والفن
    


عندما وصل المغني السوداني الفقيد محمد وردي الى مقطع اغنيته الوطنية :" الناس التنضح سكر, تتجرع كاس الحنظل ", تذكرت مباشرة بائع الفستق السوداني, الذي طالما رأيته واقفاً على واجهة جامع مرجان في شارع الرشيد في بغداد, اوائل سبعينيات القرن الماضية...
رجل فارع الطول, رشيقاً, آسر برزانته رغم مظاهر الفقر الظاهرة على هيئته, بلون سوداني قاتم, يعتمر عِمّة اهل السودان البيضاء المميزة التي تكبر العمائم عندنا والجلابية التي هي جزء اصيل من زيهم الشعبي.

يبيع الفستق المُحمص ( المُسهى ) على صينية فافون ( المنيوم ) على طرف منها مدخنة رشيقة كما مبخرة صغيرة يتصاعد منها دخان ذو عبق ( ربما بسبب استعماله نوع خشب خاص )... أثارت اعجابي من اول وهلة, لأني لم أرى مثلها سابقاً.
كان ساهماً, ربما بسبب ألم فراق وهموم غربة يعيشها, يداورها في رأسه مع تموجات الدخان المتصاعد من مدخنته الجميلة كما منارة رشيقة... اقتلعه الدهر من هدأة القرى البعيدة ورماه الى صخب بغداد, فربما كان راعياً نوبياً او فلاحاً من كردفان او صياداً لتماسيح النيل الأبيض.

صامتاً...لا ينبس ببنت شفة... إلا عندما يسأله سائل عن سعر فستقه. كانت لهجته غريبة عليّ.
بجانب صينيته كانت المخروطات الورقية - كبوزات ورقية متداخلة جاهزة يملأ بها حبيبات فستقه.

متطلعاً بهيئته, بفضول طفلٍ بغدادي تساءلت حينها, مع نفسي, ما الذي دعا هذا الإنسان بسحنته وزيه وبغرابة مهنته الى مغادرة ناسه وأهله والمجيء الى بغداد ؟ كنت حينها صغيراً لم امتهن الغربة ولم اعرف شقائها ( الغربة مهنة شاقة - كما قال ناظم حكمت ), التي أصبحت اليوم للكثيرين منا واقعاً.

اتمعن اليوم بهذا الكادح البسيط الذي قذفته صرائف الدهر الى عالم آخر, حيث صخب العاصمة العراقية, واقفاً في قلب مركزها التجاري, الشورجة من جانب ومقابل المركز المالي للدولة العراقية, مصرف الرافدين وشارع السمؤال, شارع الصرافين... وفي خضم عنفوانات شارع الرشيد... كأنه جاء متحدياً بصينيته وحُبيبات فستقه تجار بغداد ورأسمالييها, بحرفية العارف, منافساً فيها اكثر اصحاب رجال الاعمال حنكة وخبرة في فن الأعلان والتسويق التجاري, رغم بساطة بضاعته والأرباح المكتسبة منها.

اقف اليوم متمعناً ومتعجباً من طريقة هذا البائع البسيط العفوية في تسويق بضاعته, فقد جمع, حينها, كل مفردات التسويق التجاري الناجح المعروفة حالياً, دون ان يدري, وخاصة عنصر التشويق الشخصي وطريقة عرض البضاعة... تلك التوليفة الذكية بين زيه الغريب ولون بشرته الغامقة وبضاعته بتسميتها الجديدة غير المألوفة " فستق سوداني " وليس كما تتداوله ألسنة عامتنا " فستق عبيد ", مستثمراً عبق فستقه المُسهى والدافيء لجذب المارة من بعيد وأغرائهم على شراء وتذوق ما تجود به صينيته, بل حتى ورق اللف الحلزوني" الكبوز ", كنت اراه متميزاً, حيث يكتسب, مع الوقت, بسبب قربه من حرارة الموقد, لوناً بنياً رائقاً مُحمصاً... فضلاً عن قيامه بعملية التحميص, على الملأ, امام الزبائن, الذين تلبسهم الفضول كما تلبسني. اضافة الى شكل صينية التحميص الغير عادية.

كانت عبقرية عفوية بسيطة ببساطة الكادح لأجل لقمة عيشه.

هذا ما بقي في الذاكرة عن هذا الأنسان , من المرات النادرة لشراءنا لفستقه, والذي كنت اشاهده كل يوم, ويغمرني عبق فستقاته.

كنت حينها اتمتع بالعطلة الصيفية المدرسية, وكان ابي قد اصطحبني الى الشورجة حيث مكان عمله في احدى محلات بيع القرطاسية, واستثمر مالاً من راتبه الشحيح في شراء علب السكائر المتنوعة لأبيعها على بسطية صغيرة, بالباكيتات او بالمفرد " للمفاليس ", وكذلك العلك " علج السهم " بينما اتفرج على المارة بسحنهم المختلفة وازيائهم وتسريحاتهم و طرق مشيهم, منتظراً الأرباح التي ستنهال عليّ وتملأ جيبي, لتحقيق امنية العمر, امتلاك - " طوبة كريكر "!

الغريب انني اسمع اليوم من اهلي بأن قرار اصطحاب أبي لي وإشغالي بمشروع الأستثمار التجاري بالسكائر والعلك كان بسبب شكواهم من شقاوتي ووكاحتي, ومحاولة لأراحتهم مني وهو ما أعتبره تجنياً... فأنا احلف لكم بأغلظ الأيمان, وما لكم عليّ يمين, بأني كنت وديعاً مسكيناً - " البزونة تاكل غدايا " !!!



#احسان_جواد_كاظم (هاشتاغ)       Ihsan_Jawad_Kadhim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بولندا - انتفاضة النساء رافعة للتغيير الشامل !
- تزييفكم للحقائق لعبة مفضوحة !
- يسار الحزب الديمقراطي وانتخابات الرئاسة الأمريكية
- اليونان :- حزب اليمين القومي - الفجر الذهبي Golden Dawn - كم ...
- الكشف عن قتلة شباب الإنتفاضة قبل أية انتخابات !
- - عليّ وعلى أعدائي - - شمشونيات معاصرة !
- الإستخذاء امام تهديد الخارج وقمع تطلعات الداخل
- أولها قضم الأظافر... آخرها عض الأصابع
- هذيان المهزومين !
- قراءة اولية لسياسات ومواقف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي !
- في عيد الصحافة الشيوعية في العراق / تجربة البيع المباشر لجري ...
- هل افتتحت ثورة 14 تموز 1958 حقاً عهد الأنقلابات العسكرية ؟
- الأول من تشرين الأول / اكتوبر عيداً وطنياً للعراق !
- صواريخ الكاتيوشا... إستجداء ميليشياوي للصدام المسلح !
- طيور السايلو وجلد الفاسدين فكاهياً
- الأهم من ادعاء الفضيلة, العمل بها !
- تدمير ابراج نقل الطاقة الكهربائية - المستفيدون كُثر والخاسر ...
- ما أحوجنا الى شخص كالأيطالي -جيوفاني فالكوني - !
- الأجماع على مصطفى الكاظمي... لغز !
- غرانيقنا العُلى*... لا تمرض !


المزيد.....




- طهران تحقق مع طاقم فيلم إيراني مشارك في مهرجان كان
- مع ماشا والدب والنمر الوردي استقبل تردد قناة سبيس تون الجديد ...
- قصيدة(حياة الموت)الشاعر مدحت سبيع.مصر.
- “فرحي أولادك وارتاحي من زنهم”.. التقط تردد قناة توم وجيري TO ...
- فدوى مواهب: المخرجة المصرية المعتزلة تثير الجدل بدرس عن الشي ...
- ما حقيقة اعتماد اللغة العربية في السنغال كلغة رسمية؟ ترندينغ ...
- بعد مسرحية -مذكرات- صدام.. من الذي يحرك إبنة الطاغية؟
- -أربعة الآف عام من التربية والتعليم-.. فلسطين إرث تربوي وتعل ...
- طنجة تستضيف الاحتفال العالمي باليوم الدولي لموسيقى الجاز 20 ...
- -لم أقتل زوجي-.. مسرحية مستوحاة من الأساطير الصينية تعرض في ...


المزيد.....

- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احسان جواد كاظم - ذكريات بغدادية - بائع الفستق السوداني على ناصية جامع مرجان