أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - التنين















المزيد.....

التنين


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 6751 - 2020 / 12 / 3 - 20:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يبدو انك حين تقول أنثى بشرية، فانك تتجه مباشرة إلى الشعر. الغريب في اللغة العربية هو الجمع في لفظ واحد بين اللغة المقفاة الإيقاعية الموسيقية وبين شعر المرأة.
يبدو أن كليهما يبعث نفس إحساس المتعة، ويبدو أن من أراد حجب شعر المرأة قد أراد في نفس الوقت وئد الشعر والقصائد.
فإن صادفتك شعرة طويلة رقيقة على طاولة في مقهى، فذاك يعني أن أنثى كانت جالسة هناك أو مرت من هناك وتركت أثرها، بل ربما لايزال شذى عطرها ينتـشر في المكان، وأي مكان تدب فيه خطوات أنثى فهو شاعري، والشاعري موسيقي، والموسيقي كائن عائش فنيا، وذاك ما يجعله ذو خيلاء وذو ذاتية طافحة وشاعرية تناقض همجيته المتأصلة. لذلك صدق نزار قباني حين قال أن الحضارة أنثى. فمكان لا امرأة فيه لا حضارة فيه. هنا يبدو أن حجب المرأة دعوة للهمجية والتوحش.
مقهى "التنين"، ذو القاعة المستطيلية الشاسعة، يكتظ بالحضارة. يكتظ بالأنوثة، بل فيه حتى بعض المحجبات اللاتي بعضهن تترشفن قهوتهن بالسجائر. تسأل بعضهن عن سبب ارتدائهن للحجاب فتقول أنها عادة كان أصلها أوامر الأب أو الأخ أو الزوج...
يكتظ المقهى بالأنوثة، حتى انك لا تكاد ترفع بصرك عن أرجوحة مائلة إلى الأسفل بخطوطها التنينية الرائعة الفاتنة حتى تـنـقـذف أمامك ومضة من السحر الإلهي الخلاب في تعبيرات مختلفة للوجه الجميل والشعر المشكل الجميل والحضور المغري لملكوت السماء العذبة اللذيذة في الأرض، عبر تماوجات خطوط الجسد الأنثوي الثائر المغمور برغبة طافحة في إبراز جماله في لباسه وحركاته وابتساماته ونظراته وإيماءاته المختلفة. كأن التنين أنثى. تلك القوة الناعمة بصدد الزحف الثوري...
شعر المرأة أصبح ثورة. الزعيم السياسي الذي يرفع ذاك اللحاف الأبيض عن رأس امرأة أمام كاميرات التلفزيون في خمسينات القرن العشرين، يرفعه عن جميع نساء الوطن المفدى، ويعلن انبلاج صبح الحرية. هو في الحقيقة ليس بطالب حكم أو سلطة بقدر ما يطلب ثورة. الثورة الاجتماعية والثقافية.
قد تكون الايديولوجية الموصوفة سياسيا بإرادة بناء مجتمع ودولة معاصرة للخروج من التخلف والظلمات، ولكن من المؤكد أن شبكة الأفكار التي تتداعى تتمحور حول فكرة الحرية..
تتداعى الحرية عبر تشعبات دقيقة بحيث يتعذر الإحاطة بها وتجميع كل التداعيات من الأفكار لأنك لا تصل إلى إدراكها جميعا. وإذا كنت مختصا في العلوم الإنسانية وتحديدا في علم الاجتماع، فان الاختصاص في ذاته يكبلك بمناهجه التي درستها وفرضت على نفسك أن لا تفكر إلا بواسطتها مما يجعلك قاصرا عن إدراك تشعبات الحرية الناتجة عن رفع الزعيم بورقيبة غطاء الرأس عن المرأة.
عادة ما لا تفكر السلطة إلا في السيطرة على المجتمع لاستنزاف خيرات البلد وسرقتها والتي من المفترض أن تكون ملكا للجميع. تتأتى هذه السيطرة عن طريق المحافظة على جميع عوامل خضوعه وعلى حجب فكرة الحرية. تحكم السلطة مجتمعا امتهن نفسه واستبطن الخضوع. إرادة الخضوع تتأتى من وعي مشبع بالزجر والممنوع والمحرم واحتـقار الذات..
الزعيم الذي رفع عن المرأة حجابها وعمل على تحريرها هو في النهاية اشتغل على ضرب بنية السلطة الاستبدادية. هل كان بورقيبة واعيا بذلك؟
حين كان طالبا في باريس تـشبع بجمالية كتابات "جان جاك روسو"، وتـشبع بفكرة الحرية من خلاله. بعد ذلك، هل نسى "روسو" وهو يتخبط في الحكم الذي جسده كسلطة استبدادية حسب مقولة المستبد المستـنير؟ هل أدرك فيما بعد أن المجتمع الحر الحقيقي تلزمه عشرات وعشرات السنين؟ هل استبد بالسلطة مخافة نكوص المجتمع إلى البربرية والتوحش من جديد؟
في كل الأحوال، لا يمكن الحكم على إنسان إلا وفق الازدواجية. كانت توجد ازدواجية صارخة وتناقضا بين بناء دولة الثقافة والتعليم والصحة بأكثر ما يكون من الجودة وبين دولة البوليس. ازدواجية بين الزعيم المحرر والحاكم المستبد. فهل كانت تلك هي المعادلة الضرورية المنسجمة مع متطلبات المرحلة التاريخية؟
ألم يسبق كل تقدم تاريخي مستبد مستنير؟ ألم يكن لويس السادس عشر مستنيرا ومؤمنا بالحرية وشغوفا بقراءة كتابات "جان جاك روسو"، وزج بفرنسا في الحرب الأمريكية ضد بريطانيا تحت فكرة وشعار أحقية الأمريكيين في الحرية؟ ألم تكن تلك الحرب بتكلفتها الباهظة ماليا على فرنسا أكبر عامل في تـفـقير الفرنسيين ومجاعتهم وبالتالي في الثورة الفرنسية، ثورة الحرية والمساواة والأخوة، التي أطاحت بعرش لويس السادس عشر نفسه؟
يبدو أن الحديث العام يدور حول اعتبار السلطة في ذاتها هي المطلب النهائي. إنها مجرد عادة في التفكير أكثر من كونها حقيقة. الحقيقة أن السلطة تكون المطلب النهائي بالنسبة للغرائزي.
الحيواني الثديي يعيش بالسلطة عموما. كل قطيع له قائد. القيادة صفات تجدها فطرية تجعل البقية تنتخبه تلقائيا، لكن لا نعدم وجود صراع على السلطة حتى عند الحيوانات. وانه لمثير للدهشة، أن ترى قطعانا هائلة من الخيول تهرول في البرية الممتدة على شكل شبه كتائب عسكرية، وكل كتيبة فيها قائد وكل كتيبة تسير في انسجام وفق مسيرة عامة للخيول المنتـظمة. لا نعدم أبدا وجود تواصل بينهم. القائد تجده يجسد رغبة طافحة لديه في القيادة وتلك الرغبة في النهاية ما هي إلا برمجة كلية طبيعية على ما يبدو. تلك البرمجة للمجموعات والأفراد هي التي تجعل الحيوان يعيشها بلا منازعات كبرى على السلطة أو القيادة لأنه يعيش طبيعته بلا تشويش أو انحراف من الوعي. التنازع والتـقاتل على السلطة عند الإنسان هو نتيجة الوعي. الوعي المركب الذي تكونه عدة عوامل وهو يجعل كثيرين هم بطبيعتهم غير مبرمجين للسلطة ولا يصلحون لها ويفتقرون إلى موهبة السلطة والسياسة والقيادة، لكنهم يحملون أنفسهم على الكذب على أنفسهم وبالتالي الكذب على الآخرين وينازعون على السلطة من هو أهل لها بطبيعته. نفترض هنا أن المؤهل بطبعه للسلطة هو الذي يقـتـنصها بالضرورة، ولكن يبقى هذا مجرد افتراض.
انظر كيف يمكننا الشروع في تـفكيك فكرة السلطة. نمضي أكثر فنقول أن رغبة السلطة متأصلة عند الأغلبية من البشر بمقدار عادي ضعيف مقارنة بالقادة والزعماء، وكل يمارسها بمقدار معين في النطاق الممكن الذي يخوله له المجتمع والثـقافة. لعل ابرز مظاهر السلطة مشاعة هي سلطة الآباء على الأبناء. من الممكن تـفكيك هذا النوع من السلطة وإبراز مدى تهافته وعبثيته وتـناقضه مع إمكانية خلق جيل حر فاعل وقوي ومنسجم مع نفسه...
من هنا، وعلى أساس اعتبار وجود زعامات سياسية حقيقية هي بطبعها مؤهلة للسلطة والقيادة، أو أن برمجتها جعلت منها تمتلك مواهب السلطة وتعبيرات القيادة في جميع حركاتها بما أن السلطة هنا مكون شعوري عميق يسري في جميع خلايا تـفكيرها وجسدها. هذه الزعامات السلطوية بطبعها، لا تنظر إلى السلطة السياسية كمطلب خارجي في ذاته، بل تعيش السلطة في داخلها ومشاعرها ووجدانها، بحيث تكون السلطة حالة ذاتية داخلية بحتة. تلك الحالة التي تجعل هذا الزعيم مشبع بمشاعر أحقيته للسلطة وأهليته لها بل فرادته وكأن السلطة هي التي خلقت له وليس هو الذي خلق لها، وبالتالي يمضي بكل تركيز في طريق ذاته السلطوية.
ذلك الامتلاء بفكرة القيادة تجعله يتحسس نوعا من الألوهية. تلك الروحية تجعله يرتـقي إلى مستوى الأفكار، وبالتالي تـنطبع السلطة عنده بفكرة عظيمة. جوهر الفكرة مهما كانت هي ان يرى نفسه الكل وليس المعبر عن الكل فقط. تلك الفكرة العظيمة تغدو هي هو العظيم، بحيث يكون فكرته. من هنا، تكون السلطة بأتم معنى الكلمة هي فكرته تلك التي هي هو. من هنا، فهذه الزعامة لا تكون السلطة خارج نفسه يهرول إليها وبالتالي لا تكون مطلبا غرائزيا في إشباع الشهوات، وإنما تكون فكرة وارتـفاعا عن الموجود وثورة، لانها عشق للكل بما هو الكل هو. هنا، تكون السلطة ثورة بما أنها فكرة وليست شهوة.
هكذا يمكننا فهم الزعيم بورقيبة والقول انه زعيم وليس مجرد رئيس دولة. كما يمكننا فهم الزعيم العراقي "صدام حسين" الذي ضحى في النهاية بالسلطة السياسية لأنه مشبع بفكرته في السلطة وتـنعدم السلطة لديه إذا انحرفت عن فكرته التي هي هو، فالأمة العربية الخالدة ذات الرسالة الخالدة هي في نفس الوقت خلوده الأنوي بما هو مطلب إنساني ملح لا يكون إلا بالأفكار العظيمة والتضحية بالغرائزي في سبيلها.. فالفكرة العظيمة هي في نفس الوقت ذاتيته العظيمة وفق ما ليس يفكر فيه فقط، وإنما وفق ما يتحسسه بكل جسده وما يتماوج في جميع وجداناته..
وبالتالي، فالزعيم بورقيبة، حين حرر المرأة، فانه كان يقوم بوعي تام ليس بضرب البنية الاجتماعية والثـقافية للاستبداد السياسي فقط، وإنما كان يؤسس لبنية جديدة في العمق تكون قاعدة صلبة لمجتمع حر ناهض تـقـدمي. لقد كان واعيا بذلك تمام الوعي، وهو الرجل المشهود بذكائه وثـقافته الواسعة. كان يقول أن مرحلة النضال للتحرر من الاستعمار كانت الجهاد الأصغر، وان مرحلة البناء والعمل الشاق لمجتمع ودولة معاصرة هو الجهاد الأكبر.. الدولة المعاصرة، الحديثة، الحداثة بما تعنيه من حضارة والحضارة أنثى. الحضارة بما هي أوربا اليوم واستـنهاض تـراثـنا العربي الإسلامي التنويري، لذلك، كان بورقيبة عنوانا بارزا لتحرير المرأة، لكنه كان كذلك يعني دراسة الفلسفة في الثانوية ودراسة المنزع العقلي في الإسلام أي المعتـزلة واستـنهاض التوحيدي والمعري والجاحظ وغيرهم في المناهج الدراسية الثانوية..
هكذا كانت السلطة فكرة وفكرة عظيمة وكان الزعيم بالتالي عظيما وقد طبعت عظمته الشعب بشكل عام.. انه السلطة المشروع الحضاري الكبير، فهل يوجد في عالمنا العربي اليوم مشروعا سلطويا عظيما؟ الأوغاد والأقـزام المتـنطعون على مخدع السلطة لا يقومون باستـنـزاف طاقات الشعوب في العبثية فقط، بل يقومون بحجب فكرة مشروعية السلطة الحقيقية..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخوم الضياع العربي
- في كتاب دولة الإرهاب
- في إعترافات -جان جاك روسو-
- تونس اليوم بين المواجهة والنكوص
- الإنسان بين ضآلته وكونيته
- هل المسلمون مسلمون بالفعل؟
- مائة عام من العزلة
- تونس البورقيبية اليوم
- برج الأحلام
- بحيرة البجع 3
- بحيرة البجع 2
- بحيرة البجع
- الفتنة أو إشكالية الإسلام برمته
- صفـقـة القرن أم مظـلمته
- في ارتداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية
- الإنهمام بالذات
- إغتصاب
- العراقي الجبار
- في إمكانية ثورية الانتفاضة في العراق ولبنان
- -الشعب يريد- تسحق أعداء الثورة بانتخاب -قيس سعيد-


المزيد.....




- وزير الخارجية الأمريكي يزور السعودية لمناقشة وضع غزة مع -شرك ...
- السلطات الروسية توقف مشتبهاً به جديد في الهجوم الدامي على قا ...
- حماس تنشر مقطع فيديو يوضح محتجزين أمريكي وإسرائيلي أحياء لدي ...
- حزب الله يقصف إسرائيل ويرد على مبادرات وقف إطلاق النار
- نائب سكرتير اللجنة المركزية للحزب بسام محي: نرفض التمييز ضد ...
- طلبة بجامعة كولومبيا يعتبرون تضامنهم مع غزة درسا حيا بالتاري ...
- كيف تنقذ طفلك من عادة قضم الأظافر وتخلصه منها؟
- مظاهرات جامعة كولومبيا.. كيف بدأت ولماذا انتقلت لجامعات أخرى ...
- مظاهرة طلابية في باريس تندد بالحرب على قطاع غزة
- صفقة التبادل أم اجتياح رفح؟.. خلاف يهدد الائتلاف الحكومي بإس ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هيثم بن محمد شطورو - التنين