أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم رمزي - ذكريات حزينة














المزيد.....

ذكريات حزينة


إبراهيم رمزي

الحوار المتمدن-العدد: 6749 - 2020 / 12 / 1 - 08:28
المحور: الادب والفن
    


الصدمة الأولى:
بالأمس (11 أكتوبر 2019) زرت حي الزيتون بمدينة مكناس. تغيرت معالمه، وصارت البنايات تزاحم بعضها البعض، وكان في الماضي عبارة عن جنان وبساتين وخضرة يانعة، ومياه جارية متدفقة عبر السواقي.
قيل لي وأنا أسأل عن مدرستي الابتدائية "مدرسة الفتح": لقد أغلقت أبوابها منذ أزيد من ست عشرة سنة.
وعثرث على مدرستي. عوّض بابها الضخم ـ ذو الخوخة ـ بباب حديدي. مربعات زليج أخضر تعلو الباب، تشكل اسمها، وسنة تأسيسها: 1946. أي حينما كان الوطنيون يبادرون إلى إنشاء المدارس الإسلامية المعربة، لمواجهة المد الاستعماري ومدارسه التي تعتمد لغة المستعمر بالدرجة الأولى.
تجتاحني الذكريات، فأتذكر المدير والمعلمين: أحمد اليوسفي (الأب) أحمد اليوسفي (الابن)، التهامي الخلطي منيب، بن الطاهر، الغرباوي، الديغوسي، ..
كان من أنشطة المؤسسة ـ التي تحظى باهتمام كبير ـ الاحتفال بالأيام المجيدة الثلاث: عيد الانبعاث، عيد الاستقلال، عيد العرش.
وكانت المؤسسة تقيم حفلها الخاص. ثم تشارك ـ بعدد من الفقرات ـ في منصات خارجية، تشرف عليها هيئة حزبية، أو بعض الخواص.
هناك الأناشيد الوطنية، والخطب، والتمثيليات، والحركات الرياضية، ...
وتشاء الصدف أن يَكتب لي أحد المعلمين خطبة، ألقيتُها بحماس وصوت جهوري. وكانت والدتي ـ رحمها الله ـ ضمن الجمهور المتتبع لفقرات الحفل، فتمنتْ أن يكون ابنها مثل هذا "الطفل الخطيب" الذي تحجبه إحدى السواري عن رؤيتها له. ولما علمت أن الخطيب ابنها، لم تسعها الدنيا فرحة واغتباطا.
كانت مدرسة الفتح مؤسسة للتعليم وللوطنية. درست بها بين سنوات: 1954 ـ 1959 أي قيل استقلال المغرب بسنتين، وكنا آنذاك نرى باستمرار كوكبة من جنود الاحتلال (حوالي العشرة) يمشطون أزقة أحيائنا الشعبية، مدججين برشاشاتهم. أما الطائرات الحربية فكانت تصم الآذان. وبقيت قوات الاحتلال تستغل المطار العسكري لمكناس إلى ما بعد 1962.
كان مولاي أحمد اليوسفي (الابن) هو منسق الدائرة الخامسة لحزب الاستقلال (كان مقرها بالديور الجداد، ببني امْحمد)، وربطت بينه وبين عمي: السي امْحمد بنعلي، علاقات نضالية، قبل الاستقلال، وبعده.
أدين بالكثير لمعلمي السيد: التهامي الخلطي منيب. كان رجل تعليم وتربية يتمتع بخصال عالية، وطيبوبة لا مثيل لها. حبّب إلينا القراءة، وفتح لي ـ بمعية بعض الزملاء ـ خزانة كتبه نغرف منها زادا معرفيا وثقافيا. وكان سروره كبيرا بنجاحنا في الشهادة الابتدائية بنسبة مائة في المائة، فأقام لنا حفلا على نفقته.

الصدمة الثانية:
مررت قرب مدرسة النهضة الإسلامية. وهي الثانوية التي درست بها شهرا، ثم انقطعت عنها، وانتقلت إلى مؤسسة أخرى. ثم عدت إليها بعد ثلاث سنوات، لأدْرس بها سنة واحدة.
أذكر مديرها السيد: السحاقي، وحارسها العام: السنتيسي، والحارس العام لفرعية حمرية، السيد: الصافي.
أما الأساتذة، فقد غابت عني أسماء كثيرة، غير أني أذكر من المغاربة: العلوي. ومن المشارقة: صبري. نادية الرقا. فاروق.
لم يبق من الثانوية إلا اسمها المنقوش في الزليج فوق الباب. وبجانبه لافتة تشعر بتحول المؤسسة إلى مقر للاتحاد النسائي.
أي مصير محزن لهذه المؤسسة التي نبغ فيها أجيال من المتخرجين، صار عدد منهم مسؤولا بدواليب الدولة. وعدد كبير تقلدوا مهمة التعليم، فقامت على أكتافهم نهضة تربوية في سنوات السبعينيات وما بعدها.
كانت مدينة مكناس تعج بالأنشطة الثقافية (سينمائية، بالمركز الثقافي الفرنسي)(مسرحية، محاضرات، ندوات، مسابقات ثقافية .. بدور الشباب، وفضاءات أخرى) (رياضية، وخاصة السباحة: المسبح البلدي، ومسبح النادي المكناسي)
وكانت مكتبة الجامع الكبير مصدر ما نقرأ من كتب.
أما دور السينما (مونديال، أبولو، كاميرا، أ ب س، ...) فكنا نرتادها من حين لحين .. وبعضها يشكو الآن من "البيات الأبدي" الذي دخلت فيه / فرض عليها. القاعات ما تزال قائمة، والقانون يمنع تحويلها لأي نشاط غير العرض السينمائي. (وقد ساهمت أشرطة الفيديو، ثم الانترنيت .. في خنق العروض السينمائية).
سأتعرف على "السينما" حينما دخلت لأول مرة قاعة سينما "أبولو"، في غفلة من أهلي الذين كانوا يعتبرون ـ أنذاك ـ السينما من "نواقص" الشخصية، وترفا مدمّرا. أما سينما "كاميرا" فلها ذكريات "كبيرة" خاصة، تفيض بكل مشاعر الرقة والود.

صدمة قديمة نسبيا:
في إحدى زياراتي لمدينة الرباط منذ بضع سنين، مررت قرب معهد المغرب الكبير، الذي درست فيه حتى الباكالوريا، فوجدت الجرافات تهده هدا، وتمحو معالمه وآثاره على الأرض. وشعرت بحزن عميق لهذا المصير الكارثي لمعلمة تربوية وعمرانية كانت منارة علم وعرفان.
كانت المؤسسة تعرف ـ أصلا ـ بالمعهد المصري، وانتقلت إلى وزارة التربية الوطنية بعد حرب 1963 على الحدود الشرقية، مع الجزائر. والتي تم خلالها اعتقال الطيار حسني مبارك الذي سيصبح لاحقا رئيسا لمصر، ونتج عن الحرب طرد المصريين من المغرب لانحياز مصر للجزائر.
كان بهذا المعهد مسرح غير كامل البناء، فتم تجهيزه وتحويله إلى مدرج تابع لكلية الحقوق. وهناك قاعات متخصصة للمواد التجريبية العلمية، وللاجتماعيات، وعرض الأشرطة الوثائقية. أما المكتبة فحافلة بالكتب المتنوعة.
ومن الصدمات الخفيفة، اطلاعي ـ بالشبكة العنكبوتية ـ على خبر هدم الحي الجامعي ـ ظهر المهراز، نظرا "للشيخوخة" التي أصابته. وكنت من قاطنيه أيام الدراسة. بل كنت الساكن الوحيد به خلال أسبوع، عند بداية موسم دراسي، نتيجة هفوة من المكلف بالتقييد.



#إبراهيم_رمزي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل أشكر فيروس كورونا؟ أم ألعنه؟
- العاملات المهاجرات (تنبيه ل: فهد الشميري)
- وباء وغباء ورياء
- ونُنَزِّل ...
- مريم والسراب
- البتول
- طواحين الهواء والنضال
- أولئك .. وغيرهم ..
- زلزال إداري
- المافيا .. وحُلُمٌ مستقبليٌّ
- نيران النعرات الدينية
- الزواج بجنية
- عبرة حرَّى
- ميلاد أخوية الغلاقات
- الحلوى التي تحجب الغابة
- خطاب انتخابي
- القانون المغربي الذي ..
- لصوص الألقاب
- هجرة 600 مهندس سنويا، وإفلاس 6 آلاف مقاولة سنويا
- جلد لاعبي المنتخب السعودي


المزيد.....




- عامان على حرب الإبادة في غزة: 67 ألف شهيد.. وانهيار منظومتي ...
- حكم نهائي بسجن المؤرخ محمد الأمين بلغيث بعد تصريحاته عن الثق ...
- مخرج «جريرة» لـ(المدى): الجائزة اعتراف بتجربة عراقية شابة.. ...
- الجديد : مجموعة شعرية لمصطفى محمد غريب ( لحظات بلون الدم )
- أصيلة تكرم الفنان التشكيلي المغربي عبد الكريم الوزاني.. ناحت ...
- المصري خالد العناني مديرًا لليونسكو: أول عربي يتولى قيادة ال ...
- -نفى وجود ثقافة أمازيغية-.. القضاء الجزائري يثبت إدانة مؤرخ ...
- عودة الثنائيات.. هل تبحث السينما المصرية عن وصفة للنجاح المض ...
- اختفاء لوحة أثرية عمرها 4 آلاف عام من مقبرة في سقارة بالقاهر ...
- جاكلين سلام في كتابها الجديد -دليل الهجرة...خطوات إمرأة بين ...


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم رمزي - ذكريات حزينة