أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - توفيق التميمي - كتابات ناجية من شراسة الحروب .......الى الصديق علي بدر جنديا مهزوما وروائيا متالقا















المزيد.....

كتابات ناجية من شراسة الحروب .......الى الصديق علي بدر جنديا مهزوما وروائيا متالقا


توفيق التميمي
كاتب وباحث في شؤون التاريخ والذاكرة العراقية

(Tawfiktemimy)


الحوار المتمدن-العدد: 1610 - 2006 / 7 / 13 - 05:32
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لم يكن الروائي والناقد والكاتب العراقي (علي بدر) المقيم حاليا ومنذ فترة طويلة بعمان إلا جندياً في نهايات الحرب العراقية الايرانية وايامها الاخيرة التي تدور بتثاؤب ودبق دموي على تلال الجماجم والعظام البشرية لاحفاد الحضارة الرافدينية والفارسية ، وفي تلكم الايام القاسية كان يقتنص مواعيد عشقه واحلامه المؤجلة بالحياة من السحابة العابرة لزمن الاجازة الدورية كغيره من الآف العراقيين الطاعنين بحلم النجاة ورؤية طيور السلام ترفرف من جديد على سهول وجبال احرقت اخضرارها واثلمت كبرياءها شظايا الحروب المتسلسلة ورمادها المتبقى في القلوب الحزينة والارواح المنكسرة.


الفصل الاول
للجندي العراقي (علي بدر)
كل ما يشغل الجندي (علي بدر) في تلك الفترة صخب الحياة المنزوع من حداد الخنادق وصمتها الكابوسي الذي يسبق (الواجبات) التي تلتهم اصدقاء الملجأ وعشاق الحياة والكتب امثاله وتترك رماد الاجساد والحكايات والاغاني في ظلال الخنادق الشقية وسقوفها المنهارة.


لم تكن تلك الايام القليلة كافية للتخطيط الى هروب سري وخلاص ابدي من هذه الحرب التي تبدو منسية ولا نهائية، كما لم تكن كافية لاقتناص موعد عشق يبدد وحشة ايام الحرب الخاكية او يرتوي من لقاء اصدقاء المحنة ذوي الهويات المزورة الفارين من ألسنة تلك الحرب الهوجاء وفرق اعدامها الذين يتربصون بخطوات الفارين المذعورين اصدقائه اصحاب البطالة المستديمة.
قدر لعلي بدر ان ينزع البدلة الخاكية دون ان يهلك في مهالك الحرب، قدر له ان يوظف قابلياته بالسرد والتلاعب باللغة والافادة من حداثة نظريتها للشروع بكتابة هذه التجربة التي تصعب على الوصف او الاختراق او التماهي مع حدود المخيلة، تجربة عجيبة بوقائعها غريبة بتفاصيلها الصغيرة وموتها المشترك للطبيعة والانسان وموجودات الحياة الاخرى.
انتهت الحرب ولم تعد طيور السلام تحلق في سماواتنا الرمادية لان حروباً اخرى كانت بانتظارها كما لم تبق على صدر السموات الزرقاء فسحة لاعشاشها الآمنة، ولذا لم يتمهل (علي بدر) طويلا لكي لا يضطر للولوج في حرب ضاربة اخرى وبعد ان توجته الحرب عاشقا حيا قادرا على الكتابة المؤجلة بكل انماطها السردية والبلاغية والبحثية، اصطحب عاشقته وتلك الرعشات الابداعية لاقرب منفى من وطنه ليستريح من عناء التجربة ويكتب تأريخه من جديد، فكانت رواية (بابا سارتر) واحدة من الاعمال التي شاكست مسار التقليد في الرواية العراقية وكانت واضحة الملامح في مغايرة الاساليب ومغامرة الابتكار. لم يكن امام علي بدر الا تلك المغامرة الكتابية والابتكار الاسلوبي لتغادر سخونة التجربة جلدها اللغوي البدوي وتغادره لامكنة بعيدة وللذين لم يسمعوا باهوال هذه الحرب وايامها المنسية الا عبر انباء عابرة هنا وهناك لا تبقى في الذاكرة.
فكان لابد من انتهاك اللغة ونزع قشورها البالية لتنزع واقعا هامداً من الحروب والمجاعات وزلازل الخطوب من قلوب ضحاياه الميتين والاحياء على حقول الكتابة ومغامراتها غير المأمونة العواقب والنتائج. استعاض (علي بدر) عن تقاويم الحرب باخرى للكتابة والعشق فجاءت الكتابة باندفاع عجيب كمستحقات للدموع المؤجلة والرغبات المحطمة فكان امام امانة لشعب سيقرأ تاريخه المحذوف من مذكرات هؤلاء الجند الناجين من طرائق اخر الحروب الطويلة، لم تكن (الرواية) وحدها بكافية لكتابة هذه الفصول الغرائبية فكتب (أدب الرحلات) لعواصم زارها ومدن وطأها باقدام العاشق المكبوت المطلق سراحه توا من دهاليز سجون مظلمة وخنادق مهلكة.
بزمن قصير بحسابات الابداع وعالم الشهرة والاضواء قطع علي بدر مسافات طويلة في هذه العوالم بمستحقات متأصلة في ذاته الابداعية التي طمرها تراب الخنادق ورعب المخبرين، ولذا لم يتريث طويلا ليفتح كنوزه الابداعية ونفائسه النصوصية ليرسم للعالم سؤالا كبيرا بحجم محنة ومعاناة الاديب العراقي واغترابه المتأني والتاريخي.
ولذا كانت الجوائز المالية واختام المدن على جوازه جزءا بسيطا من استحقاقات ذلك المبدع العراقي الصديق الناجي من الحرب الان يقيم علي بدر في شقة مناسبة ومريحة لعائلته في العاصمة الاردنية يريح كتاباته الجديدة وينتظر مواعيداً مؤجلة لسفرات حالمة لعواصم الدنيا مع اسرة سعيدة.
ليس هذا خاتمة المطاف في هذه القصة فعلي بدر حتى شهادة هذه السطور الاخيرة ما هو الا ذلك الجندي الذي (خرج من الحرب سهوا) بتعبير احد الشعراء العراقيين ومعه خرج الالاف من الذين لازالوا ينشدون بوجع هذه التجربة ووقائعها العجائبية.
ولكن الغريب في هذه القصة والمفارقة التي لا يمكن ان تتكرر مما يجعل لقصة (علي بدر) ذلك البعد التراجيدي لوجع انساني لا يمكن ان يتكرر في فصول المأساة الانسانية هو لقاءه المرتقب الشهر القادم بجندي ايراني كان يقابله في خندق معادي ايام تلك الحرب وقدر له ان ينجو منها كما نجا علي بدر وقدر له ان يتألق في الكتابة كما تألق ليسير كلاهما بمسارات متوازية من الابداع والكتابة ويخطفان نجوما متشابهة من الاضواء والاوسمة والشهرة.
كلاهما فرا من بلديهما عقب حربهما الهمجية ليشهدا للعالم باللعنة الابدية على تجارب الحروب ومدافن قتلاها وتجار بورصتها. الان تبدأ الفارزة الفاصلة بقصة علي بدر.

الفصل الثاني
قصة الجندي الايراني (شاهبور)
سوف لا نمضي طويلا في قصته لانها متشابهة في وقائعها واحلامها وما آلت اليه بقصة الجندي العراقي (علي بدر) حتى ان لهما ذات العائلة السعيدة المكونة من زوجة وطفلين رائعين كلاهما امتهنا الكتابة والسرد ليرويا تأريخ الخنادق المتقابلة لحروب عبثية اوقد نارها حقد الطغاة واحلامهم الشريرة كلاهما هرب من الحرب سالما متوهجا بنزيف الابداع وارهاصات الرؤى المؤجلة وعاهة مستديمة بالكتابة.
وشعرا بيقين واطمئنان بانهما جديران باعادة ترميم الخراب لبلديهما التي أكلتها نيران الحروب وظلمة الزنازين بوضع بدائل شعرية تمحو اثار الجزم العسكرية وايام البيانات الحربية ونحيب اللافتات السوداء.
حتى هذه اللحظة لم يلتقيا ولم يتعارفا مع بعضهما (علي بدر) العراقي و(شاهبور) الايراني لم يدركا انهما كانا على خندقين متقابلين من جبهة حرب خاسرة للجميع قبل عقدين من الزمن تقريبا.

اللقاء المرتقب الشهر القادم
منظمة انسانية في (المانيا) عملها مناهضة الحروب وترميم تشوهاتها وتؤسس لسلام ابدي اقتنصت هاتين القصتين المشتركتين للجنديين العراقي والايراني تابعت سيرتهما ومسارهما الابداعي في الوطن والمنفى احصت ما قطفاه من جوائز واوسمة مشتركة وعدد ما اصدراه من مطبوعات تكاد تكون متقاربة من بعضهما، التقطت وحدة التجربة ووجع اللغة الموحد لكليهما.
راقبت هذه المنظمة كل شيء من النجاة من الخندق حتى اخر جائزة ابداعية نالها هذان الجنديان الكاتبان عرفت المنظمة عنهما كل شيء اسرارهما العائلية والكتابية واعداد كتبهما المطبوعة والتي تنتظر، بذلت هذه المنظمة كل هذا العناء ليلتقي الكاتبان على طاولة مستديرة ترفرف عليها طيور السلام وتظللها اشجار الامان وينتشر من حولها عبق الكرامة الانسانية التي اهدرت في بلديهما في خنادق شقية وسجون مرعبة.
نعم سيلتقي هذان الجنديان بعد لقائهما الاول في خنادقهما المتقابلة على جبهة الحرب. ومن شروط اللعبة ان لا يرى احدهما الاخر ولا يتصل الواحد بالاخر حتى يحين موعد اللقاء، وهنا تكمن ذروة هذه القصة والاسئلة الموجعة منها كيف سيكون اللقاء بعد عقود من انطفاء حربهما المشتركة كيف ستفهم البشرية التي ستشاهد اللقاء عبر اجهزتها المرئية وقائع قصة كهذه ومحنة كهذه؟
كيف ستكون لحظات اللقاء الاول؟.. ارتباك.. دموع.. غياب اللغة.. وحضور المعنى الغامض الذي ستظهره الكلمات المحتملة لهذين الكاتبين.
اية رسالة سيتركها هذان المحاربان على طاولة السلام هذه هل سيكتفيان بالاشارة الى رعشة المبدعين واقلامهم وهي اقوى من فوهات الرصاص الطائش واقوى من احلام الطغاة والاشارة الى ان المستقبل لا يصفه الا الحالمون الفارون من امثالهما من الكتاب والشعراء.
كيف سينتهي هذا اللقاء والذي اتمنى ان اشاهد تفاصيله ويشاهده معي آلاف الجنود المعاقين والمشوهين بتلك الحرب التي لفظت بفظائع اهوالها هذين العاشقين والقتهما المقارير الغريبة والمفارقات المدهشة على هذه الطاولة المرتقبة في احدى عواصم اوروبا.
هل سيكون لنا حلمٌ بان تكون في بلداننا ذات يوم مثل هذه المنظمات الانسانية المناهضة للحروب وخاصة انه لا يوجد في العالم مثل اوطاننا اوطانا التهمتها نيران الحروب وتركت جبالاً من رمادها المتكون على آلاف الجماجم والارامل.
هل سيفهم العالم من الخطوط المشتركة في قصتهما بانهما سيوجزان تاريخ هذه الارض وتقاويم نكباتها واهوال مرائعها في غفلة من القدر والزمن لقاء هو اشبه بالخرافة واقرب الى اللامعقول القدري الذي تزخر به روايات ومسرحيات (سارتر وبيكيت) منه.. الى الواقع.
الرعاية الاوروبية لمثل هذا اللقاء تشكل ابرز علامات نكوص واقعنا الشرقي وتمثل رؤية سوداء في مكوثنا بارض رخوة لازالت تحتمل مزيداً من الحروب وانجاب المزيد من الطغاة



#توفيق_التميمي (هاشتاغ)       Tawfiktemimy#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجيه عباس الهزل الكتابي في زمن البكاء والدماء
- الستون كرسيا مدرسة عوني كرومي للاحتجاج المبكر
- المشرع التنويري للشهيد قاسم عبد الامير عجام
- صحافة قومجية سوداء تريد ااحراق مستقبلنا
- ........اسبوع المدى الثقافي....الشروع ببناء مجتمع مدني للثقا ...
- الشعوب العربية قبلكم يا حكام رفات القومية
- كرنفال دموي لحديقة الجوادرفي عيد الاشجار
- انتفاضة اذارالعراقية امانة في ذمة المبدعين
- هل يعود معلمنا الخالد؟
- نعزي البريكان في موسم اضحية الطوائف
- ما بعد الرسوم الدنماركية
- الارهابيون يلاحقون((اطوار)) لمشارف قبرها
- موفق محمد سفير للوجع العراقي
- ثقافة القرصنة والانقلابات
- احمد خلف يعبر حده الفاصل ليتنبا بموت ابيه
- مكتبة عراقية في نادي الاخاء التركماني
- المشترك في نكباتنا المقدسة
- ملتقى السياب التاسيسي/المعلم محمد خضير وتسيد القصيدة العمودي ...
- ناظم السعود يتامل البنايات العالية
- العرفان والامتنان لشهداء رصيف الكتاب وشهوده


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - توفيق التميمي - كتابات ناجية من شراسة الحروب .......الى الصديق علي بدر جنديا مهزوما وروائيا متالقا