أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي سيد فرج - مؤتمر الاصلاح العربي















المزيد.....


مؤتمر الاصلاح العربي


فتحي سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1611 - 2006 / 7 / 14 - 06:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



مؤتمر الإصلاح العربي الثالث
فتحي سيد فرج
إذا كانت قضية الإصلاح قد شغلت الناس وملأت الدنيا فى العقد الأخير، وأصبحت فى مقدمة القضايا التى تركز عليها النخبة والجماهير، فان مكتبة الاسكندرية " بمؤتمر الإصلاح العربى " تكون قد بدأت فى تحقيق دورها المأمول ، وقد صدر عن المؤتمر الأول مارس 2004 " وثيقة الاسكندرية " التى شملت توصيات فى الإصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى ، وتم الحرص على أن يكون المؤتمر حلقة أولى من سلسلة مؤتمرات عربية متواصلة ، بالإضافة الى الاهتمام بوضع آليات التنفيذ تلافيا لسلبيات المؤتمرات السابقة التى كانت تكتفى بوضع التوصيات دون تواصل أو وضع آليات تنفيذ لها ، وفى المؤتمر الثانى مارس 2005 تم التركيز على مناقشة التجارب الناجحة فى مجالات عمالة الشباب ، وتمكين المرأة ، وقضايا التعليم ، والبيئة والمياه ، والتكافل الاجتماعى ، وحقوق الإنسان ، والتنمية الشاملة والمستدامة .
إما المؤتمر الثالث مارس 2006 فقد انتقل لكى يشتبك مع الواقع والإشكاليات العربية المعوقة للإصلاح وكانت محاوره تدور حول " التحديات والمشاغل التى تواجه منظمات المجتمع المدنى " فعلى مدار ثلاثة أيام تم عرض العديد من الأوراق العلمية لمجموعة من المفكرين والباحثين العرب والأجانب ، كما دارت مناقشات حول قضايا ذات أهمية بالغة ، فى اليوم الأول وفى الجلسة الافتتاحية عرض فيلم عن المؤتمر السابق ، وفيلم آخر عن إنجازات مكتبة الاسكندرية ، وترأس د . إسماعيل سراج الدين الجلسة الأولى ، حيث اجلس المتحدثين حول موضوع " المشاغل التى تواجه المجتمع المدنى العربى "وأخذ يطرح عليهم بعض الأسئلة ليقوم كلا منهم بالرد عليها ، كما تم توزيع أوراق على جمهور الحاضرين لكتابة أسئلتهم أو مداخلتهم وبعد فرزها قام د . سراج الدين بإعادة طرحها على المتحدثين ، وهكذا كانت الجلسة الثانية التى كانت حول " الخبرات الدولية للمجتمع المدنى " إما الجلسة الثالثة فقد كانت حول موضوع " رؤى المستقبل " .
فى اليوم الثانى كانت الجلسة العامة الرابعة حول المشروعات الخاصة " الملتقى الالكتروني – المرصد العربى" وبعد ذلك تم تقسيم المشاركين فى المؤتمر وفقا لرغباتهم على لجان لمناقشة الأفكار والأبحاث المقدمة للمؤتمر عن ، تمكين المرأة ، والقروض الصغيرة ، وعمالة الشباب ، والشفافية ، وحقوق الإنسان ، وقضايا البيئة ، ورأى بعض الحضور ضرورة إضافة موضوع " الاطار التنظيمى للعمل الأهلى " واستمرت المناقشات المفتوحة داخل اللجان الى الجلسة العاشرة المخصصة لتقديم توصيات هذه اللجان، عدا الجلسة الثامنة التى كانت عامة فى بداية اليوم الثالث حول " الإصلاح من داخل وخارج المؤسسات " وقد أدارها د . إسماعيل سراج الدين بنفس الأسلوب السابق .
وفى الفاءات العامة وداخل اللجان وفى جلسات العشاء وقاعات الطعام ، وفى المسامرات الشخصية كانت العقول العربية مع بعض الضيوف الأجانب ، تلتقى وتتفاعل ، تتعرف وتوثق العلاقات ، تنقل الأفكار والخبرات ، وتطرح الأسئلة حول من أين يبدأ الإصلاح ؟ ومن أى مجال ؟ ومن الذى يرسم برامج وخطط الإصلاح ؟ الحكومات والمؤسسات الرسمية والنخب الحاكمة وحدها ، أم ينبغى إشراك منظمات المجتمع المدنى فى وضع البرامج و الخطط ، والمشاركة فى التنفيذ والمراقية لتعديل المسار ، كل ذلك تعبيرا عن فاعلية العقول العربية وشوقها الدائب للإصلاح
وبرغم الخلافات النوعية بين الدول العربية نتيجة اختلاف درجة التطور وحجم الثروة وقوة الموروث الثقافى أستطاع المثقفين العرب أن يجسدوا أمالهم فى عالم عربى أفضل ، وأن يعرضوا المعوقات التى تواجه إمكانية تحقيق ذلك ، وأصبح لزاما عليهم أن يجتمعوا فى ربيع كل عام ليقيسوا عبر مؤشرات علمية حجم التقدم الذى يطرأ على مسيرة الإصلاح فى العالم العربى ، ومع الأسف فان مؤشرات التقدم هذا العام تقول إن المجتمع المدنى فى العالم العربى لا يزال أضعف من أن يكون قوة ضاغطة تدفع نظم الحكم الى الإسراع بالتغيير ، وأن الفقر لا يزال فى بعض المجتمعات عاملا أساسيا فى إعاقة الديمقراطية ، فرغم أقرار كل الحكومات العربية بأهمية الدور الذى يمكن أن تلعبه الجمعيات الأهلية كجسر يصل الحكومة بالجموع الشعبية ، وكشريك أساسى الى جوار الدولة والقطاع الخاص فى جهود التنمية ، لا تزال هناك أزمة ثقة بين الجانبين تحول دون هذه العلاقات بما يجعل الجمعيات شريكا حقيقيا يضطلع بمهامه فى الارتقاء بنوعية الحياة ، كما أن منظمات المجتمع المدنى نفسها تعانى من جوانب قصور ذاتى مما يجعلها عاجزة عن أداء ادوارها على الوجه الاكمل فلولا الدعم الذى يأتى الى هذه الجمعيات واغلبه من الخارج لما تمكنت من القيام بأنشتطها المعهودة ، وهو أمر قد يثير بعض الشكوك فى مدى قدرتها على الاستقلال الذاتى .
وقد ثارت مناقشات حول قضية الشفافية وعلاقتها بالحكم الرشيد فى ظل تضخم ظواهر الفساد وأثارها السلبية على الدول والمجتمعات العربية ، لان الفساد يعوق حصول الفرد على نصيبه العادل من الدخل القومى ومن الخدمات ، وحيثما ينتشر الفساد يغيب العدل ، وتزداد الصراعات ، ويسود الإحباط وينمو العنف والتطرف ، ووفقا لأوراق العمل والمناقشات فقد تبين أن أى برنامج ناجح لمكافحة الفساد لابد أن يبدأ مع النشء الجديد لإعادة تثقيفة بمجموعة القيم الإنسانية ، مع تطبيق معايير الشفافية ، لكن اقتلاع الداء من جذوره يتطلب إصلاح البنية السياسية للدولة ، ووجود حكومة منتخبة ، ونظام لتداول السلطة ، والحساب والمساءلة ، وفصل بين السلطات ، وإعلام حر ومستقل قادر على التعبير ونقل الحقيقة ، وقوانين عادلة تسرى على الجميع دون أي استثناءات ، واهم من كل ذلك حسن اختيار القيادات على أساس معيار الكفاءة .
كما حظيت قضية الحفاظ على البيئة فى العالم بأهمية بالغة حيث ألقت السيدة " كاترين فولر" محاضرة عامة جسدت فيها خطورة الجرائم التى يرتكبها الإنسان فى حق البيئة العالمية بسبب تدمير نصف الغابات الاستوائية ، وانقراض فصائل عديدة من الحيوانات والنباتات بمعدلات متسارعة زادت من مخاطر فقدان التوازن البيئى ، ووصول معدلات الزيادة لغاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى الى حد خطير ، نتج عنه ظاهرة الاحتباس الحرارى ، وزيادة ثقب الأوزون ، فضلا عن التدهور فى نظم المياه العذبة وارتفاع معدلات تلوثها مما يهدد بانقراض جميع فصائل الاسماك بها فى الأمد المنظور .
وفى أطار لجنة البيئة ركز العالمين المصريين د . مصطفى طلبة ، ود . صلاح حجار فى أورقاهما البحثية على دراسة مهمة تمت عام 1999 لحجم الخسائر فى العالم العربى الناتجة من التدهور البيئى ، فحجم الخسائر فى مصر يكاد يقترب من 5 % من مجموع الناتج المحلى ، وبما يساوى 19 مليار جنيه سنويا ترتفع عام 2006 الى حدود تتجاوز 25 مليارا ، أكثر من ثلثها نتيجة زيادة معدلات تلوث الهواء ، وياتى فى المرتبة الثانية تردى الوضع البيئى فى المغرب والجزائر ولبنان وتونس التى يستنزف التدهور البيئى نسبة 2 % من ناتجها المحلى ، ورغم كثرة القوانين المصرية التى تستهدف منع العدوان على البيئة ، إلا أن التطبيق العملى لهذه القوانين لا يزال ضعيفا ، ولا يبدو أنه سوف يكون بامكان الحكومات العربية السيطرة على عوامل التدهور البيئى دون تطبيق صارم وحازم للقانون ، وقد يساعد فى ذلك تشجيع إنشاء جمعيات أهلية تقوم على العمل التطوعى لمواجهة العدوان المستمر على البيئة .
وفى لجنة " القروض الصغيرة " دارت مناقشات حول أسلوب مواجهة الفقر الذى ينشب أظافره فى نسبة مهمة من سكان المجتمعات العربية تتجاوز 30 % فى مصر ، وتزيد عن ذلك فى عديد من بلدان العالم العربى ، وتم التأكيد على أن القروض الصغيرة تذهب الى المشروعات المتوسطة والصغيرة التى تستهدف 80 % من قوة العمل الأهلية والتى يمكن أن تولد المزيد من فرص العمل بتكاليف زهيدة ، ويمكن أن تشجع على قيام المشروع العائلى الذى يشارك فيه كل أفراد الأسرة ، كما أن القروض المتناهية الصغر تعاون نسبة كبيرة من ربات الأسر الفقيرة .
ولاشك أن فلسفة الاعتماد على القروض الصغيرة لحصار الفقر وتحسين دخول الفقراء هى الأسلوب الأكثر إنسانية من كل نظم المساعدة المالية المباشرة ، ورغم كثرة الحديث فى مصر عن وجود استراتيجيات فاعلة لتنمية الإقراض الصغير فان الحصاد جد متواضع ، لأن مجمل القروض التى منحت لهذا القطاع الضخم لا تساوى 25 % من قرض واحد كبير ، وعندما تسأل عن سبب الإخفاق فسوف تستمع الى سلسلة من الأسباب ، تبدأ من المصاعب الإدارية الى غياب ضمانات القروض الصغيرة التى غالبا ما يتم سدادها بنسبة 100 % ، والى صعوبة الوصول الى العملاء ، ومع أن البنوك التجارية تمثل أفضل وسائل لهذه القروض ألا أنها لا تتحمس لمثل هذه الأعمال ، وإذا كانت الدولة قد خصصت 10 % من مشتروتها لتشجيع انتاج المشروعات الصغيرة والمتوسطة ، و 10 % من أراضيها لهذه المشروعات ومع ذلك لم يرتفع حجم الائتمان المنوح الى حدود مماثلة ، وطالب المشاركين بزيادة الاعتماد على الجمعيات الأهلية ودورها فى توصيل هذه القروض الى مستحقيها .
وقدم منتدى الإصلاح العربى إضافتين لا يمكن المبالغة فى أهمية كل متهما لعملية التنمية والإصلاح فى جوانبها المعرفية والنقدية ، حيث قدمت مكتبة الاسكندرية " الملتقى الالكتروني العربى" وهو عبارة عن شبكة معلومات دولية من خلال شبكة اتصالات الكترونية ، لتسهيل وضمان تواصل المفكرين والعلماء والمثقفين والمبدعين العرب من كافة تخصصاتهم ، حيث يمكن تبادل كل ما يخص بلدانهم من بيانات متجددة على مدار العام فى إطار حوار معلوماتى وفكرى سواء كانت منتجة للمعرفة أو قائمة على التخطيط أو مسئولة عن التنفيذ .
وعلى الجانب المعرفى النقدى قدم " مرصد الإصلاح العربى" الذى أنشأه المنتدى ، باكورة أعمالة التى تمثلت فى مجموعة أبحاث تحت أشراف أستاذ علم الاجتماع السياسى والمفكر الكبير " السيد يسين"، ترصد الواقع العربى ، وحركة أقطاره فى تقدمها نحو الإصلاح ، إضافة الى بحث تمهيدي فى كتاب مستقل عن " الإشكاليات والمؤشرات " لعملية رصد الواقع وحركة نموه ، من خلال رؤية معرفية نقدية ، بهدف التوصل الى خطة استراتيجية لعملية التنمية الشاملة ويعتبر تقرير المرصد العربى أول دراسة عربية علمية متكاملة للواقع العربى وتحولاته ، ونقلة نوعية فى مجال وضع مؤشرات للقياس الكمى والكيفى لمعدلات التقدم فى الإصلاح الديمقراطى .
ففى مجال المؤشرات السياسية كان الدستور الديمقراطى من زاوية وجوده أو عدمه أو تعديله ليصبح أكثر ديمقراطية ، ووضع المؤسسات التشريعية من حيث وجود برلمانات منتخبة انتخابا حرا مباشرا ، ووضع الهيئات القضائية ومدى استقلاليتها ، وسيادة القانون باعتباره المحدد الأساسى لعمل الهيئات القضائية ، ووضع الأحزاب ومدى توفر التعددية ، وموضع منظمات المجتمع المدنى ، من حيث حقها فى التكوين وحرية التعبير عن احتياجات الفئات الاجتماعية . إما المؤشرات الاقتصادية فقد ركزت على قدرة الأداء الاقتصادى ، ومعدلات النمو ، والتضخم ، والبطالة ، والاندماج فى الاقتصاد العالمى ، ومستوى الشفافية والرقابة والمحاسبة ، والتزامن بين اللبرالية الاقتصادية والسياسية . وفى مجال الإصلاح الاجتماعى كانت المؤشرات عن مستوى نوعية الحياة ، ودرجة التهميش الاجتماعى ، وأوضاع الفئات الضعيفة فى المجتمع . وفى المجال الثقافى تم التركيز على مؤشرات التجانس ، ومدى توفر العقلانية ، ووضع وسائل الإعلام من حيث قدرتها على حرية التعبير وتداول المعلومات ، ودرجة الاستقلالية ، ووضع الحقوق والحريات العامة من حيث حرية التعبير والاعتقاد والتفكير والإبداع ،، وحري الانضمام الى مؤسسات المجتمع المدنى ، ودرجات المساواة الاجتماعية .
وقد اتبعت مجموعة البحث التى قادها د . محمد السعيد إدريس منهجا ثلاثى الأبعاد لصياغة هذه المؤشرات تقوم على نظرية التحدى والاستجابة ، إضافة الى بناء سيناريوهات للمستقبل ، التحدى الذى يتمثل فى مدى تأثير المدخلات الداخلية بمعنى القدرة على التوفيق بين محاولات التغيير ، مع استمرار المحافظة على الأمن والاستقرار ، اضافة الى التحديات الخارجية المتمثلة فى تداعيات الاوضاع العربية فى علاقاتها مع القوى الكبرى – الاحتلال الامريكى للعراق ، وتصاعد الدعوى المطالبة بسرعة التغير الديمقراطى – وتواجه المجتمعات العربية إشكالية التعامل مع النموذج الغربى باعتباره النموذج الأمثل لما يجب أن تكون عليه عملية الإصلاح ، فى ظل خصوصية الظروف العربية وتباين أوضاعها ، فى منظومة القيم السائدة أو انماط العلاقات الاجتماعية أو مستوى الثروة ونوعيتها وكيفية توزيع الدخل ، ونوع القوى الدافعة لعملية التحول الديمقراطى .
ووفقا لتصنيف " جياكومولوتشيانى " للدول العربية من منظور اقتصادي ، بين دول توزيعية ، ودول إنتاجية ، تتميز الأولى بان مواردها تأتى من الخارج ، والولاءات فيها على أساس قبلى ، فى المقابل فان الدول الإنتاجية يمثل نشاطها الاقتصادي الداخلي المصدر الرئيسى للثروات ، وتكون الولاءات فيها عبر الترويج للأسطورة الوطنية .
وقدم تقرير المرصد العربي للإصلاح تحليلا ضافيا لواقع دول مجلس التعاون الخليجي باعتبارها تمثل نموذجا لخصوصية نظم الحكم وما تمثله من تحديات لعملية الإصلاح وفق النموذج الغربى ، فإذا كان الإسلام هو الدين الرسمي فى الدول العربية ، فانه أيضا مصدر الشرعية للنظم السياسية فى الخليج ، وتستند أنظمة الحكم بها الى تحالفات تقليدية قبلية ، يعتمد حضورها أو دورها على القرب من الأسر الحاكمة ، ومفهوم الشرعية يرتبط بشخصية الحاكم ، تسير مظاهر التحديث للبنى التحتية فى ظل جمود وعدم تحرك سياسى نتيجة جملة من العوامل ترتكز على القبلية والمراثية والاقتصاد الريعى .
فالدول الخليجية قبائل بأعلام لا يشعر الفرد فيها بالمواطنة ، بل هو مجرد عضو فى تحالف قبلى يظهر ولاءه للشيخ ، ويرتبط الشيخ بولاءه للحاكم مقابل حصوله عل نصيبه من الغنائم ، كما أن النظم الحاكمة تتمتع بقدر من الديمومة والاستمرارية الناتج عن ميراثية الحكم ، ويقوم الأساس الاقتصادى على النشاط الريعى المعتمد على عائدات النفط والغاز الطبيعى بكميات كبيرة ، وتحولها الى دول ريعية وسم العلاقة بين الأفراد والدولة فهي دول لا تفرض الضرائب والمكوس ، بل تقوم على عكس كل دول العالم بالدفع للأفراد بها عبر توظيفهم فى ممتلكاتها الإدارية والأمنية والخدمية فيما يشبه الرشوة السياسية .
وتكون النتائج المترتبة على هذا النظام الريعى فى عدم قيام مجتمع مدنى ، حيث تسقط المطالبة تجاه الدولة ، ويخضع الأفراد لنوع من الولاء للدولة الراعية ، ولا يرون أهمية للفوارق فى توزيع الثروة لأنها تأتى بغير عمل منتج ، أو لمحاولة تغيير النظم السياسية ، ويكون الحل بالنسبة للفرد الذى يشعر بالغبن فى المناورة لحيازة منافع أكبر وليس التعاون مع أفراد آخرين يعيشون حالته من أجل التغيير .
وينحط الحراك السياسى ونادرا ما يتطور الى حوار حقيقى ، أو وجود لمنظمات ذات طابع حقوقى ، فمع عدم وجود ضرائب فأن الأفراد يكونون أقل إلحاحا نحو المشاركة السياسية ، فتاريخ الديمقراطية يرتبط بوجود علاقة بين الحاكم والمحكوم من خلال دفع الضرائب - فلا ضرائب يدون تمثيل سياسيى - لكل ذلك تتسم نظمها السياسية بالسمات التالية
• عدم وجود حكومات ممثلة لمصالح السكان .
• الدساتير غير موجودة أو ملغاة أو غير معمول بها .
• عدم وجود انتخابات ، أو تنظيمات مجتمعية مستقلة ، كالأحزاب والنقابات والمنظمات الأهلية أو المهنية
.وبهذا يتضافر التراث القبلى مع ميراثية الحكم فى تعزيز العقلية الريعية التى تكسر الارتباط بالعمل المنتج إذ تصبح المكافأة كسبا وليس ثمرة عمل ، وتسبغ نوع من الولاء والخضوع للدولة مقابل حصولها على الشرعية
هذا وكان د . على أبو ليلة المسئول عن الجوانب الاجتماعية والثقافية موفقا فى البدء بالتشخيص العام للمجتمع العربى بصفة عامة ، ينطلق من نظرية مبناها أن هناك ثلاثة عوامل أثرت على الأزمة التى يواجهها هذا المجتمع فى ظروف التحول تحت تأثير الحالة الاستعمارية ومتطلبات عملية التحديث ، بعبارة أخرى اقتضى تطور المجتمع العربى الانتقال من صيغة المجتمع الزراعى والبدوي الى صياغة المجتمع الصناعي ، ومعنى ذلك تفكيك نظم المجتمع التقليدي لبناء مجتمع حديث ، غير أن عملية التفكيك إن كانت قد تمت ، فأن عملة بناء المجتمع الحديث لم تكتمل ، بسبب عدم وجود رغبة أو مصلحة للأنظمة الحاكمة فى ذلك ، اضافة الى أن الأنساق الاقتصادية والاجتماعية السائدة مارست أنواعا شتى من مقاومة التحديث ، وظهرت مشكلات وتحديات جديدة لعل أهمها ازدياد دوائر الفقر ، وتدنى نوعية الحياة ، وارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب والمتعلمين .
لذلك أهتم التقرير بشكل خاص بالتركيز على مؤشرات لقياس نوعية الحياة ، حيث أنه ابتداء من فترة السبعينيات تركز الاهتمام فى أشياع حاجات البشر الأساسية ، وكان النموذج المستهدف عالميا هو دولة الرفاهية ، التى نجح عدد محدود من دول العالم الثالث فى الوصول الى تحقيقها ، غير أن اغلب الدول العربية عجزت عن توفير الحد الأدنى لنوعية الحياة الإنسانية ، وكانت النتيجة النهائية تقرر ، إن قدرة الدول العربية للارتقاء بنوعية حياة مواطنيها أصبحت أكثر تأكلا من فترات تاريخية سابقة ، وفيما يتعلق بأوضاع الفئات الاجتماعية ومشكلاتها رصدت نتائج سلبية لوضع المرأة والتى مازالت مكبلة بقيود متعددة ، ومن ناحية اخرى بعانى الشباب العربى مشكلات أبرزها البطالة والعنف ، واستغلال الأطفال الفقراء ودفعهم الى سوق العمل مبكرا ، وارتفاع معدلات الأمية والتسرب من التعليم .
ويقول السيد يسين المشرف العام على التقرير : وجاء التحدى المنهجى الحقيقى حين انتقلنا من السياق الاجتماعى الى حالة الثقافة فى العالم العربى ، وفى بحث له بعنوان " الوجوه الثلاثة للثقافة العربية " يرى إن للثقافة العربية المعاصرة ثلاثة وجوه ، وجه يتعلق بالماضى ، ووجه يتعلق بالحاضر ، ووجه آخر يتعلق بالمستقبل . ويتمثل وجه الماضى فى ظاهرة تلخص التحولات الثقافية العميقة التى لحقت بالمجتمع العربى فى العقود الأخيرة ، والتى أطلقنا عليها " إعادة اختراع التقاليد " وهو وصف دقيق للمناخ الثقافى العربى الراهن ، لأنه تسود المجتمع العربى فى الوقت الراهن موجة عارمة من العودة للدين ، والتى تتمثل فى انتشار مظاهر التدين الشعبى بين مختلف الفئات الاجتماعية ، وذيوع الفكر الخرافى الذى يستند زورا لأسانيد دينية ، وشيوع نزعات التطرف تعبيرا عن رؤية مغلقة للعالم تقوم على التحريم والتكفير وبروز الإرهاب كترجمة لهذا الفكر المتطرف .
إما وجه الحاضر للثقافة العربية المعاصرة فيتمثل أساسيا فى كيفية تفاعلها مع عاصفة القرن الحادى والعشرين ، وهى العولمة بكل تجلياتها ، فى هذا المجال هناك خلافات شتى بين أنصار العولمة الذين يقبلون توجهاتها دون تحفظ ، وأعدائها الذين يرفضونها على وجه الإطلاق ، ويبقى وجه المستقبل والذى يتمثل فى غياب الرؤية الاستراتيجية العربية مما أدى الى خلل جسيم فى الممارسات السياسية والاقتصادية ولاجتماعية .
غير أن هذا الاتجاه الذي يمثل نوعا من تطبيق منهجية التحليل الثقافى ، يوجد بالإضافة إليه اتجاه آخر يميل الى التحليل السوسيولوجي للمتغيرات الثقافية سعيا وراء الاقتراب الشديد من الواقع العربى المعاصر ، وهذا هو الاتجاه الذى تبناه فريق البحث الاجتماعى غير أنه لابد لنا من الإشارة الى أن المشكلة الحقيقية فى مجال تطور المجتمع العربى تتمثل فى عدم تحقيقه لأهداف ومهام المجتمع الصناعى ، بمعنى أن طرائق التفكير وأساليب الأداء مازالت متأثرة الى حد كبير بطرائق تفكير المجتمعات التقليدية ، فى حين أن مرحلة المجتمع الصناعى فى المجتمعات المتقدمة وصلت الى منتهاها ، لأنها دخلت فى طور جديد وهو نموذج مجتمع المعلومات العالى ، وهذا النموذج – على عكس ما يشيع فى المجتمع العربى – لا يتعلق بالبنية التحتية للمعلومات ولا بالحكومة الالكترونية ، ولا بتكنولوجيا المعلومات النمطية ، لأنه فى الواقع نموذج حضارى متكامل لا يمكن أن يلتمس إلا فى إطار نظام ديمقراطى حيث تسود حرية تداول المعلومات والشفافية وحرية كل مواطن فى الحصول على المعلومات التى يريدها فورا ومجانا ، .من هنا يمكن القول أننا لا نستطيع أن ننتقل الى نموذج مجتمع المعرفة بغير إن تتوفر جميع الشروط المبدئية لانجاذ مهام مجتمع المعلومات العالى .
وفى إطار صعود المجتمع المدتى عرض أيمن عبد الوهاب المسئول عن هذا الأمر فى فريق المرصد تطورات هذا الصعود ، والذى ارتبط بشكل اساسى بسقوط النظم الشمولية فى العالم العربى ، حيث كانت بنية النظم السياسية العربية تعمل على تجميد مؤسسات المجتمع المدنى ، غير أن عمليات التحول الديمقراطى فى العديد من هذه الدول فى العقود الماضية أدت الى إحياء مؤسسات المجتمع المدنى بصورة غير مسبوقة ، وقد ساعد فى ذلك ظهور المجتمع المدنى العالمى بتأثير العولمة بتجليتها المختلفة ، غير أن عملية إحياء المجتمع المدنى العربى تنطوى على طرح عديد من القضايا الشائكة ، فى مقدمتها إعادة النظر فى العلاقة بين الدولة والمجتمع ، وهو يحدد فى هذا المجال ثلاث إشكاليات : الإشكالية الأولى تتعلق بصعوبات قياس حجم الإسهام الاقتصادى والاجتماعى والثقافى لمؤسسات المجتمع المدنى ، والإشكالية الثانية تتعلق بدور المنظمات فى تعظيم قدرات الدولة ومواردها عبر دورها الخدمى والرعائى ، ودعمها لعمليتى المشاركة والتوزيع فى المجتمع لتسهم بذلك فى اضفاء المزيد من الشرعية على النظام السياسى وتدعيم اركانه .
إما الإشكالية الثالثة والأخيرة فهى تتعلق بما أفرزته سياسات الدمج الوظيفى والهيكلى الحكومية تجاه المنظمات الأهلية من نتائج أبرزها هشاشة المجتمع المدنى العربى نتيجة للقيود العديدة التى تفرضها الدول على أنشطة هذه المؤسسات ، وأخيرا يمكن القول أنه نتيجة تطبيق المؤشرات الخاصة بقياس محصلة مؤسسات المجتمع المدنى ، والتقييم العام الذى توصل إليه فهو يقرر: شهد عام 2005 استمرارا للنهج المتصاعد الذى تبنته بعض منظمات المجتمع المدنى العربى للتشابك مع مؤسسات المجتمع المدتى العالمى من جانب التفاعل مع ما حملته الأجندة العالمية من قضايا تتعلق بالآمن الانسانى والتنمية البشرية ، غير أنه يضيف أن التغيير فى الرؤية والآليات الذى شهدته بعض المنظمات الأهلية يظل محدود الأثر والفاعلية ويؤكد مجموعة من الملاحظات :
• إن الوقوف على أداء المؤسسات المدنية أو الأهلية وقدرتها على القيام بالمهام المنوطة بها مثل التدريب على التنافس والمشاركة ، تظل محددا رئيسيا للمقارنة بين تباين مستويات التجارب الديمقراطية .
• غلبة المكون الدينى على ما عداه من عوامل دافعة للعمل الأهلى وانتشاره ، بالإضافة لضعف الدور التنموى ، وانقطاع الدور الثقافى أو غيابه ، ساهم فى تقييد دور التنظيمات الأهلية وفلسفتها عند حدود التكافل الاجتماعى وتقديم الأعمال الخيرية .
• صعوبة قياس حدود مساهمتها فى الحد من النزاعات السلطوية فى الحكم أو حجم مساهمتها فى مقرطة مؤسسات المجتمع وإشاعة القيم الديمقراطية ومن ثم عملية التطور الديمقراطى .
• تعد قضية التمويل أحد أبرز عقبات النشاط الأهلى فى البلاد العربية ، نظرا للرقابة الحكومية على مصادر التمويل وخاصة الأجنبية منها ، فى ظل غياب الدعم الداخلي لقدرات هذه المنظمات لسيادة ثقافة لا تساعد على ذلك فى المجتمعات العربية .
• التدخل الحكومى المباشر فى حل منظمات المجتمع المدنى خاصة النقابات المهنية ، وهيئات أعضاء التدريس بالجامعات ، والأحزاب السياسة أو الإشراف عليها من قبل جهات لاتمثل أعضائها .
وإذا كنا قد عرفنا وأكد لنا " السيد يسين " نفسه أهمية تأسيس ذلك المرصد أسوة بما هو موجود فى العديد من الدول المتقدمة والنامية ، انطلاقا من الأهمية القصوى لعملية استقصاء حقائق تكوين الواقع واستقصاء حقائق حركته ، ووضع الرؤى والخطط الكفيلة بضمان عدم عشوائية هذه الحركة ودفعها الى النمو الصحى باستمرار ، وعرفنا أننا بإزاء دراسة استطلاعية تتمتع بكل هذه الأهمية ، فالواجب إلا ينكص أحدنا عن قرأتها ونقدها .






#فتحي_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التخاذل في مواجهة العنف
- التخاذل في مواجهة العنف 2
- الدروس الخصوصية
- قراءات ورؤى
- البدائل المقترحة لتمويل التعليم
- لغة واحدة ...ام لغات متعددة
- لغة واحدة 00أم لغات متعددة
- الاتجاهات الفكرية للإبداع فى مصر
- بينالى الاسكندرية الثالث والعشرون لدول البحرالمتوسط
- مرصد الإصلاح العربى
- العلم والنظرة الى العالم
- تفكيك الثقافة العربية
- إشكالية النهضة عند الطهطاوى
- قراءات ورؤى حول مشروع النهضة


المزيد.....




- ترامب: جامعة كولومبيا ارتكبت -خطأ فادحا- بإلغاء حضور الفصول ...
- عقوبات أميركية جديدة على إيران تستهدف منفذي هجمات سيبرانية
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...
- رئيس الوزراء الفلسطيني يعلن حزمة إصلاحات جديدة
- الاحتلال يقتحم مناطق بالضفة ويشتبك مع فلسطينيين بالخليل
- تصاعد الاحتجاجات بجامعات أميركية للمطالبة بوقف العدوان على غ ...
- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي سيد فرج - مؤتمر الاصلاح العربي