أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي سيد فرج - التخاذل في مواجهة العنف















المزيد.....

التخاذل في مواجهة العنف


فتحي سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 1608 - 2006 / 7 / 11 - 08:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة
يمر العالم الآن بمرحلة من الاضطراب والفوضى بعد أن أصبحت كل مقومات الحياة الاقتصادية والسياسية والعسكرية بلا ضابط ولا رابط، واختلت موازين القوي، وانفلت الفعل ورد الفعل من نطاق المنطق والمعقولية، وانفردت القوة الغاشمة في فرض إرادتها أخذت تنشر الرعب القاتل في ربوع العالم مع التركيز علي منطقة العالم العربي والإسلامي.


وما يهمنا في ذلك سؤال هام. لماذا التركيز في استخدام أقصي درجات العنف في منطقة العالم العربي والإسلامي ؟ فمن المشاهد أن أمريكا تعاملت مع كوريا الشمالية بشكل مختلف ( وهي التي لا تخفي أنها تملك أسلحة نووية بل وتعمل بكل جدية علي تطوير أسلحتها وقوتها النووية ) وتجنبت أمريكا استخدام أساليب العنف في منطقة جنوب شرق أسيا والتي تتميز اغلب بلدانها بمستوي عال من التطور الاقتصادي، والتماسك الاجتماعي، والتحقق الحضاري والثقافي. بينما عملت علي استخدام القوة الغاشمة في أفغانستان، وها هي تعاود نفس الأمر في العراق، كما أطلقت أمريكا العنان لإسرائيل في التنكيل بالشعب والحكومة الفلسطينية.
والسؤال الأكثر أهمية هو: لماذا تخاذل العرب والمسلمون في مواجهة العنف الأمريكي ؟. ومن المنطقي أن الإجابة علي هذه الأسئلة تستوجب التعرف علي أوضاع طرفي المعادلة، العالم العربي والإسلامي كطرف متخاذل، والولايات المتحدة كطرف معتد، وذلك يستوجب تقصي الأسباب والعوامل التي أدت إلي ضعف وهوان العالم العربي والإسلامي من وجهات نظر متعددة باعتبار أن إمكانية الوصول إلي الإجابة قد تقودنا إلي تلمس طريقا للخروج من النفق المظلم.
الظاهرة الأمريكية
من المعروف أن تاريخ الولايات المتحدة بدأ في العقد الثالث من القرن السابع عشر، وفي الدراسة التي نشرها محمود الكردوسي بجريدة الأمة العدد 122 يقدم عرضا موجزا لهذا التاريخ، حيث كانت البداية بضع مئات من المهاجرين المغامرين الإنجليز اقتحموا المحيط الأطلنطي، حيث أقاموا مستعمراتهم الأولي في نيوانجلند، وكانوا من البروتستانت التطهريين، وقد شبهوا أنفسهم بالعبرانييين القدماء الذين فروا من ظلم فرعون إلي أرض الميعاد، وبذلك كانت أمريكا بالنسبة لهم تمثل أورشليم الجديدة، وكانت مرجعيتهم بالطبع هي التوراة، وتحفل أدبيات مرحلة التأسيس بالكثير من القناعات الراسخة التي تنتمي صراحة إلي ما يمكن تسميته الفهم الإنجليزي التطبيقي لفكرة إسرائيل التاريخية، مثل الاعتقاد بأن أمريكا أمة مختارة من قبل الله وأنها لهذا السبب منوطة برسالة سماوية قدر لها بموجبها أن تلعب دور المخلص، وهكذا أعطي الأمريكيون لأنفسهم منذ نشوئهم حق تقرير مصير غيرهم من الأمم والشعوب.
لقد كانت قصة هؤلاء المغامرين بمثابة الأصل الأسطوري لكل التاريخ الأمريكي ومركزيته الأنجلوسكسونية العنصرية، وعقب الاندفاعة الدينية بدءوا يزحفون من الساحل الشرقي إلي الغرب حيث الأراضي الشاسعة والغابات والمعادن، وخلال هذه الاندفاعية ارتكب الأمريكيون سلسلة من المذابح الجماعية الرهيبة ضد السكان الأصليين، استخدموا فبها كافة وسائل الترهيب، بما في ذلك سلخ الرؤوس والأسلحة الجرثومية، واستندوا إلي الإرث الميتافيزيقي حيث كانوا علي قناعة بأن الله فضلهم علي العالمين وأعطاهم تفويضا بقتل الآخر، وهم في ذلك أكثر يهودية من اليهود.
كان السكان الأصليين ـ الذين سماهم الأمريكيين الهنود الحمر ـ أكثر من 400 شعب وأمه وقبيلة، يشكلون حضارة رفيعة المستوي، ولهم ثقافاتهم وأساطيرهم ودياناتهم وأدبهم الشفاهي، فضلا عن إنجازاتهم في مجالات الطب والسياسة وغيرها، لكنهم في نظر البيض الأنجلوسكسونيين البروتستانت، لم يكونوا سوي وثننيون صم عن المشيئة الإلهية، يعيشون وفق قانون الطبيعة، ويشاركون في جوهر فاسد ومناوئون للحضارة، ويسكنون أرض يسودها الشيطان، لذلك ليس من الغرابة أن يصف الرئيس روزوفلت المذابح التي قام بها الجنود الأمريكيون بأنها " كانت عملا أخلاقيا ومفيدا لأن إبادة الأعراق المنحطة حتمية لا مفر منها ".
هذه الجرائم هي العقد الذي ينتظم كل تاريخ أمريكا وسبب وجودها، وتكرار هذه الصورة في كل بقعة غزاها الأمريكيون، ففي أربعينيات القرن التاسع عشر نشر صحفي يدعي جون ل أوسوليفان مقالة بعنوان " التملك الحق " بلور فيها ما وصف بعد ذلك بأنه " امبربالية أمريكا العدوانية " حيث أطلق لأول مرة مصطلح " القدر المتجلي أو المبين " الذي سرعان ما تحول إلي عقدة سياسية مفادها أن العالم كله مجاهل، وأن قدر أمريكا الذي لا ينازعها فيه أحد أن تتملك منه ما تشاء لأن هذا حقها الطبيعي، ومن أبرز تبريرات هذه العقيدة ما يسمي بنظرية الجغرافية الحيوية التي تزعم أن الحيز الجغرافي للدولة المتفوقة كأثر حي ينمو باستمرار وعلي هذا الأساس لا تعترف الولايات المتحدة ـ مثل إسرائيل ـ بحدود جغرافية لها وتلتقي في ذلك مع ألمانيا النازية التي كانت تستند في تقديرها لمجالها الحيوي إلي عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي الذي يحلها من أي التزام أخلاقي أو إنساني تجاه الآخر.
ويربط المؤرخون بين هذا القدر المتجلي، وسعار التوسع الذي أصاب أمريكا، حيث أن قدرها يحتم عليها أن تدافع عن الحضارة وعن طريقة الحياة الأمريكية ضد همجية سكان المجاهل المتوحشين أو الإرهابيين، وفقا لخطاب النظام العالمي الجديد.
ما جري علي السكان الأصليين مازال يجري علي غيرهم من الشعوب، ففي اليابان وفيتنام ارتكب الجنود الأمريكيين جرائم يندي لها الجبين، وفي عام 1991 كانت الطائرات الأمريكية تطلق النار علي طوابير العراقيين المنسحبين من الكويت، وقال أحد الطيارين " لقد تسلينا، كان قتلهم أشبه بصيد السمك من البراميل " كانت الفرقة 77 الجوية قد وزعت كتاب أناشيد تصف ما ستفعله في حرب الخليج، وتنذر العراقي هذا المتوحش القميء، بأن يستعد للإبادة، فيما ينتهي أحد الأناشيد بعبارة " الله يخلق، أما نحن فنحرق الجثث.
أوروبا وأمريكا في النظام العالمي الجديد
في كتابه " الجنة ‏والقوة: أوروبا وأمريكا في العالم الجديد "ـ عرض وتعليق: عاطف الغمري ـ أهرام 14/4/2003 ـ يطرح المؤلف الأمريكي روبرت كاجان مجموعة تساؤلات مثل: لماذا تفجرت الأزمة الآن فجأة بين أوروبا والولايات المتحدة ؟ وهل هي أزمة اختلاف ثقافي ؟. أم أنه النتيجة المؤجلة لانتهاء عصر الحرب الباردة الذي كان فيه الأمن الجماعي، والخطر المشترك، يمتلكان طاقة احتواء أي تناقضات وسترها وراء جبهة الغرب الذي يجمع الجانبين حضاريا وسياسيا ؟
لم تعد أمريكا وأوروبا تشاركان بعضهما البعض في ثقافة استراتيجية مشتركة، وأن من بين الأشياء التي تظهر بشكل واضح الانقسام بينهما، والذي يري البعض انه خلاف فلسفي وفكري حول موقف البشرية من الحد الفاصل بين قانون الغابة وقانون العقل. فالأمريكيون يؤيدون " منطق الجزرة " بنفس الدرجة التي يؤيدون بها " منطق العصا ".أما الأوروبيون فيؤيدون أسلوب العملية التي تأخذ مسارها وتستكمل حلقاتها فقد أضعفت حروب النصف الأول من القرن العشرين أوروبا بشكل كان يصعب إلغاء نتائجها، وهذه التجربة المفجعة دفعت أوروبا لنبذ القوة لمصلحة التئام علاقات القارة الأوروبية بحيث لا يمكن لأي دولة أوربية أن تهدد أي دولة أوروبية أخري، وبرغم بعض التوترات الموروثة التي كانت مصدر المحن التاريخية،والتي استطاعت أوروبا حلها مما وضعها في الموقف ضد الحروب بكل أشكالها، وأصبحت تنظر إلي نفسها علي أنها قد بلغت وضعا متميزا فيتطور العالم يبشر بسلام مستمر ودائم.
وهناك من يري أن الأزمة بين أوروبا وأمريكا مجرد سحابة عابرة في سماء العلاقات سرعان ما تنقشع ويصفو الجو، لأن ما يجمع الجانبين أقوي وأمتن مما يفرقهما. ولكن عندما نشبت أزمة العراق كان هناك موقف أخر، فبرزت حدة الخلافات وزادت من حرارة المرجل الساخن ووصلت به إلي درجة الغليان الذي جعل الغطاء ينزاح ليكشف عن أزمة مكبوتة، وأن الانفجار علي جانبي الأطلنطي كانت عناصره تتجمع منذ انتهاء الحرب الباردة، وزوال الاتحاد السوفيتي، ومنذ أن بدأ يتأكد أن أوروبا الموحدة مرشحة لتكون منافسا للولايات المتحدة أو علي الأقل مشاركا لها علي قمة القوي العظمي في العالم مع بداية القرن إلحادي والعشرين،وأن هذا التحرك الأوروبي في هذا الاتجاه ماض في مساره، إلي أن جاءت مجموعة المحافظون الجدد المعاونة للرئيس بوش لتحتل المواقع المؤثرة والمحركة للسياسة الأمريكية، وما بدأ يظهر لديها من توجهات تعترض هذا المسار الأوروبي ورفضه وذلك ببلورة موقف رسمي، وإعلان استراتيجية الأمن القومي الجديدة للولايات المتحدة، والتي كان في صدارتها مبدأ عدم السماح بظهور قوي منافسة للولايات المتحدة في العالم.
ثم أن النزعة الأمريكية للانفراد بالقرار فيما يخص العالم وقضايا الأمن والسلم الدوليين، حملت معها شواهد مثيرة لقلق أوروبا علي مصالحها وأمنها القومي، منها تهافت مفهوم التحالف، وبرز دور القوة كمحرك للسياسة الخارجية، والأهم من كل ذلك ظهور عنصر البترول متواريا وراء أهداف الحرب علي العراق، والسعي لوضع البترول بكل مصادره في إطار منظومة تخضع لسيطرة وإدارة الولايات المتحدة، وهو ما يؤثر علي مركز قوة أوروبا، باعتبار البترول وسيلة استراتيجية لرخائها وقوتها.
وهكذا يري البعض أن الخلاف الذي نشب أخيرا بين الولايات المتحدة وأوروبا، هو خلاف حضاري، والبعض يراه خلافا عقائديا، بين النظرة الأمريكية التجريدية التي تري أن العالم ملئ بالأشرار ولا يصلح معهم إلا قانون القوة، وبين النظرة الأوروبية التي تنظر للشر في العالم ليس كشيء مطلق أو مجرد، لكن النظرة التي تستوعبه في إطار الأسباب التي أوجدته والجذور التي انبتته والوسائل التي تساعد علي التخلص منه أو تقليصه، أو علي الأقل احتوائه، وهذه النظرة تتيح الفرصة للدبلوماسية وجهودها لتلعب دورها التقليدي، كما أن ولع الأمريكيين فيعصر حركة " المحافظون الجدد " بقانون القوة وهم يمدون يدأ بجزرة ويدا بالعصا فهم يميلون أكثر ناحية العصا.
وأخيرا يتساءل المؤلف: هل انتهي عصر اللافتة الواحدة للغرب ؟ ليحل محله عصر تتباعد فيه الفجوة وتتسع وتصبح للغرب الأمريكي هويته التي تخصه، وتعكس قيمه وتوجهاته، وللغرب الأوروبي مفاهيمه التي تعبر عنه وعن اصوله التاريخية والحضارية ؟. والجواب ليس مسألة سهلة ففي أوقات التحولات التاريخية الكبري، تملك الأحداث خصيصة صنع التغييرات الجذرية والتحولات الدرأماتيكية.
‍المحافظين الجدد والقرن الأمريكي الجديد
كانت أحداث 11 سبتمبر 2001 هي الفرصة التاريخية للصقور والمحافظين الجدد لفرض تصورهم للأمن القومي الأمريكي، هذا التصور كان قد بدأ مع وثيقة " دليل السياسة الدفاعية " الذي تم وضعه بعد حرب الخليج 1991 وكانت أهم عناصره كما لخصها رضا هلال في قراءته لكتاب " الأخطار المحدقة ".
التفوق العسكري الأمريكي عالميا.
منع صعود أية قوة مناهضة للولايات المتحدة.
الحروب الوقائية ضد الدول التي تطور أسلحة دمار شامل.
التدخل العسكري الأمريكي عبر العالم.
وفي عام1997 وضعت مجموعة الصقور من المحافظين الجدد إعلان مبادئ " مشروع القرن الأمريكي الجديد " الذي تضمن المطالبة بسياسة خارجية أمريكية شجاعة تعتمد علي السيطرة العسكرية إذا ما أرادت الولايات المتحدة أن تعلي وتحافظ علي النجاح الذي حققته خلال القرن الماضي وأن تضمن القوة والعظمة في القرن الجديد حيث يجب اغتنام " اللحظة الفريدة " التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، وإذا كان روبرت كجان في كتابه " الجنة والقوة " قد حدد طبيعة الأزمة بين أوروبا وأمريكا، فانه في كتاب آخر بعنوان " الأخطار المحدقة الأزمة والفرصة في السياسة الخارجية والدفاعية الأمريكية " قام بتحريره مع ويليام كريستول ـ وهما من أهم منظري تيار اليمين الجديد ـ قد القيا الضوء علي طبيعة الدور الذي يجب أن تلعبه السياسة الأمريكية في القرن الجديد.
في مقدمة الكتاب يشير المحرران إلي أن الخطر الذي تشكلت من أجله " لجنة الخطر الراهن " في السبعينيات قد زال، ولكن خطرا راهنا في عدو إستراتيجي واحد سواء كان " الإرهاب العالمي " أو "الدول المارقة " أو" الكراهية العراقية " قد يتمثل في تقلص مسئولية الولايات المتحدة الأمريكية عن صون السلام العالمي، وضمان المبادئ الديمقراطية: أن الخطر الراهن أمامنا هو خطر انحطاط قوتنا العسكرية ووهن أردتنا والتشويش حول دورنا في العالم، انه خطر من بيننا بالأكيد، وإذا تم تأهله فسيكون مردوده مخاطر حقيقية تهددنا مثلما كان الاتحاد السوفيتي قبل ربع قرن.
وفي فصول الكتاب شارك كتاب آخرون ـ وكلهم من صقور تيار اليمين الجديد ـ في تأكيد خطورة خفض القوة العسكرية الأمريكية، كتب جيمس سيزار عن "رسالة أمريكا العالمية " باعتبارها أمة منفردة من وجهة نظر المحافظين الجدد الذين يعتبرون أن الدور العالمي لأمريكا ليس فقط في تحقيق المصلحة القومية، كما يري الواقعيون، وإنما أيضا في تشر القيم اللبرالية الديمقراطية، وكتب بيتر رودمان عن التهديد الروسي وضرورة مواجهته، وكتب روس مونرو عن التهديد الصيني مشيرا إلي أن الصعود السريع للصين يمثل الخطر الأعظم علي المصالح الأمريكية، وأن الصراع بين أمريكا والصين قادم، كما حذر ريتشارد بيرل من أن صدام حسين يتهرب من القيود الدولية، وانه دون جهد مركز للإطاحة به وتغيير نظامه فأنه سيمتلك أسلحة الدمار الشامل ويغير من توازن القوي في الشرق الأوسط، كما حذر رويل جيريشت من أن النظام الإيراني قد لا يتحول بالضرورة إلي الاعتدال كما يفترض البعض، وحرض ابرامز ضد سوريا بدعوى وجودها العسكري في لبنان واستخدامها حزب الله واكراد تركيا، وكتب اليوت ابرامزعن إسرائيل واقترح أن تتجنب السياسة الأمريكية التفاؤل الكاذب أو الضغط علي إسرائيل لتحقيق سلام دائم، وانتهي الكتاب إلي أن أمن إسرائيل وتركيا والدول الحليفة لأمريكا في الشرق الأوسط سيظل مهددآ ما لم تتحول السياسة الأمريكية للتركيز علي تقوية الحلفاء وزيادة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
لكل ذلك لا يسعنا ألا أن نشارك احمد دياب الكاتب بجريدة الأهرام في تأكيده علي أن الحرب قد تحولت إلي أيديولوجية رسمية ودائمة للدولة الأمريكية منذ نشأتها ، فبالقوة والعنف تم الاستيلاء علي الأرض وإبادة سكانها الأصليين ، وبالحرب حقق أول رئيس للدولة جورج واشنطن الاستقلال عن بريطانيا ، وبالحرب أيضا حقق ابراهام لينكولن الوحدة بين الشمال والجنوب وصنع الدولة الأمريكية الحديثة .
وقد كانت أمريكا طرفا في الحربين العالميتين ، وفي فترة ما بين الحربين قاتلت من اجل السيطرة علي دول أمريكا اللاتينية ، وفي فترة الحرب الباردة لم تتوقف عجلة الحرب الأمريكية فدخلت الحرب الكورية في بداية الخمسينيات ، ودخلت في اكثر من سبعين نزاعا مسلحا ، وتدخلت في الشأن الداخلي في اكثر من 100 دولة من دول العالم . والواقع أن مركزية الحرب في التاريخ الأمريكي تعود إلي ما يمكن أن يسمي أزمتي النشأة والتكوين .
بخصوص أزمة النشأة الثابت ان الولايات المتحدة لم تنشأ كوطن أو كدولة ، وإنما نشأت كموطن وفضاء مفتوح لكل من يقدر علي عبور المحيط من الغامرين والمضطهدين والمنفيين ، ومنذ البداية تحدد المطلوب في ضرورة إخلاء هذا الفضاء من أي عوائق أو دعاوى سابقة حول ملكيته ، بصرف النظر عن أية حقوق تاريخية أو إنسانية أو أخلاقية ، ولم يكن هناك سبيل إلي ذلك سوي القوة والعنف ، لأن الأخلاق والقوانين لا تقنع أحدا بان يتخلى عن أرضه .
أما طبيعة أزمة التكوين فالثابت أيضا أن الولايات المتحدة لم تقم مثل غيرها من الدول أو الإمبراطوريات علي قاعدة شعب معين ، أو أمة بذاتها ، بل كانت نشأتها وظهورها اعتمادا علي عناصر مختلفة بل ومتناقضة عرقيا ودينيا ولغويا ، وما تزال تعيش علي بقايا حالة الصراع الذي يصل إلي حد الكراهية المتبادلة في أحيان كثيرة ، كما هو الشأن بين البيض والسود عموما وبين السود واليهود خصوصا ، وتؤدي هذه الكراهية إلي ضعف نسيج المجتمع الأمريكي ، ولذا تحرص الدولة علي أن تخلق لنفسها دائما عدوا خارجبا حتى يلتئم هذا النسيج ويتضامن ضد ذلك العدو الخارجي ، وكانت أسبانيا طوال القرن التاسع عشر هي ذلك العدو ، ثم اليابان وألمانيا في النصف الأول من القرن العشرين ، ثم الاتحاد السوفيتي السابق في النصف الثاني من القرن العشرين ، وحاليا ما تسميه الولايات المتحدة الإرهاب أو الأصولية الإسلامية .
ألا يعني كل ذلك أن أمريكا ما تزال بعد مجرد تجمع بشري لم يصل إلي تكوين مجتمع حقيقي ، وأنها حتى الآن لم تحقق التوحد القومي ولم تصل إلي مرحلة النضج الحضاري ، لعل ذلك يفسر سلوكها في إعلاء القوة والعنف كوسيلة أساسية في حل المشكلات مثلها في ذلك مثل المجتمعات البدائية قبل مرحلة تحضرها .



#فتحي_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التخاذل في مواجهة العنف 2
- الدروس الخصوصية
- قراءات ورؤى
- البدائل المقترحة لتمويل التعليم
- لغة واحدة ...ام لغات متعددة
- لغة واحدة 00أم لغات متعددة
- الاتجاهات الفكرية للإبداع فى مصر
- بينالى الاسكندرية الثالث والعشرون لدول البحرالمتوسط
- مرصد الإصلاح العربى
- العلم والنظرة الى العالم
- تفكيك الثقافة العربية
- إشكالية النهضة عند الطهطاوى
- قراءات ورؤى حول مشروع النهضة


المزيد.....




- مقتل فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي بعد مزاعم محاولتها طعن ...
- الدفاع المدني في غزة: العثور على أكثر من 300 جثة في مقبرة جم ...
- الأردن: إرادة ملكية بإجراء الانتخابات النيابية هذا العام
- التقرير السنوي لـ-لعفو الدولية-: نشهد شبه انهيار للقانون الد ...
- حملة -شريط جاورجيوس- تشمل 35 دولة هذا العام
- الصين ترسل دفعة من الرواد إلى محطتها المدارية
- ما الذي يفعله السفر جوا برئتيك؟
- بالفيديو .. اندلاع 4 توهجات شمسية في حدث نادر للغاية
- هيئات بحرية: حادث بحري جنوب غربي عدن
- وزارة الصحة في غزة تكشف عن حصيلة جديدة للقتلى والجرحى نتيجة ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي سيد فرج - التخاذل في مواجهة العنف