أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح شهاب - قهوة بزيادة















المزيد.....

قهوة بزيادة


صلاح شهاب
باحث

(Salah Shehab)


الحوار المتمدن-العدد: 6696 - 2020 / 10 / 6 - 23:20
المحور: الادب والفن
    


الساعة 7 صباحا صمت رهيب يحيط بي من كل جانب، استرخاء مابعده استرخاء، موت كامل الاركان، ولما لا فهي الساعات الاولى للإجازة الاسبوعية بعد عمل طويل وشاق، هدوء، سكون خافت، لم يدوم طويلا للآسف، فقد انقضى على اثره رنة هاتف محمول مزعجة، لعن الله التكنولوجيا ومن ابتكارها واستعملها، فهي لا تدعك تعيش في سكون ابدا، فوجئت بصوت ممل عقيم، كان محسن عفيفي، ورغم اني لي مصلحة هامة مطلوبة من تلك الشخصية الحقيرة، ولكن لم اتوقع انه سيلبي ندائي بهذه السرعة وفي هذا الوقت ، فأنا بالفعل من طلبت منه ان يساعدني للحصول على تأشيرة هجرة، فهو الوحيد الذي يستطيع مساعدتي في هذا الموضوع بالذات بحكم عمله كنصاب محترف لمكتب للسفريات ، اخذت الهاتف مسرعا وقمت بالرد متململا، ليفاجئني بصوته الجهوري :
- صباح الخير ياسطى
- صباح النور , ازيك يامحسن
- الحمد لله يابرنس , بقولك حضرت الفلوس ولا ايه ؟
- يعني
- مش فاهم ايه يعني ديه , احنا ميعادنا النهارده بالليل ولا نسيت
- لا مانسيتش بس انا بحاول اجمعها
- بتحاول تجمعها، ميعادنا النهارده ياسطا هو كلام عيال ولا ايه
- يامحسن انا معايا خمستاشر، ومتفق مع الواد سالم هيجيبلي خمسة كان مستلفهم مني من حوالي سنة، هو متفق معايا على النهارده العصر، هانت يعني
- على شوقك، انت اللي هتبقى خسران لو ماجمعتهمش في الميعاد، الخواجه مسافر بكرا وهو اللي هيؤشر على الفيزا بتاعتك، فأنت حر
- لا ان شاء الله هتلائيني مستنيك بالفلوس في الميعاد على القهوة
- ماشي ياريس سلاااااااام
هل تعرف معنى الحقارة، هي محفورة على وجه ذلك الوغد، هل تدري ما السماجة هي نقطة في فم محسن عفيفي، لعن الله الحثالة كلها، مديري فاضل الشناوي، وجاري المأفون سيد خيري، وهذا الوغد المسمى محسن، اسم على غير مسمى و لكن للأسف هذا هو زمن هؤلاء، فحثالة البشر هي من تمضى على قسائم وجودك بتلك الحياة، يااااااااااه على الألم، ان يكون احتياجاتك مرهون على مداهنة ثلة من المنافقين، محسن عفيفي لم يكن يوماً صديقي/ هو يعلم يقيناً بأني لا اطيقة ابدا، ولكن تلك هي الدنيا الخبيثة تجعل مصيرك بيد أزبل من فيها ,,, لله في خلقه شؤون .

تناولت هاتفي مرة آخرى، بصقت على اسم هذا الوقح ثم بحثت عن رقم سالم صديقي لأطمئن نفسي بأنه سيأتي محمل بمالي الذي معه في الميعاد الذي اتفقنا عليه, سمعت صوته بعد لحظات من رنين جرسي عليه، جاء الرد باهت بعض الشيء، مما استجلب لذهني بعض الوساوس ولكنه أكد لي بأنه سيأتي في الموعد وأنه استطاع تجميع المبلغ وأنه بالفعل سياتي في تمام الثالثة عصرا على قهوة برغش النمس حسب الميعاد ,,, لله الآمر من قبل ومن بعد .

شرد ذهني قليلا في رد سالم الباهت وانتابني قلق , انتفضت له كامل اعضائي , فماذا لو تهرب سالم مني ولم يأت في الميعاد المحدد, أنا محاط بإستعجال هذا القذر الذي يكرر إستعجاله لي بحجة أن الخواجه الذي في يده الأمر سيسافر , مرة يستعد للسفر يوم كذا , ومرة سيسافر ليلة كذا ومرة سوف يسافر يعطي التأشيره لآخر جاهز قادر على دفع المبلغ , أيعقل أن يكون الآمر كله في يد حثالة بشرية تمارس قذارتها تجاه خلق الله , قضاء الله نفذ ان يكون مصيري متعلق بين فكي الكماشة , آخر فرصة لي بأن احيي حياة كريمة وان ابتعد عن بلد الالف وجهه مرهونة بتاشيرة سياتي بها فاجر بمبلغ مع فقير باهت ,,, سبحان الله .

افقت على لسعة ضوء الشمس في حوالى الواحدة ظهراً حيث أني غفلت بعض الشيء بعد جدل مع النفس وتفكير ممل فيما كان وماسيكون ولكنها الغفلة تأتي بدون ميعاد، قمت مسرعا، أخذت حمام دافيء استعداداً ليوم طويل فيه رجاء وأمل وصبر، ذهبت للقهوة مسرعاً رغم أن الميعاد لم يحن بعد ، فدفعت نفسي دفعاً ,,, لعله خير أن شاء الله .

وصلت لبرغش على الساعة 2:30 ظهرا , فقط نصف ساعة تفصلني على الأمل الذي طالما انتظرته كثيراً , جلست على احدي الكراسي داخلها لم يكن بها سوى زبون واحد لطالما وجدته بها , ففي اي وقت تذهب إليها ترى عباس صبحي - رجل كهل يجلس عادة وحيداً لدرجة تشعرك بأنه لا يرحل , جزء من ديكور القهوة ، الذي هو عبارة عن لافتة متربة تكاد تسقط كتب عليها قهوة برغش النمس
كراسي متراصة على الجانبين تأكل نصف الطريق، في الداخل تجد ناصبة الشااي يقف خلفها الأسطى سيد بجوار مكتب المعلم برغش , امامه كان يجلس عم عباس دائما وأبداً ، قهوة من الطراز القديم الذي عفى عنه الدهر ولكنها تفي بالغرض ، شاورت لسيد ليأتيني بطلبي فقال زيادة ,، قلت له أكيد، أعشق القهوة الزيادة، هو تعود على طلبي وحفظه عن ظهر قلب , أتي بطلبي وصب القهوة امامي لم افهم يوماً تلك الحركة لما لا يصب قهوته بجوار الناصبة، لماذا يصر على أن يجعلني ارى المشروب ينساب لداخل الكوب .

انتظرت كثيراً , الوقت لا يمر , كنت جالس مترقب مهموم , حزين , اخر أمل , الفرصة الاخيرة , متي سيأتي , نظرت في الساعة تعدت الثالثة والنص , أخرجت هاتفي واتصلت رد بنفس الشحوب والبهتان :
- ايوة انا جااااي معلش اتأخرت بس الظروف والله نصف ساعة كدا وهتلائيني عندك و سلااااااام .
كلمات مقتضبة لم افهم منها شيئاً , زادتني حيرة على حيرة , اي ظروف يتحدث عنها ونصف ساعة أخرى، جحيم آخر في بلد ميت .. متى الخلاص .. لا ادري .. نصف ساعة من الجحيم ، من القلق .. من الحيرة .. كلمات عبثية لواقع مر، أريد الرحيل ويأبى القدر، ليس بيدي حيلة سوى الانتظار .. سأتحمل نصف ساعة آخرى حتى الخلاص .

ظهرت القذارة ولكن هذه المرة رؤي العين لاحت صورته وصوته الجهورى، لو للسخافة عنوان ستكون محسن عفيفي، الشخص الذي لا يملك من الاحسان ولا العفة أي شئ، اسم على غير مسمى ، جلس جواري ليقاطع صمتي ويزيد جحيمي :
- مساء الخير ياسطى , إيه نظامك النهارده
- نظام ايه مش فاهم ، أنت جاي بدري ليه مش ميعادنا بالليل
- انا قولت اشوف ايه الاخبار معاك , عشان زي ماقولتلك ديه اخر فرصة , الخواجه مسافر بكرا وبعدين بيني وبينك في واحد فلوسه جاهزة وهيخلص ... بس عيب عليك انا قولت انت اولى بردوا
- لا ما تقلقش ان شاء الله هبقى جاهز ثم قمت مسرعاً لن احتمل سخافاته اكثر من هذا
- رايح فين دلوقت
- مشوار كدا وجاي
- مش انت بتقول مستني سالم هتمشي تروح فين دلوقت
- ياعم مشوار ضروري خليك انت ولما يجي حسين خليه يستناني قوله انا راجع تاني
- خلاص ماشي بس انا روبعاية وهمشي انا كمان يعني ما اوعدكش يازميلي
- ماشي
هربت من ذلك الوغد، اسرعت خطاي خارجاً، دون اي جهة، كنت افكر في الابتعاد عن تلك القذارة، أنا جاهدت للسفر للخروج من مستنقع العفن، ولكن مع الأسف حتى تخرج من المستنقع لابد لك من المرور عبر بوابة العفن، التأشيرة لن تأتي إلا عبر ذلك القذر، حيرة أخرى , سالم على وشك المجئ وذلك الوغد اكيد مازال جالس يحتسي قذارته , انا اعرفه لن يرحل حتى يرى المبلغ يهوى في جيب بنطاله , سرت بالمنطقة عابث بوجهي , شارد في آلامي ثم رفعت يدي اليسري لمعرفة دقات ساعتي ,فوجدتها فاقت الخامسة مساءاً، بهذه السرعة .. لا ادري .. خطف الزمان مائة وعشرون دقيقة في لمح البصر، استدرت عائداً لمجلسي، مضى على ميعاد سالم ساعة ونصف ولم يحاول أن يتصل، ترى هل هذا البغل وصل له رسالتي وجعله ينتظر، أم تراه قابع معه ينتظر، متى تنتهي تلك الحيرة، ادعو الله ان يمر هذا اليوم على خير .

وصلت لبرغش فلم اجد أي أحد لم يكن هناك غير بضع نفر وبرغش وسيد ، ناديت سيد وسالته عن سالم قال أنه لم يره منذ فترة، ثم استفسرت عن وقت ذهاب محسن، قال - مشي بعدك على طول، خرجت وقد ازدادت حيرتي واتصلت بسالم وانا عائد لمنزلي فرد معتذراً :
- والله انا اسف جدا ظروف هابقى احكيهالك بعدين ... انا هاجي ماتقلقش أول ما هوصل هرن عليك سلااااااااام
نفس التخبط , بنفس البهتان , حيرتي تصل لقمتها، وصلت لبيتي و انبطحت على الأريكة، لإمضي تلك الساعات، ارهاق كامل لكل الاعضاء، مصحوب بشلل في التفكير اغمضت عيني لحظات، تاه الزمن على الأريكة، انتفضت فجأة و لا أعرف من أيقظني أو كيف استيقظت، مرعلى موتي خمس ساعت متواصلة , نوم متواصل لا اعلم سببه، هل الانهاك والتعب أم الحيرة أم الخوف، لا أدري نظرت في هاتفي، لعل سالم اتصل دون أن أسمعه، لم اجد شيئا، توجهت مسرعا لبرغش مرة آخرى عسى أن أجد ضالتي، لم يكن هناك سوى مجموعة المتراصين عليها كل يوم، القهوة ممتلئة عن اخرها , توجهت بنظري يمين ويساراً عسى ان اجد سالم و لكني لم اجده , اشرت لسيد بيدي مستفهماً عنه فرد بنفس الاشارة بأنه لم يأت .. وانا احملق في المصطفين إذ بالقذارة جالس يلعب طاولة مع بعض الرجال، نظر إلى وابتسم ابتسامة لم افهم معناها، ثم قام متجهاً نحوي وهمس في أذني برائحة كريهة :
- معلش يابرنس خيرها في غيرها المصلحة طارت ، أنت ماحاولتش تتصل بيا والراجل التاني جالي بسرعة وخلص
قالها القذر وانصرف،،، تركني مصدوما، ضاعت آخر فرصة ...
هممت بالرحيل واستدرت خارجا , توقفت فجأة على صوت يناديني و إلتفت إليه وهو يقول :
- انا آسف، في حاجة لازم اقولهالك سالم جيه النهارده العصر بعد ما انت مشيت وكان محسن قاعد .. اتكلموا شوية وقاموا عشان يمشوا، وهما ماشيين سالم بصلي، وقالي اقولك انه ماجاش، لو أنت سالت عليه، أنا قولت الموضوع مش مهم بس لما سمعت دلوقت محسن بيقولك المصلحة طارت قولت لازم اقولك، عشان تعرف صاحبك وتعلم عليه .
كنت صامت حينما كان سيد بيُهديني مصيبة اخرى لتقع فوق رأسي فلم اسمع بقية ماقاله ولم اهتم في بقية ماسيقول اكتفيت من الوحل و لم يكن لدي شك فيما افادني به، كل المؤشرات تعطيني نفس القذارة، ابتسمت غيظأ دون انطق له بحرف كلمة ثم تركته ورحلت، صممت ان اهاتف الوغد الآخر لأعرف ما الذي دفع به لتلك الفعلة، رفعت هاتفي، تلك المرة لم يرد ولم اسمع صوته الباهت هذه المرة، سمعت فقط صوت مختلف برسالة اخرى غير الاعتذار المتكرر، حيث انني لم اجد سوى صوت صافرة معقوبة بـ " الهاتف الذي طلبته مغلق أو غير متاح" ,,, " من فضلك عاود الاتصال في وقت لاحق" !!!

تغريبة سوداء كتبت منذ 6 سنوات ،،، تحديدًا في 21 / 2 / 2014



#صلاح_شهاب (هاشتاغ)       Salah_Shehab#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعنة الترافيك .. بوست عميق على ما يسمى فيس بوك
- دنيا الميكروباص .. سيستم واحد
- دراما رمضان .. خمرة وحشيش ونسوان !
- التاريخ الجديد ( تاريخ المخلفات أو الزبالة )
- التاريخ المجهول 3 ( وهم الفتنة )
- الكتابة من أسفل ( عيال ميت نامة )
- الكتابة من أسفل ( حكايات إعلام الصفوة )
- التاريخ المجهول 2 ( القدوة في نظر اتباعها )
- الفرق بين الفريسة والصياد من خلال يوتوبيا توفيق
- سن القلم
- قصة لم تكتمل
- جونتنامو فلسفة روائية لصوفي سكندري
- السقيفه من منظور إسلامي ( نقد لمقال قديم )
- الجنيه المصري والرضا العام
- إبتسامة الجيوكاندا ( ريفيو قصير لقصة طويلة )
- نظرات على اسطورة الخيميائي
- ثورة الزنج في بلاد العم سام
- التاريخ المجهول


المزيد.....




- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح شهاب - قهوة بزيادة