أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة - الفصل الثاني من كتاب - إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية و الثورة الشيوعية العالمية















المزيد.....



تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة - الفصل الثاني من كتاب - إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية و الثورة الشيوعية العالمية


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 6683 - 2020 / 9 / 21 - 00:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة
الفصل الثاني من كتاب -
إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية
و الثورة الشيوعية العالمية
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 37 / جوان 2020
شادي الشماوي
إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية
و الثورة الشيوعية العالمية
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 37 :
حيثما يُوجد إضطهاد توجد مقاومة . هذه جملة شهيرة لماو تسى تونغ وهي تلخّص حقيقة ماديّة موضوعيّة ما نفتأ نلمسها لمس اليد يوميّا في عالمنا اليوم . و الإضطهاد ألوان . أشكال الإضطهاد مختلفة و متنوّ‘ة و منها القديم و منها الحديث ؛ و إلى جانب الأشكال المعهودة من غضطهاد النساء و الإضطهاد الطبقي و الإضطهاد القومي ، برز في هذه الأسابيع الأخيرة إضطهاد عنصريّ ، هو في آخر التحليل إضطهاد طبقي ، للسود في الولايات المتّحدة . و لئن كانت لهذا الصنف من الإضطهاد جذور تمتد بعيدا و عميقا في التاريخ إلى العبودية و تجارة العبيد أصلا ، فإنّه اليوم يتّخذ بوجه خاص شكل إعتداءات على الحقوق الإنسانية و المدنيّة و الفرديّة ... متكرّرة و ممنهجة للنظام الرأسمالي- الإمبريالي الأمريكي و أساسا لذراع من أذرعته المسلّحة و حماة الطبقة الرأسماليّة الإحتكاريّة و فارضي نظامها ، للشرطة على السود ، بالإهانات و الميز العنصري و الفصل العنصري في شتّى مجالات الحياة الاجتماعية و السجن الجماعي إلخ وصولا إلى القتل العمد و بدم بارد و على الملأ ، مع إفلات المجرمين من العقاب في الغالب الأعمّ من الحالات ، ما جعل الأمر يوصّف على أنّه ضرب من ضروب الإبادة الجماعية .
و المقاومة مقاومات . فبصفة عامة ، ثمّة المقاومة العفويّة التي يبديها المضطهَدون بالأشكال الدنيا المتاحة لديهم غير أنّها غالبا ما تدور حول مطلب أو عدّة مطالب تستهدف إصلاحات ضمن النظام القائم ، و سرعان ما تنطفأ نار شمعتها لضبابيّة المشهد أمام المقاومين و قياداتهم و الإلتفاف عليها بإطلاق بعض الوعود أو الإصلاحات ، إن لم تُقمع تمام القمع في حمّام دم . و ثمّة مقاومة واعية ثوريّة هدفها تغيير النظام القائم و إجراء تغييرات عميقة للإطاحة به و إرساء نظام جديد . و حتّى لا يتمّ تركيع هذا النوع من المقاومة الواعية الثوريّة ، سواء بإطلاق الكلام المعسول و الوعود الطنّانة أو بالقمع الدموي أو بكلاهما معا ، ينبغي أن يرتقي الوعي الثوري إلى الفهم العلميّ العميق للمشكل و للحلّ . فدون فهم علمي عميق و صحيح لأصل الداء و سببه أو أسبابه ، من العسير إن لم يكن من المستحيل معالجته معالجة صائبة تحقّق التغيير الثوري المرجوّ ، و دون إدراك علمي سليم للحلّ الصحيح و مقتضياته ، يبقى الثوريّون و الثوريّات يدورون في حلقة مفرغة تنتهى بهم إلى العودة بشكل أو آخر إلى أحضان الإصلاحيّة و القبول بالدولة القائمة و النظام القائم و العمل في إطارهما من أجل إصلاحات جزئيّة طفيفة قد تقدّمها الطبقات الرجعيّة الحاكمة بيد في ظروف معيّنة لتستردّها باليد الأخرى و يظلّ النظام الإستغلالي و الإضطهادي مستمرّا و بالتالى يُمسون ببساطة إصلاحيّين ، لا ثوريّين .
و هذا ما أثبتته و تثبته تجارب نضال السود ، الأفروأمريكيين ( الأمريكيين من أصل أفريقي ) في الولايات المتّحدة على مرّ السنوات و العقود و القرون . و قد أثبتت هذه التجارب و غيرها من تجارب مقاومة الإضطهاد أنّ النضال الثوري حقّا يقتضى ، ضمن ما يقتضيه ، علما و قيادة ز يقتضى العلم لأجل الفهم العلمي المادي و الموضوعي لجذور المشاكل و منابعها من ناحية و لإدراك الحلّ الثوريّ حقيقة و إن كلّف التضحيات الجسام. و القيادة ضروريّة من أجل التحديد العلمي ، بفضل دراسة علميّة فعلا للمجتمع و العالم المراد تغييره ثوريّا ، لإستراتيجيا الثورة و تكتيكاتها و أصدقائها و أعدائها و توجّهاتها و سياساتها و لأشكال التنظيم اللازمة لكلّ مرحلة من مراحل النضال ، و محاور الدعاية و التحريض و شعاراتها إلخ لمقاومة النظام القائم / الأنظمة القائمة و تغيير عقول الناس ، من أجل القيام بالثورة الشيوعية و تحرير كافة الإنسانيّة من أصناف الإستغلال و الإضطهاد جميعها و عبر الكوكب كلّه . بإختصار لا بدّ من علم و قيادة ، لا بدّ من نظريّة ثوريّة و حزب ثوريّ يكون محور حركة ثوريّة .
و سعيا منّا لمزيد تسليط الضوء و المساهمة في تعميق فهم هذه القضيّة و هذا النضال الهام في قلب الغول الإمبريالي ، وضعنا هذا الكتاب و سهرنا على أن يشير عنوانه إلى المشكل و الحلّ . و قد أقمنا صرح هذا المؤلّف الجديد على أعمدة ثلاثة ، على فصول ثلاثة ، يُعنى أوّلها ، إنطلاقا من منظور شيوعي ثوري ، بجوانب لها دلالته من المعركة الأخيرة حول جريمة قتل شرطة الولايات المتّحدة لجورج فلويد و التمرّد الذى كان ذلك الحدث قادحا له . و لهذا الفصل الأوّل ، إصطفينا سبعة و ثلاثين مقالا قصيرا و متوسّط الطول ، منهم بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة و مقال لهيئة تحرير جريدة " الثورة " ، لسان حال ذلك الحزب ، و بيان لحركة " لنرفض الفاشيّة " التي ساهم في تأسيسها و يساهم في قيادتها عناصر من ذلك الحزب ، و آخر لمنظّمة الشيوعيين الثوريين ، المكسيك تعبّر فيه عن موقف أممي بروليتاري من ما صار معروفا ب " التمرّد الجميل " . و بقيّة مقالات هذا الفصل الأوّل لبوب أفاكيان رئيس الحزب الشيوعي الثوري و مهندس الشيوعية الجديدة / الخلاصة الجديدة للشيوعية الذى ما إنفكّ يقدّم القيادة لحزبه و مناضليه و مناضلاته و ينقد و يعرّى السياسات الفاشيّة و السياسات الإصلاحيّة ناشرا المنهج و المقاربة العلميين و الشيوعيّة الثوريّة و ذائدا عن شعار الثورة – لا شيء أقلّ من ذلك. و أمّا الفصل الثاني ، فأفردناه لتوفير خلفيّة تاريخيّة و تقييمات نقديّة علميّة لأبرز تجارب نضال السود في القرنين العشرين و الحادى و العشرين و موزها مارتن لوثر كينغ و مالكولم آكس و حزب الفهود السود و لتجربة رئاسة أوباما للولايات المتّحدة و إنعكاساتها على قضيّة السود في الولايات المتّحدة .
و ينطوى الفصل الثالث على وثيقة في منتهى الأهمّية صاغها الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية كوثيقة مرجعيّة تعالج القضيّة من جميع الجوانب و تطرح البديل الشيوعي الثوري التحرّري الكفيل لوحده بحلّ المشكل حلاّ يخدم مصلحة الإنسانيّة قاطبة .
و إعتبارا لكون المعركة التي دارت حول جريمة قتل جورج فلويد و عنف الشرطة ... و هزّت العالم نسبيّا و لا تزال إرتدادات إنفجارها كالزلزال متواصلة و قد تتواصل لمدّة غير معلومة طبعا ، إعتبارا لكونها ليست المعركة الوحيدة في القرن الحادى و العشرين و لن تكون الأخيرة بالتأكيد ، لا يسعنا إلاّ أن نوفي معركة 2015 حقّها على الأقّل بتخصيص حيّز لها في هذا الكتاب و ذلك عن طريق جعل أهمّ الوثائق و المواقف التي أصدرها قادتها و بعض المقالات بشأنها ملحقا يستفيد منه الباحثون عن مزيد الغوص في تفاصيل نضال السود بالولايات المتحدة و صلته بالثورة الشيوعية العالمية .
و نظرا لأنّ لماو تسى تونغ ، في المجلّد التاسع من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة الأنجليزية ، بيانان غاية في الأهمّية بصدد ضرورة مساندة نضال السود في الولايات المتّحدة في ستّنات القرن الماضي و إدراك علاقته بالثورة البروليتارية - الشيوعية العالمية ، لم نضطلع بواجب ترجمتهما و وضعهما في متناول القرّاء باللغة العربيّة و إنّما جعلناهما بمثابة خاتمة لهذه المقدّمة و مدخل لدراسة فصول الكتاب و ملاحقه . ( و ليعلم من لا يعلم بعدُ أنّ للأمميّة الشيوعيّة وثيقتان صدرتا تباعا سنة 1928 و سنة 1930 في قضيّة السود بالولايات المتّحدة و هما متوفّران باللغة الأنجليزيّة على الرابط التالى : .(ww.marx2mao.com/Other/CR75.html
لنتصدّى للميز العنصري للإمبريالية الأمريكية
ماود تسى تونغ ، 8 أوت 1963 ؛ " مجلّة بيكين " عدد 33 ، 1963
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-9/mswv9_04.htm
( وثيقة من المجلّد التاسع من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة الأنجليزيّة )

بات أحد قادة السود الأمريكيين لاجئا الآن في كوبا ، وهو السيّد روبار ولياس ، الرئيس السابق لفرع الجمعيّة الوطنيّة لتقدّم أصحاب البشرة الملوّنة ، منرو ، كارولينا الشماليّة ؛ و قد طلب منّى في مناسبتين هذه السنة أن أصدر موقفا داعما لنضال السود في أمريكا ضد الميز العنصريّ .و أغتنم هذه الفرصة لأعبّر باسم الشعب الصيني ، عن دعمنا الثابت للسود الأمريكان في نضالهم ضد الميز العنصري و من اجل التحرّر و المساواة في الحقوق.
في الولايات المتّحدة يوجد أكثر من 19 مليون اسود أي ما يناهز ال11 بالمائة من مجمل السكّان . و يتميّز وضعهم الاجتماعي بكونه وضع عبوديّة و إضطهاد و ميز عنصري . فالغالبيّة الغالبة من السود محرومة من حقّها في التصويت في الانتخابات و معدّل أجورها لا يتجاوز ثلث إلى نصف أجور البيض ؛ و نسبة البطالة في صفوفها من أعلى النسب . و في عديد الولايات ، ليس بوسعها الإلتحاق بنفس المدارس و الأكل على نفس الطاولات أو السفر في الحافلة نفسها أو في القطار نفسه مع البيض. و بصفة متكرّرة و عشوائيّة يتمّ إيقاف السود و ضربهم و قتلهم على يد سلطات الولايات المتحدّة في مستوياتها المتباينة ، و كذلك على يد الكلو كلوكس كلان و غيرهم من العنصريّين . و زهاء نصف السود الأمريكيين مجمّعون بكثافة في 11 ولاية في جنوب الولايات المتّحدة . و هم يعانون بصفة مريعة و بوجه خاص من الميز العنصري و الإضطهاد .
ينهض السود الأمريكيّون و تنمو مقاومتهم و يشتدّ عودها . و في السنوات الأخيرة ، يلاحظ أنّ نضالهم ضد الميز العنصري و من أجل التحرّر و المساواة في الحقوق ، في تطوّر مطّرد.
ففي 1957 ، خاض السود في ليتل روك بالأركنساس نضالا شرسا ضد إستثناء أبنائهم و بناتهم من الإلتحاق بالمدارس العموميّة. و إستخدمت السلطات القوّة المسلّحة ضدّهم و نجم عن ذلك ما صار معروفا بحادث ليتل روك الذى أذهل العالم.
و في 1960، نظّم السود في أكثر من عشرين ولاية " إعتصاما " و مظاهرات إحتجاجا على الفصل العنصري في المطاعم و المغازات المحلّة و في غيرها من الأماكن.
و في 1961، شنّ السود حملة " حرّية الركّاب " لمقاومة الفصل العنصري في وسائل النقل ، و سرعان ما توسّعت الحملة لتشمل عدّة ولايات .
و في 1962، ناضل السود في المسيسيبي من اجل المساواة في الحقوق في الإلتحاق بالمعاهد و واجهتهم السلطات بالقمع الذى تسبّب في حمّام دم.
و هذه السنة ، إنطلق السود المريكيّون في نضالات في بدايات أفريل في برمنغهام ، بالألاباما ، و ما كانا يحملون سلاحا بل كانوا عزّلا و مع ذلك تعرّضت جماهير السود للإيقافات بالجملة و للقمع الأشدّ وحشيّة لمجرّد أنّها عقدت تجمّعات و نظّمت مظاهرات ضد الميز العنصري . و في 12 جوان ، بلغ الأمر منتهاه بالقتل الوحشي للسيّد منغار إيفرس ، قائد السود في المسيسيبي . و نهضت الجماهير السود ضد الإهانة و مرّة أخرى وُوجهت بالعنف بلارحمة إلاّ أنّها واصلت مسيرة نضالاتها بأكثر شجاعة حتّى و لم يمض وقت طويل حتّى كسبت دعم السود و كافة الفئات الشعبيّة عبر الولايات المتّحدة . و النضال الجارى الآن نضال عملاق و حيويّ عبر البلاد في تقريبا كافة ولايات و مدن الولايات المتّحدة ، و ما فتأت وتيرة هذا النضال تتصاعد. و إتّخذت منظّمات السود الأمريكيين قرار الإنطلاق في " مسيرة الحرّية " بغتّجاه واشنطن في 28 أوت من المتوقّع أن يشارك فيها حوالي 250 ألف شخص.
و تؤشّر سرعة تطوّر نضال السود الأمريكيين على الإحتداد المستمرّ للصراع الطبقي و النضال الوطني داخل الولايات المتّحدة ما أفرز تنامى الفزع الشديد في صفوف الطغمة الحاكمة للولايات المتّحدة . لذلك لجأت إدارة كيندي إلى تكتيك ماكر مزدوج. فمن ناحية ، تستمرّ في التعامى عن و المشاركة في الميز العنصري ضد السود و إضطهادهم مرسلة فرق الجيش لقمعهم. و من الناحية الأخرى ، تتظاهر بأنّها مناصرة ل" الدفاع عن حقوق الإنسان" وعن" حماية الحقوق المدنيّة للسود "، وهي تناشد السود أن يمارسوا " ضبط النفس " و تقترح على الكنغرس- مجلس النواب ما تسمّيه ب " قانون الحقوق المدنيّة " في محاولة منها لكبح الروح النضاليّة للسود و لخداع الجماهير عبر البلاد. بيد أنّ فحوى تكتيكات كيندى هذه أمست مفضوحة أكثر فأكثر لدى السود؛ و قد كشفت الفظائع الفاشيّة التي يرتكبها الإمبرياليّين الأمريكان ضد السود الطبيعة الحقيقيّة لما يسمّى بالديمقراطيّة و الحرّية في الولايات المتّحدة كما كشفت الرابط الداخلي بين السياسات الرجعيّة التي تتبعها حكومة الولايات المتحدة محلّيا و سياساتها العدوانيّة في الخارج .
و أنّى أتوجّه بالدعوة على العمّال و الفلاّحين و المثقّفين الثوريّين و العناصر المستنيرة من البرجوازية و غيرها من الشخصيّات المستنيرة الأخرى من كلّ الألوان عبر العالم ، بيضا كانوا أم سودا أم صفرا أم سمرا إلخ إلى الوحدة لمعارضة الميز العنصري الذى تكرّسه الولايات المتّحدة و لتقديم الدعم للسود الأمريكان في نضالهم ضد الميز العنصري . إنّ النضال القومي هو فى التحليل النهائي مسألة صراع طبقي . فالذين يضطهدون السود فى الولايات المتحدة ليسوا سوى الطغمة الحاكمة الرجعية من البيض . و هذه الطغمة لا يمكنها على الإطلاق أن تمثّل العمّال و الفلاحين و المثقّفين الثوريّين و غيرهم من الأشخاص المستنيرين ، الذين يشكّلون الأغلبية الساحقة من البيض. إنّهم أقلّية و نحن الأغلبيّة . إنّهم يمثّلون على اقصى تقدير أقلّ من عشرة بالمائة من ضمن ثلاثة مليارات إنسان في العالم . و أنا على يقين تام بأنّ بفضل دعم أكثر من تسعين بالمائة من البشر في العالم ، سيحقّق نضال السود الأمريكيين العادل الإنتصار بلا ريب. إزدهر النظام الشيطاني الإستعماري و الإمبريالي بإستعباد السود و بالتجارة بالسود ؛ و من الأكيد أنّه مع التحرير التام للسود سيبلغ نهايته.

عاصفة جديدة مناهضة للإمبريالية
ماو تسى تونغ ، 16 أفريل 1968 ، " مجلّة بيكين " ، 19 أفريل 1968 ، ( الصفحات 5 و6)
https://www.marxists.org/reference/archive/mao/selected-works/volume-9/mswv9_80.htm
( وثيقة من المجلّد التاسع من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، باللغة الأنجليزيّة )

قبل بضعة أيّام ، إغتال إمبرياليّو الولايات المتّحدة بصفة مفاجئة مارتن لوثر كينغ ، رجل الدين الأفريقي- الأمريكي . و قد كان مارتن لوثر كينغ من دعاة اللاعنف. و مع ذلك ، لم يُظهر إمبرياليّو الولايات المتّحدة إي إهتمام لذلك و لم يتسامحا معه، بل إستخدموا العنف المعادي للثورة و قتلوه بدم بارد. فكان ذلك بمثابة درس عميق للجماهير العريضة من السود في الولايات المتحدة فإندلعت عاصفة جديدة من النضال ضد القمع العنيف و إكتسحت أكثر من مائة مدينة في الولايات المتحدة وهي شبيهة بعواصف أخرى جدّت قبلا في تاريخ ذلك البلد . وهي تبيّن أنّ قوّة ثوريّة في منتهى البأس كامنة في صفوف أكثر من عشرين مليون أسود أمريكي . و هذه العاصة من النضال الراهن داخل الولايات المتحدة تعبير ساطع عن الأزمة الشاملة السياسيّة و الإقتصاديّة التي تخنق الآن إمبرياليّة الولايات المتحدة . وهي توجّه صفعة لها دلالتها لهذه الإمبريالية التي تتخبّط في صعوبات في الداخل و في الخارج.
ليس نضال الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقيّة نضالا يخوضه السود المستغَلّون و المضطهَدون من أجل الحرّية و التحرّر فحسب ، و إنّما هو أيضا نداء مدوّى جديد لكافة المستغَلّين و المضطهَدين في الولايات المتحدة ليقاتلوا الحكم الوحشي للطبقة الرأسماليّة الإحتكاريّة . إنّه دفع و مصدر إلهام هائلين لنضال الشعوب عبر العالم ضد الإمبريالية الأمريكيّة و لنضال الشعب الفتنامي ضد إمبريالية الولايات المتحدة . و باسم الشعب الصيني ، أعبّر هنا عن الدعم الثابت للنضال العادل للسود في الولايات المتّحدة .
إنّ الميز العنصري في الولايات المتّحدة نتاج للنظام الإستعماري و الإمبريالي .و التناقض بين جماهير السود في الولايات المتّحدة و دوائر حكم الولايات المتحدة تناقض طبقي . و فقط بالإطاحة بالحكم الرجعيّ للطبقة الرأسماليّة الإحتكاريّة للولايات المتّحدة و القضاء على النظام الإستعماري و الإمبريالي ، يتمكّن السود في الولايات المتحدة من تحقيق التحرّر التام . و لجماهير السود و الشغّالين البيض في الولايات المتحدة مصالح مشتركة و أهداف مشتركة يناضلون من أجلها . و بالتالى، يكسب نضال السود الأمريكيين ذوى الأصول الأفريقيّة تعاطف و مساندة أعداد متزايدة من الشغّلين و التقدّميّين البيض في الولايات المتّحدة . و ينحو هذا النضال إلى الإندماج مع الحركة العمّاليّة في الولايات المتّحدة ، و في نهاية المطاف سيضع هذا النضال نهاية للحكم الإجرامي لطبقة الراسماليين الإحتكاريين هناك.
سنة 1963 في بيان لتأييد السود الأمريكان فى نضالهم العادل ضد الميز العنصري للإمبريالية الأمريكية ، قلت " إزدهر النظام الشيطاني الإستعماري و الإمبريالي بإستعباد السود و بالتجارة بالسود ؛ و من الأكيد أنّه مع التحرير التام للسود سيبلغ نهايته. " و لا أزال متمسّكا بوجهة النظر هذه .
و في الوقت الحاضر ، دخلت الثورة العالميّة ، عصرا جديدا عظيما . و نضال السود في الولايات المتحدة من أجل التحرّر جزء لا يتجزّأ من الثورة العالميّة المعاصرة . و أتوجّه بالنداء إلى العمّال و الفلاّحين و المثقّفين الثوريّين في كافة البلدان ، و إلى كافة الذين يتطلّعون إلى قتال إمبريالية الولايات المتحّدة ، أن ينظّموا تحرّكات و يقدّما الدعم القويّ لنضال السود في الولايات المتّحدة !
يا شعوب العالم قاطبة إتّحدى حتّى أكثر و شُنّى هجوما حيويّا لا هوادة فيه ضد العدوّ المشترك ، إمبريالية الولايات المتّحدة، و المتواطئين معها !
يقينا أن الإنهيار النهائي للإستعمار و الإمبرياليّة و كافة الأنظمة الإستغلاليّة ، و التحرّر الكامل لكافة الشعوب و الأمم المضطهَدة في العالم ليس بعيد المنال جدّا .
ملاحظة : يمكن الحصول على وثيقتي ماو تسى تونغ باللغة الأنجليزية على هذا الرابط أيضا :
https://marxistleninist.wordpress.com/2008/12/26/two-articles-by-mao-zedong-on-the-african-american-national-question/

و بصورة تفصيليّة و أدقّ ، محتويات هذا الكتاب 37 أو العدد 37 من مجلّة " الماوية : نظريّة و ممارسة "، فضلا عن هذه المقدّمة للمترجم ، هي :
الفصل الأوّل : قتل جورج فلويد و إندلاع تمرّد جميل و قيادة بوب أفاكيان
1- الشرطة تقتل و تقتل و تقتل ... [ بيان للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة ]
2- إلى الذين ينهضون و يستفيقون : لكي نتحرّر حقّا ، ثمّة حاجة إلى العلم و القيادة
3- أطلق ترامب العنان للشرطة العسكريّة ضد الإحتجاجات السلميّة و هدّد بدعوة الجيش للتدخّل عبر البلاد قاطبة : لنحتجّ على ذلك !
4- قتل جورج فلويد : في مواجهة جريمة بشعة ، تمرّد جميل ( المنظّمة الشيوعيّة الثوريّة ، المكسيك )
5- إلى السود الذين يصوّتون لجو بيدن
6- القتل بوقا و القتل على يد الشرطة - اللعنة على هذا النظام بأكمله ! لا يجب أن نقبل بالعيش هكذا !
7- بوب أفاكيان يردّ على مارك رود حول دروس ستّينات القرن العشرين و الحاجة إلى ثورة فعليّة
التعبيرات الصبيانيّة عن الغضب أم التطبيع مع هذا النظام الوحشيّ ، ليسا البديلين الوحيدين
8- وحشيّة مقزّزة و نفاق وقح
إلى الذين يتشبّثون بأسطورة " هذه الديمقراطية الأمريكيّة العظيمة " : أسئلة بسيطة
9- " جيل طفرة المواليد " – هذا أو ذاك :
المشكل ليس في " الأجيال " ، المشكل في النظام
10- التحرّر من ذهنيّة العبوديّة و من كافة الإضطهاد
11- بيان من بوب أفاكيان القائد الثوري ومؤلّف الشيوعية الجديدة الثوريّة و مهندسها
12- العنف ؟ الشرطة هي التي تقترفه
13- يبدو أنّهم يشبهون العنصريّين الجنوبيّين – و لا يشمل هذا ترامب لوحده – بل يشمل الديمقراطيّين أيضا
14- مساندو ترامب من السود : ماذا لو ساند اليهود هتلر؟!
15- الدكتاتوريّة و الشيوعيّة – الوقائع و الجنون
16- الأخلاق بلا دين و التحرير الحقيقي
17- بوب أفاكيان يسلّط الضوء على الحقيقة : باراك أوباما يقول إنّ قتل الشرطة للسود يجب أن لا يكون أمرا عاديّا – إلاّ إذا كان هو الرئيس
18- يقول بوب أفاكيان : دونالد ترامب ليس " شرسا " بل هو كيس منتفخ من القذارة الفاشيّة
19- بوب أفاكيان يفضح هراء الانتخابات البرجوازية : إن أردتم عدم حصول تغيير جوهري ، شاركوا في الانتخابات
20- كولين كابرنيك و لبرون جامس و الحقيقة كاملة [ بشأن إحترام أو عدم إحترام علم البلاد ]
21- كارلسن الفاسد ، و " فوكس نيوز " الفاشيّة و بثّ تفوّق البيض
22- التغيير الجذريّ قادم : فهل يكون تحريريّا أم إستعباديّا – ثوريّا أم رجعيّا ؟
23- الولايات المتّحدة : 1-2-3-4 : لقد رأينا هذا الهراء من قبل ! حان وقت وضع حدّ لهذا !
24- " آه ، الآن يقولون " – إنّها الفاشيّة !
25- ليس " الديمقراطيّون "- إنّما هو النظام بأسره !
26- يمكن وضع نهاية للإضطهاد العنصري – لكن ليس في ظلّ هذا النظام
27- ترامب و عناصر الشرطة الخنازير : مسألة عشق عنصري
28- بوب أفاكيان حول الحرب الأهليّة و الثورة
29- كلّ شيء عدا الحقيقة
30- دون ليمون و مارتن لوثر كينغ و الثورة التي نحتاج
31- كايلاه ماك أنانى : " ميّتة في الحياة " كاذبة في خدمة ترامب
32- حول الكلمات و الجمل الشنيعة
33- حول غوغاء تولسا
34- كيس منتفخ من القذارة الفاشيّة ، ترامب ليس " شرسا " – الجزء 2 : من هو الجسور حقّا ؟
35- حول 1968 و 2020 : الأكاذيب حينها و الأكاذيب اليوم و التحدّيات الملحّة راهنا
36- الفاشيّون اليوم و الكنفدراليّة : خطّ مباشر و علاقة مباشرة بين الإضطهاد بجميع أصنافه
37- تمرّد جميل : الصواب و الخطأ و المنهج و المبادئ
الفصل الثاني : تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة
1- مارتن لوثر كينغ ، ... وما نحتاج إليه حقّا
2- وهم أوباما " نعم ، نستطيع "... و الواقع المميت للسود
مع رئاسة أوباما...
3- هل تحقّق " الحلم " ؟ و ما هو الحلم الذى نحتاجه حقّا ؟
4- ستّ مسائل كان فيها أوباما أسوأ من بوش
5- كلام مباشر حول أوباما و إضطهاد السود
خمسون سنة منذ إغتيال مالكولم آكس :
6- لنتذكّر حياة مالكولم و إرثه – و نمضى أبعد منها للقيام بالثورة و وضع حدّ لجهنّم على الأرض ، التى يلحقها هذا النظام بالإنسانيّة !
7- إغتيال مالكولم آكس : دروس هامة لنضال اليوم
8- تقييم حزب الفهود السود
( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية – 1979 )

الفصل الثالث : البديل التحرّري الشيوعي الثوري

إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج
( الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية / أكتوبر 2008 )
الفهرس :
- الوضع الحقيقي : I
- إلقاء ضوء على الماضي لفهم الحاضر – و تغيير المستقبل : II
صعود الرأسمالية – على أساس العبوديّة و الإبادة الجماعيّة –
- " لم تكن الولايات المتّحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبوديّة "
- حق تقرير المصير للأمّة الأفريقيّة الأمريكيّة ( الأفروأمريكيّة )
- الحرب الأهليّة
- الخيانة الأولى ، بعد العبوديّة
- ظهور غوغاء القتل بوقا
- " الأرض الموعودة " – و رفع مستوى التوقّعات
- نضال السود التحرّريّ : ما الذى حصل - و ما لم يحصل – فعلا خلال ستّينات القرن العشرين
- غداة ستينات القرن العشرين : الخيانة الثانية
- " الحرب على المخدّرات " ، قطع دولة الرفاه و تعزيز الدين
طرق خاطئة و نهايات مسدودة :
1- لماذا التعليم ليس الحلّ .
2- فخّ الدين .
3- لماذا " إيقاف العنف " لن يحلّ المشكل.
4- لماذا " العائلات القويّة " ليست الحلّ .
5- حدود الفكر القومي .
6- لماذا " الحلم " طريق مسدود .
7- الطريق الخاطئ لباراك أوباما.
- الإشارة إلى الأمام : الحلّ هو الثورة :III
- ثورة شيوعية .
- تصوّروا : سلطة الدولة الثوريّة الجديدة و القضاء على إضهاد السود .
- كيف يمكن لمثل هذه الثورة أن تتطوّر ؟ و كيف ستكون ؟
- التحدّى الذى علينا مواجهته :IV
الهوامش :
-----------------------------------
هوامش الكتاب (2) :
1- محطّة هامة من محطّات النضال ضد إضطهاد السود : معركة 22 - 23 - 24 أكتوبر 2015
قفزة فى النضال ضد جرائم الشرطة فى الولايات المتّحدة : الإعداد لتحرّكات كبرى فى -I
نيويورك فى 22 و23 و 24 أكتوبر 2015
كلمة للمترجم
1- حقيقة جرائم الشرطة والسجن الجماعي فى الولايات المتّحدة
2- لننهض-أكتوبر لإيقاف الفظائع التى ترتكبها الشرطة
نداء من كورنال واست و كارل ديكس
3- كارل ديكس يتحدّث عن " لننهض - أكتوبر "
4- لننهض ضد عنف الشرطة
نشطاء من الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) – شمال أمريكا
- تصاعد النضالات من أجل إيقاف إرهاب الشرطة و جرائمها فى الولايات المتحدة الأمريكية ( 22 و 23 و 24 - II أكتوبر 2015)
كلمة المترجم
1- هذه تحيّة بصوت عالى للمقاومين القادمين إلى 24 أكتوبر
الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة
2- رسالة من كورنال واست و كارل ديكس
3- كارل ديكس فى مسيرة 24 أكتوبر : " لنقم بكلّ ما بوسعنا القيام به لإيقاف فظائع جرائم الشرطة فى حقّ شعبنا . ثمّ لنقم حتّى بأكثر من ذلك لأنّه يجب إيقاف هذا "
4- الآلاف فى شوارع مدينة نيويورك من أجل " لننهض – أكتوبر " : إيقاف إرهاب الشرطة ! إلى جانب من أنتم !
-----------------------------------
2- فهارس كتب شادي الشماوي

الفصل الثاني :

تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة

===============================================================
1- مارتن لوثر كينغ ، ... وما نحتاج إليه حقّا
2- وهم أوباما " نعم ، نستطيع "... و الواقع المميت للسود
مع رئاسة أوباما...
3- هل تحقّق " الحلم " ؟ و ما هو الحلم الذى نحتاجه حقّا ؟
4- ستّ مسائل كان فيها أوباما أسوأ من بوش
5- كلام مباشر حول أوباما و إضطهاد السود
خمسون سنة منذ إغتيال مالكولم آكس :
6- لنتذكّر حياة مالكولم و إرثه – و نمضى أبعد منها للقيام بالثورة و وضع حدّ لجهنّم على الأرض ، التى يلحقها هذا النظام بالإنسانيّة !
7- إغتيال مالكولم آكس : دروس هامة لنضال اليوم
8- تقييم حزب الفهود السود
( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية – 1979 )
=======================================================








(1) مارتن لوثر كينغ ، ... وما نحتاج إليه حقّا
جريد " الثورة " ، عدد 116 ، 20 جانفي 2008
Revolution - https://www.revcom.us

بالنسبة لأناس كُثر فى هذه البلاد ( و حول العالم ) ، يمثّل مارتن لوثر كينغ رمزا للنضال العادل ضد العنصريّة و الميز العنصري و الأفكار المسبّقة . بالنسبة لأناس كُثر يمثّل مارتن لوثر كينغ النضال ضد كلّ ما يتكشّف فى معلّقة المشانق . لذا ليس من المفاجئ أن يكون أنصار الكلو كلوكس كلان إختاروا تنظيم مسيرة فى يوم مارتن لوثر كينغ لمزيد التحدّى فى تقديم رسالتهم – تهديدهم العنصري – الموجّه إلى الذين يدافعون عن جينا 6 و يقاتلون إضطهاد السود . هؤلاء العنصريّين الذين يحملون الراية الأمريكية وينشدون " الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة من أجل الحرّية " ينظرون إلى مارتن لوثر كينغ على أنّه ضد النظام فى هذه البلاد .
لكنفى الواقع ، مارتن لوثر كينغ لم يعرض هذا النظام – كان من المدافعين عن النظام الرأسمالي . لقد جاء كينغ إلى مقاطعة منتغومري ، بالآلاباما سنة 1954 الذى أطلق نضالا من أجل المساواة فى الحقوق الذى يجيش لعدّة عقود، بات بارزا وطنيّا. إنّ " إعتدال " كينغ فى النضال جعله يدافع عن العناصر الليبراليّة فى الهيكلة السياسيّة للولايات المتّحدة . و مع تصاعد نضاليّة الصراع ، أمسى كينغ يمثّل جناحا يدعو للتأقلم و المساومة فى النضال من أجل الحرّية ؛ و كان هذا الجناح معارضا للجناح الأكثر نضاليّة و فى النهاية الأكثر ثوريّة المرتبط قبل كلّ شيء بمالكولم آكس ثمّ بستوكلى كارميكل ( كوامي تيور) و ه . رام براون ( جميل عبد الله الأمين ) من لجنة تنسيق الطلبة المناهضين للعنف ، و فى الأخير بحزب الفهود السود . لم يكن كينغ يرى الحاجة إلى الثورة للتخلّص من النظام – وهي الطريقة الوحيدة للتخلّص من إضطهاد السود . و عوض ذلك ، عارض الثورة و روّج لمحاولة إصلاح هذا النظام و عمل عن قرب مع الرئيس ليندن جونسون ، أحيانا متحدّثا معه عبر الهاتف يوميّا لتنسيق و بينما كان العنصريّون البيض و الشرطة يهاجمون متظاهرو الحقوق المدنيّة ، كان كينغ يشدّد على اللاعنف – لكن فقط من جانب الجماهير المضطهَدة . و خلال تمرّدات السود فى ستّينات القرن العشرين ، صرّح كينغ بوضوح : " إنّ كان يجب أن يسيل الدم ، فليكن دمنا نحن " . و فى أوج هذه التمرّدات بدتروا سنة 1967 ، إلتحق كينغ بدعوة الحكومة لإرسال فيالقها لإخماد التمرّد – وهو ما قاموا به بعنف خبيث .
لكن محاولة كينغ أن يوجّه الناس إلى أشكال أقلّ نضاليّة ، و كذلك معارضيه لحرب الفيتنام ، غدت أكثر ممّا تتحمّله بعض قطاعات الطبقة الحاكمة . لذلك تجسّسوا عليه و على مراسلاته ليراقبوه و فى نهاية المطاف تمّ إغتياله . و يُمثّل هذا الإغتيال رسالة عنيفة للسود بأنّه و لا حتّى الجهود الإصلاحيّة سيقع التسامح معها و بأنّ حتّى القادة " المعتدلين " سيغتالون – و أتى ردّ الجماهير بالتمرّد فى أكثر من مائة مدينة .
[ من أجل دراسة تحليليّة ضافية لحياة ومواقف مارتن لوثر كينغ ، عليكم بمقال " إرث كينغ : الإصلاحية والإستسلام " صدر بمجلّة " الثورة " عدد جوان 1978 و رابطه على الأنترنت هو التالى : ]https://www.marxists.org/history/erol/ncm-8/rcp-king-2.pdf
===============================================================
(2) وهم أوباما " نعم ، نستطيع "... و الواقع المميت للسود
كارل ديكس ، جريدة " الثورة " عدد 141 ، 24 أوت 2008
فى موسم الإنتخابات الرئاسيّة هذا ، يحدث أمر مختلف عن المواسم السابقة . فقبل سنوات ثلاث ، تُرك عشرات آلاف السود ليقضوا نحبهم فى فياضانات إعصار كاترينا الذى ضرب نيو أرليانس . و السنة الماضية ، نصبت مشانق لإعدامات خارج القانون عبر البلاد برمّتها ، من جينا إلى لويزياما ، إلى مدينة نيويورك . لكن الآن ، أحد الحزبين الكبيرين على وشكتسمية أروأمريكي ، لسباق رئاسة الولايات المتّحدة . هذا أمر جلل .
لقد سوّقت هذه البلاد لأكذوبة أنّ السود أدنى من يوم وقع جرّ أوّل الأفارقة فى السفن مكبّلين بقيود العبوديّة . وكان هذا جزءا منتبريرات إستعباد السود و فرض عليهم بعد نهاية العبوديّة قرنا من القتل بوقا و من الميز العنصري على نمط جيم كرو. و حتّى إلى يمنا هذا ، يقال للسود إنّهم ليسوا جيّدين بما فيه الكفاية ، و إنّه من المفترض أن تنقصهم الكفاءات – و ليس التفّاحة العنصريّة الأمريكيّة – لذلك يتعرّضون لميز عنصري خبيث و إلى ظروف مهينة فى الولايات المتحدة .
و لئن سألتم أناسا قبل أربع سنوات أو حتّى قبل سنة من الآن ، هل يمكن أن تنتخب الولايات المتحدة رئيسا أمريكيّا أسود ، كانت الغالبيّة ستجيب بلا ، أو على الأقلّ ليس فى المستقبل المنظور . بيد أنّه فى بضعة أشهر ، قد يوجد أسود فى البيض الأبيض . و لا غرابة أنّ العديد من السود شُحذت آمالهم وهم يفكّرون فى أفق أوباما رئيسا . أو أنّ الكثير من الناس من كافة القوميّات يفكّرون فى أنّ هذا يعنى أنّ الولايات المتّحدة ، و إن لمتكن فى أحسن الأحوال ، يمكن أنتطوي صفحة إرثها العنصري .
و لقد خضت لزمن طويل نقاشات حول هذا مع الناس . و كنت أشير لهم بأنّ جوهر حملة أوباما هو أنّه أفضل رجل لقيادة الإمبراطوريّة العالمية للولايات المتحدة و الإبحار بها عبر التحدّيات التى تواجهها حول العالم و فى الداخل . و أنّ فى موقع القلب من الأمر برمّته سعي أوباما إلى أن يكون رئيس نظام رأسمالي من ركائزه المفاتيح تفوّق البيض – ركيزة لن يستطيع و لن يتخلّص منها فى وقت قريب . و يتّفق بعض الناس مع حتّى معظم ما أقوله إلاّ أنّهم مندفعون إلى هوس أوباما .
ما يردّده الكثر منهم هو التالي :إذا كانت تعويذة أوباما " نعم ، نستطيع " ستغيّر طريقة تفكير حتّى الأطفال السود وتعطيهم معنى أنّه بوسعهم تجاوز العراقيل و ضنع شيء من أنفسهم ، عندئذ علينا أن نبذل مستطاعنا لنوصله إلى البيض الأبيض .
و لننظر إلى هذا الطفل الأسود ، و إلى عديد الشبّان السود ، الذين ستتأثّر ذهنيتهم إن تمّ إنتخاب أوباما . سيصبح الكثير منهم يفكّرون " ربّما تتحوّل أمريكا إلى مكان مختلف . إستطاع أوباما النجاح و ربّما أستطيع أنا أيضا النجاح " . بيد أنّهم سيخرجون إلى أمريكا حيث يحظى السود بتعليم لامتساوى ، تحت المستوى العام . وفى كتابه سنة 2005 ،" عار الأمّة "، قال جوناتان كوزول : " معدّل الفرق [ فى المصاريف السنويّة على كلّ طفل بين معاهد الولايات ذات النسب المائويّة العالية للطلبة من الأقلّيات من جهة و أولئك ذوى النسب المائويّة الأدنى منهم ] هو 1.100 دولار . و فى بعض الولايات – نيويورك ، تكساس ، إلينوا و الكنساس مثلا ، الفرق أكبر بكثير " . و بيّن جوناتان كوزول كذلك كيف أنّ حزمة القوانين التى تهدف إلى الحصول على تمويل متساوى لمعاهد ولايات الأقلّيات قد رفضتها المحكمة العليا للولايات المتحدة فى سبعينات القرن العشرين . و فى قمّة ذلك ، فى 2007 ، أصدرت المحكمة العليا للولايات المتّحدة قانونا قَلَبَ فعلا أحكام 1954 براون مقابل بورد بشأن التعليم . فجعل القانون الجديد لسنة 2007 غير دستوري إستعمال الجنس البشري لتوجيه الطلبة إلى المعاهد ، حتّى و إن كان ذلك فى مسعى لتخطّى التمييز العنصري فى المعاهد !
سيواجهون أمريكا حيث يواجه الشباب السود نسب بطالة عالية جدّا . و المصانع التى نقلها الرأسماليّون قبل عقود إلى ضواحى بعيدة أو إلى أنحاء أخرى من العالم ، بحثا عن معدّلات ربح أعلى لنتعود إلى داخل المدن . و قد سجّلت دراسات أنّ المشغِّلين ينزعون أكثر إلى توظيف المترشحين البيض للوظيفة ذوى السوابق الإجراميّة من توظيف السود الذين لا سوابق عدليّة لهم . و المترشّحون للشغل ذوى الأسماء التى تبدو للوهلة الأولى أفروأمريكيّة مثل جمال لهم فرص أقلّ ب 50 بالمائة فى دعوتهم إلى حوار من حاملى أسماء جورج أو جوزاف . هذا التمييز العنصري لن يتوقّف .
و فى ألشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة ، أوقفت الشرطة فى نيويورك و سجنت أكثر من 150 ألف شخص . أكثر من 85 بالمائة منهم كانوا سود أو لاتينيين و أكثر من 90 بالمائة منهم لم يكونوا يفعلون أي شيء خطأ ! و تكوين الملفّات العنصري هذا لن يتوقّف . و 1 من 9 رجال سود فى سنّ العشرين قابع فى السجن . و خلال ثلاثة أشهر هذه الصائفة فى شيكاغو ، أطلقت الشرطة النار على 12 من السود واللاتينيين متسبّبة فى قتل ستّة منهم . هل تعتقدون أنّ أوباما سيفعل شيئا بهذا المضمار ؟ أوباما الذى قال إنّه على الجميع إحترام الحكم حينما أطلقت المحكمة سراح رجال الشرطة الذين قتلوا سيب بيل؟
المسألة هي أنّ كلّ الإلهام الذى يمكن لإنتخاب أوباما أن يوفّره للشباب السود سيتحطّم على جدار الواقع المستمرّ لأمريكا . قد تكون أمريكا مستعدّة لوضع رجل أسود فى البيت الأبيض ، لكن الأمر لا يتعلّق بإيقاف إطلاق النار على الرجال السود فى شوارع المدن عبر الولايات المتحدة أو بإيقاف جعل السود يقبعون فى السجون عبر البلاد . و لن يوقف ذلك التمييز العنصري ضد السود فى التعليم و التشغيل . يمكن أن يفكّروا " نعم ، نستطيع " لكن النظام سيظلّ يقول لهم : " لا ، لا تستطيعون " . و سيظلّ يقيم الحواجز لإبقائهم غارقين فى ظروف الفقر و الإهانة .
سينجح البعض فى تخطّى الحواجز التى تقيمها الرأسماليّة أمامهم . إلاّ أنّ بعض السود الذين سينجحون ، أو عددا لا بأس به منهم ، لن يعالج المشكل الفعلي الذى يواجهه السود فى هذه البلاد ألا وهو أنّهم مضطهَدون . والتاريخ يشهد بذلك . فبين 1960 و 1984 ، قفز عدد الموظّفين المنتخبين من السود فى الولايات المتحدة من تقريبا لا أحد إلى أكثر من ستّة آلاف . و فى تلك الفترة ، بسرعة نمت الطبقة الوسطى من السود . لكن وجود عدد أكبر من السود الناجحين لم يفعل أي شيء لإنقاذ السود من الإضطهاد الشامل الذى يعانون منه .
هذا الإضطهاد هو سبب كون حتّى السود الناجحين يمكن أن يواجهوا التمييز العنصري – يتمّ إتباعهم فى المتاجر و لا يستطيعون إيقاف سيّارة أجرة فى مدينة نيويورك ؛ و وضع تهديد الحياة – تسوق وأنت أسود . و هناك تهديد للحياة لأنّ الشرطة تهرسل و تعنّف و حتّى تقتل السود لأي سبب أو دون سبب أصلا . فالحصول على عمل جيّد أو قيادة سيّارة جميلة ليس ضمانا لأن يحدث هذا معك .
إنّ قصّة جوناتان بنكرتون ذى 17 سنة نموذجيّة . فقد كان جوناتان يخطّط إلى جولة حول المعاهد هذه الصائفة ، معاهد سنواته الإبتدائيّة والثانويّة . و لم يكن لديه أي سجّل عدلي و قام بكلّ ما يفترض من الناس القيام به لإنجاز ما رغب فى إنجازه . و فى 11 جوان ، بينما كان جوناتان يستريح برفقة أصدقائه فى حيّ سكني فى شيكاغو ، طاردته الشرطة و أطلقت عليه النار فى ظهره . ويقول شهود عيان إنّ الشرطة داست ظهره و ضربته على رأسه فيما كان على ألرض جريحا و يداه على الأرض . والآن جوناتان فى المستشفى مصاب بالشلل .
و فى نفس الوقت ، سيستخدم النظام هؤلاء السود الذين ينجحون لتضليل الجماهير بشأن السبب الحقيقي لوجود السود فى الوضع الذى يوجدون فيه . ستتدفّق أكاذيبهم بأنّ : " هؤلاء نجحوا . لذا إن لم تنجحوا ، لا تلوموننا و لا تلوموا النظام . الخطأ خطأكم أنتم " .
غاية فى الضرر أن يُكرّر بإستمرار فى وجه الجماهير أنّ المشاكل التى يتمرّغ فيها السود ناجمة عن السود أنفسهم . هذا ضار لأنّ خطّ الحكّام أنّ السود الذين لا ينجحون الآن لم تعد لديهم أعذار و لا يبقى لهم سوى أنفسهم يلومونها لظروفهم البائسة ، فهذا يحجب عنهم و عن غيرهم المصدر الحقيقي للمشاكل و ما يجب القيام به للتعاطى معه .إنّ الذين يبتلعون هذا الخطّ ينتهون إلى لوم الناس و لوم أنفسهم على أشياء يتسبّب فيها لهم النظام . ويوفّر هذا الخطّ للسلطات مزيدا من إطلاق اليد لمواصلة تشديد القمع الذى يسلّطونه على السود . عندما تبتلعون منطق لوم الناس ، يضحى من اليسير أن تبتلعوا الحاجة إلى إطلاق يد قمع النظام للذين وقع تجريمهم ؛ و أن تبتلعوا أكذوبة أنّ الشباب الذين قتلوا بطلقات بنادق على يد الشرطة أو الذين وقع الزجّ بهم فى السجون بأعداد متزايدة هم المتسبّبون فى ذلك لأنفسهم جراء الهراء الذى يشاركون فيه .
يحمل منطق الدعاية لترشّح أوباما لأنّه يسلهم أكثر الشباب السود النجاح ، يحمل فى طيّاته نظرة كامنة وخاطئة لما هو المشكل وما هو الحلّ . و السود الذين يبتلعون هذا فى طريقهم إلى التخلّى عن النضال ضد النظام المسؤول عن إضطهادهم . و البيض و من هم من القوميّات الأخرى الذين يبتلعون هذا قد ينتهون إلى رؤية أنّه لا حاجة للإلتحاق بالنضال ذد هذا الإضطهاد . وهو ما يمدّ الطبقة الحاكمة للولايات المتحدة بمزيد التبريرات للقمع الخبيث الذى تطلقه ضد الجماهير .
السبيل الوحيد للتعاطى مع إضطهاد السود هو أوّلا إلقاء اللوم تماما على النظام الرأسمالي – و توحيد الجماهير لبناء مقاومة هذا الإضطهاد . نحتاج إلى : مقاومة السلطة ، و تغيير الناس ، من أجل الثورة . و من شأن هذا أن يوجّه الناس بإتّجاه إنهاء إضطهاد السود و كلّ شيء آخر جنوني يسلّطه هذا النظام على الشعوب عبر العالم . لا يمكن للترويج لأوباما إلاّ أن يقود الناس خلفا إلى العناق القاتل لهذا النظام الفاسد .
===============================================================
مع رئاسة أوباما...
هل تحقّق " الحلم " ؟ و ما هو الحلم الذى نحتاجه حقّا ؟ (3)
جريدة " الثورة " عدد 15 ، 1 فيفري 2009
Revolution Newspaper | revcom.us

" هل يحتاج السود أن يتحمّلوا المسؤولية ؟
المسؤوليّة من أجل ماذا ؟
المسؤوليّة من الثورة – قطعا ! ينبغى علينا جميعا تحمّل مسؤوليّة القيام بالثورة – لتحرير الإنسانية قاطبة من نظام الإضطهاد هذا برمّته . "
( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكيّة )
----------------------
لقد إحتفل كثير من الناس بتولّى أوباما لمسؤوليّة الرئاسة كخطوة كبيرة فى تحقيق " حلم مارتن لوثر كينغ - جونيور ". و الكثير ممّن يعارضون إضطهاد السود من أعماق قلوبهم و أحشائهم يرون رئاسته على أنّها تعبّد الطريق لليوم الذى يستطيع فيه السود المساهمة مساهمة تامة فى المجتمع على قاعدة المساواة . و يقول البعض إنّ انتخابه خطوة كبرى فى تغيير قلوب وعقول البيض حتّى يتمكّنوا من رؤية السود كأناس ، كبشر . بينما يذهب آخرون بعيدا إلى حدّ زعم أنّ إنتخابه يثبت أنّ أمريكا الآن تحكم على الناس ليس إنطلاقا من " لون بشرتهم بل من محتوى شخصيّتهم " ( مقتبسين كلمات كينغ فى خطاب " لديّ حلم " ) و أنّ من يتحدّث عن الإضطهاد لا يفعل " سوى تقديم ذرائع " .
و كلّ هذا الإحتفال – بما فى ذلك طبعا أوباما نفسه – يزعم أنّ هذا يبيّن تفوّق الدستور الأمريكي . و قد أذاع كينغ عينه حلمه كحلم بأنّ أمريكا " تعيش خارج المعنى الحقيقي لعقيدتها " كما جرت صياغتها فى الدستور و فى إعلان الإستقلال .
لذا هل يرمز إنتخاب أوباما إلى خطوة كبرى بإتجاه تحقيق حلم مارتن لوثر كينغ ؟ سنحلّل هذا . و للتعمّق فى هذا ، سيكون علينا أن نثير سؤالا أعمق : هل أنّ الحلم الذى عرضه كينغ قبل 45 سنة حلم يمكن أن يقود إلى التحرّر ؟ أم هل هو فى الواقع كمين أو أسوأ – حلم يجب على الناس نبذه و تبنّى شيء مختلف ؟
الكابوس الأمريكي :
أوّلا ، لنتفحّص الظروف التى قادت إلى حركة الحقوق المدنيّة ثمّ إلى حركة تحرير السود . فليس قبل مدّة طويلة ، قد أنكرت هذه البلاد حتّى الحقوق الأكثر أساسيّة للسود . فى الجنوب ، لم يكن مسموحا للسود بأن ينتخبوا – و فى عديد الحالات كانوا يقتلون لمجرّد السعي إلى محاولة التسجيل . و ما كان مسموحا لهم حتّى بشرب ماء الينابيع التى يستخدمها البيض أو الأكل فى نفس الأواني . و كلّ هذا كان القانون يدعمه – و ليس فقط على يد " عمداء الشرطة مهشّمى العظام " ذوو الشهرة أو رجال الشرطة العنصريين ، بل أيضا على يد المحكمة العليا نفسها ! و حينما لا يكون " العنف القانوني " كافيا ، هناك غوغاء القتل بوقا – بالجنوب أكيد و أيضا بالشمال – تُخرج الناس من منازلهم و بإبتهاج و بلا إحساس بالعار ، تشنقهم و تحرقهم . فى الشمال عصابات غوغاء من " المواطنين الشرفاء " يطردون أي أسود يتجرّأ على شراء منزل فى " الحيّ الخطأ " او حتّى يقصد حديقة أو حمّام سباحة " للبيض " . إنّ " النيوديل " / " الإتفاق الجديد " الخيالي لفرانكلين روزفالت – الذى يذكره الآن الكثيرون على أنّه شيء على أوباما أن يشجّع عليه – قد عزّز هيكلة تفوّق البيض عبر كامل البلاد . (1)
و غالبا ما قاوم الناس لآ سيما منهم السود ذلك . لكن فى خمسينات القرن العشرين و ستّيناته ، تمكّنت هذه المعركة التى لا تنتهى أبدا من التفتّح إلى تمرّدات إعصاريّة و بطوليّة لنضال جماهير السود . لقد واجهت الجماهير النار و الكلاب عصيّ الشرطة و كذلك إرهاب الكلوكلوكس كلان و القتل بدم بارد للمئات . لقد صمّموا على التحرّر ، على " عدم العودة إلى الخلف " . و جاء هذا فى زمن تحدّيات عالميّة كبرى كانت تواجه نظام الولايات المتّحدة و تحديّات إقتصاديّة كبرى ، لا سيما فى الجنوب ؛ و نتيجة إلتقاء كلّ هذا ، جرى كسب الحقوق الأساسيّة .
للسود الآن حقّ الإنتخاب . لم يعد بالنسبة للسود من غير القانوني الذهاب لنفس مدارس البيض . فى كافة أنحاء البلاد ، فتحت أمامهم بعض فرص الشغل والتعليم و تحصّل بعضهم على وظائف أجرها أفضل و إلتحقوا بالجامعات بأعداد أكبر . و اليوم ، هناك عدد أكبر من المختصّين و المربّين و العلماء و الأكاديميين السود من ذى قبل ، و عدد السود المنتخبين رسميّا قد نمى بصفة دراماتيكيّة . و صار باراك أوباما رئيسا .
بكلمات أخرى ، إضطرّ النظام إلى السماح لفئة من السود " بالصعود " . إلى هذا يشير الناس حين يقولون إنّ أوباما على رأس تحقيق الحلم . لكن لنتفحّص الأمر عن كثب .
بالرغم من معارك ستينات القرن العشرين ، جعل سير هذا النظام – و السياسة الواعية للذين يسهرون على تسييره – العملي الأشياء أسوأ لعديد ملايين السود طوال العقود القليلة الماضية . و اليوم لا يزال ملايين السود فى قاع المجتمع تسحقهم أعمال دخلها قليل إن إستطاعوا أبدا الحصول على شغل . فى مدينة نيويورك وحدها ، نسبة بطالة الرجال السود 48 بالمائة. و سواء كان رئيسا أسود أم رئيسا غير أسود ، من تعتقدون حقّا سينال أقسى ضربات الموجة الفظيعة من البطالة التى بالكاد بدأت ؟
أو لنأخذ السكن . فقد إستصدرت قوانين تجعل من التمييز العنصري جريمة – ومع ذلك ، نشاهد السود مكتضّين فى غيتو ( أو متفرّقين فى أماكن نائية ) و مع ذلك يتمّ التمييز ضدّ هذه " الجيوب " حينما تصبح مناطق الغيتو " تجلب الشركات العقّارية " . و لنأخذ الرعاية الصحّية . فنسبة وفايات الأطفال السود هي تقريبا مرّتان و نصف المرّة نسبة وفايات الأطفال البيض ؛ و أمل حياة الرجال الأفروأمريكيين هو 6.3 أقلّ من أمل حياة الرجال البيض ؛ و التقرير خلف التقرير يوثّق الرعاية الطبّية الأدنى حتّى حينما تكون للسود تغطية تأمينات ( و كان ثلث الكهول السود لا يملكون تأمينا على المرض فى وقت ما فى 2005 ، بينما 20 بالمائة من البيض فى سنّ العمل لا يملكون تأمينا على المرض خلال الفترة ذاتها )(2). و لنأخذ الميز العنصري . إنّه شديد فى معاهد المدن مثلما كان قبل أربعين عاما ؛ و البون بين تمويل المعاهد فى أحواز البيض أساسا و مدن السود أساسا مستمرّ فى الإتّساع .
وفضلا عن ذلك هناك، الآن ، تجريم عدّة أجيال من شباب السود . وعوض إيجاد مواطن شغل لشباب السود ، قد إقتلع النظام الصناعات من المدن و نقل المعامل سواء نحو الأحواز أو إلى ما وراء البحار . و سمح لتجارة المخدّرات بأن تزدهر – و تاليا إستخدمها لتوجيه شباب السود السجون والتشجيع على النماذج الرجعية ل " القوّاد " و " السفّاح " . زمن مقاطعة الحافلات فى منغومري ، بالآلاباما ، الذى جعل من مارتن لوثر كينغ وجها وطنيّا ، هل كان عدد السجناء الأفرو أمريكيين أقلّ 90 ألفا منه اليوم ؟ لا ، أكثر من 90 ألفا – وهو فى تصاعد . بكلمات أخرى ، أكثر بعشر مرّات. و تمّ تعويض غوغاء القتل بوقا بالشرطة – و على كلّ من يفكّر أنّنا فى أمريكا ما بعد العنصريّة أن يسجّل جيّدا حالات أوسكار غرانت و آدولف غريمسي و روبي تولان – وهي حالات فظيعة من جرائم الشرطة وعنفها جدّت فى الأيّام الأولى من 2009 .
و حتّى بالنسبة لذلك الرقم الذى لا قيمة له من السود الذين حقّقوا بعض النجاح ، لم يتوقّف الإضطهاد . لا يزال هناك واقع " السياقة و أنت أسود " – و إمكانيّة أن يلقى كلّ أفروأمريكي حتفه فى أي لقاء مع الشرطة . هناك واقع التمييز فى التشغيل و فى السكن وفى القروض . و هناك واقع أنّ غالبيّة الأطفال السود من الطبقة الوسطى اليوم يتدحرجون إلى أسفل .(3)
صار الحلم واقعا ؟ اليوم بالنسبة للملايين ، كلمات ملكولم آكس تصف بصورة أدقّ الواقع الذى تواجهه الجماهير : " لا أرى حلما أمريكيّا ، ما أراه هو كابوس أمريكي " .
سؤال أعمق :
هنا يجب طرح سؤال أعمق من ذلك حتّى . هل يمكن لحلم كينغ عمليّا أن يضع نهاية لإضطهاد السود ؟
لنبدأ من حيث بدأ كينغ – من دستور الولايات المتّحدة . وفى موقع القلب من الدستور ، توجد حماية حقوق الملكيّة . و مثلما وضع ذلك مؤلّفه الأساسي : " الحكومة مؤسّسة تقوم على حماية الملكية ليس أقلّ من حماية الأشخاص " . و لمّا تحدّث ماديسون عن حقّ الملكيّة ، تحدّث أوّلا و قبل كلّ شيء عن حماية حق الملكيّة الرأسمالية ما يعنى حقّ الرأسماليّ فى تشغيل ذلك الرأسمال للحصول على الربح . و يتأتّى ذلك الربح – و لا يمكننه إلاّ أن يتأتّى من – توظيف أناس آخرين للعمل لصالحه ، و الإبقاء على قيمة أي شيء ينتجه العمّال و يتجاوز ما يحتاجون إليه للبقاء على قيد الحياة .
و هكذا ، على السطح يبدو أنّه مبادلة عادلة – الرأسمالي يدفع الأجور و العامل يمنحه قوّة عمله فى مقابل ذلك . لكن فى الواقع ، " لا يمكن لهذه " المبادلة العادلة " أن تحصل إلاّ على أساس اللامساواة العميقة . إذ يمتلك الرأسمالي وسائل الإنتاج و لا يملك العامل أي شيء ، و يجب أن يجد شخصا يوظّفه . و حتّى إن حصل على العمل ، فإنّ الطرق ذاتها التى ينتج بها عمله ثروة حتّى أكبر للرأسمالي و مجرّد البقاء على قيد الحياة لكي يعيد إنتاج و يعيد تعزيز اللامساواة .
هذا هو الواقع : الإستغلال المرير المفضى إلى اللامساواة المتعمّقة دائما و إلى الإضطهاد القاتل للروح و المقنّع بمظهر المساواة . و هذا التناقض بين المظهر و الجوهر – بين الكلمات الرنّانة وما تحيل عليه الكلمات – يجد التعبير عنه فى كلّ مجال من مجالات المجتمع . و تصبح المساواة أمام القانون العدالة التى نراها حينما يوظّف الرأسماليّون الكبار الأعداد الكبيرة من المحامين ليسمحوا لهم بعصا تفريغ سموم فى حيّ فقير ، بينما الجماهير فى ذلك الحيّ ، إن علموا بالأمر ، يمكن أن يكون لهم " حقّ متساوى " فى التمثيل القانوني من قبل مدافعين سيّئي الأعمال ومحاصرين للعامة . و الحق المتساوى المفترض فى التعليم الجيّد أو فى الرعاية الصحّية يقرّر نوعا مختلفا راديكاليّا من التعليم و الرعاية الصحّية وفق الصحّة و الموارد فى العالم – الحقيقي . طالما هناك مستغِلّون و مستغَلون ... طالما أنّ الرأسمال و سعيه المستمرّ إلى الربح يهيمن على كلّ المجتمع ...و هذه فى الواقع حدود ضيقة ساحقة من المساواة الموعودة فى الدستور – و الممكنة التحقيق على أساسه .
لكن ليست بعدُ الصورة الكاملة . فالدستور الأصلي لم يكن يحمى الملكيّة الرأسمالية فقط ؛ بل كان يحمى أيضا حقّ ملاّكى العبيد فى إمتلاك و إستغلال ملكيتهم البشريّة . و بعيدا عن المثُل العليا التى تدرّس فى المعاهد ، لم تظهر الرأسماليّة على أساس عمل بعض الناس بمشقّة أكبر من غيرهم مضحّين أ كثر و مستخدمين ذكاءهم لبناء رأسمالهم . ظهرت الرأسمالية أوّلا فى أوروبا على أساس الفصل العنيف للمنتجين عن أيّة وسائل إنتاج بما أنّ الناس أُجبروا على مغادرة أراضيهم إلى المدن للعمل ساعة بعد ساعة في المصانع للبقاء على قيد الحياة . و على الصعيد العالمي ، ظهرت كما قال ماركس على أساس " إكتشاف الذهب و الفضّة فى أمريكا و سلب السكّان الأصليين و إستعبادهم و قبرهم فى المناجم ، و بداية غزو و نهب جزر الهند الشرقيّة ،[ و] تحويل أفريقيا إلى منطقة للصيد التجاري لذوى البشرة السوداء "( كارل ماركس" رأس المال " ).
بكلمات أخرى ، لا تقتلع الرأسمالية إقتلاعا تاما الأشكال الأخرى من الإستغلال الصريح ، واللامساواة المقبولة ؛ إنّها تعبّد الطريق فقط لتوسّعها الخاص ثمّ تدمج و حتّى تعمّق تلك الأشكال الأخرى . و قد فعلت ذلك مع العبوديّة فى الجنوب الأمريكي ل 260 سنة ، وهي تواصل ذلك مع العبوديّة الصريحة فى أنحاء أخرى من العالم اليوم . (4) لقد كان هذا جزءا حيويّا من كيفيّة نموّ أمريكا و بلوغ إقتصادها و سياستها وجيشها موقعا عالميّا كقوّة عالميّة .
الواقع هو التالي : لا يمكنكم الحديث عن ظهور الرأسماليّة لا سيما فى الولايات المتحدة دون الحديث عن إضطهاد السود و إستغلالهم . لم تُثر العبوديّة ملاّكى العبيد فى الجنوب فحسب ، فقد كانت أساسيّة لتوسّع التصنيع والتجارة فى الشمال و تطوّرها . و زمن نهاية العبوديّة ، دم السود ، كشعب ، قد سال بعدُ فى أسس الثروة الأمريكيّة ؛ و كان إضطهادهم متماسكا عميقا فى ذات مصنع المجتمع الأمريكي و نفسيّة الناس . عند نقاش الأهمّية المركزيّة للعبوديّة فى نموّ الولايات المتحدة ، وضحّ بوب أفاكيان أنّه :
" لم تكن الولايات المتحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبودية ." ( 5)

خيانتان مريرتان :
مع الحرب الأهليّة – التى نجمت عن نزاع بين الشمال الرأسمالي و الجنوب العبودي حولقدرةالرأسمال على مزيد التوسّع – وقع إلغاء العبودية . و قد فقد ثلث الأفروأمريكيين الذين قاتلوا فى صفوف جيش الوحدة حياتهم فى الحرب ، وهي نسبة مائويّة عالية جدّا مقارنة بالجنود البيض . زمنها طُرح أمام المنتصرين فى الشمال خيار : الإدماج التام للعبيد السابقين فى المجتمع موفّرين لهم الأرض و الحقوق السياسيّة ( بما فى ذلك حقّ قمع الذين يهاجمونهم ).
لكن فى الواقع ، رفض حكّام النظام ذلك . فقد أنكروا المساواة على العبيد سابقا . وبدلا من ذلك ، وضعوا نظاما بالكاد أفضل من العبوديّة . جرى إستغلال العبيد السابقين كمزارعين وقيّدوهم إلى الأرض وأجبروهم على العمل فى ظروف إضطهاديّة قمعيّة . لقد حكم التمييزالعنصري على نمط جيم كرو كلّ مظهر من مظاهر الحياة – و تعتبر المحكمة العليا للولايات المتحدة دستوريّا . و كان كلّ هذا يدعمه و يفرضه إرهاب الكلوكلوكس كلان كسحابة سوداء من غوغاء العنصريّة الطارقة للأبواب و المخرجمن المنزل والشنق بوقا المسلّط على كلّ أسود فى الجنوب .
لماذا لم يوفّروا عند تلك النقطة المساواة للسود عوض إرساء هذا النظام المريع اللاإنساني ؟ لأنّ مثل هذه المساواة قد تطلّبت حتّى المزيد من تمزيق المصنع الإجتماعي تحديدا لأجل إعادة صياغته على قاعدة أعدل . و فى نظر رأسماليي الشمال ، كان هذا سيكون مدمّرا و كان سيمضى ضدّ ما كان هؤلاء الرأسماليين يرون أنّه حاجتهم لتعزيز حكمهم و التوسّع غربا – أي إتمام إبادتهم الجماعيّة للهنود الأمريكين الأصليين و سلبهم تماما أراضيهم .
و بالفعل ، عاد هذا المنطق عينه ليلعب دورا فى ستّينات القرن العشرين عندما كما وصفنا ، كان تمرّد إجتماعي إعصاري وضع حكّام النظام مرّة أخرى أمام خيار – و إختار الحكّام أن يتنازلوا موافقين على بعض الحقوق لبعض الناس بينما ظلّوا يأسرون عددا أكبر فى ظروف هي نفسها أو حتّى أسوأ . و مثلما كتب بوب أفاكيان : " لقد طُرح السؤال بحدّة مباشرة و بشكل حاسم : هل سيعطى النظام الحقوق المتساوية لكلّ الأفراد ؟ و أجاب النظام : لا ! و لم يكن الأمر مجرّد مسألة أنّ الطبقة الحاكمة لن تقوم بذلك ، بل أكثر جوهريّة كان واقع أنّهم لم يستطيعوا . لم يستطيعوا لأنّ ذلك كان سيمزّق كامل نظامهم ، كان سيقوّض كامل قاعدتهم الإقتصاديّة وكامل بنيتهم الفوقيّة إن فعلوا ذلك " . (6)
ما الذى يعنيه حقّا أن " تكون أمريكيّا " :
عبر كلّ هذا التاريخ ، إضطلعت إيديولوجيا تفوّق اللبيض و العنصريّة بدور مركزيّ فى تبرير هذا . و هذه العقليّة العنصريّة لتفوّق البيض جزء من " الصمغ الإجتماعي " الذى يجعل المجتمع الأمريكي متماسكا . ما الذى نعنيه ب " الصمغ الإجتماعي " ؟ معنى أن تكون عضوا فى مجتمع – أمريكي – فى هذه البلاد . بداية من العبوديّة ، فُرض على العبيد – إلى جانب الهنود الأمريكيين الأصليين – أن يُعتبروا منبوذين ، لا يستحقّون " الحقوق الطبيعيّة " الموفّرة لكافة الرجال البيض . لقد وقعت قيادة السكّان البيض للتماثل مع مصالحهم كأعضاء فى طبقة الأسياد ( سواء كانوا يملكون عبيدا أم لم يكونوا يملكون ) . ثمّ ، جرى تشجيع هذه العقليّة بأشكال مختلفة عقب العبوديّة بما أنّ البيض حدّدوا أنفسهم ك " أمريكيين بيض " – فى تعارض صارخ مع السود – و بجملة من افمتيازات و الإنتظارات و الإستحقاقات المتناسبة مع ذلك .
يمكن أنتعرف الأفكار بعض التغيير غير أنّ الذهنيّة الأساسيّة لم تعرف ذلك . و اليوم شيطنة الشباب و جماهير السود بصورة أعمّ على أنّهم " مجرمون لا يمكن أن يتوبوا " و " خطر على قيم المجتمع " – محاور شجّعها أوباما بصفاقة و دون خجل – صارت جزءا لا يتجزّأ من الصمغ الإجتماعي . و لم تبرّر عقليّة طبقة الأسياد هذه الجرائم المقترفة فى حقّ السود لمئات السنين فحسب بل مثّلت عامودا إيديولوجيّا كبيرا فى وي تعزّز كلّ هذه الحزمة و ما يعنيه أن تكون أمريكيّا . و قد وُجدت عقليّة طبقة السادة هذه – معنى أنّه بفضل كونك أبيض و كونك أمريكي فلإنّك تتمتّع ببعض الإمتيازات و يبرّر دفاعك العنيف عن تلك الإمتيازات – ترجمة لها فى جرائم أخرى كذلك : الحرب ضد المكسيك و سرقة أرضها ؛ و الإبادة الجماعيّة للأمريكيين الأصليين ؛ و الإستعمار و الإستعمار الجديد لأمريكا اللاتينيّة و للفليبين ؛ و ثمّ كامل القرن من الحروب من أجل الإمبراطوريّة و التى لا تزال تخوضها الولايات المتحدة .
لا أحد له أدنى حسّ أو لياقة إنسانيّة يريد أن يكون جزءا من هذا . كلّ إنسان له أيّة إنسانيّة و كرامة يجب أن يبذل قصارى جهده لإيقاف التفكير مثل الأمريكي و يشرع فى التفكير فى الإنسانيّة .
الإندماج فى النظام مقابل التخلّص منه :
لقد كتب مارتن لوثر كينغ: " كانت الثورة ضد العنصريّة فى أمريكا ثورة " اندماج " فى النظام أكثر منها ثورة إطاحة به. نريد حصّة من الإقتصاد الأمريكي و من سوق السكن و من النظام التعليمي ومن الفرص الإجتماعية . و يؤشّر هذا الهدف ذاته إلى أنّ التغيير الإجتماعي فى أمريكا يجب أن لا يكون عنيفا " ( 7).
و باراك أوباما هو فعلا وريث هذا الحلم الأمريكي المميّز – وهذا الطريق . فقد صعد عبر الصفوف ليصبحفى أعلى قمّة السلطة التنفيذيّة و القائد الأعلى للولايات المتّحدة و قد أقسم على خدمة مصالح هذه البلاد – مثلما هي مكثّفة فى الدستور الذى يمثّل وعده إطارا ووسيلة للإستغلال و اللامساواة الجوهريّة .
و طبعا ، شدّد كينغ على أن يكون الناس غير عنيفين فى مطالبتهم بالعدالة . لكن حتّى وهو يلتحق متأخّرا باللعبة ، توصّل إلى معارضة الحرب الفظيعة ، حرب الإبادة ضد الفيتنام إلاّ أنّه لم يضع مطلقا موضع السؤال " الحقّ "الأساسي للحكومة الأمريكية فى أن " تكون عنيفة " – أي أن تأمر بأبشع الوسائل الكبرى للعنف غير المسبوق – و تستعمل ذلك كلّما عنّ لها ، لإسناد هذا النظام و للحفاظ على الوضع السائد . لم يخض كينغ قط فى – أو على الأقلّ لم يتابع أبدا الأمر إلى نهايته النطقيّة – واقع أنّ كلّ الظلم ، كلّ الإضطهاد ، كلّ الإستغلال فى العالم تدعمه و تفرضه البنادق ؛ و أنّ فى عالم اليوم ، الغالبيّة الغالبة من الإستغلال تقوم به امريكا و تفرضه البنادق الأمريكيّة .
و لنضع الأمر ببساطة :" حصّة من الإقتصاد الأمريكي " التى يطالب بها كينغ ليست أقلّ من حصّة من النهب الأمريكي . و هذا النهب جارى فى كافة أنحاء العالم – وهو يضمن قدرة تواصل ذلك النهب الذى يبقى الفيالق الأمريكيّة فى قواعد فى كافة أنحاء العالم . الأسر فى العراق تكسّر أبواب منازلها وتتعرّض للقتل على يد الفيالق الأمريكية ... والتعذيب قائم فى سجن بكرام الذى تديره الولايات المتحدة فى أفغانستان ، و قتل المدنيين بالجملة بواسطة الطائرات المروحية الأمريكية فى تلك البلاد إلى أين يقول أوباما إنّه سيرسل 30 ألف جندى إضافي ... و " الطائرات دون طيّار المفترسة " التابعة للسى آي آي و التى تقتل مرّة أخرى المدنيّين فى الباكستان – كلّ هذا و أكثر هو ما يضمن ما يسمّى بالإقتصاد الأمريكي . ما هذا النوع من الحلم ؟
و فى الواقع ، دعا كينغ عمليّا إلى أرسال الفيالق الأمريكيّة إلى ديترويت لقمع السود الذين تمرّدوا هناك فى 1967 . وقد قامت تلك الفيالق حينها بمجازر – مثلما يمكن لمن له أدنى معرفة بتاريخ أمريكا و جيشها أن يتوقّع بسهولة . لقد قال كينغ فعلا : " إن كان يجب أن يسيل الدم ، فليكن دمنا نحن " – وكانت الحكومة الأمريكيّة جدّ مغتبطة و إلتزمت بذلك .
و يختلف أوباما عن كينغ فى أنّ أوباما يتفاخر بصراحة بأنّ له " المزاج الصحيح " كما يضع ذلك ، لقيادة ذلك الجهاز القمعي الهائل ، لإستخدام آلة العنف تلك ضد أيّ كان يعارض أمريكا .
بهذا المعنى الملموس جدّا ، قد حقّق أوباما حلم كينغ . لكن هذا ليس الطموح الذى يتماهى مع غالبيّة الناس – فكر وضع نهاية لإضطهاد السود . فمثلما رأينا ، غدا ذلك الإضطهاد فى عديد الأوجه أشدّ وطأة . لكن واقع حدود حلم كينغ يجب أن يقود ة بالفعل قد قاد حتى وهو على قيد الحياة إلى تعزيز نظام غير عادل فى جوهره .
بكلمات أخرى ، رأينا إلى أين يؤدّى هذا الحلم و يجب أن يؤدّى ، فى العالم الواقعي . و يجب أن نضع حدّا لذلك ، يجب أن ننبذه .
حلم بالتحرّر الحقيقي :
لكن ثمّة حلم يجب رفع رايته . و ثمّة طريق للتقدّم لتحقيق هذا الحلم . نحتاج إلى ثورة ، ثورة تقطع مع وتفكّك كامل إطار الإستغلال والإضطهاد ، ثورة ترسى سلطة دولة ثوريّة جديدة تهدف إلى إجتثاث و إلغاء كلّ علاقات الإستغلال و الإضطهاد بما فى ذلك اللامساواة و إضطهاد الأمم وشعوب بأكملها ... وكلّ الطرق البشعة للتفكير التى تتناسب مع هذه العلاقات بما فيها العنصريّة و إيديولوجيا تفوّق البيض .
قمنا بنشر مواد كثيرة عن نوع المجتمع الذي يمكن أن يُنجز ذلك – فى جميع أعمال بوب أفاكيان (8) و فى جريدتنا ، أسبوعيّا . و قد تحدّثنا بوجه خاص عنكيف أنّ هذه الثورة بوسعها و ستحدث إضطهاد السود كجزء من تحرير الإنسانيّة قاطبة ، فى كتاب بوب أفاكيان " الشيوعية و ديمقراطية جيفرسون " و عدد جريدتنا الخاص " إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج " . و سنتحدّث أكثر عن هذا فى الأسابيع و الأشهر و السنوات القادمة . ومع ذلك ، فى هذه اللحظة بالذات ، ندعوكم إلى التوجّه إلى الأنترنت و الإطلاع على تلك الكتابات و إلى زيارة مكتباتنا للحصول على نسخ ورقيّة ، أو للكتابة إلينا لنرسلها إليكم .
و النقطة التى نرغب فى أن نختم بها هي :
هذه أوقات أزمة حادة لهذا النظام وهناك تمرّد فى الفق . و ذات واقع أنّ الحكّام العنصريين لهذا النظام يرون الحاجة إلى وضع رجل أسود على رأسه يترجم بحدّ ذاته مدى جدّية ذلك ، و مدى رؤيتهم للحاجة إلى محاصرة أو توجيه مثل هذا التمرّد توجيها خاطئا . لا يجب أن نسقط فى الخطأ : يمكن لهذا التمرّد أن ينتهي إلى إعادة صياغة المجتمع بطرق ستكدّس المزيد من الفظائع التى يعيشها بعدُ يوميّا مليارات البشر .أو إذا ما وُجدت حركة ثوريّة متنامية و مقاومة متنامية ، يمكن تمهيد السبيل وإرساء إطار مختلف – و من الممكن إرساء مرحلة صياغة مستقبل أفضل تماما من ذلك .
إنّ التغيير الذى يحتاجه السود – و كافة الجماهير – لا يمكن إلاّ أن يأتي بالتخلّص من هذا النظام الذى يدفع الناس نحو ظروف يائسة و لا يمدّهم سوى بخيارات مسدودة الأفق . و نعم ، يحتاج الناس أنفسهم إلى التغيّر و يحتاجون إلى تولّى المسؤوليّة . لكن الآن لن يغيّروا من أنفسهم بشكل إيجابي إلاّ بمواجهة المصدر الفعلي للمشكل و يغيّروا أنفسهم راديكاليّا و هم يغيّرون أنفسهم و يثوّرون ظروفهم . ولن يحدث هذا إلآّ بالإعتماد على قتال النظام الذى يفرض هذا ، بهدف و غاية التخلّص من هذا النظام – و ليس ب " العمل من داخله " .
الهوامش :
1. For a fuller explanation see Bob Avakian, Communism and Jeffersonian Democracy, RCP Publications, Chicago, 2008 and “The Oppression of Black People, the Crimes of this System, and the Revolution We Need,” Revolution #144, October 5, 2008. For more on Roosevelt’s “New Deal, see Ira Katznelson, “New Deal, Raw Deal: How Aid Became Affirmative Action for Whites,” Washington Post, September 27, 2005 and Katznelson, When Affirmative Action Was White, W.W. Norton and Company, 2005, Chapter 2.
2. See “Trends in Black-White Life Expectancy Gap in the U.S. the coverage rates for Black people are much lower than for whites,” Journal of the American Medical Association, 2007. and “Health Care Disconnect: Gaps in Coverage and Care for Minority Adults: Findings from the Commonwealth Fund Biennial Health Insurance Survey (2005)”
3. “The Oppression of Black People, the Crimes of this System, and the Revolution We Need,” Revolution #144, October 5, 2008
4. See “21st Century Slavery Under Global Capitalism,” Revolution #102, September 23, 2007
5. Communism and Jeffersonian Democracy, p.17
6. Bob Avakian, “How This System Has Betrayed Black People: Crucial Turning Points,” Revolution Online, February 2, 2007
7. Martin Luther King, Jr., Where Do We Go From Here: Chaos´-or-Community?, Beacon Press, 1968, p. 130
8. See bobavakian.net
================================================================
( 4 ) ستّ مسائل كان فيها أوباما أسوأ من بوش
جريدة " الثورة " ، عدد 263 ، 25 مارس 2012
Revolution Newspaper | revcom.us

مع إقتراب الإنتخابات الرئاسيّة ، أخذ البعض يحاجج مرّة أخرى بأنّه مهما كانت المشاكل مع الديمقراطيين وأوباما ،" البديل " - الجمهوريّون – أسوأ بكثير . لذا عندما يكون كلّ شيء قد قيل و فُعل ، تواصل الحجّة ، سيسقط الذين لا يرغبون فى فوز " الجناح اليميني " فى خطّ الوقوف وراء أوباما و الديمقراطيين . و الواقع هو أنّ فى مسال مفاتيح كان أوباما كرئيس للولايات المتّحدة حتّى أسوأ للجماهير الشعبيّة ، فى الولايات المتحدة و عبر العالم . هذا واقع يمكن توضيحه بيسر . و إليكم ستّ مسائل تجاوز فيها أوباما بوش فى فاشيّته و وحشيّته و تحرّكاته الرجعيّة ، خدمة للنظام الرأسمالي –الإمبريالي الحاكم .
1- إغتيالات بأوامر من الرئيس :
قبل أن يصبح رئيسا وقائدا أعلى ، عارض أوباما السجن الذى أقامه جورج بوش الإبن فى غوانتانامو ليعتقل إلى ما لا نهاية له أناس دون توجيه تهم ، لمجرّد إتّهامات صادرة عن الولايات المتّحدة بأنّ لهم علاقات مع الإرهاب . و قال أوباما حينها إنّ " شخصا بريئا تماما يمكن أن يقع إيقافه و ليس بوسعه دحض تهم الحكومة و لا يملك أيّة وسيلة لإثبات براءته " .
ولمّا أصبح فى البيت الأبيض ، لم يعد أوباما تأكيد سياسة الإيقافات العسكريّة إلى ما لا نهاية له مع تمرير قانون إذن الدفاع فى ديسبمبر الماضي ، بل مضى عمليّا أبعد من بوش بإدّعاء العمل إنطلاقا من سلطة رئاسيّة مفترضة لإغتيال أي كان بما فى ذلك مواطنين من الولايات المتحدة ، و فى أي مكان من العالم إعتمادا فقط على قول الرئاسة بأنّ المستهدفين " إرهابيّين " و يشكّلون خطرا على مصالح الولايات المتّحدة .
و قد شاهد العالم هذه السياسة الشائنة تنفّذ فى سبتمبر الأخير عندما أطلقت صواريخ من طائرة دون طيّار أمريكيّة لتصيب سيّارة سائرة فى صحراء اليمن و قتلت سبعة رجال بمن فيهم أنور الأولاقي . و أولاقى مواطن من الولايات المتحّدة كان الناطق الرسمي بإسم القاعدة ( و رجل آخر قُتل فى الهجوم هو كذلك مواطن من الولايات المتحدة ). و بعد بضعة أسابيع ، فى هجوم لطائرة دون طيّأر أخرى أمريكيّة ، قُتل إبن الأولاقي ذى الستّة عشرة سنة إلى جانب صديق له عمره 17 سنة . و إدّعت الولايات المتّحدة أنّ أولاقى كان له دور فى تخطيط و قيادة هجمات إرهابيّة للقاعدة – لكنّها رفضت تقديم أيّة أدلّة أو توجيه تهم فعليّة و بالطبع لم تتمّ أيّة محاكمة . لقد كان هذا ببساطة " ضربة " بدم بارد أمر بها الرئيس القائد للإمبريالية الأمريكيّة .
ووفق تقارير إخباريّة ، هناك مجموعة سرّية من موظّفي الحكومة ضمن الجهاز التنفيذي ، جزء من مجلس الأمن القومي ، تناقش من يوضع على لائحة الإغتيال ، و الرئيس يتّخذ القرار النهائي . لا وجود لسجلّ علني لهذه السيرورة و لا قوانين تحكمها و لا مراجعة قضائيّة . و فى خطاب 5 مارس قدّم المحامي الجنرال آريك هولدار الزعم المضحك لكن الفاشي القارس بأنّ سيرورة فى غاية السرّية داخل الإدارة هي التى تجعل سياسة تنفيذ الإغتيال هذه دستوريّة . على غرار ليون بانيتا ، رئيس السى آي آي ، وضع أوباما الأمر كالتالى " بديهي أنّ رئيس الولايات المتحدة يراجع هذه الحالات ، يراجع التبرير القانوني ، و فى الأخير يقول نفّذوا أو لا تنفّذوا " .
( و من اجل تحليل عميق لهذا الموضوع أنظروا مقال " إدارة أوباما : القاضي و الحاكم و المنفّذ " ) .
2- لوم الشباب على الإضطهاد الذى يتعرّضون له :
فى سلسلة من خطابات يوم الآباء منذ تولّيه الوظيفة ، و فى عديد الملاحظات الأخرى على الملأ ، لم يتوقّف أوباما عن وضع عبء الفقر و النسب العالية للمساجين و هزال التعليم و كامل الوضع الإضطهادي الذى يواجهه شباب السود واللاتينيين ، على الجماهير ذاتها . مثله مثل بيل كوسبى ، يدّعى أوباما أنّ المشكل هو " المسؤوليّة الشخصيّة " - غياب الآباء ، شباب سراويلهم متدلّية و مشاهدة التلفاز أكثر من اللازم و هلمّجرّا . وما يبقى خارج الصورة هو الواقع : كيف أنّ هذا النظام قد دمّر مجتمعات المضطهَدين ؛ و لم يترك سوى " خيار " ضئيل لملايين الشبّان بإستثناء الإقتصاد السرّي أو الجيش ؛ و إستهدف الشباب من الرجال بالتسجيل العنصري ل " الإيقاف والسجن و جرائم الشرطة الصريحة ، و أرسل الملايين إلى السجون و الكثير منهم لتجاوزات مخدّرات تعدّ صغيرة .
و ف جوهر هذه الرسالة هناك إعادة إحياء وتعزيز العا ئلة الأبويّة / البطرياركية ، مع الأب على رأسها وهو له " دور نموذجي " . فى " طرفة " سمجة خلال عشاء فى البيت الأبيض سنة 2010 ، مزج أوباما إندفاعه الرجعي من أجل النظام الأبوي / البطرياركيّة مع توسيع الحرب بالطائرات دون طيّار . وموجّها الكلام إلى أعضاء فرقة موسيقي البوب ، جوناس براذرز ، كان أعضاؤها حاضرون ،و مشيرا إلى إبنتيه الإثنتين ،قال أوباما : شاشا وماليا من أكبر المعجبين بكم لكن ،يا شباب ، لا تكن لديكم أفكار . لكم كلمتان : طائرات دون طيّار . لن تروا أبدا متى تأتى " .
ومثلما قال كارل ديكس فى 2009 فى برنامج إذاعي " الديمقراطية الآن ! " عن رسالة أوباما : " يقع توجيه اللوم للجماهير – و من أفضل من أوباما ، أوّل رئيس أمريكي أسود ، ليلوم الشباب السود على محنتهم ؟ إن قام بذلك جورج بوش ، يقال إنّه عنصريّ . لكن حين يفعل ذلك أوّل رئيس أسود ، فإنّه يجرّ عمليّا الجماهير إلى ذلك " .
3- التهديد بالحرب الإستباقيّة ضد إيران :
فى خطاب 4 مارس 2012 ، أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكيّة الإسرائيليّة [ أيباك] ، أعرب أوباما عن أكثر تهديداته المباشرة و الصريحة بالحرب ضد إيران . و قد صرّح : " يجب على قادة إيران أن يفهموا أنّه ليست لديّ سياسة إحتواء ؛ لدي سياسة منع إيران من الحصول على أسلحة نوويّة . و مثلما أوضحت الأمر مرارا و تكرارا خلال رئاستى ، لن أتردّد فى إستخدام القوّة عندما يكون ذلك ضروريّا للدفاع عن الولايات المتّحدة و مصالحها " .
وكما جاء على لسان المعلّق القانوني عران غرينوالد : " هنا لدينا نظريّة حرب إدارة بوش الأكثر جدالا يعانقها أوباما معانقة صريحة : للولايات المتحدة الحقّ ليس فى مهاجمة بلد آخر فحسب من أجل إستباق هجوم وشيك ( الحرب الإستباقيّة ) فحسب بل حتّى الحيلولة دون بعض التهديد المستقبلي المتوقّع ( الحرب الوقائيّة ) " .
إنّ تبنّى أوباما لمبدأ الحرب الوقائية ضد إيران أسوأ لأنّ من ناحية خطر حرب أمريكيّة – إسرائيليّة ضد إيران أكبر حتّى اليوم. وعلى حدّ ما أشار كاتب جريدة " الثورة " ، لارى أفراست ، " يجرى إعداد الأرضيّة يومياّ فى الخطوط العريضة ومواقف سياسيي كلّ خطوة من السياسة الرسميّة للولايات المتّحدة منادين بالعدوان على إيران – وكلّ هذا يبرّر بتأكيدات غير ملموسة بأنّ إيران تبحث عن الحصول على أسلحة نوويّة . و سواء كانت إيران تبحث عن الحصول على تقنية الأسلحة النووية أم لا ( و لا وجود لأيّة أدلّة على قيامها بذلك ) ، فإنّ هذه الرواية الإمبريالية للولايات المتّحدة و الإطار جهد فظيع لقلب الواقع رأسا على عقب – واقع أنّ صدام القوى الإضطهادية فى المنطقة هو التهديد المهيمن الإضطهادي و البلطجي " .
وهو أسوأ أيضا لأنّ تأكيد أوباما على " حقّ " الولايات المتحدة فى شنّ حرب على إيران لمنع المحاولات المدّعاة ببناء أسلحة نوويّة يتمّ التعاطى معه فى الجوّ السياسي الحالي ، و من طرف وسائل الإعلام و الكثير من " اليسار " ، على أنّه معقول و طبيعي تماما .
4- تصعيد حرب الطائرات دون طيّار :
إنّ الهجوم الذى إستهدف الأولاقى فى اليمن ( أنظروا النقطة الأولى ) جزء من قفزة كبرى فى ظلّ أوباما فى إستخدام الطائرة دون طيّار المفترسة من قبل جيش الولايات المتّحدة و السى آي آي لقتل الناس . لقد نعتت جريدة واشنطن بوست ذلك بأنّه " جهاز عالمي صاعد للقتل بالطائرات دون طيّار " و لاحظت أنّه " لا رئيس قد عوّل سابقا بهذا القدر على القتل السرّي للأشخاص خدمة لأهداف الأمن القومي " . وعندما تولّى أوباما الرئاسة سنة 2009 ، كانت الحرب الطائرات دون طيّار منحصرة فى الباكستان حيث وُجّهت 44 ضربة طوال السنوات الخمس الماضية متسبّبة فى قتل حوالي 400 شخص . والآن، إتّسع مجال الغارات بالطائرات دون طيّار ليشمل اليمن و أفغانستان وأفريقيا الشرقيّة و ليبيا و إيران . و" الجهاز العالمي " للقتل من الجوّ يشمل عشرات الطائرات دون طيّار السرّية فى الشرق الأوسط و أفريقيا وجنوب غرب آسيا – بمحاور تعمل ضمن آلاف الكيلومترات بعيدا عن الولايات المتّحدة من أين تقتل عمليّا الطائرات دون طيّار الناس .
ووفق دراسة لمكتب الصحافة الإستقصائيّة فى أنجلترا ، جدّت 253 هجمة طائرة دون طيّار فى الباكستان لوحدها فى ظلّ أوباما مع بدايات أوت – بمعدّل هجوم كلّ أربعة أيّام . والولايات المتحدة ، بينما تبقى حربها بالطائرات دون طيّار محجوبة بالسرّية ،تدّعى أنّ الأهداف هم إرهابيّون و أنّ القليل من المدنيّين قُتلوا . " لم تخلّف الطائرات دون طيّار عددا كبيرا من الضحايا المدنيّين " ، هذا ما صرّح به أوباما فى جانفي .
و زفق مكتب الصحافة الإستقصائيّة بأنجلترا ، على الأقّل 2347 شخص قُتلوا فى الباكستان بسبب هجمات الولايات المتّحدة بالطائرات دون طيّار ، وهناك " تقارير أنباء موثوق بها " بأنّ ما يناهز 781 من الذين قُتلوا كانوا من المدنيّين ، أكثر من 175 منهم أطفال . و دراسة أخرى لمؤسّسة أمريكا الجديدة لآخر ماي الماضي قدّمت عدد القتلى جراء هجمات الطائرات دون طيّار فى شمال الباكستان بين 830 و 1210 شخص ، منهم بين 180 و 360 مدني .
لكن حسب أوباما – بكلمات أخرى ، من وجهة نظر رئيس إمبراطورية الولايات المتحدة – لا يمثّل ذلك " عددا كبيرا " من البشر الذين إنتزعت حياتهم .
5- الحرب على المهاجرين :
بدأت الحرب على المهاجرين داخل حدود الولايات المتحدة قبل أوباما – لكن أوباما طفق يفاقم هذا الهجوم الوحشي و اللاإنساني إلى مستويات قياسيّة . ففى أكتوبر الماضي ، أطلقت إدارة أوباما أرقاما تبيّن أنّ " تطبيق قوانين الهجرة و الجمارك "(ICE ) قد رحّلت تقريبا 400 ألف شخص حلال السنة الجبائيّة 2011. وهذا هو أعلى رقم ترحيل فى الثماني سنوات لذلك الجهاز . و أكثر من مليون شخص – غالبيّتهم من اللاتينيين – وقع ترحيلهم فى ظلّ أوباما .
و جزء مفتاح من حرب أوباما على المهاجرين هو البرنامج الفدرالي المسمّى " المجتمعات الآمنة " .التى فى ظلّها تبعث الشرطة المحلّية ببصمات كلّ من يتمّ إيقافه إلى قسم أمن البلد الأم . و الذين يُشتبه فى أنّهم لا يملكون وثائقا يُحالون على الإيقاف بمراكز جهاز " تطبيق قوانين الهجرة و الجمارك " . و هناك شبكة واسعة من مراكز إيقاف المهاجرين حول الولايات المتحدة ، وهي تعد الآن حوالي 250 و عددها فى تزايد . و قد كشفت تقارير عن سجون ذلك الجهاز – مثل الفلم الطليعي " ضائع فى الإيقاف" الذى عُرض السنة الفارطة على المحطّة التلفزية بى بى آس – وحشيّة مستشرية و إعتداءات جنسيّة و معاملات عنصريّة و تجاوزات أخرى ضد الموقوفين الذين لا حول لهم و لا قوّة الذين لا يملكون إمكانيّة الحصول على محامين أو مساعدة أخرى. و قد توسّعت المجتمعات الآمنة فى ظلّ أوباما إلى 1600 قوّة شرطة محلّية و تخطّط الإدارة لمزيد توسيعها إلى كافة السلط القضائيّة المحلّية سنة 2013 .
و يدّعى موظّفو أوباما أنّ الهجوم المعادي للمهاجرين يستهدف أناسا قد قاموا بجنايات جدّية . بيد أنّ الحقيقة هي أنّ هذا قد أدّى إلى ترحيل أعداد كبيرة من الناس الذين كانت " جريمتهم " الوحيدة هي عبور الحدود لإيجاد عمل قصد إعالة أنفسهم و أسرهم. وقد جرى فصل الناس فجأة و ربّما إلى الأبد عن أطفالهم و زوجاتهم لمجرّد أنّه تمّ إيقافهم لتجاوز بسيط لقانون المرور . و يطلق جهاز " تطبيق قوانين الهجرة و الجمارك " على هذا الترحيل نعت " أضرار جانبيّة " – بما يذكّر بالمدنيين الذين تقتلهم الولايات المتحدة فى حروبها وهجمات طائراتها دون طيّار و التى يُصرف النظر عنها بقسوة على أنّها " أضرار جانبيّة " .
6- إضطهاد المخبرين بالحقائق :
قبل تولّيه الوظيفة ، هاجم أوباما إدارة بوش لتشديدها ا لخناق على كتابة الحكومة و لنقص فى " الشفافيّة " وأعرب عن دعمه للمخبرين بالحقيقة – الذين يسرّبون أو يتقدّمون علنا لفضح أنواع متباينة من الجرائم والفساد و سوء التصرّف الرسميين . و لمّا إستلم الوظيفة ، إستخدم أوباما قانون التجسّس ليوجّه تهما بعقوبة قد تكون ثقيلة جدّا للذين يُتهموا ب " ترسيبات تخصّ الأمن القومي " . و وفق جاين ماير من مجلّة نيويورك ، فى ظلّ أوباما ، وُجدت " أكثر مثل هذه التتبّعات القضائيّة من أي زمن مضى فى جميع الإدارات السابقة معا " .
وقد تتبّع أوباما قضائيّا و بمنتهى الحقد برادلى مانينغ ، العميل الخاص التابع للجيش الأمريكي المتّهم بتمريره لويكيليكس، موقع المخبرين بالحقيقة ، آلاف التقارير التى تفضح الحرب و القنوات الدبلوماسيّة ، و فيديو 2007 السيّئ الصيت الذى يبيّن كيف أنّ طائرة مروحيّة آباتشي تابعة للولايات المتحدة كانت تطلق النار على المدنيّين فى شارع من شوارع بغداد . و إثر إيقافه فى ماي 2010 ،تعرّض مانينغ إلى 10 أشهر من السجن الإنفرادي المشدّد – و أساسا للتعذيب الجسدي و النفسي . وهو الآن يحاكم عسكريّا و يواجه أكثر من 30 إتهاما منها إتّهام " مساعدة العدوّ " الذى يمكن أن تنجرّ عنه عقوبة الإعدام . ( و يطالب المتتبّعون قضائيّا بالسجن مدى الحياة غير أنّ قضاة الجيش يقفون مع عقوبة الإعدام ) . و بوضوح يهدف التتبّع القضائي لمانينغ إلى توجيه رسالة إلى المخبرين بالحقيقة داخل الحكومة و الجيش و كذلك إلى الصحفيّين بأنّهم سيدفعون ثمنا باهضا لفضحهم الجرائم التى تقترفها الولايات المتحدة .
و فى أفريل 2011 ، عندما واجه برادلاي مانينغ مناصرين فى أثناء حملة جمع تبرّعات ، قال أوباما أنّ مانينغ " تجاوز القانون " – و هكذا يصرّح بحكم قبل أن تقع حتّى محاكمة مانينغ . و قارنوا هذا بما رفض أوباما حتّى إجراء البحث فيه ، فما بالك بالتتبّع القضائي لموظّفين سامين لنظام بوشمارسوا بشكل صارخ التعذيب و إقترفوا جرائما أخرى فى ظلّ قوانين الولايات المتّحدة و القوانين العالميّة ./.
مصادر المقال ( مرتّبة أبجديّا ) :
"Attorney General Holder defends execution without charges," Glenn Greenwald, salon.com, March 6, 2012
"Cornel West and Carl Dix on Race and Politics in the Age of Obama," July 22, 2009, Democracy Now!
"Drone War Exposed—the complete picture of CIA strikes in Pakistan," Chris Woods, The Bureau of Investigative Journalism, August 10, 2011
"Jane Mayer on the Obama war on whistle-blowers," Glenn Greenwald, salon.com, May 16, 2011
" Lost in Detention : As Obama Admin Deports Record 400,000, Film Explores What Immigrants Face Behind Bars," October 20, 2011, Democracy Now!
"Obama administration reports record number of deportations," Brian Bennett, Los Angeles Times, October 18, 2011
"Obama Administration: Judge, Jury, and Executioner," Revolution online, March 19, 2012
"Obama says military force is option to keep Iran from getting nuclear weapons," Lesley Clark, March 4, 2012, McClatchy Washington Bureau
"Obama, Iran and preventive war," Glenn Greenwald, salon.com, March 5, 2012
"Remarks by the President at AIPAC Policy Conference," March 4, 2012, whitehouse.gov
"The Secret Sharer: Is Thomas Drake an enemy of the state?" Jane Mayer, New Yorker, May 23, 2011
"Under Obama, an emerging global apparatus for drone killing," Greg Miller, Washington Post, December 27, 2011
"The Year of the Drone: An Analysis of U.S. Drone Strikes in Pakistan, 2004-2010," Peter Bergen and Katherine Tiedemann, New American Foundation," February 24, 2010
==============================================================
(5 ) كلام مباشر حول أوباما و إضطهاد السود
جريدة " الثورة " ، 7 أكتوبر 2012
Revolution Newspaper | revcom.us
حين تمّ إنتخاب باراك أوباما ، إزدهر لدى الكثير من السود أمل كبير إلاّ أنّ الجماهير لم تنل غير الآلام الكبيرة .
- يتواصل سجن الذكور السود ، خاصة الشباب ، بمعدّلات غير متناسبة فى بلد يملك أعلى نسب السجن فى العالم .
- تمّ تدمير وسط المدن عبر البلاد ، مكدّسين بها بطالة هائلة و إنعدام أمل فى عودة مواطن الشغل التى تبخّرت .
- خسر السود منازلهم خلال أزمة حبس الرهن بنسب أعلى بكثير من البيض . و بين 2009 و 2012 ، خسرت الملكيّة التى يحوزها السود 194 مليار دولار من قيمتها .
- و أوباما نفسه ؟ لا يعير أي إهتمام للشباب السود فى السجون و لأسر السود المطرودة و المرميّ بها فى الشوارع و الملايين الذين يتمّ إيقافهم و سجنهم و ضربهم و حتّى قتلهم على يد الشرطة . و بدلا من ذلك ، يلقى محاضرات منافقة و مسمومة عن " المسؤوليّة الشخصيّة " . والذين يفضحون هذه التجاوزات يُطالبُون بإلتزام الصمت .
تحوّلت " التوقّعات الكبرى " التى ولّدها إنتخاب أوباما ، لا سيما فى صفوف السود ، و على نطاق واسع إلى خيبة أمل كبرى . و يأتى الآن رومناي و الجمهوريّون العنصريّون بشكل سافر . و يشعر الكثيرون بأنّهم مدفوعون مرّة أخرى إلى مساندة أوباما .
هذه هي المسألة : لا يمكن أن نتصرّف وفق ما نشعر به . يجب علينا أن نتصرّف وفق ما هو واقعي . لذا لنتحدّث مباشرة عنما هو واقعي ، عن الواقع .
الأمل و التغيير ، و الإضطراب و عدم اليقين : الرأسماليّون يلعبون ورقة التضليل :
النقطة الأولى من الواقع : وُضع أوباما فى الوظيفة من قبل الذين يتحكّمون الآن فى الأشياء فى أمريكا – الطبقة الرأسماليّة – الإمبريالية ، حفنة الأقوياء الذين يملكون الوسائل الكبرى لإنتاج الثروة وعلى ذلك الأساس يسيطرون على الهيكلة السياسيّة و العسكريّة .
لماذا يقومون بذلك ؟
بات أوباما رئيسا أوّلا فى زمن صعوبات و إضطراب و شكّ كبيرين فى صفوف الطبقة الحاكمة للولايات المتحدة . فقد كان الملايين يمقتون نظام بوش ودعاة حربه و معذّبيه و جواسيسه و كذّابيه ، و كان الكثيرون مغتربين عن السيرورة الإنتخابيّة للنظام السياسي للولايات المتّحدة و كان أوباما أوّل مرشّح أسود للرئاسة بفرصة جدّية للإنتصار و قد أشعل حماس و تطلّعات عديد الناس و بوجه خاص لكن ليس حصريّا ، السود .
تذكّروا كيف أنّ " صنّاع الرأي العام " قالوا إنّ أوبا ما كان يعيد إرساء الأمل فى النظام من ضمن كلّ الذين كانوا مغتربين عن بوش أو يكرهونه ؟ و هذا غاية فى الأهمّية بالنسبة لمن يحكم – نظرا للقوّة الهائلة للذين يتحكّمون فى الأمور إن شرع الكثيرون فى الإعتقاد بأنّ النظام غير شرعي و أنّه لا يوفّر أملا من أينوع فى التغيير ... و إن أخذوا يعملون على أساس ذلك الإعتقاد ... " الأشياء كما هي " يمكن أن تتفكّك و يمكن حتّى أن يوجد تحدّيا ثوريّا قويّا من القواعد . لقد جدّ هذا فى ستّينات القرن العشرين ويمكن أن يحدث مجدّدا . لذا إبقاء " الأمل " لدى الناس – و خاصة " إبقاء شعلة الأمل " فى صفوف المضطَهَدين – شيء مهمّ للغاية بالنسبة للمضطهِدين .
و كما كتب بوب أفاكيان بُعيد النجاح الإنتخابي لأوباما : " الميزة القويّة ل " الرئيس الأسود الأوّل " – ليست شيئا يمكن أن تحصل عليه الطبقة الحاكمة غالبا جدّا . و فى حال رئيس أسود ، يمكن للطبقة الحاكمة فعل ذلك مرّة واحدة – أو مرّة واحدة مع شيء شبيه بهذا المستوى من الدلالة و التأثير ... و القيام بهذا مع أوباما علامة إعتراف من قبلهم بأنّهم سيواجهون شيئا ثقيلا مستقبلا ...".
و الآن ، بعد أربع سنوات ، يقال للسود ( و لغيرهم ) مرّة أخرى أن يضعوا ثقتهم فى هذا " الرئيس الأسود الأوّل " لكن إن كان هناك شيء نتعلّمه من رئاسة أوباما إلى حدّ الآن ، فهو واقع أنّه مهما كان من يجلس فى البيت الأبيض كرئيس فهو يترأّس جهازا سياسيّا يدافع عن و يوسّع نظاما رأسماليّا – إمبرياليّا ، نظاما جوهره و قدرته الأساسيين على المواصلة يعتمدان على الإستغلال اللانهائي لمليارات البشر عبر العالم .
و لو وقع إنتخاب أوباما لفترة رئاسيّة أخرى ، فمجدّدا سيكون القائد السياسي لنظام يقتل الأطفال بقنابل طائرات دون طيّار، ويعذّب الذين يوقفهم جيشه و تنظيماته التجسّسيّة و يتجسّس على العالم قاطبة ، و يخوض عدّة حروب و يهدّد بالشروع فى حروب و غزوات جديدة . سيتراّس من جديد و يقود نظاما يسترسل فى تجريم و سجن جيل كامل من شباب السود و اللاتينيين .
إنّ كنتم تركهون الأشياء كما هي ، ليس بوسعكم الهروب من هذا الواقع الأساسي : يتولّى أوباما مسؤوليّة الإبقاء على الأموركما هي ، ضامنا أن تكون آلة فرم لحم البشر أكثر مرونة ممكنة رهن بنان المسؤولين .
ما يقف أوباما " ضدّه " هو المصالح الجوهرية للشعب :
يقول البعض ، " لكنكم لا تفهمون ما يقف أوباما ضدّه " – كما لو أنّ أوباما يحاول سرّيا العمل ضد النظام . لكن ما يقف أوباما " ضدّه " هو الجماهير الشعبيّة – معرفة كيف يبقى هذا النظام سائرا و يبقى المستغَلين و المضطهَدين فى ظلام لا يفقهون أسباب ذلك الإستغلال و ذلك الإضطهاد .
تواجه الولايات المتحدة تحدّيات كبرى ومتصاعدة فى تقريبا جميع أنحاء الكوكب . و داخل الولايات المتحدة ، أضحت الإنقسامات المتعمّقة والمتنامية – الإقتصادية و الإجتماعيّة و الثقافيّة – بصورة متصاعدة بديهيّة وقد نجمت عنها بدايات مواجهات يمكن أن تخرج عن سيطرة الحكّام .
ومثلما أشارت إلى ذلك مقالات أخرى فى جريدة " الثورة "، بصدد المواضيع الأكثر أساسيّة للحروب القائمة والمستقبليّة، و القمع المحلّى للسود واللاتينيين ، و التنكّر للحقوق الأساسيّة للنساء ، هناك فرق ضئيل أو لا فرق بين ما يمثّله أوباما من جهة ( و ما قد مثّله عمليّا ) و ما يمثّله رومنى من الجهة الأخرى .
و بغضّ النظر عن نوايا المرء ، أو ما يفكّر فيه المرء ، فإنّ التصويت لأوباما يعنى الوقوف وراء كلّ هذا . و حتّى أكثر ، بالنسبة للسود ، يعنى ، كما كتب ذلك أفاكيان :" ... التحوّل تماما أو على الأقلّ إيديولوجيّا إلى نسخة القرن الواحد و العشرين من " جنود البيفالوز/ الجواميس " للإلتحاق بالقوى المسلّحة ( أو أن نكون أكثر مناصرة ل ) مضطهِديهم للمضيّ فى إقتراف جرائم حرب ضد الشعوب المضطهَدة عبر العالم – بالضبط مثلما هو الحال ، بعد الحرب الأهليّة ، إلتحق جنود البيفالوز / الجواميس بجيش الولايات المتحدة لمساعدته على إتمام سرقة أرض الهنود( الأمريكيين الأصليين) وتنفيذ الإبادة الجماعيّة ضدّهم " .
هل تريدون حقّا أن " تحموا ظهر " مجرم حرب ، سفّاح كبير ؟
كلّ من وضع موضع سؤال – أو كان غير مبالي أو منافق بشأن الإختلاف الذى يصنعه التصويت – قد رميت على رأسه هذه القفّازات القديمة : " صوتك هو إنتخابك " ؛ " إذا لم تنتخب ، لا حقّ لك فى التذمّر " . و يقال بصفة خاصة للسود " لقد ناضل أجدادنا من أجل هذا الحقّ ، لا يمكن أن نفرّط فيه " . و صحيح أنّ الأمر إستغرق عقودا من النضال و الصراع البطوليين لكي يتمكّن السود من كسب حقّ الإنتخاب . ففى 1870 ، ركّز تعديل دستور الولايات المتّحدة أنّ : " حقّ مواطنى الولايات المتحدة فى الإنتخاب لا يجب نكرانه أو تقليصه من قبل الولايات المتحدة أو أيّة دولة على اساس عنصري ، لوني أو ظروف عبودية سابقة " . لكن فقط بعد بعض النضال الجماهيري الكبير كان جزءا من حركة الحقوق المدنيّة ، تركّز حقّ السود فى الإنتخاب كقانون فيدرالي فى 1965 . و اليوم هناك محاولات إنكار حقّ السود فى الإنتخاب بواسطة أشياء كقوانين التعريف للإنتخاب . وتقريبا 2.5 مليون أفروأمريكي قد وقع بعدُ حرمانهم من حقّهم فى الإنتخاب بسبب قضيّة جنائيّة .
لكن تحتاج الجماهير إلى مواجهة أطر المشاركة الحقيقيّة فى هذه الإنتخابات الرئاسيّة ، و المضيّ وراء أوباما . يمثّل أوباما، شأنه شأن رومنى ، برنامج حرب لا نهاية لها على العالم لأجل تعزيز الوحشيّة المقرفة للإمبرياليّة الأمريكية . أوباما هو القائد العام الأعلى للآلة العسكريّة التى خلّفت جثثا لا حصر لها و لا عدّ غداة سياحتها عبر الكوكب بأسره . أوباما هو القائد السياسي لنظام قد فرط قلب و آمال المجتمعات عبر البلاد بما أنّه يحقّق أعلى نسبة سجناء فى التاريخ العالمي .
هل تريدون حقّا " حماية ظهر " رجل يعقد إجتماعا كلّ يوم ثلاثاء صباحا ليقرّر من هو على" لائحة الإغتيال" هذا الأسبوع؟ هل تريدون " حماية ظهر " رئيس يعفو على مرتكبى التعذيب و بالمقابل يسجن جنديّا جسورا متّهما إيّاه بفضح ذلك التعذيب أمام العالم ؟ هل تريدون " حماية ظهر " رجل يتراّس نظاما يُهدّد كافة الشباب الشود كمجرمين ويبقى أكثر من 80 ألف شخص أسرى عذاب السجن الإنفرادي ؟
ما الذى تسبّب فى إضطهاد السود و ما الذى يمكن أن يضع له نهاية حقّا ؟
كان إضطهاد السود العميق و المتجذّر و اللانهائي على الدوام مظهرا ملازما للمجتمع الأمريكي و لا يزال كذلك اليوم . و هذا الإضطهاد قائم ضمن أسس النظام و رغم أنّ الأشكال قد تبدّلت مقارنة بأيّام العبوديّة ، مرورا بأيّام التمييز العنصري الخبيث و المهين المسنود قانونيّا ، وصولا إلى اليوم ، ب " جيم كرو جديد " من السجن الجماعي الذى شهده الإضطهاد . و أوباما يتبنّاه ليس لأنّ هناك شيئا خاطئا ما لدى الجماهير مثلما يدّعى أوباما فى خطابه سنة 2008 بشيكاغو يوم الأب : " كم مرّة فى السنة الفارطة فقدت هذه المدينة طفلا على يد طفل آخر ؟ كم مرّة توقّفت قلوبكم وسط الليل لصوت طلقة ناريّة أو صفّارة إنذار سيّارة إسعاف ؟ كم مراهقا رأينا يتسكّع فى أركان الشوارع فى حين يجب أن يكون جالسا فى فصل تعليم ؟ كم شخصا يقبعون فى السجن بينما يجب أن يكونوا يشتغلون ، أو على الأقلّ يبحثون عن شغل ؟ كم من هذا الجيل ننوى خسارتهم جراء الفقر أو العنف أو الإدمان ؟ كم ؟ " .
أجل و كم مرّة يلوم أمثال أوباما الجماهير لردّهم الفعل إزاء ظروف الإضطهاد التى وُضع أمثال أوباما فى الوظيفة ليفرضوها بلا هوادة ؟
لم تخلق الجماهير هذه الظروف ؛ النظام و فارضوه هم الذين وضعوا الجماهير فيها .
المدارس و المعاهد مفتّتة و مكتضّة و ينقصها التمويل ؛ و عنف الشرطة يُرهب مجتمعات برمّتها و تحاصر تكتيكات الإيقاف و السجن مئات آلاف السود و اللاتينيين ؛ و يسجن جماعيّا الجيل بعد الجيل من شباب السود ؛ و تبلغ رسميّا نسبة البطالة 43 بالمائة فى صفوف السود ( والنسبة الفعليّة للبطالة أعلى بكثير ) – و كلّ هذا ، حسب باراك أوباما ، خطأ الجماهير . تقريبا مهما كانت المعايير الملموسة ، شروط الحياة و قمع الشرطة و فارضين آخرين للنظام للجماهير ، قد صار أسوأ للسود فى سنوات أوباما .
و عليه مجدّدا ، هل تريدون حقّا "حماية ظهر " رجل لم يقف فحسب على رأس نظام ينشر مثل هذا البؤس بين جماهير السود و بعد ذلك يلومها على الوضع الذى توجد فيه ؟
حقيقة ، لا يملك هذا النظام مستقبلا لجماهير السود عدا السجن و القتل فى ريعان الشباب ، و مواطن شغل وضيعة للبعض و ربّما مخرج الجيش – للتحوّل إلى " جنود بيفالوز " معاصرين ، رجال بنادق لذات النظام الرأسمالي – الإمبريالي الذى يضطهدُهم .
كلّ هذا و أكثر هو ثمن الإنخراط فى هذه الإنتخابات و مساندة أوباما .
هناك إمكانيّة أخرى . لم ينشأ هذا الوضع بفعل الجماهير لكن يمكن للجماهير أن تكون جزءا حيويّا من تغيير الوضع بواسطة الثورة .
ينزع هذا النظام إلى سلوك سياسات متطرّفة و فى المقابل هناك حلّ جذري ممكن – حلّ يساهم فى تحرير الإنسانيّة . يقوم الحزب الشيوعي الثوري ببناء حركة من أجل الثورة . و ثمّة " دستور الجمهورية الإشتراكية الجديدة بشمال أمريكا ( مشروع مقترح ) " التى تهدف هذه الثورة إلى إنشائها – دستور يوفّر إطارا لتحرير كافة الإنسانيّة والإجراءات الخاصّة للشروع فى التحرّك من الآن تجاه كلّ شكل من أشكال الإضطهاد . هذه الثورة حقيقيّة ، و إمكانيّة إنتصارها حقيقيّة . و يحتاج الناس إلى الخوض فى حقيقة الوضع الذى نعيشه و الإمكانيّات الحقيقيّة و التغيير الراديكالي .
و مثلما جاء فى أوّل جملة من " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " :
" لم تكن الولايات المتحدة مثلما نعرفها اليوم لتوجد لولا العبودية ."
لا تخونوا مصالح الإنسانيّة و مطامحكم العليا الخاصة ، بالعودة إلى الوراء إلى أوباما بأيّة وسيلة و طريقة و شكل ؛ و بدلا من ذلك ، إبحثوا وأدرسوا شيئا يمكن أن يحدث واقعيّا تغييرا جوهريا : الحركة من أجل الثورة .
================================================================
===========================================

خمسون سنة منذ إغتيال مالكولم آكس :
(6) لنتذكّر حياة مالكولم و إرثه – و نمضى أبعد منها للقيام بالثورة و وضع حدّ لجهنّم على الأرض ، التى يلحقها هذا النظام بالإنسانيّة !
كارل ديكس ، 20 فيفري 2015
Revolution - https://www.revcom.us
قبل خمسين سنة ، فى مثل هذا الشهر ، تمّ إغتيال مالكولم آكس ، الحاج مليك الشبّاز . وقد كانت حياته حياة لا يجب أن ننساها .
فى الشريط السينمائي" سلمى " و فى مواضع أخرى ، عادة ما يصوّر مالكولم آكس اليوم على أنّه الجانب الراديكالي المصاحب لمارتن لوثر كينغ ، على أنّه شخص كان وجوده يخدم توفير مزيد الأسباب للحكّام كي ينصتوا إلى كينغ . و هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة . ففى الواقع وقف مالكولم بعيدا عن كلّ الوجوه الكبرى الأخرى زمنه و كان يتبعّ طريقا تماما لطريق كينغ .
ومثلما وضع ذلك بوب أفاكيان فى كتابه " نهاية فظيعة أم وضع نهاية للفظاعة ؟ " : " عموما ، ما هو أساسي بشأن مالكولم آكس ، ما جلعه بعيدا عن كلّ القادة السود الكبار الآخرين فى زمنه ( بدايات ستّينات القرن العشرين ) ، كان موقفه الجوهري: تحدّيه المباشر للنظام ؛ كرهه الذى لا يساوم لإضطهاد جماهير السود و تصميمه على القتال ضدّه ؛ و عدم ولائه الجسور لأمريكا و فضحه لكامل تاريخها من الجرائم الوحشيّة ضد السود الآخرين ..."
كان مالكولم أكثر راديكاليّة بكثير من القوى الأخرى الناشطة وقتها ومثّل ذلك تهديدا جدّيا للسلطة القائمة و نظامها . لقد لعب دورا محوريّا فى تغيير حركة مقاومة السود فى ستينات القرن العشرين ، من حركة تسعى إلى التعاطي مع القمع الوحشي للسود بالإندماج فى النظام ، إلى حركة صارت عناصرها الأكثر تقدّما ترى أنّ النظام هو منبع هذا الإضطهاد .
بلا هوادة كان مالكولم يدين الولايات المتحدة لجرائمها ضد السود. وخاصة بعد ما قطع مع آليجا محمّد و" أمة الإسلام "، فضح على الملأ الجرائم التى كانت الولايات المتحدة ترتكبها فى حقّ الشعوب المضطهَدة فى أفريقيا و أنحاء أخرى من العالم ، كما أدان التعاطي مع إضطهاد السود بمحاولة الإندماج فى النظام الذى كان يضطهدهم على أنّه جنون ، طريق لا يؤدّى إلى الإنتصار . و إستهزأ من طيّ الصفحة بينما ينجو المجرمون العنصريّون من العقاب حين يقتلون السود . و قال إنّه ليس أمريكيّا و كان واعيا كفاية ليعلم ذلك – كان واحد من عشرين مليون أسود ضحايا أمريكا . و بدلا من التوسّل للمضطهِدين كي يحقّقوا المساواة للسود لأنّ ذلك سيعزّز إمبراطوريّتهم العالميّة ، وجد مالكولم نفسه متماثلا مع الثوريّين الفتناميين و غيرهم الذين كانوا يقاتلون تلك الإمبراطوريّة .
قال مالكولم للناس إنّهم مجانين إن إعتبروا أنّه يمكن لهم أن يثقوا فى " ثعالب " الحكومة الفدرالية ليقوموا بشيء بشأن الفظائع الوحشيّة التى كان يقترفها العنصريّون الجنوبيّون فى حقّ السود . و لم يتورّع مالكولم عن أن يقول للناس ما كانت المسألة الحقيقيّة ، رافضا الإنتظار إلى أن يصبح الناس مستعدّين لسماع ما كان عليه قوله . لقد كان يحبّ التوجّه للحضور قائلا : " ما جئت لأقول لكم ما ترغبون فى سماعه . جئت لأقول لكم الحقيقة ، أردتم ذلك أم أبيتم " .
و قد ساعد نضال مالكولم تحرّك مجموعات مثل لجنة تنسيق الطلبة المناهضين للعنف نحو موقف أكثر راديكاليّة فى تحدّى القمع الخبيث للسود . و قد تحدّث هواي نيوتن و بوبى سيل بوضوح عن دينهم لمالكولم ، قائلين إنّ فضحه لهذا النظام قادهم إلى إتّخاذ موقف الدفاع عن الذات ضد عنف الشرطة و إلى رؤية الحاجة إلى الثورة بالضبط هنا فى بطن الغول كما كنّا نضع ذلك فى ستّينات القرن العشرين و سبعيناته . و فى يتعلّق بى شخصيّا ، كان تأثير مالكولم على لجنة تنسيق الطلبة المناهضين للعنف و على حزب الفهود السود كبيرا ما خوّل لى رؤية ، كشخص أسود البشرة ، أنّه لا داعي لديّ للذهاب إلى الفتنام و المساعدة على إغراق حرب الشعب الفيتنامي من أجل التحرّر فى الدماء . ما كان يقوله حزب الفهود السود و أناس مثل ستوكلى كرمكيل ( كوامي تورى ) و ه. راب براون عن الفيتنام لعب دورا فى تحرّكي نحو رفض الأوامر بالذهاب إلى الفيتنام .
فى نهاية حياته ، كان مالكولم يخوض فى موضوع الثورة و يروّج لها و للقيادة الثوريّة ، بما فى ذلك قيادة ماو تسى تونغ للثورة الصينية . إلاّ أنّه لم ينجز أبدا القفزة نحو التحوّل إلى شيوعي . وكان برنامجه لتحرير السود لا يزال ينطوى على عناصر قويّة من التشجيع على رأسماليّة السود . و لم يقطع أبدا مع النظرات البطرياركيّة / الأبويّة بأنّه على المرأّة أن تنهض بأدوار تابعة فى المجتمع و فى حركات المقاومة ، وهي وجهات نظر كانت منتشرة فى صفوف حركات ستّينات القرن العشرين .
أعرف أنّ الرواية الرسميّة للنظام عن إغتياله هي أنّه نتيجة خصامه مع " أمّة الإسلام " ، لكن إلى يومنا هذا لم يقع كشف الرواية التامة لإغتياله ، و تظلّ عديد الأسئلة دون أجوبة . و من الواضح أنّ الإمبرياليين هم على أقّل تقدير متواطؤون فى إغتياله ، و قد أبقوا مالكولم تحت المراقبة المشدّدة و تسرّبوا إلى تنظيمه ، و أنّ التشويهات الشخصيّة الخبيثة و التهديدات الجسديّة ، و الهجمات الجسديّة ضدّه من قبل قوى مرتبطة بأمّة الإسلام ، قد لعبوا دورا فى السماح للحكومة بأنّ تعتّم على ما حدث فعلا . ( و هذه النقطة الأخيرة شيء على حركات مقاومة اليوم أن تدرسها و تتعلّم منها و لا تكرّرها ).
لم يتمّ إغتيال مالكولم دون سبب . لقد كات حياته مكرّسة للمطالبة و العمل من أجل إنهاء إضطهاد السود . و بموته أثّر إرثه فى عدد من الناس الآخرين لينظروا إلى واقع ما كانت عليه أمريكا حقّا و لسلوك طريق الثورة عوضا عن طريق الإصلاح.
هذا إرث علينا أن نعتزّ به و يجب أن نمضي أبعد منه . لقد طرح مالكولم السؤال – صناديق الإقتراع أم الطلقات الناريّة ، ما جعل الأمور تتجاوز إطار ذلك الزمن . و قد شاعد تأثيره على قيادة حركة تحرّر قويّة للسود أواخر ستّينات القرن العشرين و أوائل سبعيناته ، ما زلزل أمريكا فى أسسها و وضع مسألة الثورة على جدول الأعمال . وقد ردّ النظام على تلك الحركة ببعض التنازلات ، لكن أيضا بالقمع العنيف . و قد كانت الحركة وقتها ، على بطولتها ، قادرة على المضيّ فى كلّ الإتّجاهات . لكن لدينا دروس نستخلصها منتلك الحركة كجزء من إدراك ما سيتطلّبه ببساطة وضع نهاية لإضطهاد السود و كافة الإضطهاد ، مرّة و إلى الأبد .
لوضع نهاية لإضطهاد السود و جميع الفظائع الأخرى التى يرتكبها هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي فى حقّ الناس عبر العالم – حروب من أجل الإمبراطوريّة ، تديمر البيئة على ذات الكوكب الذى نعيش عليه ، العنف و الإهانة اللذين تتعرّض لهما النساء ، الحكومة التى تتجسّس على المواطنين و ما إلى ذلك – سيستدعى ثورة ، لا أقلّ من ذلك .
لنا القيادة التى نحتاج إليها للقيام بهذه الثورة الضروريّة ، مجسّدة فى بوب أفاكيان ، وهو قائد طوّر مقاربة جديدة للقيام بالثورة وعبر الثورة إنشاء مجتمع سيرغب الناس فى العيش فيه ، مجتمع يمثّل مرحلة إنتقاليّة إلى عالم خال من الطبقات، عالم شيوعي . لقد كان بوب أفاكيان متأثّرا بعمق بتمرّدات ستّينات القرن العشرين و قد نهض بدور له دلالته فيها ، و كذلك كان تلخيص دروس تلك السنوات – ما العظيم فيها و ما عارضه الناس حينها – جزءا من أعمال بوب أفاكيان فى تطوير خلاصة جديدة للشيوعية . إنّ المجتمع الثوري الذى إرتآه بوب أفاكيان سيقضى على إضطهاد السود و الشعوب المضطهَدة الأخرى كجزء لا يتجزّأ من التخلّص من كلّ الإضطهاد و الإستغلال . و يمكنكم التأكّد من هذا بالإطلاع على " دستور الجمهوريّة الإشتراكية الجديدة بأمريكا الشمالية " ( مشروع مقترح ). و قد طوّر بوب أفاكيان إستراتيجيا يمكن عمليّا أن تنجز بفضلها ثورة فى الولايات المتحدة – و يمكن أن تتعمّقوا فيها بدراسة كتاب " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " . وهو يقود حزبا يعمل بصفة ملحّة على تحويل تلك الرؤية إلى واقع .
و الحزب و الثورة التى يعمل على إنجازها حقيقيين . و إن كنتم تمقتون إضطهاد السود و ال فظائع الأخرى التى يفرضها هذا النظام على الناس فى هذه البلاد و حوعالم ، عليكم البحث فى أمر هذا الحزب . تحتاجون إلى التوجّه إلى موقع الأنترنت https://www.revcom.us
ودراسة ما يقوله هذا الحزب و ما يفعله . و تحتاجون إلى الإنضمام إلى صفوف هذا الحزب و صفوف هذه الحركة و من أجل الثورة التى هو بصدد بنائها .





إغتيال مالكولم آكس : دروس هامة لنضال اليوم ( 7 )
جريدة " الثورة " ، 23 فيفري 2015
Revolution - https://www.revcom.us
لقد تمّ إغتيال مالكولم آكس فى قاعة آدوبون بهرلام ، نيويورك ، فى 21 فيفري 1965 .بالضبط بعد الثالثة ظهرا ، كان عليه أن يلقي خطابا أمام 400 شخص . فجأة حدث هرج و مرج كان يبدو جدالا بين رجلين فى آخر القاعة . ثمّ ، أطلقت قنبلة دخان . و تاليا ، أسرع رجلان كانا يجلسان فى الصفوف الأولى إلى الركح . و أصيب مالكولم بطلقة بندقيّة و طلقات نار مسدّس ، 16 إصابة . و أعلن عن وفاته فى الثالثة و النصف ظهرا فى مستشفى قريب من تلك القاعة .
و تظلّ عدّة أسئلة مطروحة حول الوفاة التراجيديّة لمالكولم آكس و لم نعرف قط بشكل تام ماذا و من يقف وراء هذا الإغتيال . و قد رفضت حكومة الولايات المتحدة أن تنشر كلّ وثائق الأف بى آي و السي آي آي عن مالكولم آكس . لكن مئات آلاف الصفحات قد نشرت موضّحة بعض الأمور : لقد كان مالكولم آكس تحت المراقبة الحكوميّة المشدّدة ؛ و كان عملاء الولايات المتّحدة قد تسلّلوا إلى التنظيمات التى كان مالكولم آكس عضوا فيها ، و قد عملت عناصر من شرطة نيويورك كمندسّين ؛ وقد إستخدمت كافة أنواع الطرق الوسخة للتشجيع على ومفاقمة الإنقسامات بين مالكولم آكس و" أمّة الإسلام " ، بما هيّأ جوّا أدّى إلى مثل هذا الإغتيال . وهناك دروس هامة هنا للنضال اليوم . فى 1965 ، كان مالكولم آكس فى صعود كقائد ثوري أسود قويّ ، أكثر راديكاليّة بكثير من قوى أخرى حينها . و كتب كارل ديكس : " لقد لعب دورا محوريّا فى تغيير حركة مقاومة السود فى ستينات القرن العشرين ، من حركة تسعى إلى التعاطي مع القمع الوحشي للسود بالإندماج فى النظام ، إلى حركة صارت عناصرها الأكثر تقدّما ترى أنّ النظام هو منبع هذا الإضطهاد . و بلا هوادة كان مالكولم يدين الولايات المتحدة لجرائمها ضد السود . " ( أنظروا " لنتذكّر حياة مالكولم و إرثه – و نمضى أبعد منها للقيام بالثورة و وضع حدّ لجهنّم على الأرض ، التى يلحقها هذا النظام بالإنسانيّة ! ").
و قد أخذ مالكولم يلعب بصورة متصاعدة دورا عالميّا - مسافرا إلى أفريقيا و بلدان أخرى ، و فاضحا الإستعمار و متحدّثا عن توحيد القوى المعادية للإستعمار و مندّدا بجرائم الولايات المتّحدة ضد الشعوب المضطهَدة فى أفريقيا و انحاء أخرى من العالم .
لكلّ هذا مثّل مالكولم آكس تهديدا جدّيا للسلط القائمة فى الولايات المتّحدة فوضعه الجهاز القمعي للحكومة تحت المراقبة . و شرع الأف بى آي فى تتبّع حركات مالكولم فى خمسينات القرن العشرين عندما كان ينظّم جوامع " أمّة الإسلام " عبر البلاد . ومع ستّينات القرن العشرين ، كانوا يكتبون عنه عدّة تقارير أسبوعيّا . و فى 1964 ، أرسل رئيس الأف بى آي ج. أدغار هوفي تلغرافا لمكتب الأف بى آي نيويورك يقول فيه : " إفعلوا شيئا بصدد مالكولم آكس كفاية لعنف السود فى نيويورك " . و فى ذات السنة ، أطلق مالكولم مجموعة جديدة ،منظّمة الوحدة الأفروأمريكية . و سرعان ما تسلّل عضو شرطة نيويورك المتخفّى جين روبارتس إلى تلك المنظّمة و صار قائدا فى قوّة أمن المجموعة فى هارلام . و كان روبارتس عضوا فى مكتب الخدمات و البحوث الخاصة لشرطة نيويورك . – و كان مباشرة تحت قيادة الأف بى آي كجزء من برنامجها للمخابرات المضادة . فى تلك الأثناء ، كان الأف بى آي و السي آي آي كذلك يقومون بمراقبة الأسفار العالمية لمالكولم . و يوم إغتياله ، كانت الشرطة العاديّة قد غادرت فجأة مسرح العمليّة ، و بالتالى وفّرت مجالا رحبا للقتلة . و فى الوقت نفسه ،كان على الأقلّ خمسة من مخبرى الأف بى آي فى القاعة حينما وقع إغتيال مالكولم و كان الحارس الشخصي الأساسي لمالكولم عميلا لقسم شرطة نيويورك . أن يكون أعضاء أمّة الإسلام الذين بثّوا التشويهات ضد مالكولم آكس يعملون مباشرة مع الأف بى آي أو لا أمر لا أهمّية له ؛ لقد خلقوا جوّا سمح لهذا النوع من الأشياء بالحدوث و مكّن عملاء الشرطة من إدّعاء أنّ " أياديهم نظيفة " .
خلال ندوة الذكرى 49 لإغتيال مالكولم ، تحدّث بابا زاك كوندو ، أستاذ مساعد فى جامعة مدينة يلتيمور ، عن المؤامرات الدنيئة للمندسّين من الأف بى آي : " كانت الأف بى آي تنشر عبر مخبريها الدعايات المفرضة حول شخص ما . هذا ما كانوا يفعلونه وهو عمليّا أمر علمي تماما . كانوا يتجسّسون على هاتف مالكولم كما كانوا يتجسّسون على هواتف الأسرة . و عندما يستمعون إلى أليجا يردّ الفعل على ذلك بطريقة سلبيّة يسجّلون ملاحظات و يقولون يمكننا على الأرجح تطوير سيناريو حول هذا . لنستغلّ ذلك . و طوال 1963 ، كانوا بإستمرار يفعلون ذلك . و فى نهاية المطاف ما كان سيحدث هو نتيجة أنّه كانت هناك بالفعل بعض نقاط الضعف فى العلاقة بين آليجا ومالكولم ، وهو ما ستستغلّه الأف بى آي إلى أقصى الحدود . ثمّ مرّوا إلى المستوى التالى ، عندما وقع تعليق عضويّته ، أضحى الهدف التخلّص من مالكولم و تاليا أضحى الهدف خلق حرب بين مالكولم آكس و أليجا و " أمّة الإسلام " . و هذه الحرب هي التى ستفرز فى النهاية إغتيال مالكولم آكس " .
و قد إعترفت السلط القائمة بإمكانيّات مالكولم آكس . و قد رأت التأثير الذى كان له – و يمكن أن يكون تأثيره أكبر حتّى – خاصة على جماهير السود التى كانت فى حاجة ماسة إلى القيادة و التنظيم للتخلّص من النظام الذى يضطهدها . وهناك درس جاد هنا : لا يمكن أن يكون الحال أنّ النظام يعترف بالدور القيادي القوي للقادة ( و بالنسبة لهم الخطير ) فى النضال من أجل التحرير بينما لا يقدّر الناس تمام التقدير قدرهم هذا . يجب أن يبذل الناس كلّ ما فى وسعهم لحماية مثل هؤلاء القادة . و جزء مهمّ من هذا هو التعاطى الجدّي مع أنّ هناك أناس و هناك قوى – تعمل رسميّا مع الحكومة ؛ و كذلك آخرون يساهمون موضوعيّا فى جهود النظام لتقويض الإطاحة بالقادة الثوريين و حتّى القضاء عليهم . يجب على الناس أن يعترفوا بهذه الأنواع من التشويهات و الأكاذيب التى توجد وضعا ييسّر أكثر على السلط القائمة القيام بأعمالها الإجراميّة و يفضحوا ذلك و يضعوا له حدّا .
----------
و من أجل تحليل هام للدروس التى تحتاج إستخلاصها من إغتيال مالكولم آكس ، أنظروا مقال " أفكار عن الخنازير – ماضيا و حاضرا " .
================================================================

( 8 ) تقييم حزب الفهود السود
( بوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية – 1979 )
ما الذى يمكن تعلّمه من الصعود الثوري الملهم لحزب الفهود السود قبل عقد من الزمن – و من مجمل إنحطاطه اليوم ؟ لماذا تحوّل ألدردج كليفر وهواي نيوتن إلى الوقوف مواقف إنتهازيّة ، متعارضة تماما مع الثورة ؟ بينما تعرّض الفهود السود لضربات و ضربات موجعة لقمع خبيث على يد الدولة ، فإنّ السبب الأساسي لتدميرهم كمنظّمة ثوريّة يجب أن يُفتّش عنه صلب حزب الفهود السود ، بنقاط ضعف وفى النهاية إنتهازيّة الخطّ الإيديولوجي و السياسي الذى يقوده . إنّ التعلّم من الأخطاء حيويّ بالنسبة للثوريين اليوم – ليس للدفاع عن الذكرى و المثال البطولي لعديد أعضاء الفهود السود الذين قدّموا حياتهم فى سبيل القضيّة الثوريّة فحسب – لكن الأهمّ من ذلك هو تعزيز و شحذ فهم الثوريين اليوم .
وأدناه مقتطفات منسوخة من خطاب لبوب أفاكيان ، رئيس الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية ، ألقاه فى كليفلاند، اوهايو أثناء جولته الخطابيّة فى 1979. و قد نشرت هذه المقتطفات فى الأصل فى جريدة " العامل الثوري " بتاريخ 4 أفريل 1980 كجزء من سلسلة عنوانها " لماذا لم تحدث ثورة فى ستّينات القرن العشرين و لماذا يمكن أن تحدث فى ثمانيناته ؟ " .
===============
أوّلا ، الآن و حزب الفهود السود لم يعد موجودا كمنظّمة ثوريّة وبالكاد هو موجود أصلا ، عدا كطائفة عصابة إصلاحية تافهة تبعث على الشفقة ، ثمّة نزعة لإستبعاد و لإنكار و شطب كلّ المكاسب الضخمة و كلّ ما ساهم به فى فترة ستينات القرن العشرين و بداية سبعيناته الحيويّة و المزلزلة للأرض و التطوّر نحو الثورة فى هذه البلاد . بيد أنّ هذا خطأ . إنّه لخطأ كبير التفكير فى أنّ ملايين الناس فى هذه البلاد الذين ذاقوا طعم ما ستكون عليه الحرّية و ما الذى يمكن أن يكون عليه إلغاء الرأسماليّة ، قد نسوا ذلك . لا يزال هناك الملايين و بعضهم حتّى يحضرون إلى الإجتماعات فى هذه الجولة الخطابيّة، لم ينسوا و يرون الحاجة مرّة أخرى إلى التقدّم خطوة إلى الأمام و العديد منهم سيكوّنون أهمّ قوّة فى الفترة الآتية . و كذلك خطأ جدّي أن نفكّر فى أنّ كافة عمل الثوريّين و كافة ما قاتلوا من أجله و حتّى قدّموا حياتهم من أجله قد ضاعت أو لا قيمة لها أو ذهبت سُدى .
إنّ حزب الفهود السود فى هذه البلاد ، رغم نقاط الضعف فى فهمه و برنامجه السياسي قد حوّل الآلاف و حتّى عشرات الآلاف ، و ربّما حتّى مئات الآلاف من الناس بإتّجاه الثورة فى هذه البلاد . آلاف و آلاف الشباب خاصة ، سود ، بيض ، شيكانو ، بورتوريكان و غيرهم ، ووجّهوا أنظارهم بإتّجاه الثورة و حتّى البعض بإتّجاه الماركسية بفعل عمل حزب الفهود السود و نشاطه السياسي و دعايته و تحريضه . و متحدّثا عن نفسي ، أعلم أنّ ألدردج كليفر وجّهنى إلى ماو تسى تونغ . و الآن نعرف إلى أين إنتهى – وهو يبذل قصارى الجهد ليدخل موسوعة غاينز العالمية فى التمسّح على عتبات الغول . عاد إلى هنا وأضحى يتصرّف كالفاقد لعقله و المصاب بالدوار أمام الجمهور خدمة لحكّام هذه البلاد ، ناشرا هذا الجنون حول كيف أنّه رأى ياسوع على القمر و هكذا بينما كلّ ما نراه ( على الأرجح محمل لزمنه ) كان فرصة للعودة زحفا إلى أحضان الغول و للبقاء خارج السجن .
و اليوم أعلم أنّه لمّا أتحدّث إلى أناس أعلم أنّهم كانوا فى صفوف حزب الفهود السود فى 1966 ، منذ البدايات الأولى ، و ظلّوا هناك إلى أن تمّ طردهم أو تخلّوا عنه حينما رأوه يُدَمّر كمنظّمة ثوريّة .عندما ألتقيهم أوّل ما يودّ قوله العديد منهم ، الشيء الذى يصعب عليهم رؤيته و تجاوزه هو كيف سنقتل ألدردج كلفير و هواي نيوتن ؟ الآن أستطيع أن أفهم هذا و يمكن أن أتعاطف معه لكن هذا ليس الطريق الذى سنقوم من خلاله بالثورة ، هذه ليست المسألة التى ينبغى أن نعالجها . علينا أن نفهم ما هي مساهمات أناس مثل أولئك و لماذا إنقلبوا فى النهاية ، كي لا يحصل الشيء عينه مرّة أخرى .
مثلما قلت ، كانألدردج هو الذى وجّهنى إلى ماو تسى تونغ . فى يوم من الأيّام ، قصدت شقّة ألدردج كلفير . كنت أعمل مع حزب الفهود السود و كانذلك سنة 1967 – كنت مع الثورة و كنت أكنّ الإحترام لحزب الفهود السود و الموقف النضالي الذى إتّخذه و أكنّ الإحترام للعمل الذى كانوا ينجزونه . و كنت أشعر بالحاجة إلى العمل معهم بالقدر الممكن من القرب وبالحاجة إلى بناء حزب مشترك لا يكون للسود فحسب أو آخر يكون للبيض فحسب ، بل يوحّد الناس من جميع الأجناس و القوميّات الذين يكونون جدّيين بشأن الثورة . و أنا ألج شقّته ، لمحت على جدار ملصقة من الحجم الكبير لماوتسى تونغ ، صنعت فى الصين . و كنت كالعديد منكم على الأرجح ، لأوّل وهلة عندما تصادفون شيئا مثل هذا. كنت مشتّت الأفكار و خائفا . لم أدرى ما أفعله إزاء ذلك . و لم أنبس ببنت شفة حينها . وقد إستغرق الأمر أسبوعين حتّى تمكّنت من السيطرة على نفسي و من سؤال ألدردج كلفيرفى الأخير عن سبب وجود تلك الملصقة فى شقّته و قمت بذلك هبر الهاتف فى نهاية محادثة . حشرجت حنجرتى وقلت " إسمع ، بالمناسبة ، لماذا تعلّق تلك الملصقة الكبيرة لماو تسى تونغ على جدارك ؟ " و لن أنسى ردّه و لئن قال شيئا أو قام بشيء جيّد آخر فى حياته ، فإنّ ذلك كان شيئا جيّدا للغاية . قال عبر الهاتف: " نضع تلك الملصقة لماو تسى تونغ على الجدار لأنّ ماو تسى تونغ أعظم ثائر على كوكب الأرض ! ".
و عندها قلت فى نفسي " حسنا ، علي أن أتثبّت من مدى صحّة الأمر ! " إذ كنت أحترم حزب الفهود السود و كنت أشاهد مدى جدّيتهم و إعتقدت أنّ أفكارهم لها وزن كبير وإن كان ألدردج كلفير يقول إنّ ماو تسى تونغ أعظم ثائر على كوكب الأرض ، يجدر بى النظر فى الأمر ! و قمت باللازم . قرأت الكتاب الأحمر و الكثير منكم قد فعل ذلك إلاّ أنّي مضيت أبعد من ذلك أيضا . فقرأت كتابات أخرى لماو . و لاحظت أنّ ذلك صحيح ، أنّ ماوتسى تونغ أعظم ثائر .لكن ليس لأنّه أوسع من الحياة أو أي شيء من هذا القبيل – سوبرمان أو بروس لى الذى صار مثلا أعلى . ليس لأنّه يتقن الكنغفو أو الكراتي و كلّ فنون القتال هذه – و التى لا توقف الطلقات الناريّة على كلّ حال . و ليس لأنّه شخصيّا إستطاع أن يوجّه ضربات على الرأس لحزمة كاملة من الإمبرياليين و المضطهَدين و التخلص منهم جميعا لوحده . هو عظيم جدّا لفهمه ما كان المخرج من هذا الجنون . وهو مثل العديد منّا بحث عن مخرج من هذا ، مخرج من حياة جهنّم التى لا يتعرّض لها فقط الشعب الصيني بل تتعرّض له الشعوب عبر العالم حينما طفق ينظر إلى العالم نظرة أشمل و أعمق . لقد فتّش عن مخرج منه و جرّب أشياء مختلفة فتوصّل إلى رؤية أنّ النظريّة الوحيدة ، الفهم الوحيد الذى يمكن أن يقود ليس الشعب الصيني فحسب بل شعوب العالم قاطبة نحو الإجتثاث التام و الإلغاء النهائي لجميع أشكال الإهانة و الإضطهاد و الإستغلال ، الفهم الوحيد الذى يمكنه حقّا القيام بذلك هو النظريّة الماركسية – اللينينيّة . و كلّ نظريّة تدّعى أنّها ثوريّة يمكن أن تقطع بكم جزءا من الطريق و ليس الطريق باكمله ، يمكن أن تقطع بكم مرحلة معيّنة ثمّ ببساطة تجد مجموعة من المستغِلِّين أو المضطهِدين تعوّض أخرى ، و يعود الأمر برمّته إلى سالف عهده .
و هذا هو ما سمح لماو تسى تونغ بأن يقوم بمثل هذه المساهمات و ينهض بمثل هذا الدور ، ليس فحسب فى الصين و إنّما أيضا فى العالم قاطبة ذلك أنّه تبنّى الماركسية – اللينينيّة و طبّقها عمليّا على الثورة فى الصين طوال عقود و لعب دورا عظيما فى إلهام و قيادة و تقديم مثال للناس عبر العالم طوال نصف قرن . لقد سمحت له تلك النظريّة و سمح له ذلك الفهم برؤية أنّه ليس حفنة من الأبطال هم الذين يحدّدون تشكّل المجتمع و تطوّر التاريخ و إنّما صراع الطبقات الذى يعود إلى الأشكال البدائيّة الأولى من المجتمعات و التطوّر الأوّلي للطبقات فى تلك الأشكال البدائيّة . عبر التاريخ وُجد صراع طبقة صاعدة تطيح بطبقة أخرى و تعوّض نظاما بنظام آخر أرقى وهو ما جلب المجتمع إلى عتبة الشيوعية حيث الثورة غير المسبوقة للطبقة العاملة - ليس طبقة من مستغِلّين و مضطهِدين بل طبقة صاعدة من المستغَلين والمضطهَدين - و أنّ فى النهاية جميع أشكال و أسس الإستغلال و الإضطهاد يمكن إلغاؤها مرّة واحدة و إلى البد . وهذا ما إكتشفته و أنا أقرأ كتابات ماوتسى تونغ و تبنّيه للنظريّة الماركسيّة – اللينينيّة التى إعتمد عليها و طوّرها و أغناها أكثر .
لكن حزب الفهود السود ، رغم دفاعهم عن ورح ماو و رغم إحترامهم له لأنّه كان عظيما ، لم يرغبوا إلاّ فى قطع جزء من الطريق معه . و كانت لديهم درجة معيّنة من عدم فهم الدور الذى نهض به و ما عناه كلّ ذلك . فقد إعتادوا على قول " إسمعوا ، ماو ليس شيوعيّا حقيقيّا ، إنّه عمليّا مجرّد قومي ثوري ، و هذا ما يجب أن نكونه " . إلاّ أنّ هذا قلب لماو رأسا على عقب . و يعزى قولهم هذا إلى أنّه فى الصين ، مقارنة ببلاد كالولايات المتحدة ، المرحلة الضروريّة الأولى للنضال كانت طرد الأجانب و تحرير الصين كأمّة ، كبلد ، من الهيمنة الأجنبيّة ، و من حكم عملاء الإمبرياليّة . و هكذا ، كان النضال بداية نضالا من أجل التحرّر الوطني من الهيمنة الأجنبيّة .
ومع ذلك، رأى ماو ، بإعتباره شيوعيّا وليس قوميّا ، أنّ التحرّر الوطني نفسه لم يكن يمضى بعيدا بما فيه الكفاية ؛ و أنّه إذا لم يتمّ التقدّم بالنضال أكثر و تعبئة الشعب للمضيّ قدما ، لن يتمّ التخلّص إلاّ من المستغِلّين الأجانب لتُوفّر الأرضيّة لصعود نوع من المستغِلّين المحلّيين يفتكّوا السلطة و تاليا يعيدون بيعكم إلى الجانب و هذا بالضبط ما يحدث الآن . فى الواقع ، كان ذلك هو الطريق الوحيد لإمكانيّة قيادة ثورة إلى النهاية و لعدم التراجع – أو إن حصل تراجع مؤقّت ، السبيل الوحيد لإرساء الأسس للنهوض و التقدّم مجدّدا – هو إن كانت الثورة معتمدة على الفلسفة الشيوعيّة ، و بصورة خاصة تستوعب الدور ، الدور المركزي و الحيوي الذى على الطبقة العاملة أن تضطلع به فى تلك الثورة . و بالرغم من أنّ الصين كانت فى الأساس بلدا فلاّحين و بالرغم من كون المرحلة الأولى كانت مرحلة نضال من أجل التحرّر الوطني ، فإنّ ماو قاتل من أجل و رفع راية و طبّق فهم أنّ الثورة ينبغى أن تركّز نفسها على الدور القيادي للطبقة العاملة ، الطبقة الوحيدة فى المجتمع التى لا مصلحة لها فى أي شكل من أشكال إستغلال الناس و إضطهادهم و بوسعها خوض الصراع إلى النهاية.
لكن حزب الفهود السود أراد قطع نصف الطريق و ليس الطريق بأكمله . و أصيب بمرض أو عدّة أمراض مترابطة كانت ميّزت الحركة الشيوعية والقوى الثوريّة فى هذه البلاد من قبل . لقد سقط فى ما نسمّيه بالإنتقائيّة وهي تعنى فى الأساس خلط أشياء متنوّعة فتأخذون شيئا من هنا و شيئا من هناك و تحاولون مزج أشياء هي عمليّا متعارضة تعارضا عدائيّا و تدفعونها معا فى خنة واحدة . و هذا الخليط لن يصمد فى الواقع .
و قد سقط جزء من الفهود السود فى قول " إنّنا سنأخذ القليل من الأمميّة و القليل من القوميّة و نحاول مزجهما معا " . لذا عندما حاولوا بناء وحدة الشعب أبعد من جنس واحد أو قوميّة واحدة ، سقطوا بعدُ فى القومية . شعار هام كان " سلطة السود للسود ، و سلطة السمر للسمر ، و سلطة الصفر للصفر ، و سلطة الحمر للحمر ، و حتّى سلطة البيض للبيض ! " . حسنا ليس هذا هو الطريق الذى يجب أن نسلكه . لا وجود لشيء إسمه سلطة السمر و سلطة السود و سلطة الصفر و سلطة الحمر و سلطة البيض ، للسمر و السود و الصفر و الحمر و البيض . المسألة مسألة سلطة سياسيّة لطبقة أو أخرى – متّحدة ، من كافة الجناس والقوميّات ! جوهريّا على هذا النحو ينظر الرأسماليّون للأمر و على هذا النحو يجب أن تنظر الطبقة العاملة للأمر و خاصة الطبقة العاملة لأنّ الرأسماليين حتّى فى صفوفهم سيمارسون بعض التمييز بينما الطبقة العاملة لا يمكنها التسامح بأي شكل مع اللامساواة أو الإنقسام حسب الأجناس و القوميّات . و هكذا سعى حزب الفهود السود إلى مزج القليل من الأممية مع القليل من القوميّة . أمّا ماو وكافة الشيوعيين فكانوا و يجب أن يكونوا أمميّين . ليس بوسعنا أن نكون قوميين . و منذ لحظة قولكم العنصر البشري الذى ننتمى إليه ، قوميّتنا ، شعبنا أوّلا و فوق كلّ شيء آخر، هذه مجرّد طريقة أخرى لقول أنا أوّلا و فوق كلّ شيء آخر . و كلّ الأشخاص الآخرين يأتون فى المقام الثاني . إذا كنتم تولون إهتماما أقلّ لنضال الشعب فى إيران و نيكاراغوا و أفريقيا و أوروبا و الشرق الأوسط أو أي مكان آخر من أجل إنهاء الإستغلال و الإضطهاد و النظام الإمبريالي الذى يفرزهما و يحافظ عليهما ، إذا كمتم أقلّ إهتماما بذلك من إهتمامكم بالنضال هنا ، عندئذ لن تستطيعوا فى الواقع التخلّص من الإستغلال و الإضطهاد هنا ، و لن تستطيعوا إنجاز أيّة مساهمة حقيقيّة و دائمة للقيام بذلك فى بقيّة العالم . إذا لم تكونوا مهتمّين بصفة متساوية ولستم مستعدّين للتضحية بصفة متساوية من أجل المساهمة فى تحرير الناس عبر العالم الذين يقاتلون ضد هذا الإضطهاد ، حالئذ لا مجال لكم و لا لنا و لا لأي كان ليتحرّر فى هذه البلاد أيضا . ينبغى أن تكونوا أمميّين على طول الخطّ . ينبغى أن تنظروا إلى هذا على أنّه نضال عالمي ، و أنّ شعوب العالم يجب أن تنهض و أن تمسك العالم بأكمله و مستقبل الإنسانيّة برمّته بيدها و ألاّ تنقسم -إلى عنصري البشري ، قوميتى ، شعبى أوّلا . فمجرّد السقوط فى ذلك يعنى السقوط فى أحابيل العدوّ ، السقوط فى إيديولوجيا الرأسماليين لأنّ هذه هي إيديولوجيّتهم : أمريكا أوّلا ، البيض أوّلا ، الرجل اوّلا ، قبل المرأة أو ما شاكل – فيعادل ذلك فى أخر التحليل نسخة جديدة من أنا أوّلا . ليس بوسعكم أن تكونوا أمميّين لنصف الطريق ثمّ تقفون و لبقيّة الطريق تقولون سنكون قوميين . ينبغى أن نكون أمميّين على طول الخطّ . إن كنتم من البيض و لم تقاتلوا إستغلال و إضطهاد الماوّنين فى هذه البلاد أو البلدان الأخرى حول العالم، لن تستطيعوا القتال و لن تستطيعوا حقّا المساهمة فى تحرير أيّة أشخاص فى العالم ، بمن فيهم أنتم أنفسكم . و الشيء نفسه ينسحب عليكم إن كنتم من السود ، الشيكانو ، البورتوريكان ،الآسيويين ، الأمريكيين الأصليين ، هواييّين أو من ايّة قوميّة أخرى . فى حال أناس من القوميّات المضطهَدة ، من الممكن لعب دور ،حتى دور هام ، فى قتال إضطهاد شعبكم الخاص و حتى فى قتال النظام بأكمله لفترة بموقف قومي ثوري – مثلما فعل حزب الفهود السود – بيد أنّكم آجلا أم عاجلا ستنتهون إلى التراجع عن الثورة إلاّ إذا تبنّيتم الموقف الأممي للبروليتاريا العالمية . [ هذه الجملة الأخيرة أضافها الرفيق أفاكيان عند إعداد هذه المادة للنشر فى شكل كرّاس ، لأنّه شعُر بأنّ هذه الإضافة تجعل النقطة الأساسيّة هنا ، نقطة جدّ هامة ، أكثر شموليّة و جدليّة عموما ].
البراغماتيّة
لكن بتركيز النفس على نظرة الطبقة العاملة فقط يمكنكم رؤية المصالح المشتركة التى لدينا كطبقة و رؤية أبعد من الإنقسامات و اللامساواة و نزاعات الغاب التى تظهر و تطرح فى صفوفنا . غير أ،ّ الفهود السود أصيبوا بمرض أكثر جوهريّة و جدّية من مرض الإنتقائيّة : المرض الأساسي الذى أصاب الحركة الشيوعية فى هذه البلاد ، الحزب الشيوعي القديم و الحركة الثورة بالعودة إلى الماضي البعيد ، و هذا المرض هو البراغماتيّة . ربّما لم يسمع العديد منكم عن البراغماتيّة كبراغماتيّة غير أنّكم سمعتم عنها موصوفة أو مصاغة بطرق أخرى . و ما تقوله البراغماتية هو التالى بالأساس : عوّلوا فقط على ما هو أمامكم مباشرة ، مهما تقول لكم تجربتكم المباشرة أنّه صحيح و جيّد ، هذا هو كلّ ما تحتاجون إلى معرفته ، لا تثيروا سؤال لماذا ، لا تحاولا إكتشاف ما الذى يجرى مع ذلك ، لا تحاولوا رؤيته فى علاقته بأي شيء آخر ، فقط إقبلوا به و إفعلوه . و طريقة أخرى للتعبير عن البراغماتيّة هي : إذا ما شعرت أن الأمر جيّد ، إفعله – تقريبا جميعكم قد سمع هذا قبلا . هذه هي البراغماتيّة – إن كان إلحاق الضرر بأحد يخلّف لديك شعورا جيّدا ، فإفعل ذلك ! و إذن ؟ إن كانت خيانة أمّك أو أبيك تخلّف لك شعورا جيّدا فإفعل ذلك = لا يهمّ ما ينجرّ عن ذلك لعلاقاتك الشخصيّة أو لعلاقاتك الأسريّة ، لا يهمّ كيف يبلّد ذهنك ، إستمرّ و إفعله . إن كان الأمر يسعدك ، إفعله ! إن كان يوفّر لك نتائجا مفيدة مباشرة ، وقتيّة و جزئيّة ، هذا كلّ ما تحتاج معرفته – هذا ما يجعل الشيء جيّدا ، هذا يجعل منه حقيقة ، كفّوا عن طرح الأسئلة ، كفّوا عن التفكير على نحو أشمل ، لا تنظروا إلى ألشياء نظرة أكثر جوهريّة أو بأيّة طريقة بعيدة المدى ، إفعلوا ذلك فحسب . إذا شعرتم بأنّه جيّد ، إفعلوه .
و الأهمّ هو أنّ البراغماتيّة تعلّمنا التعويل على الحسّ العام . تعرفون ما هو الحسّ العام – يقول لكم الحسّ العام ما تعلّمكم إيّاه تجربتكم المباشرة ، هذا كلّ ما تحتاجون إلى معرفته و هذه هي الحقيقة . و هذا جيّد إلى درجة معيّنة ، لكن إنجلز الذى أسّس بمعيّة ماركس الفلسفة الشيوعية ، قال شيئا هاما عن الحسّ العام . قال إنّ الحسّ العام ، كتابع جيّد ، يؤدّى إلى أشياء جيّدة طالما ظلّ فى الإطار الضيّق للجدران الأربعة لكنّه حين يخرج منها ، إلى العالم الأرحب ، يدخل فى كافة أنواع الإضطرابات . فكّروا فى هذا . من الحسّ العام أنّه إن إندلع حريق قربكم ، تسرعون فى رشّه بالماء و هذا سيضع حدّا له. أمر جيّد . لكن ماذا لو كان الأمر يتعلّق بنار يغذّيها البنزين ؟ حينئذ يستعر اللهيب و يحرقك ، على نحو غير ضروري . الحسّ العام لا يمكن أن يقول لك ذلك – فقط دراسة خصوصيّات النار و مختلف المواد الملتهبة فى شتّى أنواع النار ، سيسمح لك بفهم ذلك . سيجب عليك أن تنظر على نطاق أوسع ، سيكون عليك أن تدرس ذلك دراسة علميّة . و الآن من الصعب ،أعلم ، أنّه عندما تقاتلون النار و الدخان و تتنفّسون الدخان و كلّ شيء آخر يسحبك إلى الأسفل ، من الصعب أن تخرج كتابا و تدرس خصوصيّات النار مباشرة حينها . سيكون علينا بعدُ تعلّم كيفيّة القيام بذلك - بكلمات أخرى ، سيكون علينا أن نقاتل ببندقيّة فى يد و كتاب فى اليد الأخرى لمّا نبلغ هذه النقطة . لكن من العسير القيام بذلك وسط المعركة و هذا سبب آخر للماذا يحسن بنا الدراسة قبل و بعد ، و حتّى لا نحترق بصفة غير ضروريّة و نقدّم تضحيات غير ضروريّة . وهكذا ترون أنّ الحسّ العام لن يذهب بكم بعيدا بما فيه الكفاية . إنّه لا يخبركم بوجود بذور . لا تستطيعون رؤيتها لكن يمكنكم القبض عليها . و فقط بواسطة مجهر يمكنكم حقّا رؤيتها و تكبيرها و فهمها . لا يخبركم الحس العام بما أشرت إليه سابقا و بأنّ الضوء النابع من النجوم التى نشاهد ضوءها الآن بالذات يمكن أن تكون عمليّا قد إضمحلّت منذ زمن بعيد و لا تشاهدون الآن إلاّ ضوءها . لن يخبركم الحس العام بذلك لكن منظارا و دراسة قوانين علم الفلك يمكن أن يخبرك بذلك. هذه هي الماركسية – اللينينيّة ، فكر ماو تسى تونغ – إنّها منظار و مجهر يخوّل لنا أن نعظّم كلّ يوم الأحداث و ننظر إلى الآفاق الأرحب و ابعد و نفهم أحداث العالم فى ترابطها .
لكن حزب الفهود السود تجاهل هذا إلى درجة كبيرة ، ليس تماما بل فى الأساس . وز أصيب بمرض البراغماتيّة . فقد أدار ظهره للفهم الأساسي لأن تكون الطبقة العامل و يمكنها أن تكون و ستكون القوّة الثوريّة الحيويّة فى هذه البلاد و غيرها من البلدان الأخرى . نظر حوله و صدّق أكاذيب أنّ جورج مينى يمثّل حقّا الطبقة العاملة ، و أنّ آرشي بونكار ممثّل نموذجي للطبقة العاملة . و قد قال الفهود السود حتّى أنّ العمّال السود ، ليس العمّال البيض فحسب ، بل العمّال السود ، هم و سيظلّون شراء تماما ، محافظين و حماة برجوازيين للنظام و أنّ الطبقة العاملة فى هذه البلاد لن تكون نهائيّا ثوريّة . لم ينظروا إلى الماركسية – اللينينية نظرة شاملة ، لم ينظروا إليها فى تطبيقها الشامل ، لم ينظروا إلى التاريخ ، لم ينظروا إلى بلدان أخرى، وجّهوا نظرهم مباشرة إلى ما كان موجودا و قالوا " الآن و اليوم الطبقة العاملة ليست ثوريّة فى أمريكا و بالتالى لن تكون ثوريّة نهائيّا " .
الآن صحيح أنّ بوجه خاص السود و شباب من أقلّيات أخرى و أعداد كبيرة منهم كانوا أو هم فى وضع بطالة ، و حتّى الكثير من الشباب البيض الآخرين كانوا يتحرّكون بطريقة أكثر راديكاليّة من الطبقة العاملة عامة ،و كان صحيحا جدّا و تقدّما كبيرا بالنسبة للفهود السود أن يقدّموا القيادة الثوريّة لهذه التحرّكات . إلاّ أنّ إستنتاج أنّ الطبقة العاملة لن تكون أبدا القوّة القياديّة للثورة تعبير عن رؤية قصيرة المدى جدّا ،و ببساطة براغماتيّة سطحيّة . هذه هي البراغماتيّة – ما هو مباشرة أمامكم و ما هو الأضيق و النتائج المباشرة ، هذا كلّ ما تحتاجون إلى معرفته ، هذا جيّد ، هذا صحيح ، لا تثيروا أسئلة أشمل أو أعمق من ذلك .
تحوّل الفهود السود إلى معاداة الماركسية
لذا رغم البطولة و التصميم الثوريين و عديد المساهمات العظيمة لحزب الفهود السود ، فإنّهم تحوّلوا أكثر فأكثر من الثورة إلى الإصلاح . أذكر أنّ فى 1969 و أنا فى منزل دافيد هيليارد – دافيد هيليلؤد ، بوبى سايل ، ماساي هويت ،
( قائد آخر للفهود السود ) ، كاثلين كلفير و عدد من الآخرين – و كنّا نخوض جدالا حادا للغاية ، هم من جهة و أنا من الجهة الأخرى ، حول ما هي القوّة الحيويّة للثورة فى هذه البلاد . كانوا جميعهم يحاججون أنّ الطبقة العاملة لن تكون مطلقا ثوريّة و أنّه ليس بوسعنا أن نكون منسجمين مع الماركسية – اللينينية ، و علينا فقط أن نأخذ جزءا و نترك الباقي ، لا سيما الجزء المتعلّق بأنّ الطبقة العاملة هي القوّة الأساسيّة و القياديّة للثورة . كانوا يقولون: أنظر إلى الحزب الشيوعي القديم . هذه هي الماركسية – اللينينيّة ، لذا لسنا فى حاجة إليها – يمكنك رؤية أنّهم ليسوا ثوريّين "." أكيد أنّ هذا صحيح " قلت ، " لكن هذه ليست الماركسية – اللينينية . لأنّه لا يوجد شيء أكثر ثوريّة من الماركسية – اللينينية الحقيقيّة . لا يمكن أن نحكم على المظاهر الخارجيّة أو ما يبدو صحيحا ، علينا أن نعمّق النظر لنرى الواقع الذى يفيد أنّهم خانوا الماركسية – اللينينية و لهذا ليسوا ثوريّين " . و كانوا يقولون " لا . من الممكن أن نأخذ شيئا من الماركسية – اللينينية لكن ليس كلّها . إنّها لا تتناسب مع الظروف المحيطة بنا مباشرة ، لذا نستخدم الجزء الذى يبدو لنا جيّدا و نترك الباقي . ليست الطبقة العاملة و لن تكون نهائيّا ثوريّة فى هذه البلاد " .
و كانوا يشدّدون على أنّ ما يسمّى بالبروليتاريا الهشّة هي التى ينبغى أن تكون الطليعة – اليائسون ، المنتمين إلى العصابات هنا ، الذين يتمزّقون و يضطرّون إلى العيش عن طريق الإجرام – و حاولوا إدخال تلك الإيديولوجيا و ذلك الشكل من التنظيم إلى حزب الفهود السود . و هذا ممّا سهّل على ألف بى آي التسلّل و إنشاء مجموعات صلب حزب الفهود السود تحمل ذهنيّة مشابهة لذهنيّة العصابات فى التنازع والقتل و عزل و تحطيم الثوريين الحقيقيين الذين كانوا يقاتلون من أجل خطّ ماركسي – لينيني ، يقاتلون من أجل فهم دور الطبقة العاملة فى الثورة . و قد وُجدت قوى قاتلت من أجل هذا صلب حزب الفهود السود ؛ لكن هؤلاء الناس لسوء الحظّ وقع إلحاق الهزيمة بهم و عُزلوا و سحقوا و حتّى قتلوا فى صفوف حزب الفهود السود . و بطبيعة الحال ، لا يمكننا الحديث عن تحطيم حزب الفهود السود كتنظيم ثوري دون الحديث عن القمع الخبيث المسلّط عليه ليس فحسب أن فراد همتون إلى جانب مارك كلارك قُتلا بدم بارد كلّ فى فراشه قبل سنوات عشر ، بل أكثر من 25 عضوا آخر من حزب الفهود السود قٌتلوا إمّا مباشرة على يد الشرطة أو على يد المندسّين و المحرّضين من الأف بى آي . و فى آخر التحليل ، سبب تحطّم حزب الفهود السود كتنظيم ثوري لا يكمن خارجه بل داخله . لا يكمن فى السياسات و التحرّكات القمعيّة الخبيثة التى تقف وراءها الحكومة – القتل و الهرسلة و السجن و التشريد و النفي إلى خارج البلاد – ليس فى كلّ هذا ، على أنّ ذلك لعب دورا حاسما ،دورا خبيثا ومعطّلا ، لكن جوهريّا فى عدم فهم و حدود الفهم الإيديولوجي و الفلسفي لدى حزب الفهود السود ، وهو فى النهاية ما حدّد كيف تفاعلوا ليس مع ذلك القمع وحسب بل كيف تفاعلوا مع الأحداث فى المجتمع ككلّ .
تحريفيّو الحزب الشيوعي للولايات المتحدة الأمريكية
أذكر أنّه بعد يومين من إجتماع منزل دافيد هليارد ، ذهبت إلى إجتماع آخر فى باحة متجر حيث كان الفهود السود ينادون بندوة جبهة متّحدة ضد الفاشيّة – وهي فكرة وبرنامج قد باعهما إيّاهم ذات الحزب الشيوعي الذى إتّفقنا كلانا على أنّه لم يكن ثوريّا . لقد توجّه لهم الحزب الشيوعي و قال لهم : " المشكل ليس أنّ هذه البلاد تحكمها عمليّا دكتاتورية رأسماليّة بل المشكل هو وجود حفنة من الفاشيّين مثل نكسن و علينا عزلهم و التخلّص منهم لتكون لدينا ديمقراطية و يمكن عمليّا تطبيق الدستور فى هذه البلاد . " و ترّهات مشابهة. و إلتحقت بالإجتماع حيث كان يروّج هذا الصنف من الزبالة الإصلاحيّة و الأوهام الخاطئة ففى هذا الإجتماع ، إلى جانب دافيد هيليار و بوبى سيل و منحولهما ، وُجد تحريفيّون إلى النخاع – أعضاء من الحزب الشيوعي للولايات المتحدة الأمريكية . و وُجد تحريفيون سود وتحريفيون بيض لأنّ المساواة الوحيدة التى يؤمن بها الحزب الشيوعي و يكرّسها هي أن يكونوا خونة وباعة للثورة . و وُجدوا جميعا هناك ، مثل الضباع المحاصرة لدافيد هيليارد و بوبى سيل . و أنا ألج الغرفة ، نظر إلي بوبى سيل و متذكّرا النقاش الذى دار بيننا طوال ثلاث أو أربع ساعات قبل يومين ، قال : " حسنا ، هذا بوب أفاكيان .هل أنت هنا للقيام بالعمل أم للحديث عن الإيديولوجيا ؟ " . فحدّقت بوجه التحريفيين هناك ، أعضاء الحزب الشيوعي ، و قلت : " أنا هنا للقيام بالإثنين معا . لكن دعونى أطرح سؤالا. على حدّ معرفتي ، فى عالم اليوم ، هناك بالأساس نوعان من الإيديولوجيا : إمّا الإيديولوجيا الإستغلاليّة للرأسماليين ، الإيديولوجيا البرجوازية و إمّا الإيديولوجيا الثوريّة للطبقة العاملة ، الإيديولوجيا البروليتاريّة . و ستكون الواحدة أو الأخرى، لذا أودّ أن أعرف ( و حدّقت مجدّدا فى التحريفيين و أضفت ) أودّ أن أعرف أيّة إيديولوجيا ستكون فى مصاف القيادة فى هذا الإجتماع ؟ "
و لم تكن تلك مجرّد ملاحظة ذكيّة ، كانت مسألة محوريّة فالمسألة ليست مسألة نوع من الإيديولوجيا مقابل لا نوع من الإيديولوجيا بل مسألة إذا كنتم ستحصلون على نوع من الإيديولوجيا أو آخر . لأنّ لكلّ إمرء أفكار و لكل إمرء طريقة نظر للعالم و يحاول كلّ إمرء ، إلى درجة أو أخرى ، فهمه . ستفعلون ذلك عن وعي أو عن غير وعي ، و إن فعلتم ذلك عن غير وعي ، هناك إيديولوجيا فقط تحصلون عليها ، و هذه الإيديولوجيا هي إيديولوجيا عدوّكم ، إيديولوجيا مضطهِدينا و مستغِلّينا ، ايديولوجيا الطبقة الرأسمالية . و لا يمكنكم إلحاق الهزيمة بهم بإيديولوجيتهم الخاصة . إنّها تحدمهم و لن تخدمنا أبدا . لن يمكنكم هزم مصّاص دماء بإيديولوجيا مصّاص دماء . لئن كان كلّ شخص فى هذه القاعة ، الآن ، ليستدير و يعضّ رقبة الشخص الجالس إلى جانبه ، لن نخطو خطوة أقرب إلى التخلّص من هذا النظام الشبيه بمصّاص الدماء . يحتاج الرأسماليّون و يستعملون و ينشرون تلك الإيديولوجيا لأنّهم يعيشون بمصّ دماء الشعب . همّنا الوحيد و طريق تقدّمنا الوحيد هو القضاء على نظام مصّ الدماء . وليس بمقدورنا قتال نظام مصّ الدماء بإيديولوجيا مصّ الدماء. ليس بوسعنا إلحاق الهزيمة بالبرجوازيّة ، بالرأسماليين ، بإيديولوجيا برجوازية . و إن لم نكن نناضل بوعي لإستيعاب الإيديولوجيا البروليتاريّة ، لتبنّى علم الماركسية – اللينينيّة ، فكر ماو تسى تونغ على نحو صريح والتمكّن منه و تطبيقه ، لن نستطيع سوى السقوط فى إيديولوجيا البرجوازية ، الإيديولوجيا التى تستخدم لتقسيم صفوف الشعب و إستغلاله و إضطهاده . و هذه مسألة جوهريّة .
يحتاج الأمر نضالا ، من الصعب إستيعاب هذه الإيديولوجيا و تطبيقها ، هذه النظرية الثورية ، هذا المنهج العلمي للماركسية – اللينينية ، فكر ماو تسى تونغ . وشأنها شأن أي شيء آخر فى هذا العالم يقف من أجل أي شيء حقيقي ، و يتقدّم ، لا يتوفّر بسهولة و لا يستوعب بسهولة . متى أردنا التحرّر ، سيكون علينا القتال بكافة الطرق على كافة الجبهات العملية و النظريّة . متى أردنا التحرّر ، سيكون علينا خوض نضال لتعلّم هذه النظريّة و لتطبيقها . و بإمكاننا القيام بذلك . إنّه نضال علينا خوضه ، إنّه نضال يمكننا خوضه و سنخوضه ، إنّه نضال يمكننا كسبه و سنكسبه .
و أودّ أن أقدّم لكم مثلا سريعا عن ما أقصده . فى شيكاغو أين كنت ، ثمة معهد 99,9 بالمائة من تلاميذه من الفقراء ، تقريبا جميعهم من الطبقة العاملة و الغالبيّة الغالبة من السود – المعهد الثانوي بكرفير . وفى المدّة الأخيرة ، كسبوا بطولة المدن الثانية فى صفّ هنا هنا ، فى السنة الماضية بالذات . و لم يكن ذلك فى كرة السلّة و لا فى كرة القدم ، ولم يكن فى التتبّع و التمحّص . كان فى لعبة الشطرنج . و أظنّ أنّ هناك شيء هام يمكننا تعلّمه من هذا ، لأنّ الشطرنج يُفترض أنّه لعبة أصحاب العقول فحسب . من المفترض أن تكون عبقري غريب الأطوار أو عبقري هشّ مثل بوبى فيشر لتقدر على لعب الشطرنج . و أعلم أنّ هذا كذب محض لأنّي أمضيت فترة وجيزة فى السجن و لاحظت أنّ تقريبا الجميع هناك يلعبون الشطرنج . لكن على كلّ حال ، هناك شيء هام بشأن فريق شطرنج المعهد الثانوي بكارفير هذا لم يوجّهوا ضربة فحسب و يسقطوا أكثر هذه الزبالة العنصريّة المنتشرة حول أنّ السود ليس بوسعهم التفكير و كلّ ما يستطيعون القيام به هو إستخدام أجسادهم و ليس عقولهم ، لكن بأكثر جوهريّة و أهمّ من ذلك حتّى فوق كلّ شيء ، وجّهوا صفعة لفكرة أنّ البعض منّا ، معظمنا ، غالبيّتنا ، لا يصلحون إلاّ لينحني ظهرهم للغير الذى يقوم بكلّ التفكير ، و ليس بإمكاننا أبدا فهم كافة هذه المسائل الكبرى فى العالم ، كافة هذه المسائل النظريّة و العلميّة ، الكييائية و الفيزيائيّة و الفلسفيّة و الفنّية و الثقافيّة و ما إلى ذلك . لكن يمكن أن نفهم كلّ هذا . إذا إستطاع المعهد الثانوي كارفير أن يكسب فى مقابلة شطرنج ، يمكننا كسب العالم بأسره و سنكسبه . بيد أنّه سيتعيّن علينا أن نناضل . سيتعيّن علينا النضال . لن يُوجد طريق شهل لتعلّم هذا . إذا أردنا أن نتحرّر، علينا أن نناضل على كافة الجبهات و إلى النهاية ، علينا أن نتبنّى الفهم الوحيد ، البرنامج السياسي الوحيد ، الإيديولوجيا الوحيدة ، الفلسفة الوحيدة و المقاربة العلميّة الوحيدة القادرة على قيادتنا طوال الوقت – و هذه هي الماركسية – اللينينيّة ، فكر ماوتسى تونغ . لا نستطيع قطع نصف الطريق و التخلّى عنها ، لا نستطيع التعاطى معها على هذا النحو و ليس إلى النهاية ، علينا تبنّيها و تطبيقها إلى النهاية و نواصل تعميق فهمنا و تطبيقنا لها و نحن نتقدّم فى النضال للقيام بالثورة .
هذا ما أخفق حزب الفهود السود فى فهمه . و بالإخفاق فى فهم هذا ، أمام الصعوبات الحقيقيّة التى كانوا وكان جميع الذين يناضلون من أجل الثورة يواجهون و يقاتلون ضدّها زمنها ، لم يكونوا إلاّ ليتراجعوا إن لم يتبنّوا هذه النظريّة . وعدم رؤية الحاجة إلى و إمكانيّة إستنهاض الوعي السياسي للطبقة العاملة و على ذلك الأساس توحيد كافة المضطهَدين حول فهم قدرة الجماهير على الوقوف ضد هذا النظام . والطبقة الحاكمة التى نحن ضدها قويّة . و إعتمادا على العلم نحن كلّنا ثقة فى أنّنا نستطيع قيادة الجماهير الشعبيّة فى النهوض و الإطاحة بها إلاّ أنّ هذا فهم علمي و ليس أمنية متفائلة ، و لا مجال أن نستهيم و لا يمكن أن نستهين بقوّة و خبث الطبقة الحاكمة أو حجم مهمّة النهوض المسلّح و الإطاحة بها . إنّها مهمّة غاية فى الجدّية و يجب مقاربتها بجدّية كبيرة و علميّا ، ولا يمكن تحقيقها إلاّ بقوى واعية وتصميم الملايين من الجماهير، رافعة السلاح . و ليس مجموعة صغيرة . و هذه مسألة هامة جدّا . و لأنّ حزب الفهود السود إبتعد عن و قطع نصف الطريق مع ثمّ تخلّى عن الفهم الماركسي العلمي ، فقد الإيمان بقدرة الجماهير على التوحّد و النهوض الواعي من أجل الثورة ، و تراجع أكثر فأكثر نحو الإصلاحيّة .
و إلى جانب عدم دراسة الماركسية ،لم يدرس الفهود السود و لم يحلّلوا المسائل المفاتيح مثل إنهيار إقتصاد الولايات المتحدة . و طبعا لم يكن هذا الإنهيار بديهيّا جدّا زمنها كما هو الآن ، إلاّ أنّ هذا لا يعنى سوى أمّ مثل هذا التحليل كان أهمّ حتّى . و اليوم ، فى ظرف مغاير و إستنادا إلى نظرة مغايرة ، بأزمة و إمكانيّات ثورة تتراءى فى الأفق ، إضطلع حزبنا بمثل هذا التحليل . و بينما ليس من الممكن التوغّل فيه هنا ( عوض ذلك ، هناك كتاب سيصدر قريبا ، " إنحطاط أمريكا " ) نحلّل هذا و نبيّن ليس فقط كيف أنّ النهب و السلب جزء لا يتجزّأ من هذا النظام ، و كذلك كيف أنّ هذا النهب يساهم بدوره فى التداعي و الإنهيار الذين لا يمكن تفاديهما . و التغيّرات و التمرّدات الدراماتيكيّة فى هذه الحقبة ، على خلاف ستّينات القرن العشرين عندما شاركت بضعة فئات فقط ، ستشمل المجتمع برمّته ، بما فى ذلك الطبقة العاملة .
الأقطاب المتعارضة
لذا مفتقرين إلى هذه المقاربة الثوريّة ، العلميّة ، إنقسم الفهود السود إلى إتّجاهين خاطئين . وقد أطلق إنجلز مرّة على هذا الصنف من الأشياء " الأقطاب المتعارضة لذات الغباء " . كان هواي نيوتن ، زمن خروجه من السجن ، ينظر حوله و يقول " إستمعوا إلي ّ . كان ألدردج كلفير فى الخارج هنا يبيع تذاكر الذئاب وكلّ هذا الهراء ، مستخدما كلاما بذيئا ، لن نمضي إلى أي مكان ، فقط نتعرّض للقتل بسبب الفوضى و نحن ننعزل عن الناس " . غير أنّه إستخلص الإستنتاج الخاطئ فقال : " لا يرغب الناس فى الحديث عن الثورة . هذا أمر مؤجّل إلى المستقبل . حاليّا ، لا يرغب الناس إلاّ فى السماع عن كيفيّة البقاء على قيد الحياة فى ظلّ هذا النظام . علينا أن نقدّم لهم بعض الدجاج للأكل ، علينا أن نقول لهم إنّنا يمكن أن نعتني بمشاكلهم الصحّية و مشاكلهم السكنيّة " ( بينما كان يعيش فى كنة ، طبعا ) . و لأنّه فقد الثقة فى قدرة جماهير الشعب على إستيعاب الثورة و القتال من أجلها ، تراجع نحو الإصلاحيّة التافهة ليقول للناس إنّه لو تمّ إنتخاب بوبي سايل واليا على أوكلاند ، يمكنه القضاء على البطالة هناك و تحويل تلك المدينة إلى مدينة جيّدة . و هذا هراء . ليس يختلف عن ما يروّج له بقيّة السياسيّين الحمقاء هنا كلّ يوم . و قد سقط فى فكر العصابات التافهة و تحوّل فعلا حتّى إلى قواد فى مدينة أوكلاند.
هذا واقع صعب و مرير لكنّه حقيقة و الناس الذين يعرفون هذا يعلمون أنّه حقيقة . و حان وقت إستيقاضنا و فهمه . ان ننسى فراد هامبتن و قادة ثوريين آخرين ضمن حزب الفهود السود و عديد الناس الذين لا نعرف أسماءهم و لم يصبحوا وجوها معروفة وطنيّا ، و الذين سُجنوا ، و الذين جرى نفيهم من البلاد ، و عالميّا ، عائدين إلى مئات و آلاف السنوات ، بالضبط بُغية أن لا يذهب دمهم سُدى ، علينا أن نكون بلا رحمة فى تقييمنا ليس لمساهماتهم فحسب بل أيضا أخطاءهم – حتّى لا نكرّر الأخطاء نفسها و لا نقوم بالتضحيات غير الضروريّة ذاتها – ذلك أنّه ستوجد تضحيات على أي حال – لكن علينا أن نقلّصها و نسرّع سيرورة أقصى الخطوات إلى الأمام و المكاسب بإتّجاه هدف الثورة .
و نظرا لأنّ الفهود السود قد إستبعدوا من مجال رؤيتهم و لم يمضوا إلى النهاية مع الماركسية – اللينينية ، تراجعوا و سقطوا أكثر فأكثر فى الإصلاحية . وبينما هواي نيوتن بات إصلاحيّا مفضوحا أكثر ، حاول ألدردج كلفير فى البداية خطّا مختلفا . قال : " لنأخذ مجموعة من الناس الذين هو فى الوقت الحاضر مستعدّون للثورة ، الناس المستعدّون لإطلاق النار و رمي القنابل و القيام بأعمال تخريبيّة ، و ننظّمهم فى مجموعات صغيرة تتكوّن من إثنين أو ثلاثة و نخرج إلى الشارع و نشرع فى رمي الخنازير فى البحر و فى تفجير البنوك و حتّى تفجير بعض المصانع – و إن ظلّ بعض العمّال على قيد الحياة ، ربّما سيستفيقون و يصبحون ثوريّين " . طبعا ، غالبا ما هاجمته الطبقة الحاكمة طالما كان ثوريّا تقريبا . و بوجه خاص ، هاجموه لدعوته لخوض كفاح مسلّح بالضبط داخل الولايات المتحدة فيما كان فى المنفى فى الجزائر – نعتوه بالمنافق و فالوا أوعنوا أنّه جبان لدعوته لذلك بينما كان " آمنا " فى بلد آخر .
لا نكرّر و لن نكرّر و لن نشاطرهم ذلك النقد الخاص فهو نفاق من جانبهم هم - هم الذين نفوه من البلاد فى المصاف الأوّل!- و لن نشارك فى ذلك . سنقاتل هذا الصنف من الطرد على يد الطبقة الحاكمة . و لا يهمّنا إن كان ألدردج كلفير جالسا على قمر مناسب له ، ما يهمّنا هو إن كان النصح الذى يقدّمه صحيحا . نعلم أنّ الثوريين كانوا يطاردون و يقع نفيهم من هذه البلاد ، و لن نلتحق بذات الطبقة الحاكمة اللعينة التى ستطاردهم خارج البلاد ثمّ تصفهم بالمنافقين لمحاولتهم قيادة الثورة من خارج البلاد . هذا ما عليهم فعله إن كان عليهم مغادرة البلاد . المشكل و سبب نقدنا و إدانتنا الصريحة لألدردج كلفير ليست أنّه كان فى الجزائر بل ما كان يقوله من الجزائر ؛ أنّ خطّه ، برنامجه السياسي و فهمه كان خاطئا و لم يقد الناس بإتجاه الثورة بل بإتّجاه تضحيات والتعرّض للقتل و السجن غير الضروريين ، و ثمّ قاد الآلاف ليصبحوا فى حالة يأس معتقدين أنّ الثورة ربّما ليست ممكنة بعد كلّ شيء .
و قد شاهد كلّ هذا ، إستسلم كلفير نفسه إستسلاما تاما ومثلما نعلم جميعا ، عاد زاحفا ومتوسّلا فرصة للبروز و محاولة مغالطة الناس و تضليلهم و بثّ اليأس فى صفوفهم كي يتمكّن الرأسماليّون من الإشارة إليه و القول ثانية : " أنسوا الحديث عن الثورة ، إلى هذا سينتهى كلّ الذين يكرهون هذا النظام و يكرهون العيش فى ظلّه ، إلى هذا ينتهى حتما كلّ إنسان يخطو خطوة إلى الأمام لقيادة ثورة ، و لهذا عليكم أن تتخلّوا عن آمالكم و أحلامكم بصنع تغيير حقيقي " . و لا يتعلّق الأمر بكون أناس مثل كلفير أو قادة آخرون للفهود السود كانوا جبناء . ليس لأنّهم يفتقدون إلى الجرأة و التصميم أو لإرادة متّقدة للتمرّد و الإطاحة بهذا النظام ، و أنّ حزب الفهود تراجع و أنّ العديد من قادته – الذين لم يُقتلوا – باعوا القضيّة . يعود الأمر إلى أنّ فهمهم لم يكن شاملا بما فيه الكفاية و أنّ الذين قاتلوا لتطوير فهم ماركسي - لينيني داخل ذلك الحزب مُنيوا بالهزيمة و وقع تعويض الثورة و الإيديولوجيا الثوريّة على طول الخطّ بالبراغماتيّة و الإنتقائيّة و فى النهاية بالإصلاحية .
و يمكنكم رؤية هذا متى قرأتم كتاب بوبى سيل ، " إغتنام الوقت " و قد ألّفه حوالي 1970 ، بالذات فى الفترة التى كان فيها حزب الفهود السود يتراجع عن الثورة . و بينما تحدّث عن الثورة و الوقوف ضد النظام ، لمّا بلغ الخاتمة إبتعد أكثر فأكثر عن الثورة بإتّجاه الأوهام الإصلاحيّة . و الآن طبعا ، علينا أن نناضل من أجل الإصلاحات . طبعا ، علينا أن نقود الناس فى القتال ضد سحقهم و قتلهم صراحة هنا . لكن أهمّ من ذلك ما علينا القيام به هو تدريب الناس على واقع أنّه لن نخرج من هذه الظروف و حتى ظروف أسوأ إلاّ إذا نهضنا و قمنا بالثورة و قضينا على النظام الذى يجب أن يُولّد و سيُولّد بطريق الحتم هذه الظروف . لا نستطيع أبدا السقوط فى بثّ الأوهام بأنّ هذه المشاكل يمكن أن تعالج أو تغيّر جوهريّا دون ثورة – ثورة بروليتاريّة – أنّ ظروف الجماهير يمكن بأيّة طريقة و فى آخر المطاف أن تتحسّن فى ظلّ هذا النظام . و هذا بالضبط ما سقط فى أحابيله الفهود السود – لفقدانهم فهما للدور الجوهري و فى النهاية القيادي للطبقة العاملة فى القيام بالثورة و بالتالى التراجع بعيدا عن و الكفّ عن الإعتقاد فى قدرة الجماهير على القيام بالثورة .
و إذن مثلما يبيّن كتاب بوبى سيل ، نزع الفهود السود أكثر فأكثر نحو الإصلاحيّة . و قد ختم الكتاب بالوهم الإصلاحي الأخطر و الأسوأ الذى روّجوا له : ما يسمّى بمراقبة المجتمع للشرطة . فقد سقط الفهود السود فى هذا و قد باعهم إيّاه الحزب الشيوعي و آخرون إذ قالوا لهم إنّه عليهم أن يخفّضوا من لهجة خطابهم عن الثورة و يتحدّثوا أكثر عن التغيير السلمي . أن يخفّفوا من الحديث عن الدكتاتوريّة و يتحدّثوا أكثر عن الديمقراطية . و بالتالى سقطوا فى و تبنّوا العريضة الداعية إلى ما يسمّى بمراقبة المجتمع للشرطة . و لنقل ذلك بصيغة أخرى ، إن إستطاعوا تمرير العريضة التى تطالب الخنازير بالحياة فى نفس المجتمع مع الناس الذين يراقبونهم ، بشكل ما ، لن يظلّوا فارضين مسلّحين للنظام الرأسمالي ، بشكل ما ، لن يظلّوا مجرمين و قتلة رسميين يطبّقون حكما و دكتاتوريّة مسلّحة للطبقة الرأسماليّة ، و إنّما عمليّا سيدافعوا عن مصالح الناس فى المجتمع و يكرّسوا الخطّ و الشعار الذى يضعونه على سيّارات الشرطة، وتحديدا "الخدمة والحماية". ( فى الواقع هم لا يخدمون و لا يحمون سوى الرأسماليين و نظامهم الرأسمالي ). و قد عبّر بوبى سيل عن الأمر مباشرة فى خاتمة كتابه فقال : " نحتاج هذه المراقبة الإجتماعية لأنّه إن لم تكن لدينا مراقبة المجتمع للشرطة ، لن نستطيع الحيلولة دون الحرب الأهليّة فى أمريكا " . الآن نرى أنّنا لا نريد الحيلولة دون الحرب الأهليّة فى أمريكا ، نحتاج ولا يمكن أن نحصل على شيء أقلّ من حرب أهليّة ثوريّة فى هذه البلاد : إنّها الطريقة الوحيدة التى تمكّننا من التحرّك قدما و القضاء على هذه الظروف من جرائم الشرطة و الإستغلال و الإضطهاد و التمييز العنصري و كافة أصناف الإهانات . لا يمكننا أن نحاول تجنّبها ، و لا يمكننا أن نحاول الحيلولة دونها ، علينا أن نقوم بالتحريض ، علينا أن ندرّب الجماهير على و أن نوحّدها من أجل و أن نعدّها و نقودها من أجل إنجاز الحرب الأهليّة الثوريّة للإطاحة بالرأسماليّة و القضاء على كلّ الجنون الذى علينا المرور به ، و تركيز الإشتراكية و التحرّك صوب عالم جديد كلّيا !
وبحكم أنّ الفهود السود أداروا ظهرهم أكثر فأكثر للإيديولوجيا الماركسية – اللينينية ، نزعوا أكثر فأكثر نحو الإصلاحيّة و فى النهاية بلغوا موقفا حيث العديد من أعضائهم الأوّلين لا زالوا لا يرون اليوم أبعد من نقطة ببساطة قتل ألدردج كلفير و هواي نيوتن . بيد أنّه لدينا أشياء أعمق و أكثر جوهريّة نتعلّمها . و الشيء الأكثر جوهريّة الذى يجب علينا تعلّمه و البناء عليه ، بينما نبنى و نتعلّم من الأوهام و البذل و التصميم و البطولة و التضحية بالذات لآلاف أعضاء حزب الفهود السود و أنصارهم ، الأكثر جوهريّة هو أنّ نتعلّم الدرس الأساسي من تجربتهم السلبيّة – أنّ علينا أن نركّز أنفسنا تماما و كلّيا و بلا مساومة على النظريّة و الإيديولوجيا الثوريّة فقط التى يمكن أن تقودنا إلى رؤية و تحرّك يتجاوزان الإنقسامات المؤقّتة و التخلّف المؤقّت الموجود ، لنتقدّم فى الوقت الحاضر و بأعداد أكبر فأكبر مع إحتداد الظروف ، بالقوّة الوحيدة فى المجتمع التى حينما تتوحّد حول مصالحها المشتركة ، يمكن أن تقود كلّ المضطَهَدين إلى التمرّد و القيام بالثورة ... وهذه القوّة هي الطبقة العاملة الواعية طبقيّا .
حول حزبنا اليوم
لهذا و بهذا الفهم ، ينجز حزبنا يومياّ العمل الثوري فى صفوف العمّال . و لهذا ، خاصة فى حين نقوم بالعمل فى صفوف كافة المضطهَدين فى هذه البلاد ، فى صفوف كافة الذين يبحثون عن قتال هذا النظام – لهذا بوجه خاص ناظرين إلى الأمام للسنة القادمة و للأعاصير و التمرّدات فى الفترة القادمة ، دعونا إلى تنظيم مسيرات غرّة ماي ثوريّة فى غرّة ماي من السنة القادمة ، 1980 ، يومٌ يحتفل به كعطلة ثوريّة الواعون طبقيّا من الطبقة العاملة و الشعوب المضطَهَدة عبر العالم بملايينهم و مئات ملايينهم . فى 1980 ، سيلتحم حزبنا بآخرين و يدعو العمّال عبر البلاد للإستيقاظ ، للوعي سياسيّا ، و للإلتحاق و الصعود على مسرح التاريخ إلى جانب ملايين الآخرين من إخوانهم و أخواتهم العمّال و العاملات عبر العالم . عدم الإلتحاق بالعمل يومها للعمل كعبيد لصالح الرأسماليين لا لشيء إلاّ لتعزيز سلطتهم و تحكّمهم فينا ، بل مغادرة العمل و الإلتحاق بالعمّال و المضطهَدين الآخرين – الآلاف و الآلاف الأقوياء – للخروج إلى الشوارع و رفع راية الثورة ، و تحطيم الأكاذيب و اليأس الذين يفرضهما علينا يوميّا النظام الرأسمالي ، و ليقولوا مباشرة للآلاف و فى النهاية لملايين الناس الآخرين الذين يمقتون هذه البلاد و هذا النظام و هذه الطريقة التى يفرض بها علينا الحياة ، لقولوا لهم : أنسوا أمر الأكاذيب عن جورج مينى ، إلى الجحيم آرشي بونكار . فى الواقع ، ضعوا فأسا برأس جورج مينى . هذا هو موقف الطبقة العاملة – من أجل الثورة و الوحدة حول راية قيادة النضال ضد كلّ الإضطهاد و النظام الذى يولّده و قيادة الجماهير بإتجاه هدف الثورة لإجتثاث كلّ هذا .
سيكون هذا حدثا غاية فى الدلالة . أهمّ حدث له دلالة فى هذه البلاد لسنوات و حتّى لعقود . و سيمثّل هذا معركة كبرى ، معركة يمكن و يجب أن نخوضها إلى النهاية لكسبها . و تعلمون جميعا و جيّدا أنّ هؤلاء الرأسماليين هنا لن يعطوا أي أحد وقتا للراحة ، خالص الأجر أو غير خالص الأجر ، للمشاركة فى مسيرة ثوريّة تعدّ للإطاحة بهم و القضاء عليهم . سيهرسلون الناس على هذه الأرض المدّعاة أرض الحرّية و الديمقراطية ؛ لقد طردوا ستّة أشخاص من شغلهم و ربّما هناك المزيد لا أعلم بهم حتّى ، فقط هذه السنة ، لوقوفهم فى مقهى عند الفطور متحدّثين لعمّال آخرين عن النضال فى هيوستن ، التكساس لتحرير مودى بارك 3 ، أو عن النضال فى إيران . و سيشدّدون من هذه القبضة . سيقمعون بقوّة ، سيحاولون سحقنا لأنّهم يعلمون القوّة الهائلة الكامنة فى الطبقة العاملة . ويعرفون إلى أين يؤدّى هذا النظام . يعرفون ذلك و قد قال ذلك كارتر صراحة لمّا نزل من أم ت دافيد ، الحبوب بيده ، وهو يبكى و ينتحب و يصرخ فى الناس ، " مهما فعلتم ، اينما ذهبتم ، قولوا شيئا حسنا عن بلادكم " . و كلّ بقيّة ذلك الهراء الذى يُرثى له . كان عليه أن يعترف بأنّ الناس يفقدون الثقة فى هذا النظام و الذين على رأسه . إنّهم يخشون غضب الناس فى أنابيب الغاز الذين يُطرون من العمل و يرمون بالشوارع وتطلق عليهم الشرطة النار . و قال مباشرة – يعلم الناس أن السنوات الخمس القادمة ستكون أسوأ من النوات الخمس الماضية . الآن حين كان يقول ذلك ، تعلمون جيّدا ما كانوا يعدّون لنا ليدخلونا عبره . و تعلمون أنّهم خائفون و لهذا يحاولون توحيدنا حول علمهم الذى يرثى له الدموي الأحمر و الأبيض و الأزرق – لأنّه عندما يأتى الأمر الحقيقي ، هناك طريقة وحيدة تمكّنهم من الخروج من هذا وهي الحرب العالمية .
لذلك علينا أن نمتلك إجابة . لا يمكننا أن ندع هذا الهراء يمرّ دون ردّ . لا يمكننا أن ندع الوضع يحتدّ و لا نتحرّك . لا يمكننا أن نترك حياة ملايين الناس على المحكّ و الإجابة الوحيدة على الرسالة الرجعيّة للبرجوازية هي" نحن هنا باقون إلى الأبد، إلتفّوا حول رايتنا أنتم الطبقة العاملة و المصابين بالعمى التام و الأغبياء و الجهلة و غير القادرين على فهم أي شيء أكثر من مأتى وجبتكم التالية ، لذا إندمجوا فى هذا الجنون ، جنون قانون الغاب ، الذى ليس بإمكانكم الرؤية أبعد منه و التوحّد حوله " . لآ ! على الطبقة العاملة أن تتقدّم بردّها . اليوم بالآلاف لكن هؤلاء الآلاف ، كما قلت ، سيصمدون و يشرعون فى التأثير فى القوّة الكامنة و يمثّلون مستقبل الملايين . و بالفعل سيمثّلون القادة الممكنين للملايين و الملايين فى الفترة الآتية ، حينما كما يعلم الرأسماليّون ، و يجب أن نفهم نحن ، تحتدّ الأمور مع تعمّق الأزمة الإقتصاديّة و مع التدحرج نحو حرب عالمية . سيتحرّك ملايين الناس باحثين عن أجوبة . فتارة ينزعون هذا المنزع و طورا المنزع الآخر لكن باحثين عن قيادة و إرشاد و هم يحتاجون إلى أن يرفع الراية عاليا و بصرامة و وضو ح الآلاف و الآلاف من العمّال الواعين طبقيّا ليبيّنوا لهم الطريق الثوري ، البروليتاري للتقدّم و الخروج من كلّ هذا .
و هذه هي أهمّية غرّة ماي . يجب أن تصبح مسألة سياسيّة كبرى فى هذه البلاد . يجب أن يتمّ نقاشها فى كلّ مصنع ، فى كلّ حيّ ، فى كلّ سجن و غيتو و مستشفى و مدرسة . و فى كلّ الحانات . يجب أن تثار هذه النقاشات ، يجب أن تجري فى صفوف كافة العمّال – " هل ستخرج فى مسية هؤلاء الشيوعيين ؟ " ربّما عليّ فعل ذلك...يجب القيام بشيء فى هذه البلاد، ربّما لديهم الإجابة الوحيدة " . سيوجد جدال ، سيوجد صراع . ينبغى أن يبلغ إلى علم مئات آلاف الناس ، حتّى الملايين ينبغى أن يعلموا به و يناقشوه . نريده خطّ تمايز و إختبارا حيويّا و سنقاتل و سيكون إختبارا حيويّا ، سيكون خطّ تمايز . سننادى الناس و سيكون عليهم أن يضعوا شغلهم و أنفسهم على المحكّ إذا كنّا سنتقدّم خارج هذا و هذا ما ستمثّله غرّة ماي هذه .
لدينا ثقة فى أنّ هذا سيحصل ليس جراء بعض الأفكار المتفائلة و الغريبة و الآملة بل لأنّ لدينا فهم علمي ، لأنّنا نتجرّأ على الذهاب صراحة إلى صفوف زملائنا العمّال و نضع الحقيقة أمام أعينهم و ندعوهم للنهوض ، للإعتراف بالحقيقة و التمسّك بها و لإدراك مصالحهم الخاصة و النضال من أجلها . لدينا الثقة فى أنّه عبر العمل و النضال الهائلين يمكن كسب هذه المعركة . نريد ذلك و نعرف أنّ حكّام هذه البلاد – الذين ، بعد كلّ شيء ، لجهلهم و رجعيّتهم و نزوعهم القاتل ، يمكن أن يكذبوا و يقسّموا الصفوف ، إذا ل يصبح الأمر معقّدا للغاية – سيكونون هناك يعدّون الأحذية و يقسمون على إثنين للحصول على عدد الناس المشاركين يومها . و يجب على راية الطبقة العاملة و ردّها على هذه الأزمة و هذا النظام برمّته أن يكونا واضحين ، عليهم أن يعدّوا الآلاف و الآلاف ، لكي تكون الحصيلة حتّى عندما يقسمون على إثنين لا تزال آلاف و آلاف العمّال إنضمّ إليهم آلاف الناس المضطهَدين الآخرين الذين أرهقهم الأمر كلّه ، و الذين هم مصمّمون على التمرّد و قيادة الناس فى القيام بشيء حوله و يبيّنون سبيل المضيّ قدما لملايين الذين يغدون أكثر فأكثر قرفا من الحياة في ظلّ هذا العبث . و هذا ما سنقوم به و ما يجب أن ننجزه فى غرّة ماي .
الطرقُ على بابك
ستكون معركة ، سيكون نضالا ، سيكون قفزة و يمكننا و يجب علينا و سنقوم بذلك . فالتناقضات تحتدم و مثلما قلت فى البداية ، سيطرق بابك من أجل طبقة أو أخرى ، من أجل صفّ أو آخر و ينادوك و يواجهونك بخيار الوقوف على جانب أو آخر . لن نستطيع الفرار من ذلك و لن نستطيع الهروب منه ، لن نستطيع التخفّى منه و لن نستطيع تناول مخدّرات أو كحول أو أي شيء آخر لجعله ضبابي و نسيانه . لن نريد و لن نحتاج و لن يكون علينا الإختفاء من المستقبل لأنّ المستقبل ملكنا إذا تجرّأنا على التمرّد ، على وضع أنفسنا هناك ، على القتال بوعي ، و توحيد آخرين لنمسك به بأيدينا و بأيدى الملايين و نصوغه بما يخدم مصالحنا .
يطرح الكثير من الناس السؤال التالي : " أتفق حقّا مع الكثير ممّا تقولونه لكن كيف نعرف أنّ مثل آخرين قبلكم ، لن يخون حزبكم هذا عند نقطة ما ؟ كيف نعرف أنّكم لن تخونوا و تحاولوا الحصول على شيء ليّن لأنفسكم . سواء قبل حصول هذه الثورة أو حتّى بعدها ، كيف نعرف أنّكم لن تحوّلوا الأمر لمصلحتكم الخاصة ، و تضعون أنفسكم على القمّة و تبقوننا فى الموقف نفسه ؟ كيف يمكن لنا منع ذلك و كيف نعرف أنّ ذلك لن يحصل ؟ ".
حسنا أقول شخصيّا و كذلك بإسم حزبنا ، لم أنفك أقاتل هذا النظام بنفسى سياسيّا منذ 15 سنة . و كنت ثوريّا طوال 12 سنة و صرت شيوعيّا واعيا منذ أكثر من 10 سنوات ، و لا أنوى أن أكون شيئا آخر أو أن أقوم بشيء آخر طالما بقيت على قيد الحياة – و سأقاتل للبقاء على قيد الحياة أيضا لأنّ لدينا ثورة ننجزها و مثلما قال ماركس و إنجلز ، لدينا عالم نربحه . لا نيّة لدينا فى هذا الحزب لتكريس أنفسنا لشيء آخر عدا النضال و خوض القتال من أجل القيام بالثورة و دفع عجلة المجتمع إلى الأمام ، إلى جانب شعوب العالم ، نحو مرحلة جديدة تماما . هذا هو موقف حزبنا و هذا هو موقف كلّ إنسان فيه و إلاّ لن ينتمي إليه أو لن يبقى فى صفوفه . لكن الأمر لا يتّصل بإرادتنا فحسب ، إنّه أيضا واقع أنّنا ناضلنا فى الماضي و نواصل النضال راهنا و يجب أن نناضل فى المستقبل لنتسلّح حتّى بأكثر عمق بإستيعاب هذا العلم الثوري ، الماركسية ، و بقدرتنا على تطبيقه و التقدّم بالآلاف و فى النهاية بالملايين ليتبنّوه . و فوق ذلك ، سأعيد لكم الكرّة ، و سأطرح المسألة على الحضور فى جولة الخطابات عبر هذه البلاد مثلما أطرحه عليكم – والسؤال يجب طرحه على العديد من الناس الآخرين خارج هذا الإطار – جوهر المسألة يتلخّص فى التالى : هل ترغبون فى الحياة جاثمين على الركب ، و فى أفضل الأحوال تتسوّلون بعض المنصّات أم ترغبون فى النهوض و القتال و البقاء منتصبي القامة و القتال و فى الأخير القيام بالقفزة التى على الإنسانية القيام بها للتخطّى التام للوجود الشبيه بالوجود الحيواني ؟ هل ترغبون فى أن تتحرّروا ، هل ترغبون فى الوقوف بفخر و مسك العالم بأيديكم و إقتحام السماء ، أم ترغبون فى أن تجبروا على الركوع و تعلّم الحياة راكعين و أتسع من ذلك تتعلّمون حبّ ذلك ؟
هذا هو السؤال الجوهري ، و إذا أردتم أن تتحرّروا ، إذا أردتم أن تتحرّروا من كلكل هذا ، سيكون عليكم القيام بما يجب علينا القيام به – أي التخلّى عن فكرة يحاولون دائما أن يروّجوها فى صفوفنا ألا وهي النجاة على يد نوع من المنقذ تبعثه السماء أو يبعثه قصر كينيدي فى ماساشوستس أو أي مكان آخر . و لن يوجد إنقاذ فى أي عالم آخر ، هذا هو العالم و لا أحد آخر و لا شيء آخر سيفعل ذلك . سيكون علينا القيام بذلك بمفردنا . تريدون التحرّر ، يجب عليكم أن تساهموا فى هذا النضال و القتال من أجل تحرير أنفسكم و تحرير كافة الناس المستغَلّين و المضطهَدين فى العالم قاطبة . إذا أردتم أن تتحرّروا من هذا و تقفوا و لا تظلّوا راكعين ، سيكون عليكم القتال لجعل هذا يحدث . إذا أردتم من هذا الحزب أن يعمّق إستيعابه لهذه النظريّة و أن يحافظ على نفسه و يمضي قدما صوب الهدف الثوري ، سيكون عليكم التقدّم و العمل معه و المساهمة فى هذا الجهد و الإلتحاق به و بالحزب ، و النضال لإستيعاب هذه النظريّة ، لإستيعاب هذا الخطّ و لتطبيقه و للقتال لإبقاء هذا الحزب على الطريق الصحيح بنظريّة صحيحة ، وخطّ صحيح و توجّه صحيح و التحرّك إلى الأمام بإتّجاه الثورة .
إذا أردتم أن تتحرّروا – سيكون عليكم القتال من أجل تحرّركم . إذا أردنا التحرّر ، سيكون علينا تحرير أنفسنا و لن يقوم بذلك أي شخص آخر لأجلنا . هذه هي الطريقة الوحيدة التى يمكن أن تحقّق ذلك ، هذه هي الطريقة التى سنتّبعها . هذه هي المسألة المطروحة أمامنا . و الآن – إزاء كلّ هذا ، كلّ شيء يخزّنه هذا النظام لنا لكن أكثر من ذلك ، الفرص النادرة للتقدّم عبر العواصف و التمرّدات ، بما فى ذلك ، من المرجّح جدّا فرصة فعليّة للقيام بالثورة فى الفترة القادمة – الآن حان الأوان بالنسبة للذين يرون الحاجة للتقدّم والعمل بجرأة و تصميم القوّة المتقدّمة لطبقتنا ، الطبقة التى يجب أن تصنع و ستصنع المستقبل بواسطة نضالنا الثوري .
============================================================
===============================================================



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 5 سبتمبر 2020... بداية 60 يوما من النضال للمطالبة ب : ليرحل ...
- إضطهاد السود و جرائم هذا النظام و الثورة التى نحتاج - الفصل ...
- ترامب ينسّق إعتراف الإمارات العربيّة المتّحد بإسرائيل : ضوء ...
- البطرياركيّة و الوطنيّة – التفوّق الذكوري العدواني و التفوّق ...
- البطرياركيّة و التفوّق الذكوري أم الثورة و وضع نهاية للإضطها ...
- بيان لبوب أفاكيان حول الوضع الدقيق راهنا و الحاجة الملحّة إل ...
- الإحتجاجات الشرعيّة تتحدّى القمع المتصاعد لنظام ترامب / بانس ...
- الرأسماليّة – الإمبرياليّة – خنق سبعة مليارات إنسان – و الحا ...
- أربعة أشهر من أزمة الصحّة العالميّة لكوفيد -19 و الأزمة الاق ...
- الشرطة و السجون : الأوهام الإصلاحيّة و الحلّ الثوريّ
- حول التماثيل و النصب التذكاريّة و الإحتفال بالإضطهاد - أم وض ...
- بوب أفاكيان حول الكذب فى خدمة ترامب و الكلمات و الجمل الشنيع ...
- إسرائيل تهدّد بضمّ قسم كبير من الضفّة الغربيّة الفلسطينيّة – ...
- ثورة حقيقيّة ، تغيير حقيقي نكسبه – المزيد من تطوير إستراتيجي ...
- حول 1968 و 2020 : الأكاذيب حينها و الأكاذيب اليوم و التحدّيا ...
- الفاشيّون اليوم و الكنفدراليّة : خطّ مباشر و علاقة مباشرة بي ...
- من وثائق ستّينات القرن العشرين : بيانان لماو تسى تونغ ينقدان ...
- مقدّمة الكتاب 37 : إضطهاد السود في الولايات المتّحدة الأمريك ...
- حقيقة إستفزازيّة أخرى على أنّها بسيطة وأساسيّة حول الشيوعيّة ...
- فيروس كورونا يجتاح هوستن بالولايات المتّحدة : ازمة صحّية عام ...


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - تقييم نقدي لتجارب بارزة : بين الإصلاح و الثورة - الفصل الثاني من كتاب - إضطهاد السود في الولايات المتحدة الأمريكية و الثورة الشيوعية العالمية