محمد رمضان الجبور
(Mohammad Ramadan Aljboor)
الحوار المتمدن-العدد: 6680 - 2020 / 9 / 18 - 22:17
المحور:
الادب والفن
من الروايات الصادرة حديثاً ، والتي ترسم مشاهد الوباء والجائحة التي ألمّت بالعالم أجمع ، ومن العتبة الأولى لهذا العمل الأدبي والتي تتكون من العنوان وصورة الغلاف؛ يلمح المتلقي بعض خفايا هذا العمل الأدبي ، فالعنوان الذي تم اختياره يتكون من عنوان فرعي وعنوان رئيسي ، العنوان الفرعي هو العنوان الذي جاء بخط أصغر حجماً من العنوان الرئيسي ، وجاء في رأس الصفحة وهو يحمل دلالة لمحتوى العمل الأدبي ( عذراً ..كوفيد 19 ) ، فالعنوان الفرعي يشير إلى محتوى العمل الأدبي بشكل عام ، وهو الوباء أو الجائحة التي أصابت معظم دول العالم بلا استثناء ، ويحمل دلالة أخرى ، فالمفردة التي تم استخدامها (عذراً) تحمل في طياتها نوع من السخرية المبطنة ، فكأن الروائية أمل الزعبي قد هالها ما فعل هذا الوباء بهذا العالم فهي تطلب العذر منه بأسلوب تهكمي فيه الكثير من الحزن والألم .
وقد جاءت المفردة مناسبة جداً للموضوع لما أحدث هذا الوباء من هلع وخوف لكل البشر .
أما العنوان الآخر والرئيسي فقد جاء بخط كبير ، واضح للعيان في حجمه بالنسبة للعنوان السابق الفرعي ، ( عائدون بلا أرواح ) ، فكلمة عائدون توحي بالسفر والغربة ، وكأن الروائية تريد أن تُلمّح للمتلقي أنها تتحدث عن أناس أصابهم الوباء وتلك الجائحة وهم في غربة وسفر ، فالعنوان له دلالة واضحة لما في متن العمل .
أما بالنسبة للغلاف فهو يحمل لوحة تُعبّر عن الموجود في متن العمل ، فالعيون تقطر دماً وليس دموعاً ، وصورة الدرج الفارغ الذي يمتد بلا نهاية يُعبر عن آمال ميتة لن تتحقق .
الرواية تحكي قصة عائلة أردنية مكونة من الزوج مروان والزوجة سوزان وبنتان وولد وخادمة هاجرت إلى أميركا للعمل وللبحث عن حياة رغيدة ، وفعلا كانت حياتهم مميزة ، وكانوا يرفلون بأثواب السعادة ، وكان كلاهما يعملان في مستشفى من مستشفيات تلك الولاية ، فالزوج طبيب ، والزوجة تعمل في مختبر ، وظلوا ينعمون بالسعادة حتى ظهر هذا الوباء وهذه الجائحة (الكورونا) فقلب حياتهم رأساً على عقب .
وبدأ هاجس العودة يراودهما إلا أن ظروف العمل والخوف من ضياع حقوقهم أجبرتهم على البقاء في أميركا ، ورغم التزامهم بكل أمور السلامة العامة ، إلا أن الوباء قد أصاب الزوج (مروان) ، ومن هنا تبدأ العقدة والحبكة بالتأزم ، ويظل حلم العودة إلى الوطن (الأردن) هو الحلم الأكبر الذي يراود العائلة .
الأبعاد النفسية :
( عذراً لـ... كوفيد 19 عائدون بلا أرواح) أحدى الروايات التي تناولت موضوع الوباء (الكورونا) ، وقد أهتمت الرواية بالأبعاد النفسية التي رافقت هذا الوباء ، فكان الاهتمام في الغالب في الجوانب النفسية للشخصيات ، وقد استطاعت الروائية أمل الزعبي تجسيد الجانب النفسي في شخصية الزوجة "سوزان" ، فقد ظهر لنا في العديد من صفحات الرواية ، مشاعرها ، وأفكارها ، وقلقها المستمر ، وما أصبحت تعانيه بعد ظهور هذا الوباء ، فبعد أن كانت تعيش حياة سعيدة وزوجها وأولادها ، أصبحت تعيش في قلق مستمر ، فمجرد دخولها إلى البيت تقوم بخلع ملابسها والكمامات والقفازات وتدخل لتستحم ، فهي تعمل في نفس المستشفى الذي يعمل بها زوجها ولكنها في قسم المختبرات وتحليل العينات فهو مكان خطر جداً ، " بدأت حملتها المعتادة بعد الدخول من الباب الرئيسي ...نزعت ما كان عليها من ملابس فوقية وحذاء وكمامتها والقفازات ، ووضعتهم في المكان المخصص للتعقيم ، ودخلت مباشرة إلى حمام غرفتها النوم للاستحمام والتعقيم كعادتها " ، القلق يلازمها ، القلق على حياتها الشخصية ، القلق على زوجها ، القلق على أولادها ، القلق على أهلها في الأردن ، هذا الوباء جعل من القلق أمراً لا مفر منه " كانت قلقة على الأولاد ، تفكر بهم كثيراً ، وعندما يأتي وقت النوم وتطمئن على نومهم وسلامتهم تبدأ بالصلاة والتوسل إلى الله ليحفظ لها زوجها المقيم هناك بالمستشفى منذ أسبوعين "
فالرواية ترصد الحالة النفسية للزوجة (سوزان) التي ازدادت سوءاً عندما أصاب هذا الوباء أعز الناس لديها ، زوجها الطبيب ، وتزداد الحياة صعوبة أكثر عندما تسمع بخبر وفاة زوجها ،فالروائية تسلط الضوء على الشخصية الرئيسية (سوزان ) الزوجة ، وتحاول أن تنبش ما بداخلها من عقد نفسية بسبب الظروف التي ترافقها وتعيشها ، فهي تصوّر أحاسيسها للمتلقي ، وتمكّن المتلقي من فهم الكثير من هذه الأحاسيس ، وباء ، وغربة ، وموت أعز الناس لديها ، وأطفال يسألون عن عودة أبيهم الذي لن يعود ، كلها جوانب نفسية مؤلمة جداً ، فالجانب التفشي في الرواية قد يكون الأكثر وضوحاً ـ فالروائية أمل الزعبي قد أجادت ونجحت في تصوير مشاعر الشخصيات وسلوكها وعواطفها ، فشخصية سوزان قد صورتها الروائية على أنها ضحية الغربة والمرض والقلق ، والكآبة ، والوحدة ، تكالبت عليها الظروف من كل جانب " لا تبقي وحيدة فتحمّلي عقلك فوق طاقته ، أذهبي أنت وأولادك زوري معارفنا وغيّري تلك الأجواء الكئيبة التي تنامين وتصحين عليها ، ليكون الأصحاب قربك حبيبتي فيخففوا عنك المصاب ...."
لقد اتكأت الروائية أمل الزعبي على ما يسمى بتيار الوعي في بناء روايتها ، فتيار الوعي قد أتاح لشخصية سوزان الزوجة والشخصية الرئيسة والمحورية في الرواية الكشف عما يدور بداخلها من قلق وحزن وألم ، ولقد استطاعت الروائية من خلاله أن تسرد لنا معانتها من آلام البعد والاغتراب ، فهي تتوق إلى العودة إلى وطنها مهما كلفها الثمن ، ومهما قدّم لها الآخرون من مغريات مادية ، فبعد موت زوجها لم يبق لها ما تتأسف عليه في هذه الغربة .
وتزداد معاناة الزوجة بعد موت زوجها ، فالذين من حولها يريدون منها ويساومونها على أن تقدم ما تركه زوجها لخدمة الولاية التي تعمل بها ، وهي تُصر في داخلها بأنها لن تُفرط بمال زوجها لهؤلاء ، فوطنها أحق بها ، كل ذلك زاد من آلامها وغربتها .
ولكنها بينها وبين نفسها تُصر على العودة لوطنها الأردن مهما كانت هناك من صعوبات ، ومهما كانت الظروف ، فقد بات أمر العودة للوطن الهاجس الأكبر لها بعد موت زوجها .
" – لن أبقى في أميركا سأغادر بأقرب وقت وأعود للأردن .
- لكن هذا صعب في هذه الظروف فأنت تعلمين أن مطارات الأردن مغلقة ولا مجال للسفر إليهم .برأيي أفتحي مشروعاً هنا تصرفين منه عليك وعل الأولاد وتؤمنين مستقبلهم .
- لن أفتح أي مشروع هنا حتى لو اضطررت للبقاء في هذه الظروف "
الصراع الداخلي والخارجي الذي تعيشه شخصية الزوجة (سوزان) هيمن على أجزاء الرواية وشدّ المتلقي لمتابعة تطور هذه الشخصية ونمائها ، واستخدام الروائية لتيار الوعي مكّنها من نبش ما تعانيه هذه الشخصية من حزن وألم وغربة وأمل ، مشاعر الخوف على أولادها من هذا الاغتراب وهذا الوباء ، إصرارها على العودة للوطن ، وكأنها تهرب من الجحيم إلى الجنة فالوطن جنتها . كل هذه الأمور أثرت في نفسية الشخصية وكشفت عن الصراع الذي تعيشه هذه الشخصية .
وتتحقق رغبتها بالرجوع إلى الوطن عن طريق السفر إلى العراق ، ثم السفر من العراق إلى الأردن عن طريق البر ، تعلم التعب والمشقة التي سوف تواجه امرأة مع ثلاثة أطفال ، الا أن هذا التعب سيكون سبباً لراحتها .
فالرواية في معظمها ترتكز على الأبعاد النفسية للشخصية الرئيسية والمحورية الزوجة (سوزان) ، هناك شخصيات أخرى ثانوية في الرواية كان لها دور في نسج أحداث الرواية وتأزم حبكتها ، الزوج مروان ، الأولاد الثلاثة ، الخادمة موني ، وابن العم طارق ، وعدد من الموظفين في المستشفى التي تعمل فيها هي وزوجها .
وفقت الروائية في سرد وتسلسل الأحداث ووصف الوضع العام نتيجة انتشار هذا الوباء ، فرغم وجود الأحداث في مكان بعيد عن وطنها ، إلا أنها لم تنس الوطن ، بل كانت ترصد أحداث وطنها بأسلوب مقنع وجميل .
تبقى هذه الرواية من الروايات التي اتخذت من الوباء (الكورونا) موضوعاً رئيسياً ، مما جعلها تُضاف الى قائمة الروايات التي تناولت هذا الموضوع ، مثل رواية الدكتور حسين العموش عدوى الحب والموت ) ورواية مصطفى القرنة ( هاربون من كورونا) و(بيرغامو)) .
#محمد_رمضان_الجبور (هاشتاغ)
Mohammad_Ramadan_Aljboor#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟