أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد جميل تمراز - من لاءات الخرطوم، إلى التطبيع العربي مع -إسرائيل-: مواقف معلنة، وأفعال مختلفة















المزيد.....


من لاءات الخرطوم، إلى التطبيع العربي مع -إسرائيل-: مواقف معلنة، وأفعال مختلفة


سعيد جميل تمراز

الحوار المتمدن-العدد: 6677 - 2020 / 9 / 15 - 13:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في أعقاب الهزيمة العربية في حرب حزيران (يونيو) 1967م، انعقد مؤتمر للقمة العربية في العاصمة السودانية الخرطوم، في 29 من أغسطس (آب) 1967م، واشتهر المؤتمر بلاءاته الثلاث: "لا تفاوض، ولا تصالح، ولا اعتراف بـ "إسرائيل"، وشارك في مؤتمر القمة القائد أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية آنذاك، وتلا في المؤتمر مذكرة، باسم المنظمة، وطالب بعدم الصلح، أو التعايش، أو التفاوض، مع دولة الاحتلال "الإسرائيلي"، وعدم الاعتراف باحتلالها لأراضي 1948م، وعدم الموافقة على أية تسوية فيها مس القضية الفلسطينية وتؤدي الى تصفيتها، وعدم التنازل عن قطاع غزة والضفة الفلسطينية ومنطقة الحمة مع تأكيد عروبة القدس، وعدم جواز انفراد أية دولة عربية في قبول أية حلول لقضية فلسطين، واعتبار قضية فلسطين قضية عربية مصيرية، والشعب الفلسطيني صاحب الحق الاول في وطنه، وهو الذي يقرر مصيره.
وتبنت القمة العربية وجهة نظر المنظمة القائلة بعدم انفراد أية دولة عربية بأي حل سياسي لقضية فلسطين، وعدم القبول بمثل هذا الحل الا بعد مناقشته واقراره في اجتماع سياسي عربي شامل ومسؤول تشارك فيه المنظمة، وبعدم الصلح مع "اسرائيل" وعدم الاعتراف بها وعدم التفاوض معها في حق الشعب الفلسطيني في وطنه، دون ان يشار صراحة، الى عدم جواز الانفراد بحل القضية الفلسطينية، ولكن، المذكرة ذات النقاط الست التي قدمتها المنظمة الى القمة، والكلمات التي ألقاها الشقيري فيها، لم تقابل بالاكتراث اللازم من الملوك والرؤساء العرب، ولم تجد طريقها الى قرارات القمة، الا في أضيق الحدود.
مشاريع تسوية" لحل الصراع العربي – "الإسرائيلي":
بعد نهابة الحرب شهدت المنطقة عدة مشاريع تسوية استهدفت وضع حد للصراع العربي – "الإسرائيلي"، وتميزت مشاريع التسوية بتعددها، وتنوعها، وهدفت للوصول إلى صلح عربي - إسرائيلي، وتصفية القضية الفلسطينية، والعمل على تحويلها إلى قضية لاجئين يجب توطينهم في الدول العربية، ورفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ورفض الحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وكذلك إضفاء طابع الشرعية الرسمية على وجود دولة "إسرائيل" في المشرق العربي، وتعزيز مكانتها، والحصول على المزيد من الاعتراف الدولي بها، وإلغاء كل المطالب الناتجة عن حرب 1948م، وعن حرب 1967م، وإنهاء حالة الحرب.
وتلتقي مشاريع التسوية، على أن الوسائل السياسية السلمية هي الطريق لحل الصراع العربي – الصهيوني، وتقر بوجوب ضمان أمن وسلامة دول المنطقة، وتدعو إلى المفاوضات الثنائية، واللجوء إلى المرحلية، وتركز على القرار 242 و338 حصراً كإطار مرجعي للمفاوضات، وتتجاهل القضية الفلسطينية، خاصة المتعلقة بالحقوق الوطنية والتاريخية للفلسطينيين في فلسطين، وركزت على القضايا الفرعية للصراع وترفض الحقوق السياسية للفلسطينيين، وترفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، وتعمل على تحويلها إلى قضية فلسطينيي الضفة والقطاع، وترى أن حل مشكلتهم ممكن في إطار حكم ذاتي.
وتمحور الموقف "الإسرائيلي" من عملية التسوية حول مجموعة من الأهداف والسياسات التي تم تبنيها بعد حرب العام 1967م، فـ "إسرائيل" ترى أن جوهر الصراع العربي – الصهيوني لا يكمن في حل المشكلة الفلسطينية، بل في مدى التقبل العربي للوجود الصهيوني، والإقرار النهائي بشرعيته في حدود معترف بها، وأن إنهاء حالات الصراع مع الدول العربية على أنها عملية إنهاء حالة حرب، ومنع وقوعها، من خلال اتفاقيات سلام مع الدول العربية لا تكفي لتحقيق السلام المنشود وإنهاء الصراع، ويمكن أن يتحقق السلام من خلال الحرص على بقاء "إسرائيل" متفوقة عسكرياً بشكل دائم حتى بعد تحقيق السلام، ووجود ضمانات دولية، وتحطيم نظرية الأمن القومي العربي، وإنشاء علاقات مشتركة وطبيعية بينها وبين الدول العربية، وتطالب "إسرائيل" بترتيبات أمنية مع الدول العربية ومع الفلسطينيين، كما ترفض فكرة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، ويجب أن تكون المفاوضات مباشرة بين أطراف الصراع، وبمعزل عن المجتمع الدولي، والأمم المتحدة وقراراتها كإطار مرجعي للتسوية، توافق إسرائيل على إقامة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، لذلك ترى أن السلام في المنطقة، هو السلام الذي سيوفر لإسرائيل لتكون الدولة القائدة في المنطقة، والتي ستعمل على ربط المنطقة بالاقتصاد العالمي، وستحول المنطقة لسوق استهلاكي للبضائع والصناعات الأجنبية.
وأما الموقف العربي من عملية التسوية فتمحور حول مجموعة من الأهداف والسياسات التي تم تبنيها بعد حرب العام 1967م، بدأت السياسة العربية بتبني هدفين، هما: إزالة آثار العدوان بضمان الانسحاب "الإسرائيلي" من الأراضي العربية المحتلة عام 1967م، والعمل على تحقيق مبدأ تقرير المصير للشعب الفلسطيني، وإقرار حقوقه المشروعة، وبعد حرب 1973م، أبقت على نفس الأهداف مع إمكانية التفاوض مع "إسرائيل"، والعمل على استرجاع الأراضي المحتلة عام 1967م، وقبول مبدأ الأرض مقابل السلام.
أولاً: بداية التطبيع: سلام منفرد مع مصر (1979م):
أقدمت مصر في تاريخ 26 اذار (مارس) 1979م، على توقيع معاهدة صلح مع "إسرائيل"، لتصبح مصر بذلك أول دولة عربية، وأكبر دولة عربية، وأهم دولة عربية في الصراع العربي – "الإسرائيلي"، تقيم سلاماً مع "إسرائيل"، فخرجت بذلك على الصف العربي، واختارت بالتواطؤ مع الولايات المتحدة الامريكية ان تقف مع العدو "الإسرائيلي" في موقع واحد، وتصرفت في صورة منفردة بشؤون الصراع العربي – "الإسرائيلي"، وانتهكت حقوق الأمة العربية، وعرضت مصير الأمة ونضالها وأهدافها للأخطار والتحديات التي تهددها، وتخلت عن واقعها القومي في تحرير الاراضي العربية المحتلة، وبخاصة القدس، وفي استعادة الحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على ترابه الوطني.
وكانت "إسرائيل" مستعدة من أجل الحفاظ على هيمنتها الإقليمية، التوصل إلى حل منفرد مع مصر يخرجها من جبهة المواجهة العربية، وكانت مصر في عهد الرئيس السادات، مستعدة بدورها، منذ شباط (فبراير) 1971م، للبحث عن تسوية مع "إسرائيل" على أساس صيغة "سيناء مقابل السلام"، وتلك الصيغة هي في الواقع، التي سعى إليها الرئيس السادات أثناء زيارته إلى القدس في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1977م.
ثانياً: اعترف عربي ضمني بوجود "إسرائيل" في قمة "فاس" (1982م):
بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من بيروت عام 1982م، وطرح مبادرة الرئيس الأميركي رونالد ريغان في العام نفسه لحل المشكلة الفلسطينية، صار الموقف العربي أكثر ليونة، ففي مؤتمر القمة الذي عقده الرؤساء والملوك العرب في شهر أيلول (سبتمبر) 1982م، في مدينة فاس المغربية، أعلنوا عن اتفاقهم على مشروع عربي للسلام كانت في الأصل مشروعاً طرحه الأمير فهد بن عبد العزيز عام 1981م، قبل أن يصبح ملكاً على السعودية، وكذلك بالاعتماد على مشروع الرئيس التونسي "الحبيب بورقيبة" الذي يعتمد الشرعية الدولية أساساً لحل القضية الفلسطينية، ويدعو إلى الاعتراف بقرار التقسيم رقم (181)، ويتضمن المشروع:
• انسحاب "إسرائيل" من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967م، بما فيها القدس العربية.
• إزالة المستعمرات "الإسرائيلية" في الأراضي التي احتلت بعد عام 1967م.
• قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
• تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب بالعودة.
• ضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة.
• قيام مجلس الأمن الدولي بوضع ضمانات السلام بين جميع دول المنطقة بما فيها الدول الفلسطينية المستقلة.
ويعُد البند الأخير اعترفاً ضمنياً بحق "إسرائيل" في الوجود من خلال الاقرار بـ "حق كافة دول المنطقة في العيش بسلام"، ويتفق مع قرار مجلس الامن (242) الداعي إلى حق جميع دول المنطقة بالعيش في أمن وسلام بما في ذلك "إسرائيل"، ويقر المشروع بتقسيم القدس بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين"، وكذلك أقر العرب باستراتيجية جديدة تقوم على المفاوضات السلمية هدفاً للحصول على الحقوق السياسية والطبيعية والشرعية للشعب الفلسطيني، حيث قرر المؤتمر تشكيل لجنة من ممثلين عن منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة العربية السعودية وسورية والمملكة المغربية والمملكة الأردنية الهاشمية والجزائر وتونس، مهمتها "إجراء اتصالات بالأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي لشرح قرارات المؤتمر المتعلقة بالصراع العربي ـ "الإسرائيلي"، وللتعرف على مواقفها وموقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي أعلنت عنه مؤخراً فيما يتعلق بالصراع العربي ـ الإسرائيلي، على أن تعرض اللجنة نتائج اتصالاتها على الملوك والرؤساء بكيفية منتظمة".
ثالثاً: توقيع اتفاق سلام مع لبنان وأسقطه الرفض الشعبي (1983م):
فرضت "إسرائيل" على لبنان عام 1983م، التوقيع على ما عرف باتفاق 17 أيار، الذي نص على انسحاب القوات "الإسرائيلية" من لبنان بشرط: "خروج القوات السورية ومنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان وعدم نشر أسلحة ثقيلة في الجنوب اللبناني، واحتفاظ "إسرائيل" بما أسمته حزاما أمنيا في جنوب لبنان خوفا من صواريخ كاتيوشا التي تستخدمها المقاومة اللبنانية. وجاء اتفاق 17 أيار (مايو) 1983م، في سياق ظرف تاريخي لبناني صعب، وذلك بعد الاجتياح "الإسرائيلي" للبنان عام 1982م، وخروج منظمة التحرير من بيروت الى تونس كشرط لوقف الحرب، واحتلال العدو للعاصمة اللبنانية بيروت، مع ما واكب ذلك من المجازر في حق اللبنانيين والفلسطينيين أشهرها مجزرة صبرا وشاتيلا، حيث أرادت "إسرائيل" فرض شروطها على لبنان، وعقد معاهدة صلح معه، وتحييده عن الصراع العربي – "الإسرائيلي"، وتفتيت النموذج اللبناني القائم على تعايش الطوائف، والقضاء على المقاومة الفلسطينية المتمركزة في لبنان، وإقامة حكومة لبنانية موالية لـ "إسرائيل"، ووقع الاتفاق في 17 أيار (مايو) 1983م، بين لبنان و "إسرائيل" في عهد رئيس الجمهورية الأسبق أمين الجميل.
ولاقى ذلك الاتفاق رفضاً من قبل غالبية اللبنانيين حيث وصفوه بـ ”اتفاق العار”، وإن كان لقي دعما غربيًا، فإن سورية كطرف في معادلة الصراع رفضت الاتفاق بشدة، وهاجمت الأطراف التي وقعت عليه من جهة، ودعمت الأطراف المعارضة له (جبهة الإنقاذ الوطني المؤلفة من وليد جنبلاط ورشيد كرامي وسليمان فرنجية وآخرين)، كما عملت على إسقاطه من جهة ثانية.
وقد كان لتوقيع الاتفاق تداعيات على مستوى الداخل اللبناني، نشوب الاقتتال الداخلي، وانقسام المشهد السياسي بين الرئيس الجميّل وحكومة شفيق الوزّان المتمسكين بالاتفاق من جهة، و"جبهة الإنقاذ الوطني" ومن ورائها سورية الرافضين من جهة ثانية، واستهداف القوات الأجنبية داخل لبنان (تفجير قيادة "المارينز" ومقرّ المظليّين الفرنسيين"، ما أسفر عن مقتل 145 أميركياً و24 فرنسياً، وضاق الخناق، عملياً، على "إتفاق العار"، لا سيما بعد انتفاضه 6 شباط (فبراير) 1984م، التي ضرب فيها تحالف برّي- جنبلاط ضربته الكبرى بالسيطرة على معظم بيروت التي كانت بيد قوات الجيش الموالية للجميّل، وتحت ضغط الرفض الشعبي، اتجه الرئيس أمين الجميل، والحكومة اللبنانية، ومجلس النواب اللبناني الى اعتبار هذا الاتفاق باطلاً، وقاموا بإلغائه بعد أقلّ من عام على توقيعه، ، وكان ذلك يوم 5 أذار (مارس) 1984م.
رابعاً: القبول العربي بمبدأ إنهاء العداء مع "إسرائيل" والتعايش معها (1991م):
شكل اشتراك الدول العربية في مؤتمر مدريد عام 1991م، وبدء العملية السلمية، تراجعاً عربياً عن مقولة الخطر الصهيوني وتهديده للأمن القومي العربي، وقبلوا مبدأ إنهاء العداء مع "إسرائيل"، كما تراجعت عن مقولة "الحقوق العربية التاريخية في فلسطين"، كما طرأ تعديل على أولويات النضال العربي الفلسطيني، وتغيراً في أسلوب تعامل العقلية العربية والفلسطينية الرسمية مع الصراع العربي – "الإسرائيلي"، وفي النظرة إلى مستقبل الصراع، فبعد سنوات من الصراع.
من جانب آخر، شكل اشتراك الدول العربية في مؤتمر مدريد تراجعاً وتنازلاً عن سياسة اللاءات الثلاث التي أقرت كمبدأ للموقف العربي من عملية التسوية وهي: لا صلح ولا اعتراف ولا مفاوضات، بحيث وضع العرب ـ منذ بدء العملية السلمية ـ أهم أسلحتهم في المفاوضات قبل بدئها، كما أدت عمليات التسوية إلى تفتيت وحدة الموقف العربي، فمع أن العرب دخلوا عملية السلام في مدريد بصورة جماعية، إلا أن عمليات التسوية تحولت إلى قضايا ثنائية تخص كل دولة عربية على حدة، ولم يظهر موقف عربي موحد سواء من خلال عقد قمة عربية أو موقف محدد للجامعة العربية، وترك الأمر لكل دولة عربية كي تتخذ المواقف التي تراها مناسبة، مما أضعف موقف الأطراف العربية المفاوضة، وأدى إلى تراجع فكرة السلام الشامل.
خامساً: الموقف الفلسطيني، وتداعيات "اتفاق أوسلو" (1993م):
مع انعقاد مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط عام 1990م، جرى تبديل على موقف قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بعد موافقتها على قرار مجلس الأمن رقم 242، وأعلنت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عن عدم معارضتها لوجود دولة "إسرائيل" في قلب العالم العربي، وحقها في العيش بأمن وسلام، وعلى ذلك الأساس بنيت فلسفة التفاوض مع "إسرائيل" من أجل حل الصراع سلمياً، وتمَّ الاعتراف رسمياً بها من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بموجب اتفاقيات اوسلو الموقعة في واشنطن عام ١٩٩٣م، وفلسطين اليوم لم تَعُدْ قضيّة العرب المركزية الاّ في الحديث وعلى الورق، بل اصبحت همّاً على بعض العرب، وتراهم حائرون في كيفيّة تصفيتها.
ومن أبرز نتائج توقيع اتفاق أوسلو"، الاعتراف بـ "إسرائيل، وقبول مبدأ التفاوض معها، واستبعاد الخيارات الأخرى، واستمرار نهج التنازل العربي لدولة الاحتلال "الإسرائيلي"، فقد أقدمت الأردن في 26 تشرين الأول "أكتوبر" 1994م، على توقيع معاهدة السلام مع "إسرائيل" عرفت باسم معاهدة وادي عربة واعترفت بـ "إسرائيل"، وأقامت علاقات دبلوماسية معها، وسارع المغرب إلى تفعيل إقامة روابط مع "إسرائيل" على مستوى مكاتب الاتصال الثنائية (سبتمبر 1994م)، لكن هذه المكاتب أغلقت عام 2000م وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000م.
سادساً: القبول العربي بمبدأ اندماج "إسرائيل" في المنطقة بعقد المؤتمرات الاقتصادية والتعاون الإقليمي في المجالات كافة (1994م):
ونتيجة لعملية السلام التي بدأت بمؤتمر مدريد في نهاية عام 1991م، جاءت فكرة انعقاد مؤتمرات القمة الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ولتكون رديفاً اقتصادياً داعماً لمسيرة التسوية في المنطقة، لإعادة ترتيب الشرق الأوسط وشمال افريقيا وفق المصالح الأمريكية و"الإسرائيلية"، ولتحل المصالح الاقتصادية المتشابكة مع دول المنطقة محل الصراع والعداء، وبهدف أن تدخل "إسرائيل" إلى منظومة دول الشرق الأوسط، على حساب النظام الإقليمي العربي، ولربطها بمشاريع اقتصادية مشتركة مع الدول العربية، وكان شيمون بيريز وزير خارجية "إسرائيل آنذاك، قد دعا إلى كتابه (الشرق الأوسط الجديد) إلى تشكيل الشرق الأوسط على أسس جديدة قائمة على التعاون الاقتصادي والأمني بين دول الاقليم على أساس أن إيجاد مصالح اقتصادية مشتركة بين الدول العربية و"إسرائيل" بمساهمة من الاستثمارات الأجنبية، يمكن أن يؤدي إلى الوصول إلى حل سلمي للصراع العربي – "الإسرائيلي"، وإلى إدامته، وجاءت مؤتمرات القمة الاقتصادية الأربعة التي انعقدت في الدار البيضاء (المغرب) 1994، وعمان (الأردن) 1995، والقاهرة (مصر) 1996، والدوحة (قطر) 1997، لتكرس سياسة جديدة في العلاقات بين الدول العربية و"إسرائيل"، بتشجيع واضح من الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد وجد الزعماء "الإسرائيليون" في المؤتمرات الاقتصادية الإقليمية فرصتهم لتكريس "إسرائيل" في واقع المنطقة اقتصاديا، بعد أن ضمن مؤتمر مدريد اعترافاً سياسياً بوجودها من قبل معظم أطراف النظام العربي الرسمي، ومّهد لها اتفاق أوسلو جميع السبل للالتفاف على القضيّة الفلسطينية وإيجاد تسوية إقليمية في إطار الاستراتيجية الأمنية "الإسرائيلية"، لذلك كانت المشاركة "الإسرائيلية" في المؤتمرات كبيرة وفاعلة، وكان الوفد "الإسرائيلي" من أكبر الوفود المشاركة، إلى جانب مشاركة مجموعة من المؤسسات الاقتصادية الإسرائيلية - الأوروبية - الأميركية - المشتركة التي تطلق على نفسها لقب "مؤسسات المبادرة من أجل السلام والتعاون في الشرق الأوسط"، كما شارك جميع الدول العربية في تلك المؤتمرات ما عدا سوريا ولبنان.
سابعاً: التطبيع التجاري والاقتصادي والرياضي بين "إسرائيل" ودولة قطر (1996م):
أعربت دولة قطر عن رغبتها في إعادة النظر في سياسة المقاطعة العربية إذا جمدت "إسرائيل" البناء الاستيطاني، وجرى عدة اتصالات بين قطر و"إسرائيل"، وفي أواخر 1994م، التقى نائب وزير الخارجية "الإسرائيلي" آنذاك، يوسي بيلين، السفير القطري لدى واشنطن، عبد الرحمن بن سعود. وفقاً لبيلين، أكد عبد الرحمن أن الإمارة “ستكون سعيدة بالتعاون والمساعدة في العملية السياسية، كما شارك أمير قطر، حمد بن خليفة، في حفل توقيع اتفاق “أوسلو 2″، كما شارك ممثل عن حكومة قطر في جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين.
تطورت العلاقات بين البلدين، وأقامت قطر علاقات تجارية مع "إسرائيل" في عام 1996م، وتعد قطر أول دولة عربية خليجية تقوم بذلك، ففي نيسان (أبريل) 1996م، تم فتح مكتب تمثيل المصالح "الإسرائيلية" في الدوحة، وعملت البعثة "الإسرائيلية" بوصفها سفارة، حتى وإن لم يُسمح لها برفع العلم "الإسرائيلي" أو وضع لافتة عند مدخل مبناها، وفي نفس الشهر، زار رئيس الحكومة "الإسرائيلية" وقتها شمعون بيريز قطر" وافتتح مكتب تمثيل المصالح "الإسرائيلية"، لتصبح الدوحة العاصمة الخليجية الوحيدة التي سمحت بحضور مسؤول "إسرائيلي" دائم في أراضيها،
وبعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000م، تراجعت قطر امام الضغوط التي مارستها دول عربية واسلامية واعلنت اغلاق مكتب التمثيل المصالح "الاسرائيلية"، إلا أن علاقات التطبيع استمرت بين البلدين، فقد تكررت زيارات كبار المسؤولين "الإسرائيليين" لقطر ومن بينهم وزيرة الخارجية تسيبي ليفني عام 2008م، كما ابدت قطر استعداها تزويد "إسرائيل" بالغاز وإلى مدة غير محدودة وبأسعار رمزية. بعد توقف إمدادات الغاز المصري إلى "إسرائيل" من خلال خط الأنابيب المصري الواقع في سيناء بعد أن فجره مجهولون، وباتت قطر وجهة “آمنة” للسياح "الإسرائيليين" الذين لا يجدون أي عقبات لزيارتها، كما استضافت قطر الفرق الرياضية "الإسرائيلية" المشاركة في البطولات الرياضية الدولية.
ثامناً: ماذا تبّقى للدول العربية بعد مبادرة بيروت (2002م)؟!:
بعد تعتر عملية المفاوضات بين "إسرائيل" والسلطة الفلسطينية، سعت دول عربية معنية لإحياء عملية المفاوضات بين الجانبين، فأطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز ملك السعودية مبادرة للسلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين عام 2002م، وقدمها إلى مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت في آذار (مارس) 2002م، وتبنى القادة العرب المبادرة خلال القمة، وتدعو المبادرة إلى انسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي العربية المحتلة بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو (حزيران) 1967م، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، والتوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وقبول قيام دولة فلسطينية مستقلة، وفي حالة تحقيق ذلك، سوق تعتبر الدول العربية النزاع العربي "الإسرائيلي" منتهيا، وستقوم بتوقيع اتفاقية سلام بينها وبين "إسرائيل" مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة، وإنشاء علاقات طبيعية مع "إسرائيل" في إطار هذا السلام الشامل.
كانت مبادرة بيروت للسلام العربي، بمثابة دعوة صريحة إلى التصالح والتعايش وحسن الجوار، اجتاز فيه العرب لاءاتهم التاريخية المرفوعة عالياً منذ قمة الخرطوم عام 1967، وأقروا فيه بوجود "إسرائيل"، وتقدموا من خلاله بيد ممدودة بالسلام الكامل، مقابل تطبيع كامل للعلاقات،
وأكثر من ذلك، فقد كانت هذه المبادرة، تعبيراً عن تحول في المواقف، واجتيازاً للخطوط الحمراء العربية السائدة منذ بدايات الصراع، ونزوعاً إلى الحلول الوسط على نحو غير مسبوق، للوصول إلى السلام المنشود فعلاً.
تاسعاً: استمرار نهج التراجع والتنازل العربي لدولة الاحتلال "الإسرائيلي" (2020م):
في ظل هذا التراجع والتنازل العربي، تتسابق بعض الدول العربية مع الزمن من اجل التفاوض بالسّر وبالعلن مع "إسرائيل"، وأصبحت الإمارات الدولة العربية الثالثة وأول دولة خليجية التي تطبع العلاقات مع "إسرائيل"، وتوقع في 15 أيلول (سبتمبر) 2020م، اتفاقيات ثنائية تتعلق بالاستثمار والسياحة والرحلات المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة، إضافة إلى إنشاء سفارات متبادلة.
من جانب آخر، انضمت البحرين إلى الإمارات في إبرام اتفاق لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، وستقوم إلى جانب الإمارات بتوقيع اتفاق سلام مع "إسرائيل"، وإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين "إسرائيل" ومملكة البحرين، وأصبحت البحرين رابع دولة عربية وثاني دولة خليجية تعلن اتفاقاً لتطبيع العلاقات مع "إسرائيل"، بعدما سارت على خطى جارتها الإمارات.
وعلى الرغم من أن الموقف العربي والفلسطيني يعاني من التراجع، فأنه مهدد بمزيد من التراجع في ظل الإخفاقات الناجمة عن اتفاقات أوسلو، وانسداد الأفق أمام عملية التسوية السياسية التي يمكن أن تؤدي إلى تحقيق الأهداف الفلسطينية، وفي ظل إصرار جميع الأطراف العربية على استمرار العملية السلمية، واستبعاد الخيارات الأخرى بالرغم من الجمود الذي أصاب العملية السلمية على معظم المسارات، فالعرب لا يستطيعوا إسقاط خيار السلام، أو رفض مبدأ المفاوضات، فهم يتعاملوا مع المفاوضات كخيار وحيد.



#سعيد_جميل_تمراز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -اتفاق أوسلو- والمأزق الفلسطيني
- أربعة وستون عاماً على تأميم قناة السويس 26 تموز (يوليو) 1956 ...
- مائة عام على معركة ميسلون (24 تموز/يوليو 1920 - 24 تموز/يولي ...
- الذكرى الثامنة والستون لقيام ثورة 23 تموز (يوليو) 1952م.
- ثلاثة وأربعون عاماً على استشهاد المعلم القائد كمال جنبلاط زع ...
- في ذكرى مقتل الناشطة الأمريكية -ريتشيل كورى-، 16 آذار (مارس) ...
- اثنان وأربعون عاما على العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان
- انتفاضة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد التوطين
- الانتفاضة الفلسطينية الأولى: الأسباب - المسار – النتائج (198 ...
- القدس في المفاوضات العربية الإسرائيلية : الواقع واحتمالات ال ...
- سياسة الفصل -الإسرائيلية-، وأثرها على مستقبل إقامة دولة فلسط ...
- أثر المفاوضات الفلسطينية – -الإسرائيلية- على الوحدة الوطنية ...
- دور مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية بالقدس في حفظ وتوثي ...
- طرد الفلسطينيين في الفكر والممارسة الصهيونية 1882 - 1949


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد جميل تمراز - من لاءات الخرطوم، إلى التطبيع العربي مع -إسرائيل-: مواقف معلنة، وأفعال مختلفة