أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعيد جميل تمراز - أربعة وستون عاماً على تأميم قناة السويس 26 تموز (يوليو) 1956م















المزيد.....


أربعة وستون عاماً على تأميم قناة السويس 26 تموز (يوليو) 1956م


سعيد جميل تمراز

الحوار المتمدن-العدد: 6628 - 2020 / 7 / 26 - 21:37
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


اتخذ الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر، من التمصير والتأميم دافعًا للتحرر الاقتصادي من سيطرة الأجانب على الاقتصاد المصري في جميع قطاعاته، ولكي يتم إخضاع الاقتصاد الوطني لخدمة القضايا السياسية الوطنية وتحقيق التنمية، بدأ الرئيس عبد الناصر بتمصير المصالح الأجنبية، مثل البنوك وشركات التأمين التي كان يسيطر عليها الأجانب، ثم تأميم قناة السويس التي كانت تحت سيطرة الأجانب.
وضمن سياسة التمصير التأميم جاء قرار الرئيس جمال عبد الناصر في 26 تموز (يوليو) 1956م، بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية كشركة مساهمة مصرية، وذلك بعدما احتكرت الشركة الأجنبية امتياز القناة والسيطرة على مواردها منذ حفرها عام 1869م، بينما مصر صاحبة القناة الفعلية والشرعية لم يكن لها دور يذكر في الادارة، ولم تحصل الا على مبالغ ضئيلة من ايرادات القناة التي بلغت 34 مليوناً من الجنيهات الاسترلينية عام 1955م، وكانت حصة مصر مليوناً واحداً، وجاء قرار التأميم مصريًا من أجل استعادة حق مصر في ادارة القناة وايراداتها، وحرصت مصر وهي تسترد هذا الحق على المحافظة على المواثيق الدولية وكل الاتفاقيات الخاصة بحرية الملاحة في القناة.
إن مصر استخدمت حقاً شرعياً كدولة مستقلة ذات سيادة، بهدف تحقيق مصلحة عامة، ولاعتبارات تتعلق بالأمن القومي، ولم يكن الأمر في حقيقته تأميما للشركة، أو ردا لمستحقات مالية للمساهمين بها، ولكنه كان تعبيراً عن قيام تغيير استراتيجي عميق بمنطقة الشرق الأوسط تمثل في تأكيد مصر لسيادتها على أراضيها بما فيها قناتها كمجرى ملاحي مهم، والتأكيد على استقلال مصر، وتصديها لسياسات الدول المستعمرة في المنطقة.
قناة السويس من الحفر إلى التأميم:
أولاً: شق القناة:
نشأت فكرة شق قناة السويس في رأس "فيرديناند ديليسبس، الدبلوماسي الفرنسي البالغ من العمر 27 عاماً، بعد تعيينه في وظيفة نائب القنصل في الإسكندرية أولاً، ثم في العاصمة المصرية "القاهرة" 1832م، وظلت أحلام "ديليسبس" فيما يتعلق بإنشاء قناة عند السويس كامنة حتى عام 1854م، حيث تقدم "ديليسبس" إلى الإدارة المصرية بمشروعه وحصل على الامتياز الأول بين امتيازات عديدة من الإدارة المصرية بشق القناة.
وبدأت أعمال حفر قناة السويس في عام 1856م، بإشراف فرنسي، بالاستعانة بعمال مصريين، بلغ عددهم أكثر من مليون عامل وبطريقة السخرة، وسط ظروف صعبة، ما أدى لوفاة أكثر من 100 ألف عامل، وانتهت أعمال القناة في عام 1869م، وتم الاتفاق على منح الامتياز لـ 100 عام للشركات الفرنسية، وتم افتتاحها في عهد الخديوي إسماعيل في احتفال صاخب في السابع عشر من نوفمبر 1869م.
وقد فقدت مصر منذ البداية أي حق لها في الأرباح الهائلة للقناة. فالامتيازات الأصلية التي منحت لشركة القناة، أي "الشركة العالمية لقناة السويس البحرية" كانت تكفل لمصر 44% من أسهم الشركة، ونسبة من صافي الأرباح قدرها 15% كما تضمنت الموافقة على إمكانية شراء مصر لكل أسهم الشركة بعد مضي 99 عاماً من افتتاح القناة. أما بقية أسهم الشركة فكان معظمها من نصيب "ديليسبس" وبعض المؤسسات المالية الفرنسية ومواطنين فرنسيين. وبعد مرور ست سنوات على افتتاح القناة، اضطر الخديوي "إسماعيل"، نتيجة لأعباء تمويل حصة مصر في تكاليف إنشاء القناة فضلاً عن إسرافه المفرط، إلى بذل محاولات يائسة للحصول على المال، فقرر بيع حصته في أسهم القناة، فسارعت بريطانيا، التي وجدت فرصتها أخيراً لبسط نفوذها على الممر المائي الحيوي، إلى تلقف الأسهم مقابل أربعة ملايين جنيه إسترليني.
ولكن وضع الخديوي "إسماعيل" المالي لم يتحسن بل ازداد سوءً. فديونه ومعظمها للقوى الأوربية، كانت ضخمة. وفي العام التالي أصبح "إسماعيل" مفلساً تماماً ووجد نفسه مضطراً لمنح بريطانيا وفرنسا حق المراقبة الثنائية على اقتصاد بلاده مقابل ما تم تقديمه من مساعدات. خلال 1880، سُدت السبل أمام الخديوي "توفيق"، الذي خلف "إسماعيل" والذي خلت خزانته من أي موارد مالية، مما اضطره لبيع حقه في نسبة الـ 15% من صافي الأرباح لمجموعة فرنسية مقابل 22 مليون فرنك فرنسي.
وقد استثيرت المشاعر الوطنية داخل مصر من جراء تسليم الخديوي لحقوق مصر في أرباح القناة والتفريط في السيادة الاقتصادية، وكانت شركة القناة قد أصبحت بالفعل مصدراً لازدراء المصريين، الذين أسموها بحق "دولة داخل الدولة"، بسبب سيطرة الأجانب على نشاطها وأساليبها التعسفية في العمل في استقلال كامل عن الحكومة المصرية. وبلغ الاستياء ذروته في عام 1881م عندما قاد "أحمد عرابي"، الضابط بالجيش المصري، تمرداً ضد الخديوي، وهو ما أدى إلى وقوع حدث مفاجئ تماماً، وهو السيطرة البريطانية على مصر.
ثانياً: ما قبل التأميم:
على مدار الفترة الزمنية الممتدة ما بين عامي 1882 و1956م، وهي فترة احتلال انجلترا لمصر، حولت إنجلترا قناة السويس إلى أداة حربية بريطانية، وقدمت شركة قناة السويس خدمات كبيرة وفعالة لها أثناء الحروب، فكان كل منشأتها، ومكاتبها وأجهزتها وورشها في بور فؤاد، تعمل ليل نهار طوال سنوات الحرب الستة لحساب بريطانيا وباقي دول الحلفاء، ولم يغفل المحور أهمية القناة وخطورتها، وأن بريطانيا وحلفائها لم يحترموا حرية الملاحة والمرور في القناة، لذا وجه المحور عدة هجمات جوية، وأصيبت القناة بالألغام سواء كانت من جانب الطائرات أو الغواصات الألمانية. كما تعرضت أيضاً مدن القناة "بورسعيد والإسماعيلية والسويس" للغارات، وقد ترتب على ذلك تدهور حركة الملاحة في القناة، واضطرت إنجلترا إلى استعمال طريق رأس الرجاء الصالح.
وفي عام 1910م، دفعت بريطانيا شركة قناة السويس، التي صارت تحت سيطرتها الكاملة، إلى المطالبة بمد عقد امتياز استغلال القناة لفترة أربعين سنة إضافية، لينتهي العقد في 2008م، بدلًا من 1968م، وكانت حجة الشركة في هذا الطلب: أنه لتبرير التكاليف التي ستتحمّلها الشركة في توسيع القناة وتعميقها، عارضةً على الحكومة المصرية أربعة ملايين من الجنيهات لإغرائها بالموافقة.
وخلال مراحل النضال الوطني المصري من أجل الاستقلال، قامت حركات التحرر الوطني في مصر بالمطالبة بجلاء الاحتلال الإنجليزي واستعادة قناة السويس المرتبطة عضويًّا بالاحتلال، خاصةً أنه قد ثبت طوال عقودٍ الدورُ الاستعماريُّ الذي كانت تلعبه الشركة في مصر، لذلك أصبحت القناة والاحتلال مرتبطين في الوجدان الوطني على مر السنين والعقود.
ثالثاً: أسباب تأميم قناة السويس:
بعد ثلاثة أشهر فقط من قيام ثورة 23 تموز (يوليو) 1952م، قرر مجلس قيادة الثورة ومن بعد رئيس الجمهورية جمال عبد الناصر إطلاق مشروع قومي يتمثل في بناء السد العالي وكان احتياج مصر لهذا المشروع كبيراً للغاية، وبحسب الإحصائيات حينذاك كان أكثر من 70 في المئة من بيوت مصر تعاني من الظلام ولم يصلها الكهرباء بالإضافة إلى احتياج مصر للطاقة الكهربائية وذلك لإنجاز المشروعات الاقتصادية كمشاريع مصانع الحديد والصلب وغيرها من المشروعات التي أرادت بها مصر أن تتحول من دولة زراعية إلى دولة صناعية.
ولم يكن احتياج مصر إلى بناء السد العالي مقتصراً على توليد الطاقة الكهربائية، وإنما كان لزيادة حجم الرقعة الزراعية أيضا مع تزايد أعداد المصريين إلى جانب إنقاذ محافظات مصر من موجات الفيضان التي كانت تهدم قرى بأكملها في موسم الفيضان.
ولكل تلك الأسباب وضعت مصر مشروع بناء السد العالي كمشروع قومي ذا أولوية بالغة، وكان المشروع من أكثر مشاريع "عبد الناصر" ومجلس قيادة الثورة طموحاً بوصفه هدفاً وطنياً، حيث يعتبر مشروع السد العالي عند أسوان أكبر مشروع يتم تنفيذه على النيل منذ أيام الفراعنة، ويعادل حجمه، وفقاً لتصميمه، حجم هرم خوفو الأكبر سبع عشرة مرة، وكان الهدف منه إطعام الشعب المصري فالسد سوف يضيف 2 مليون فدان من الأرض الزراعية الجديدة، بجانب التحكم في مياه الفيضان، وتوليد الطاقة الكهربية التي تكفي نصف استهلاك البلاد، وحاول الرئيس المصري عبد الناصر بناء السد العالي، بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والبنك الدولي.
وجرت المفاوضات بسرعة مصر والبنك الدولي والولايات المتحدة وبريطاني، وتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق مؤقت في 16 ديسمبر 1955، يتولى البنك الدولي، والولايات المتحدة، معاً تمويل سد مصر بتكلفة تقديرية تبلغ 1.3 مليار دولار، وسيقدم البنك 200 مليون دولار، و200 مليون دولار أخرى ستقدمها بريطانيا وأمريكا معاً، أما باقي المبلغ فستوفره مصر بالعملة المحلية.
وفي أثناء المفاوضات طلبت لندن وواشنطن من مصر أن تركز برنامجها التنموي على السد العالي، بتحويل ثلث دخلها القومي لمدة عشر سنوات لهذا الغرض، ووضع ضوابط للحد من زيادة التضخم، مع رفض قبول أي مساعدة من الكتلة الشرقية، وأخيراً ألا تقبل مصر قروضاً أخرى أو تعقد اتفاقيات في هذا الصدد دون موافقة البنك الدولي، وغضب عبدالناصر من هذه الشروط، واستحضر أزمة مصر المالية في عهد الخديوي إسماعيل حيث مرارة الإشراف المالي الأوروبي، وجاء "يوجين بلاك" رئيس البنك الدولي إلى القاهرة ليجري محادثات مع عبدالناصر ويقنعه بقبول مطالب واشنطن ولندن، وبعد مفاوضات وافق عبدالناصر فقط على أن يكون للبنك حقوق معقولة في تفقد الإجراءات التي كان من المقرر أن تتخذها مصر لمقاومة التضخم، وعقد اتفاقاً يقدم البنك بموجبه قرضاً قيمته 200 مليون دولار، يتوقف على التوصل لاتفاق آخر مع لندن وواشنطن حول شروط تقديم مساعدتهما، وتم الإعلان عن الاتفاق مع البنك في 8 شباط (فبراير) 1956م، وفي الوقت نفسه قدم "عبد الناصر" التعديلات التي يراها وفي مقدمتها تعهد بالتنفيذ حتى نهاية المشروع.
ومع بداية شهر مارس بدأ التحول واضحاً بعد إخفاق السياسة الغربية في تطويع "عبد الناصر"، ورأت لندن عدم تعاونه فيما يختص بتسوية النزاع العربي – "الإسرائيلي"، ومضى التهديد في حملات الصحافة البريطانية بوقف أي عون لمصر، لدرجة أن هناك من طالب ببناء سد في كينيا يمنع الماء عن مصر.
وأحس الرئيس عبد الناصر أنه أساء اختيار الغرب في تنفيذ المشروع، فأعلن في حديث له بجريدة الأهرام في 2 نيسان "أبريل" 1956م، أن العرض السوفيتي لتمويل المشروع مازال قائماً، وأن مصر ستنظر في أمر الموافقة عليه إذا انقطعت المفاوضات الخاصة بمساعدات الغرب، واقترحت لندن بعض الإجراءات للتضييق على مصر، فذكرت أن لديها نقصاً كبيراً في العملة الإسترلينية، ولما كانت تعتمد على الواردات البريطانية، فالنتيجة سوء الحالة الاقتصادية، أيضاً تخفيض المعونة الاقتصادية الأمريكية، كذلك العمل على خلق قلاقل لها في السودان، وأخيراً بذل قصارى الجهد لإجهاض الجهود السوفيتية وإبعاد مصر عن الكتلة الشرقية.
وفي الوقت نفسه، اتفق "جورج همفري" وزير المالية الأمريكي مع مساعد وزير الخارجية البريطاني على العمل من أجل سحب العرض الخاص بمشروع السد العالي، وبذلك توحدت السياسة الأنجلو أمريكية إزاء المشروع، وبذلك فقد الرئيس عبد الناصر الأمل في الحصول على المساعدة المالية لتمويل المشروع من الغرب، وأنه سيولي وجهه مرة أخرى شطر السوفيت.
رابعاً: فكرة تأميم قناة السويس:
لقد ظهر مبكراً اهتمام حكومة الثورة بقناة السويس، ففي أعقاب توقيع اتفاقية الجلاء، كُلفت إدارة التعبئة العامة بالقوات المسلحة بالعمل للحصول على البيانات اللازمة والمعلومات الكافية عن نشاط الشركة وإيراداتها، وفي الخطبة التي ألقاها الرئيس عبد الناصر في 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1954م، أشار إلى الفترة المتبقية من عمر الامتياز، وكيف ستكون فترة تحضير حتى يكون المصريون على أتم استعداد لإدارة القناة بعد تسلمها من الشركة، وقد أشار الرئيس اليوغسلافي "تيتو" أنه في اجتماعه مع الرئيس "عبد الناصر" في ذلك التوقيت، وبينما كانا على يخت في القناة، قال له "عبد الناصر": "بأنه مادامت مصر قد أصبحت مستقلة، فلن يسمح بإدارة أجنبية على أرض وطنه، وانه سيؤمم شركة القناة، وأنه فكر في تمصير القناة من قبل عامين ونصف.
وأثناء لقاء الرئيس عبد الناصر مع وزير الخارجية البريطاني "سلوين لويد" في أول مارس 1956م، تطرق الحديث إلى أهمية قناة السويس، وذكر" لويد" أن بريطانيا تعدها جزءاً من مجمع بترول الشرق الأوسط، فبين "عبد الناصر" أن الدول العربية تتقاضى 50 % من أرباح البترول، في حين لا تتقاضى مصر سوى 5% من أرباح القناة، وأن المفروض أن تعامل مصر معاملة الدول المنتجة للبترول.
وهكذا يتبين أن الرئيس عبد الناصر، قد عقد العزم على اتخاذ خطوة التأميم كجزء متمم لأسدال الستار على النفوذ الأجنبي الذي عانت مصر منه طويلاً، واعتبر الرئيس عبد الناصر أن تأميم شركة قناة السويس، سوف يحقق إمكانية تمويل السد العالي، كما أن التأميم يلبي حقاً مصرياً يراود أحلام المصريين وهو أيضاً يؤكد الاستقلال المصري الكامل بما فيه استقلال الإرادة السياسية، وتأميم القناة أيضاً سوف يكون رداً كاملاً على سياسة الغرب وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، وسوف يبين لهم أن مصر قادرة على الحركة، وأنها قادرة على تحمل المسئولية.
خامساً: قرار الرئيس جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس:
رداً على قرار الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا بإلغاء تمويل مشروع بناء السد العالي، اتخذ الرئيس عبد الناصر قراره بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية التي كانت تمتلك أسهمها شركات بريطانية وفرنسية، التي ظلت تحتكر امتياز القناة والسيطرة على مواردها منذ اتمام حفر القناة عام 1869م، بينما مصر صاحبة القناة الفعلية والشرعية لم يكن لها دور يذكر في الادارة، ولم تحصل الا على مبالغ ضئيلة من ايرادات القناة التي بلغت 34 مليوناً من الجنيهات الاسترلينية عام 1955م، وكانت حصة مصر مليوناً واحداً.
وفي 26 تموز (يوليو) 1956م، حيث وقف الرئيس عبد الناصر في ميدان المنشية في الإسكندرية أمام مؤتمر شعبي حاشد ليلقي خطابه التاريخي، تعرض لمفاوضات مصر مع البنك الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا حول تمويل السد العالي ثم شبه "يوجين بلاك" رئيس مجلس إدارة البنك الدولي بـ "فرديناند ديليسبس" الذي انتزع جزءاً من السيادة المصرية بالضغط والإغراء، ثم حرص على أن يكرر اسم "ديليسبس" في خطابه 13 مرة، حتى يتأكد أن المهندس "محمود يونس" وهو مسؤول عن هيئة البترول المصرية والرجل الذي تم اختياره لإدارة قناة السويس، تلقى الإشارة المتفق عليها وتحرك، والحقيقة أن "محمود يونس" بدأ تحركه من اللحظة التي سمع فيها اسم "ديليسبس" لأول مرة، وعندما تلي الرئيس عبد الناصر أثناء خطابه "قرار رئيس الجمهورية بتأميم الشركة العالمية لقناة السويس" كان "محمود يونس" قد سيطر على مبنى الشركة الرئيسي في الإسماعيلية، كما كانت المجموعات التي شكلها قد أمسكت بالمرفق الحساس كله وسط صدمة أصابت مديريها وموظفيها جميعاً.
سادساً: ردود الفعل على قرار التأميم:
مثلت القناة أهمية كبرى على الساحة الدولية، فقد ذكر رئيس مجلس إدارة شركة قناة السويس تعبيراً تردد كثيراً في خطابات "إيدن" إذ قال "القناة هي وريد الدورة الدموية للبترول في العالم"، وتعد بريطانيا من أكثر الدول انتفاعاً بالقناة، فثلث السفن المارة بها هي سفنها، وبلغ البترول الذي ينقل إليها 20 مليون طن عام 1955م، بالإضافة إلى تجارتها مع الشرق الأوسط التي مثلت 25% من حجم تجارتها، كل ذلك يتم عبر القناة، وبجوار الأهمية الاقتصادية، هناك الأهمية الاستراتيجية للقناة، فهي طريق بريطانيا لدول الكومنولث ويمر بالقناة ستون ألف جندي بريطاني. أيضا كانت بريطانيا صاحبة أكبر حصة في القناة بما تملكه من أسهم إذ بلغت 44% من إجمالي الأسهم، من أجل ذلك كانت لندن تخشى على القناة من عبد الناصر.
وقوبل قرار تأميم شركة قناة السويس بفرحة كبرى عمت مصر والوطن العربي، وامتدت تأثيراتها إلى بعيد في آسيا وأمريكا اللاتينية.
ولكن القرار لم يعجب الغرب وثارت ثائرة الدول الاستعمارية وفى 27 تموز (يوليو) 1956م، أعلنت بريطانيا وفرنسا أنهما ترفضان الاعتراف بقرار التأميم، وأنهما سيتخذان التدابير اللازمة لسلامة رعاياهما واحترام مصالحهما، كما قامت إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة أيضاً بتجميد كل ما لمصر لديهم من أرصدة، وفشلت كل المحاولات الدولية التي بذلت لاحتواء قرار التأميم أو التراجع عنه، وكان واضحاً أن مصر لن تتراجع عن حقها في التأميم، أو أي تغيير في ممارستها لسيادتها على القناة والملاحة فيها، الأمر الذي اعتبرته دول العالم الغربي بمثابة تحد صارخ لها، وسيما كل من بريطانيا وفرنسا اللتين أدانتا قرار التأميم وأصرتا على استعادة شركة قناة السويس بإدارتها الأوروبية لدورها في إدارة القناة والملاحة بها احتجاجا بما نصت عليه اتفاقية القسطنطينية التي أبرمت عام 1888م، بمعرفة الباب العالي التركي نيابة عن مصر والتي نصت على ضمان حرية الملاحة الدولية بالقناة.
وكذلك كان الرئيس عبد الناصر ينتظر باهتمام رد فعل الاتحاد السوفيتي، الذي تأخر ثمانية وأربعين ساعة. واجتمعت القيادة السوفيتية عدة مرات قبل أن تصدر بياناً هادئاً يقول: "إن القناة ملك لمصر وإن تأميمها إجراء قانوني عادي لصالح اقتصاد مصر".
سابعاً: نص قرار رئيس الجمهورية‏:
باسم الأمة‏..‏ باسم الأمة
رئيس الجمهورية‏..
مادة‏ 1:‏ تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية شركة مساهمة مصرية‏،‏ وينتقل الي الدولة جميع ما لها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات‏,‏ وتحل جميع الهيئات واللجان القائمة حاليا علي ادارتها‏،‏ ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكونه من أسهم وحصص بقيمتها‏، مقدرة بحسب سعر الاقفال السابق علي تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية بباريس‏، ويتم دفع هذا التعويض بعد اتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة‏.‏
مادة‏ 2:‏ يتولي إدارة مرفق المرور بقناة السويس مرفق عام ملك للدولة‏..‏ يتولي إدارة مرفق المرور بقناة السويس هيئة مستقلة تكون لها الشخصية الاعتبارية‏,‏ وتلحق بوزارة التجارة‏,‏ ويصدر بتشكيل هذه الهيئة قرار من رئيس الجمهورية‏,‏ ويكون لها ـ في سبيل إدارة المرفق ـ جميع السلطات اللازمة لهذا الغرض، دون التقيد بالنظم والأوضاع الحكومية‏.، ومع عدم الإخلال برقابة ديوان المحاسبة علي الحساب الختامي‏,‏ يكون للهيئة ميزانية مستقلة‏,‏ يتبع في وضعها القواعد المعمول بها في المشروعات التجارية‏,‏ وتبدأ السنة المالية في أول يوليو وتنتهي في آخر يونيو من كل عام‏,‏ وتعتمد الميزانية والحساب الختامي بقرار من رئيس الجمهورية‏,‏ وتبدأ السنة المالية الأولي من تاريخ العمل بهذا القانون وتنتهي في آخر يونيو سنة‏1957,‏ ويجوز للهيئة ان تندب من بين اعضائها واحدا أو أكثر لتنفيذ قراراتها أو للقيام بما تعهد اليه من أعمال،‏ كما يجوز لها ان تؤلف من بين أعضائها أو من غيرهم لجانا فنية‏,‏ للاستعانة بها في البحوث والدراسات‏..‏ يمثل الهيئة رئيسها أمام الهيئات القضائية والحكومية وغيرها‏,‏ وينوب عنها في معاملتها مع الغير‏.‏
مادة‏ 3:‏ تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها في جمهورية مصر وفي الخارج‏، ويحظر علي البنوك والهيئات والأفراد التصرف في تلك الأموال بأي وجه من الوجوه‏,‏ أو صرف أي مبالغ أو أداء أية متطلبات أو مستحقات عليها إلا بقرار من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية‏.‏
مادة ‏4:‏ تحتفظ الهيئة بجميع موظفي الشركة المؤممة ومستخدميها وعمالها الحاليين‏,‏ وعليهم الاستمرار في أداء أعمالهم‏,‏ ولايجوز لأي منهم ترك عمله أو التخلي عنه بأي وجه من الوجوه،‏ أو لأي سبب من الأسباب‏,‏ إلا بإذن من الهيئة المنصوص عليها في المادة الثانية‏.‏
مادة‏ 5:‏ كل مخالفة لأحكام المادة الثالثة يعاقب مرتكبها بالسجن والغرامة توازي ثلاثة أمثال قيمة المال موضوع المخالفة‏,‏ وكل مخالفة لأحكام المادة الرابعة يعاقب مرتكبها بالسجن‏،‏ فضلا عن حرمانه من أي حق في المكافأة أو المعاش أو التعويض‏.‏
مادة ‏6:‏ ينشر هذا القرار في الجريدة الرسمية،‏ ويكون له قوة القانون‏،‏ ويعمل به من تاريخ نشره‏،‏ ولوزير التجارة اصدار القرارات اللازمة لتنفيذه‏.
سياسة انقلاب على عبد الناصر، فحين تكون سياسة عبد الناصر هي انشاء القطاع العام، تكون سياسة من بعده هي بيع القطاع العام، وحين تكون سياسة عبد الناصر تحرير الاقتصاد المصري من الهيمنة الأجنبية، تكون سياسة من بعده هي دعوة المستثمرين الأجانب لشراء الاقتصاد المصري (القطاع العام)،



#سعيد_جميل_تمراز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مائة عام على معركة ميسلون (24 تموز/يوليو 1920 - 24 تموز/يولي ...
- الذكرى الثامنة والستون لقيام ثورة 23 تموز (يوليو) 1952م.
- ثلاثة وأربعون عاماً على استشهاد المعلم القائد كمال جنبلاط زع ...
- في ذكرى مقتل الناشطة الأمريكية -ريتشيل كورى-، 16 آذار (مارس) ...
- اثنان وأربعون عاما على العدوان الإسرائيلي على جنوب لبنان
- انتفاضة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة ضد التوطين
- الانتفاضة الفلسطينية الأولى: الأسباب - المسار – النتائج (198 ...
- القدس في المفاوضات العربية الإسرائيلية : الواقع واحتمالات ال ...
- سياسة الفصل -الإسرائيلية-، وأثرها على مستقبل إقامة دولة فلسط ...
- أثر المفاوضات الفلسطينية – -الإسرائيلية- على الوحدة الوطنية ...
- دور مؤسسة إحياء التراث والبحوث الإسلامية بالقدس في حفظ وتوثي ...
- طرد الفلسطينيين في الفكر والممارسة الصهيونية 1882 - 1949


المزيد.....




- مشهد صادم.. رجل يتجول أمام منزل ويوجه المسدس نحو كاميرا البا ...
- داخلية الكويت تعلن ضبط سوداني متهم بالقتل العمد خلال أقل من ...
- مدمن مخدرات يشكو للشرطة غش تاجر مخدرات في الكويت
- صابرين جودة.. إنقاذ الرضيعة الغزية من رحم أمها التي قتلت بال ...
- هل اقتصر تعطيل إسرائيل لنظام تحديد المواقع على -تحييد التهدي ...
- بعد تقارير عن عزم الدوحة ترحيلهم.. الخارجية القطرية: -لا يوج ...
- دوروف يعلّق على حذف -تليغرام- من متجر App Store في الصين
- أبو عبيدة: رد إيران بحجمه وطبيعته أربك حسابات إسرائيل
- الرئاسة الأوكرانية تتحدث عن اندلاع حرب عالمية ثالثة وتحدد أط ...
- حدث مذهل والثالث من نوعه في تاريخ البشرية.. اندماج كائنين في ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سعيد جميل تمراز - أربعة وستون عاماً على تأميم قناة السويس 26 تموز (يوليو) 1956م