أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حسن مدن - قسمة ضيزى















المزيد.....

قسمة ضيزى


حسن مدن

الحوار المتمدن-العدد: 6673 - 2020 / 9 / 10 - 23:53
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


"السؤدد للفرد” – هكذا يعنون كاتبان أمريكيان الفصل الأخير من كتاب لهما عما يدعوانه "الاتجاهات الكبرى"، يبشران فيه، ، بعصر الفرد وزوال الجماعة في عالم يصبح فيه الأفراد أكثر أهمية وأكثر قوة، خاصة أن التقنيات الجديدة قد قلبت المقاييس، ووسعت إلى أقصى الحدود، من دور التقنية الالكترونية، الحاسبات الآلية والهواتف النقالة وسواها. الجدال مع ما يذهب إليه المؤلفان غير مجد، لأنهما يقرران حقيقة واقعة، خاصة حين نعلم أن الفرد قد تعرّض وعلى مدى قرون للسحق والتهميش ومصادرة الحقوق، واستوعب ضمن شبكة معقدة من العلاقات والأنظمة التي غيبت شخصه، ولهذا السبب يمكن فهم الاتجاهات التي تدعو لرد الاعتبار للفرد.
غير أن الأمور ليست بهذا القدر من الأخلاقية التي تبدو عليها لأول وهلة، ولا بهذا القدر من البراءة التي تبدو في ظاهرها، فمثل هذه الأطروحات ما كانت ستلقى هذا القدر من الترويج لولا أن التقنية الحديثة توجد بالفعل مناخا ينكفئ فيه الفرد على نفسه حينما لم يعد مضطراً، كما كان في السابق، لأن يندغم في شبكة الجماعة، في الماضي كان الإنسان يذهب إلى العالم، أما الآن فإن العالم يأتي إليه من خلال التلفزيون وقنواته الفضائية ومن خلال شبكة الانترنت، وحتى قبل أن تنتشر جائحة "كورونا" كانت الكثير من الاقتصادات العملاقة في العالم قد بدأت في التحول إلى ما يسمى العمل المنزلي أو العمل من المنزل، حين أصبح بإمكان أي تقني أن ينجز عمله وهو في منزله دون حاجته للذهاب لمقر شركته، بل إن هذا المكتب نفسه قد يصبح مقرا للشركة الصغيرة.
بالنسبة للكثير من المبدعين والعاملين في الثقافة تبدو هذه التحولات باعثا على قلق مشروع . حين يدور السؤال عن أن العالم أصبح تقانيا، جامدا، جافا على حساب العالم الروحي للإنسان السائر نحو المزيد من النضوب وفقر الدم، فضلا عن تلاشي “المناسبة الجماعية” كفرصة اللقاء والتحاور والتفاعل، فما الحاجة لحضور محاضرة عن الفلسفة أو الاقتصاد أو الفن التشكيلي، إذا كان التلفزيون يؤمن مثل هذه الخدمة، أو أن الاشتراك في خدمة “الانترنت” يؤمن الحصول على آخر واحدث المعلومات في الحقل المطلوب؟، وهذه كلها أجهزة مصممة للفرد الواحد، الذي يستطيع التعامل معها بمفرده دونما حاجة لمساعدة احد.
وفي هذا النطاق لا يمكن عدم ملاحظة جهود تهميش الثقافة، بما هي مغزى إنساني عميق يجسده الميراث البشري الثري منذ الحضارات القديمة في بابل ومصر والصين والهند واليونان، فالحضارة العربية الإسلامية وعصر التنوير الأوروبي وما تلاه من نهضة. هذا التهميش الذي يتم لحساب عالم منمط سطحي واستهلاكي، وتقديم التقانة كبديل للجمال الذي أبدعه الإنسان: اللوحات الخالدة والتماثيل والروائع الموسيقية والملاحم والروايات والأشعار.
هذا التهميش للثقافة لا ينحصر في النطاقات الوطنية، إنما هو ظاهرة كونية يمليها التقسيم الدولي للعمل، الذي يهمش الجزء الأكبر من العالم لصالح ثراء نخب محدودة تتمركز في بلدان المركز الاقتصادي العالمي في الغرب. ذات مرة احتسب رجل أعمال انجليزي سعر الإنسان الفرنسي فوجد انه يساوي سعر 47 إنسانا فيتناميا. إن بدا هذا النوع من الحساب مستفزا، فعلينا شرحه أولا قبل الإقرار به، فالقصد هو أن كلفة العامل آو الموظف الفرنسي تعادل كلفة 47 من نظرائه في الصين، ووفق هذا الحساب أيضا فان سعر العامل الميكانيكي الأمريكي يساوي سعر 60 عاملا ميكانيكيا صينيا.
للمزيد من الشرح يمكن الاستشهاد بأقوال مستشار اقتصادي أمريكي، يدعى وردني جونز مفادها أن إنسانا ابيض في بريطانيا مثلا يجب أن يحصل على دخل 15 دولارا في الساعة مقابل 3 دولارات للإنسان الآسيوي، مع انه يفترض انه لا توجد فروقات جوهرية بين مهارات الاثنين، فضلا عن أن طبيعة العمل التي يؤديانها واحدة.
المسالة ليست محصورة في التفاوت بين مرتبات العمال في الشرق والغرب ، ذلك أن تمايزا مشابها يوجد داخل أوروبا نفسها، ففي حين يحصل العامل الألماني الماهر على اجر يساوي 24 دولارا في الساعة، يحصل نظيره في بلد من بلدان أوروبا الشرقية، هنغاريا مثلا أو التشيك على دولارين أو ثلاثة في الساعة.
هذه وسواها من معطيات وردت في دراسة وضعها الباحث بدري يونس في معرض التدليل على الفوارق الصارخة في مستويات المعيشة لا بين الشرق والغرب فحسب، وهي الفوارق محط الدراسة عن غياب العدالة في النظام الاقتصادي العالمي السائد، حيث تبلغ الفروقات مبلغا مفزعا، وإنما أيضا بين أوروبا الرأسمالية، وأوروبا التي كانت اشتراكية وانخرطت في اقتصاد السوق متبعة الآليات الرأسمالية ذاتها، لكنها وجدت نفسها عرضة للتمييز الذي يمارسه العالم المتقدم عليها، فالفوارق لم تعد أمرا داخليا منحصرا في المجتمعات المنفردة بين أغنياء وفقراء، وإنما غدت أيضا مظهرا من مظاهر التناقض بين دول غنية وأخرى فقيرة، وكما يمارس الأغنياء استغلالهم لقوة العمل الفقيرة في بلدانهم جرياً وراء المزيد من الأرباح، فإن الدول الغنية تمارس استغلالاً مشابهاً للدول الأفقر منها.
جدل كبير يدور حول العولمة من مناحٍ ثقافية وفكرية وسياسية، كأن مركز الثقل في النقاش انتقل إلى ما يوصف بالبنية الفوقية المتصلة بالفكر والثقافة، وليس في ذلك غضاضة، لكن العولمة تبقى في جوهرها الرئيس عملية اقتصادية بامتياز، تتصل بانسيابية رأس المال وانفتاح الأسواق على بعضها بصورة غير مسبوقة، والعولمة، في هذا، لم تبدل الطابع الاستغلالي للرأسمال، الذي غالبا ما يكون أعمى حيال المآسي التي يخلفها حين يتصل الأمر بمصالحه وأرباحه، وصفة العمى هنا تأتي على سبيل المجاز ليس إلا، فالإفقار المتعمد لطبقات اجتماعية واسعة تشكل الغالبية في المجتمعات.
منذ أكثر من نصف قرن كتب فرانز فانون كتابه الشهير: "معذبو الأرض". وخصص فيه فصلا مهما لما ندعوه بالثقافة القومية أو الوطنية. كان الرجل الذي تجري العودة إليه باهتمام كبير في العقود الأخيرة بعد كثير أو قليل من النسيان يحلل العلاقة المعقدة من أوجهها المختلفة بين الاستعمار والشعوب التي استعمرها. اليوم أيضا تظل العودة إلى فانون ضرورية، لأن هناك من يريد شطب الثقافات الوطنية والقومية على مدار القارات المختلفة بما تختزنه من ثراء وخصوبة وتنوع لا متناه، إمعانا منه في التماهي مع ما بتنا نعرفه بالعولمة الثقافية، التي لا تقدم للأسف سوى نموذج واحد. ومهما كان رأي المعجبين به فانه يظل نموذجا فقيرا وشاحبا بالقياس لذلك الكم الهائل من النماذج التي تدبّ فيها دماء الحياة في مناطق الكوكب المختلفة ، ويريدون قطع شرايينها كي تموت .
إن المسألة أبعد ما تكون عن حيز التعصبات القومية والعرقية، وإنما تتصل بالسياقات التاريخية والمصائر المختلفة للأمم والشعوب، والتي تعطي تعبيرات ثقافية وفنية وإبداعية متنوعة، ولا نقول متناقضة . في حينه لاحظ فانون أن الزنوج الموجودين في الولايات المتحدة وفي أمريكا الوسطى وأمريكا اللاتينية كانوا في حاجة إلى أن يتشبثوا بإطار ثقافي . وكانت المشكلة المطروحة عليهم لا تختلف اختلافا عميقا عن المشكلة التي يواجهها الإفريقيون في القارة الأم التي أتى منها أسلافهم، أي أفريقيا . فان سلوك بيض أمريكا إزاءهم لا يختلف عن سلوك البيض المسيطرين على إفريقيا إزاء الإفريقيين، لكن ليس كافيا أن تحصر المهمة في أن نبين للأوروبيين المتبجحين النرجسيين أن هناك ثقافات أخرى في هذا العالم، رغم أن هذا الموقف يبدو طبيعيا ويستمد مشروعيته من الأكاذيب التي أشاعها رجال الثقافة الغربيون ، لكن اتضح إن الظروف الخاصة بالزنوج في أمريكا قد فرضت سياقا ثقافيا آخر مختلفا عن ذاك السياق الموجود في البلدان الأفريقية ، بالطريقة التي تجعل من المتعذر الحديث عن ثقافة “زنجية” خالصة، بصرف النظر عن البلد الذي يعيش فيه المثقفون ذوو الأصول الإفريقية .
إن مجمل النهج الكولونيالي في العلاقة مع الشأن الثقافي في البلدان التي استعمرها الأوروبيون يشير إلى انه ما من شيء تمّ مصادفة، حيث أدت المشكلة الثقافية في هذه البلدان إلى التباسات خطيرة. إن اتهام الاستعمار للزنوج بأنه لا ثقافة لهم وللعرب بأنهم متخلفون، قد أديا منطقيا إلى إثارة ردود فعل منطقية ومشروعة في التمسك بعناصر الهوية التاريخية ، حتى لو بدت في بعض صورها تحمل طابع الردة الرجعية.
سيعيد الغرب، في نسخته الأمريكية هذه المرة، الأمر ذاته، كأن الليلة تشبه البارحة، فغزو بلد عريق في ثقافته وحضارته مثل العراق، قُدّم للعالم على انه انتشال لشعبه من نظام ديكتاتوري دموي، وأن الغزو سيفتح أمام هذا الشعب آفاق الديمقراطية. وأول ما فعلته القوات الغازية لحظة دخولها بغداد هو تأمين الحماية للصوص والرعاع وتجار الآثار لسرقة كنوز المتحف الوطني العراقي في مظهر من مظاهر “التحضر” التي حرص الغزاة على القول بأنهم أتوا لإدخالها وانتشال الناس من الظلام ، هذا قبل أن يدفعوا بالبلد كلها نحو الخراب الذين لن تفلح عقود طويلة للتخلص من آثاره.



#حسن_مدن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المشي الحر
- غواية الشحرور الأبيض
- ذبابة سقراط
- ما القضية التي تشغلنا
- في قلوب الناس باقٍ - الفنان سلمان زيمان: أشعل ذاكرة لن تنطفى ...
- الأطباء الحفاة
- «كورونا » يكشف عاهات العالم
- محنة المثقف
- سمير أمين
- فيلتسيا لانغر.. وداعاً
- هكذا تكلّم أحمد سند في الأول من مايو
- معاقبة موسكو أم ترامب؟
- بين البحرين وتونس
- الروس والعرب
- إرهاب عابر للقارات
- ترامب الأوروبي
- المهم وغير المهم
- المرأة الحديدية
- سعيد العويناتي .. رجل ضد النسيان
- مقدمة كتاب علي دويغر


المزيد.....




- فيديو رائع يرصد ثوران بركان أمام الشفق القطبي في آيسلندا
- ما هو ترتيب الدول العربية الأكثر والأقل أمانًا للنساء؟
- بالأسماء.. 13 أميرا عن مناطق السعودية يلتقون محمد بن سلمان
- طائرة إماراتية تتعرض لحادث في مطار موسكو (صور)
- وكالة: صور تكشف بناء مهبط طائرات في سقطرى اليمنية وبجانبه عب ...
- لحظة فقدان التحكم بسفينة شحن واصطدامها بالجسر الذي انهار في ...
- لليوم الرابع على التوالي..مظاهرة حاشدة بالقرب من السفارة الإ ...
- تونس ـ -حملة قمع لتفكيك القوى المضادة- تمهيدا للانتخابات
- موسكو: نشاط -الناتو- في شرق أوروبا موجه نحو الصدام مع روسيا ...
- معارض تركي يهدد الحكومة بفضيحة إن استمرت في التجارة مع إسرائ ...


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حسن مدن - قسمة ضيزى