أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - إنتحار المغربية الملحدة نعيمة البزاز













المزيد.....

إنتحار المغربية الملحدة نعيمة البزاز


احمد القاضي

الحوار المتمدن-العدد: 6664 - 2020 / 9 / 1 - 12:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(لا تخافوا استمروا في الكلام ولا تصمتوا)
نعيمة البزاز في آخر تغريدة لها


((إنتحار المغربية الملحدة نعيمة البزاز))……إنتشرت هذه العبارة إنتشار النار في الهشيم، منذ الثامن من أغسطس 2020 م، في عدد كبير من وسائل التواصل الإجتماعي، يقوم عليه ناشطون إسلامييون، وأيضآ في الصحف الورقية، بالعديد من الدول الناطقة بالعربية.…ولم تكن المسألة مجرد تداول، خبر رحيل كاتبة شجاعة، تحدت كل السائد في ظلام المجتمعات الإسلامية، وجاهرت بإلحادها وآرائها ، وأصدرت مؤلفاتها التي حملت فيها على رجال الدين، الذين أقلقتهم بأفكارها وأقضت مضاجعهم، ومنعتهم من طيب المنام بروايتها (رجال الدين اللّحايا)، حتى حرضوا على قتلها، بل أن تناول خبر إنتحارها، من قبل تلك المنصات الإسلامية، جاء في شكل سيل جارف، من حملة كراهية إتسمت، بكثير من البغض والشماتة، والوحشية والقسوة والإفتقار لأدنى قدر، من الإحساس والإنسانية.
وحملة البغضاء والشماتة والكراهية، التي إنصبت على الراحلة نعيمة البزاز، بالرغم من أنها إنطلقت من فجاج إسلامية شتى، محمولة على منصات مختلفة، إلا أنها تبدو وكأنها كلها مكتوبة، على طريقة "الإسكربيت"، الموحّد، الذي يلتزم به المذيعون والممثلون....كتب محمد الشنقيطي، أستاذ في قسم الأخلاق السياسية وتاريخ الأديان في جامعة حمد بن خليفة بدولة قطر، على صفحته بفيس بوك :[ تمرد على الإسلام، ويصبح ملحدا وإباحيا، فيحوله إعلام الغرب بطلاً ووقوداً لحرب القيم والأفكار ضد المسلمين** ويعيش المتمرد في حواضر الغرب، فيذبل بريقه الزائف، ويتحول تافها بين ملايين التافهين العدميين. ثم ينتحر كمداً “بعد صراع طويل مع الإسلام]....وكتب الشيخ الأزهري عبد الله رشدي، على صفحته بفيس بوك شامتآ:( انتحرت الكاتبة الملحدة ‫نعيمة البزاز بعد أن ذاقت الحريات المزعومة، ودافعت عن الأمور التي تعتقد أنها حقوق الإنسان. ‏الإلحاد سرطان يضادُّ العقل.. أحزن لمثل هذه المواقف وأتمنى الخير لكل ملحد وأشعر في قلبي باحتراق عليه.)....وفي كندا كتب كاتب، في صحيفة محلية ورقية، تسمى "الأهرام الجديد" العدد (324) عن الموت الزؤام إنتحارآ، الذي ينتظر كل ملحد [ليس من حق أحد أن يفرض وصايته على خلق الله، ولكن هذا لا يمنعنى من أن أسألك عن سر الوتيرة المتسارعة فى معدلات انتحار الملحدين الذين قضوا حياتهم فى إنكار وجود الله وناضلوا فى سبيل هذه الفكرة نضالاً عظيمًا، وارتقوا من ورائها إلى منصات التتويج فى البلاد الكارهة للإسلام بالسليقة، وحصلوا على أرفع الجوائز. الكاتبة الهولندية "نعيمة البزاز" التى انتحرت منذ ساعات قليلة ليستْ الملحدة الوحيدة التى تقتل نفسها، فقد سبقها ملحدون وملحدات، وسوف يلحق بها ملحدون وملحدات، والقائمة طويلة جدًا لمن أراد استبيانًا وتأكيدًا. فى الوقت الذى يتباهى فيه الملحدون بأنهم أكثر حرية من أولئك المتدينين، ويعيبون عليهم التزامهم بثوابت دينية وأخلاقية واجتماعية وإنسانية، فإنَّ الإحصائيات والدراسات تؤكد أنهم أكثرُ يأسًا وإحباطًا واكتئابًا من غيرهم، وأنَّ كثيرًا منهم يُنهى حياته انتحارًا على طريقة “نعيمة البزار” صاحبة روايتى: "فى خدمة الشيطان" و "عشاق الشيطان".].....وكتب ناشط على صفحته بالفيس بوك (بعد انتحار الملحدة المصرية سارة حجازى فى كندا، انتحار الكاتبة المغربية الملحدة نعيمة البزاز فى هولندا بعد حياة كرستها لمعاداة الإسلام ونشر الفجور، أين السعادة التى وعدتم بها الشباب لو تركوا الدين؟ ولماذا تنتحرون وأنتم فى بلاد الحريات تفعلون ما تشاءون فلا دين يمنعكم ولا قيود تحجزكم)....وعلى صفحتها بتويتر كتبت من تسمي نفسها بـــ(ياقوتة الشام) :[إنتحار الملحدة المغربية نعيمة البزاز بعد صراع طويل مع الاسلام. كان كل همها الطعن في الدين وسب المسلمين ،والترويج للحرية الجنسية في كتاباتها، ثم دخلت في حالة إكتئاب ثم الإنتحار. فذهبت كمن ذهب غيرها و بقي الاسلام.]...وغرد أحدهم بتويتر :( هذا من مطالب الحرية والمساواة هذا الحرية التي تطالب فيها جمعيات حقوق المرأة الابتعاد عن الدين والأخلاق اكيد المرأة حقوقها مصانة بالدين والإسلام أعطى المرأة كافة الحقوق لكن الحرية المطلوبة هي الرذيلة والفجور لاحول ولا قوة الا بالله اللهم احفظ بناتنا.).
وهذا يسير من كثير غثاء كتب عن الكاتبة نعيمة البزاز، فلم يشفع لها حقيقة كونها متزوجة، كانت تعيش في عائلة تشمل زوجها وإبنتيها، وأسرة ممتدة على رأسها والديها اللّذين هاجرا من مكناس إلى هولندا وهي طفلة في الرابعة، فنشروا الأضاليل عن حياتها، وإتهموها بنشر الفسوق والإباحية، التي أفضت إلى الخواء والضياع وبالتالي إلى الإنتحار، حسب مزاعمهم الشريرة...وهكذا بجرة قلم ويا للعبقرية إكتشفوا مكمن الداء الذي أودى بها إلى الفناء......وكانت الملحدة المصرية سارة حجازي، قد تعرضت لنفس المفرمة الإسلامية، إثر إنتحارها في كندا، التي هاجرت إليها بعد تعرضها للسجن والتحرش الجنسي المنظم فيه من قبل ضباط السجن، حسبما أفضت به للميديا...وقد ترك ما لاقته في السجن، ندوبآ لا تبرأ في نفسها.
يقول الفيلسوف أرسطو، أن الإنسان حيوان ناطق، وعلى ذات النسق نستطيع أن نقول، أن المسلم حيوان ديني بإمتياز، فعلى خلاف شعوب الأرض كلها، لا يستطيع التفكير خارج الصندوق الديني.....فالدين يسمم حياته كلها، فيتحرى التفسير لكل الظواهر الكونية والإجتماعية، في كتابه المقدس، دون أن يبرح سريره، من سقوط النيازك والزلازل والفيضانات والكرونا والثقب الأسود، إلى آلآم المفاصل وأوجاع الضرس، لأن قرآنه يقول له لا تتعب عقلك، فكل شئ مذكور بين دفتي المصحف {وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ.} 59 سورة الأنعام {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}89 سورة النحل {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} 38 سورة الأنعام،....والمفارقة أن هذا الدين، الذي يزعم أنه يمتلك، التفسير لكل الظواهر الكونية، عاجز تمامآ عن أن ينير مدارك أتباعه، إلى حقيقة أن الإنتحار ظاهرة وجودية، وليس ظاهرة بشرية فحسب، وأنه ليس وقفآ على الملحدات والملحدين، بل أن أقدم المنتحرين في العصور السحيقة، الذين وصلت إلينا أخبارهم، هم الأنبياء والمرسلين.
يتمنى الإسلاميون لو أن الأرض تنخسف، بمروية البخاري عن إقدام محمد بن عبد الله نبي المسلمين، إلى محاولة الإنتحار أكثر من مرة، وذهابه إلى جبل حراء مرة، وشواهق جبال ثبير المكية مرة أخرى، ليتردى منها وينهي حياته، ولكن جبريل كان يتبدى له في اللحظات الأخيرة، ويقول له ليمنعه من المضي في الإنتحار:{ يا محمد ، أنت رسول الله حقا ، وأنا جبريل}....ويبدو أن محمدآ قد أصيب بحالة من الإكتئاب، الذي يصيب المنتحرين عادة، فالإكتئاب الذي هو ناتج إضطرابات نفسية، يؤدي إلى شعور المصاب باليأس، وأنه بلا قيمة ولا جدوى، وهذا ما شعر به محمد بسبب فتور الوحي، لمدة عامين بعد وفاة إبن عم زوجته خديجة، القسيس النصراني ورقة بن نوفل، الذي بوفاته فقد محمد المصدر، الذي كان يمده في أول أمره، بالقصص التوراتية والتعاليم اللاهوتية، التي إعتمد عليها محمد في صياغة قرآنه المكي.....فلماذا جبن محمد وتراجع عن الإنتحار؟ تقول دراسات نفسية أن لحظة تردد، تنتاب المقدم على الإنتحار عند التنفيذ، فإذا جاء من يحول بينه وبين الإنتحار فانه لا يقاوم، ويبدو أن الهلوسة السمعية، التي كان يعاني منها محمد، هي التي أنقذته، حيث سمع صوت جبريل، وهو يقف على قمة الجبل، يشجعه ويمده بالطاقة الإيجابية ......يقول سيجموند فرويد أن غريزتي الحياة والموت، هما أقوى غريزتين في الإنسان منذ خروجه للدنيا، ويصطرعان فيه إلى آخر لحظة في حياته، وقد تنتج غريزة الموت، إذا سيطرت رغبات إنتحارية، ومازوكية وتدميرية وعدوانية، مثل الذي حدث لمحمد، فبالإضافة إلى محاولة الإنتحار، فإن الدوافع التدميرية قد تجلت بوضوح، في تصاويره الأدبية القرآنية، كتصاوير دمار الكون الذي سيتطاير كالعهن المنفوش يوم القيامة، وعذاب القبر المفزع بضمة القبر وثعبانه الأقرع، والنارالتي تشوي الجلد ويعود الجلد حيآ لتتكرر جولات الشواء اللانهائية، والنساء الزانيات المعلقات من شعورهن وأثدائهن.....ثم تمددت عدوانيته لتنتقل إلى الصعيد العملي، بغزو القبائل العربية وسبي نسائها ونهب أموالها، وإستئثاره بعد ذلك بخمس الغنائم، بطريقة ماكرة ملتوية حيث ألف آية تزعم، أنه لله ورسوله حتى لا تثور النفوس....فسيطرة غريزة الموت وعوارضها العدوانية على محمد، جلية واضحة في إحتقاره الشديد للحياة، وتثمينه للغزوات والموت و"الشهداء"، الذين زعم أنهم لا يموتون {وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ أَمْوَٰتًۢا ۚ بَلْ أَحْيَآءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} في جنته المتخيلة.
وقبل ميلاد محمد بمئات السنين، هناك أنبياء في بني إسرائيل، سبقوا محمدآ، في اليأس وفقدان الأمل والشعور بقلة قيمتهم، فطلبوا من ربهم يهوه أن يقتلهم ويريحهم....وأولهم موسى الذي ثار عليه قومه في برية سيناء، وزمجروا قائلين : سئمنا من أكل المنّ نريد اللحم، لماذا جئت بنا إلى هنا من مصر، حيث كنا نأكل اللحم والسمك، والقثاء والبصل والكراث...فخاطب موسى ربه سائلآ، وهو في يأس وإحباط، عن السبب الذي يجعله، يكل إليه أمر هذا الشعب، ويتضرع إليه أن يقتله ليرتاح من مصيبته، إن كان يحظى بتقدير لديه:[ مِنْ أَيْنَ لِي لَحْمٌ حَتَّى أُعْطِيَ جَمِيعَ هذَا الشَّعْبِ؟ لأَنَّهُمْ يَبْكُونَ عَلَيَّ قَائِلِينَ: أَعْطِنَا لَحْمًا لِنَأْكُلَ. لاَ أَقْدِرُ أَنَا وَحْدِي أَنْ أَحْمِلَ جَمِيعَ هذَا الشَّعْبِ لأَنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَيَّ. فَإِنْ كُنْتَ تَفْعَلُ بِي هكَذَا، فَاقْتُلْنِي قَتْلًا إِنْ وَجَدْتُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ، فَلاَ أَرَى بَلِيَّتِي] (سفر العدد 11: 10-15)......ومن أنبياء بني إسرائيل، الذين شعروا بالهزيمة واليأس، فسألوا ربهم الموت، النبي إيليا الذي ورد ذكره في سفر الملوك الأّول 19 4 ، حيث جلس تحت شجرة رتم وقال :{ قَدْ كَفَى الآنَ يَا رَبُّ. خُذْ نَفْسِي لأَنِّي لَسْتُ خَيْرًا مِنْ آبَائِي} وقد ورد ذكر إيليا، في القرآن بإسم إلياس...وهناك النبي يونان، المذكور في القرآن بإسم يونس، والذي طلب الموت من ربه، حيث دعا :(مَوْتِي خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِي) بعد أن عاقبه الله بريح حارة أذبلت رأسه، عقابآ له على نواياه السيئة، تجاه أهل مدينة نينوى...وحتى النبي الذي يضرب به المسلمون المثل في الصبر، وهو النبي أيوب أحد أنبياء بني إسرائيل، لم يتردد في أن يطلب من ربه أن يمزقه، حين بلغ به اليأس مبلغه، إثر تفاقم مرضه الجلدي، الذي لم يفارقه على مدى ثلاثة عقود، فإنفض عنه أصدقاؤه وزوجته، وفقد أمواله ومواشيه، فقال أيوب مخاطبآ ربه :{ قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي. أُسَيِّبُ شَكْوَايَ. أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي} سفر أيوب 10 1 {يَا لَيْتَ طِلْبَتِي تَأْتِي وَيُعْطِينِيَ اللهُ رَجَائِي! أَنْ يَرْضَى اللهُ بِأَنْ يَسْحَقَنِي، وَيُطْلِقَ يَدَهُ فَيَقْطَعَنِي} سفر أيوب 6 7 8 ..... وحتى بولس الرسول مؤسس الديانة المسيحية بشكلها المعروف حاليآ، يعترف في رسالته الثانية لأهل كورنثوس 1 8 أنه في وقت من الأوقات قد أدركهم الضيق والقنوط حتى يئسوا من الحياة، حيث قال:{ فَإِنَّنَا لاَ نُرِيدُ أَنْ تَجْهَلُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ مِنْ جِهَةِ ضِيقَتِنَا الَّتِي أَصَابَتْنَا فِي أَسِيَّا، أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا}.....وهناك أنبياء وقضاة وحكام في بني إسرائيل قد إنتحروا بالفعل، وكان أول ملك في شعب بني إسرائيل هو أول منتحر...وذاك الملك هو شاول، الذي مسّحه النبي صموئيل بالدهن المقدس لتنصيبه ملكآ...وقد إنتحر في معركة ضد الفلسطينيين عند جبل جلبوع شرق جنين، فحين إنقض عليه جنود فلسطينيون، أمر شاول أحد جنوده أن يقتله، قبل أن يقتله أحد الفلسطينيين (الغلف)، وعندما تردد الجندي، تناول شاول سيفه وطعن نفسه، بعد أن يئس من النجاة ومات [1سفر صموئيل 31: 4]......وإنتحار شمشون الجبار بهدمه للمعبد، على نفسه وعلى الفلسطينيين، من أشهر قصص العهد القديم....وشمشون هو أحد قضاة بني إسرائيل [الحكام الدينيون] وقد إحتال عليه الفلسطينيون، وإستدرجوه وقبضوا عليه وسملوا عينيه، وسجنوه في معبدهم....ويتضمن الإنجيل قصة ندم وإنتحار يهوذا الإسخريوطي، أحد حواريي المسيح الأثني عشر، الذين لقبهم بــــ(الرسل)، وقد خان يهوذا المسيح وسلمه للجنود الرومان، مقابل ثلاثين قطعة من الفضة، وعده بها كبار كهنة بني إسرائيل، وبعد صلب المسيح شعر بالندم الشديد، وذهب للمعبد والقى بالفضة التي أعطيت له، أمام الكهنة ومضى لينتحر شنقآ......ومن أبرز المنتحرين في عصر ملوك بني إسرائيل، أخيتوفيل كبير مستشاري الملك داؤد...وكان أخيتوفيل قد فر من الملك داؤد، وإلتحق بإبنه المتمرد عليه، للإستحواذ على السلطة أَبْشَالُومُ بن داود؛ ولكن أبشالوم قد تخلى عن أخيتوفيل الذكي، وقرّب إليه مستشارآ آخر دسه عليه أبوه داؤد، وأخذ بخطته المكيدة، التي أدت إلى نجاة داؤد وإنتصاره، وهزيمة أبشالوم ومقتله في نهاية المطاف؛ أما أخيتوفيل فقد ذهب الى مسقط رأسه بلدة (جيلوة)، وبعد أن رتب الشؤون الدنيوية لأسرته إنتحر شنقآ.
والسؤال الذي يتعين أن يجيب عنه، أولئك الإسلاميون وعلى رأسهم ذاك الشيخ الأزهري، الذين شمتوا من إنتحار، الكاتبة المغربية نعيمة البزاز، وقبلها المصرية سارة حجازي: كيف سقط هذا الكم من الأنبياء، نبي الإسلام محمد وبعض أنبياء بني إسرائيل، وقضاتهم الدينيين ومثل الرسول بولس، في ما يسميه المتدينون بخطيئة اليأس من رحمة الله، والتفكير في الإنتحار...لقد قال أولئك الشامتون، أن الإلحاد يقود إلى الإنتحار، لأنه يجعل صاحبه في تيه وضياع وفراغ روحي، ويجرفه نحو سوء السلوك والإباحية والشذوذ....وإذا كان ذلك كذلك، ترى ما هى الدوافع، التي حضت محمدآ وغيره من أنبياء بني إسرائيل، التفكير في الإنتحار؟!.....هذا على الصعيد التاريخي، أما على صعيد الحاضر، فإن تقريرآ لمنظمة الصحة العالمية، صدر في 9 سبتمر 2019 م، عن معدلات الإنتحار في البلدان العربية، يشير إلى الأرقام الكبيرة للمنتحرين.
فحسب التقرير المعني، فإن مصر تتصدر الدول العربية في أعداد المنتحرين، وتتفوق في ذلك على دول تعاني من حروب أهلية أو حركات مسلحة، حيث إنتحر 3,799 مصري في العام 2016 م، ويليها السودان حيث إنتحر 3,205 سوداني في نفس العام، وإحتل اليمن المرتبة الثالثة، حيث بلغ عدد المنتحرين، 2,335 يمني، وجاءت المملكة المغربية في المرتبة الرابعة، ولكن ما يميز المغرب في هذا المنحى، حسب التقرير المشار إليه، هو أن أعداد المنتحرات الإناث (613) تفوق أعداد المنتحرين الذكور (400) ....هذه مجرد أمثلة عن أعداد المنتحرين المتزايدة، في المجتمعات الإسلامية، فما الذي يدفع هذه الآلآف إلى الإنتحار في العالم الإسلامي؟ وهل ترى كلهم من الملحدين؟...وهذا سؤال نابع من جنس، ما قاله الشامتون في إنتحار نعيمة البزاز وسارة حجازي، زاعمين بأن الإنتحار مرتبط بالإلحاد حصريآ.
يعجز الإسلاميون عن فهم الظواهر الكونية، ولا يتجاوز فهمهم لتلك الظواهر، مفهوم الثواب والإنتقام الإلهي...فينظرون إلى كل شئ من هذا الثقب، فلذا لا يجدون تفسيرآ على سبيل المثال، لمحاولة محمد للإنتحار، بالتردي من شواهق الجبال، لإن الإنتحار في نظرهم مرتبط بالكفر واليأس من رحمة الله، فيكون السبيل للخروج من هذا المأزق هو نكران حدوث شئ من هذا القبيل، بإضعاف سردية البخاري عن محاولة الإنتحار، بإدراجها تحت باب ما يسمى بــــ(شبهات)، بزعم أن وأحدآ أو اثنين في سلسلة العنعنة ليس من الرواة الثقات، وذلك في إطار ما يسمونه "علم الجرح والتعديل" أو "علم رجال الحديث"....وهم ينظرون إلى الكون من خلال ذلك الثقب، يصعب على الإسلاميين، وهم في صندوقهم الإسلامي، أن يحيطوا بما توصلت إليه العلوم الحديثة، وخاصة علم النفس، في دوافع الإنتحار وأحوال المنتحر، بل أن هذه العلوم، هي علوم كفرية في نظرهم.
ولا ندري أي منقلب سينقلبون، إذا أدركوا أن الإنتحار ليس ظاهرة بشرية فحسب، بل هو ظاهرة وجودية بإمتياز، لإنتشاره أيضآ في أوساط الحيوانات على أنواعها....في الصفحة الإلكترونية التي تحمل إسم (سيكولوجي توداي) الصادرة بتاريخ 6 يناير 2018 م، وفي مقال بعنوان "نظرة جديدة لإنتحار الحيوان" للدكتورة جيسكا بيرس : جاء فيه أنه في العام 2011 م بالصين، وفي مزرعة خاصة، بإستخراج الصفراء من الدببة لأغراض طبية، قتلت دبة وليدها ثم قتلت نفسها، والسبب الرغبة في التخلص من العذاب، الذي تتعرض له خلال إستخراج الصفراء، عن طريق قسطرة مؤلمة......وتشير الدكتورة إلى حادث آخر، ذكره باحث من كارها في عدد سابق من نفس المجلة، ومفاده أن أتانآ (أنثى الحمار) مات وليدها، فإنطلقت إلى بحيرة قريبة وأغرقت نفسها....ثم تروي أن صديقآ لها أخبرها، كيف إمتنع الكلب لوسي عن الطعام ، إثر موت سيده "ستيل" بعد رفقة طويلة، ولحق بسيده بعد ثلاثة أسابيع، من الإضراب عن الطعام.... هذا وقد أشارت في تضاعيف مقالها، أن هناك قاعدة بيانات كبيرة Database،عن سلوكيات الحيوانات عند الموت....وقد أصبحت من الأخبار المألوفة منذ زمان بعيد، حالات إمتناع كلاب وخيول وأسود السيرك، عن الطعام حتى الموت، عند موت سيدها أو مدربها، وجنوح الدلافين والحيتان الضخمة، إلى شواطئ البحار لتموت.....ومن العجائب المثيرة للخيال، أن صفحة إلكترونية تسمى [أطلس أبسكيور]، قد ذكرت أن جسرآ بالقرب من قرية ملتون، التابعة لبلدية برغ دمبارتون باسكتلندا، قد إشتهر بكونه المكان، الذي تلجأ إليه الكلاب، من أجل الإنتحار بالقفز من فوقها...وقد رصد الأهالي هناك، أن حيوانات أخرى شوهدت وهي تقفز من الجسر، وأكثر من ذلك، ذكروا أن كلابآ فشلت في الإنتحار من المرة الأولى، فذهبت للجسر لتجرب حظها مرة أخرى...وتشير الصفحة المذكورة، إلى أنه عندما تواترت أخبار ذلك الجسر، لدى (الجمعية الأسكتلندية لمنع القسوة ضد الحيوانات) أرسلت مناديبها لتقصي الأمر، فأصابتهم الدهشة من صحة ما ورد إليهم من أخبار.
إن رصد حالات إنتحار الحيوانات، ليس بالأمر الذي بدأ في عصرنا، بل هو أمر قديم يعود إلى ما قبل ألفي وخمسمائة سنة، وأول من لاحظ ودوّن ذلك، هو الفليسوف والعالم أرسطو، حيث قال أن حصانآ تزاوج مع فرس، ثم إكتشف أنها أمه، فإندفع نحو هاوية وألقى نفسه فيها....وفي القرن الثاني قبل الميلاد، ألف العالم الإغريقي " كلوديوس ايليان" كتابآ بعنوان {طبائع الحيوان}، رصد فيه أثنتي وعشرين حالة إنتحار حيوانات، من ضمنها دلافين وكلاب صيد، إمتنعت عن الطعام، حتى الموت بعد وفاة أصحابها....وفي هذا السياق تقول دراسات لــ(سايكياترست)، أن الحالة الذهنية للحيوانات، التي ترمي بنفسها للتهلكة، تكون عند ساعة الإنتحار، في نفس الحالة الذهنية لبني البشر في لحظة الإنتحار.
هل تملك ذهنية الإسلاميين الطاقة اللازمة لإستيعاب كل هذا؟...فهذه الحقائق جميعها، لا تعني شيئآ لهذه الكائنات القادمة ربما من كوكب آخر، لأنها تعيش على التحريف والتدليس، فالملحدون الذين إنتحروا في الغرب، حسب تدليسهم، إنتحروا بعد أن إستوفوا كيلهم من الحرية والإباحية والشذوذ، ولا قيمة عندهم للتقارير الطبية، التي تقول أنهم إنتحروا بنفس الأعراض النفسية، التي ينتحر بسببها الآلآف سنويآ في العالم والمجتمعات الإسلامية...وليس من شك، في أنها نفس الأعراض، التي دفعت بمحمد، إلى شواهق جبال مكة، محاولآ الإنتحار ...وهي المحاولة التي أنكرها، الشيخ الأزهري عبد الله رشدي، الذي شمت في إنتحار نعيمة البزاز وقبلها سارة حجازي، حيث قال: أن مروية محاولة الإنتحار موجودة في البخاري، وفي نفس الوقت ليست موجودة في البخاري!...ويفك رشدي هذه الشفرة بقوله : أنها موجودة في البخاري، ولكن ليس بشروط البخاري....هل فهمتم شيئآ؟ ...يبدو أن المؤسسة الأزهرية قد دخلت المرحلة السوريالية، تحت ضغط التراكم المعرفي الذي يوقظ أجيالآ جديدة من غيبوبة الأفيون الديني.

1/9/2020 م.



#احمد_القاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يحمل محمد حقيبته ويرحل؟!
- الرفيق كلاشنكوف يطلب الغفران من الكنيسة
- لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة التاسعة
- لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة الثامنة
- لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة السابعة
- لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة السادسة
- لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة الخامسة
- لتغنموا بنات الأصفر....الحلقة الرابعة
- لتغنموا بنات الأصفر.......الحلقة الثالثة
- لتغنموا بنات الأصفر.....الحلقة الثانية
- لتغنموا بنات الأصفر.....الحلقة الأولى
- الآذآن تلويث ضجيجي للبيئة
- سيد قطب...سايكولوجية الإنسان المهزوم
- هل أسكرت خديجة أباها لتتزوج من محمد؟
- مصر...هي لمن غلب
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الخامسة
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الرابعة
- في دحض علمية القرآن....الحلقة الثالثة
- فيلم -سذاجة المسلمين-....الهزل في مكان الجد
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الثانية


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - إنتحار المغربية الملحدة نعيمة البزاز