بعد تسليم بغداد وفرار القيادات الحاكمة، بدأت الأحاديث عن خبايا النظام تظهر من تحت الأرض ومن فوقها،وأخذ الناس يتحدثون عن التجربة السابقة ويبوحون بما كان يخفونه خوفا من نقمة الحكم وأركانه، فتناقلت وكالات الأنباء ووسائل الإعلام قصصا عجيبة وطرائف غريبة، كانت كلها حصلت في زمن صدام حسين، الذي كان زمنا عراقيا حزينا بكل تأكيد.
يقول الدكتور حسن العطار الذي كان يعمل مديرا لمدرسة تكريت الثانوية في الخمسينات أن الرئيس العراقي المطاح به صدام حسين كان الطالب الوحيد الذي يتغيب عن المدرسة بدون عذر. وأضاف المدير في تصريح لراديو أوبيون الفرنسي أن صدام حسين حاول اغتياله لأنه أتخذ قرارا بترسيبه في السنة الدراسية 1954/ 1955،حيث تغيب الفتى صدام عن الدوام اليومي المدرسي لمدة 25 يوما بلا تقديم أي عذر، مما جعله يفقد أكثر من 51% من درجات المواظبة، الشيء الذي جعله راسبا بحسب نظام المدارس الثانوية العراقية لعام 1952.،بعد معرفته برسوبه وقرار المدير بفصله، أحضر الشاب صدام حسين بندقية وأطلق النار على الغرفة التي ينام فيها مدير المدرسة، وقد اعتقلت يومها الشرطة العراقية الطالب الثانوي الراسب صدام حسين مع البندقية التي استعملها في إطلاق الرصاص على غرفة نوم المدير حسن العطار، لكن المدير قام بالتخلي عن حقه وجاء هذا بعد توسط والد برزان التكريتي وهو السيد إبراهيم الحسن أحد وجهاء تكريت حينها. والعطار بالرغم من تخليه عن حقه نتيجة تدخل وجهاء العشائر إلا أنه أصر على وتمسك بقراره طرد الشقي صدام حسين لمدة عام دراسي كامل. وكان صدام حينها يبلغ من العمر 18 عاما، ويذكر العطار اليوم الذي تسلم فيه صدام مركزا قياديا في حزب البعث، لأنه كان يوم القرار الذي اتخذه الطالب الفاشل بحق مدير مدرسته السابق، إذ قام صدام حسين بالثأر لطرده من المدرسة لمدة سنة بفصل المدير العطار من عمله مدى الحياة، وكان ذلك في 1973. والدكتور العطار لم يكشف في السابق عن هذه الحكاية خوفا من الرئيس المخلوع على نفسه وعلى عائلته التي يعتقد بأنها كانت ستتضرر لو باح بسره في عهد الرئيس السابق صدام حسين.
مهاما كانت القصة صحيحة أو غير دقيقة لكنها جاءت على لسان مدير المدرسة ولا بد أن هناك من لازال يذكرها، وهناك بالتأكيد من شهد الواقعة أو ممن يتذكرون حدوثها، وهي تؤكد بما لا شك فيه أن نظام صدام حسين كان نظاما شموليا يحكم بالسيف والنار، وهذا ما يوضح قليلا من مواقف الارتهان التي حرفت بعض العراقيين وبعض المعارضة العراقية عن الخط الوطني ليصبحوا أداة طيعة في يد الاحتلال الأمريكي، لكنه لا يقنعنا بصحة هذا الانحراف الذي طال شريحة مهمة وكبيرة ومثقفة من شرائح الشعب العراقي، كانت حتى وقت قريب تقول لا للاحتلال ولا للحرب ولا للغزو ولا للديكتاتورية ونعم للإسلام وللحرية.
إن الانتماء للعراق لا يخضع إلا للميزان الوطني ومبايعة أمريكا لا تأتي إلا في خانة العمل مع الاحتلال وضد المصلحة الوطنية حتى لو كان شعارها الانتقام من صدام أو البحث عن الذات بعد رحيل الحكم وسقوطه تحت أحذية الشعب الغاضب والهائج.
ومن العجائب الدنيوية الجديدة، ما تقوم به أمريكا من تدمير للبلاد وقتل للناس والعباد من أجل حريتهم، ثم القيام بتعيين حكام لتلك البلاد يقودونها و لتلك الشعوب التي يعلمونها كيف تحيا بعدما خرجت من الظلام إلى النور بفضل نور أمريكا ونارها التي أحرقت كل شيء في العراق، لكنها لم تبن لغاية الآن جسرا بينها وبين الشعب المنكوب بالحرية الجديدة التي دمرت البلاد، ولم تسقط أو تنسف الجسور القديمة المقامة بينها وبين بعض النظام القمعي السابق الذي هرب وترك البلاد عرضة للغرباء والسفهاء.
كما نعلم جميعا فإن الوزير الصحاف برز كوجه هام في هذه الحرب وذلك من خلال تصريحاته ومؤتمراته الصحفية اليومية التي كان يحلو له فيها ترديد كلمات مثل العلوج والكلاب وغير ذلك، وأن العلوج لن يدخلوا بغداد ألا أسرى أو قتلى، وكان الكثير من الناس البسطاء يعول على كلام الوزير العراقي. لكن من كان يفهم طبيعة النظام وحجم الظلم الذي أوقعه بشعب العراق من خلال الحروب الغير مبررة والسياسات الفاشلة، كان بأمكانه التعويل فقط على ولاء الحرس الجمهوري وعداء المقاتلين العرب لأمريكا.
المهم أن المعركة انتهت بدون ضجة وبلا ملاحم وبدون معارك حامية الوطيس في بغداد وعلى أعتابها قد يكون فيها ما هو مفيد من ناحية حقن الدماء العراقية البريئة، لكنها كانت مزرية ومخيبة وخائبة ومهينة ومعيبة ومقرفة بشقها التخريبي، وسقطت بغداد بعدما سلمت تسليما معيبا ومهينا لا يليق بتصريحات الصحاف ولا بعنتريات قادة النظام. وبعد سقوط بغداد ورفع العلم الأمريكي فوق رأس تمثال صدام ثم قيام أحد أبناء العراق باستبداله بالعلم العراقي حفاظا على ماء الوجه ووفاءً لهذا الوطن العريق وللشعب الذي يتوق للحرية وللحياة من جديد بعد سنوات عجاف من الحكم الحديدي.
على خلفية مؤتمرات الصحاف اليومية أصبح الرجل من مشاهير العالم فأقيمت مواقع الإنترنت التي تكرمه والأخرى التي تناصره، وأصبح شخصيا يكنى بأبي العلوج نسبة لكلمة علوج التي اعتاد الصحاف على تكرارها يوميا في تصريحاته لوكالات الأنباء ووسائل الإعلام. وفي الولايات المتحدة الأمريكية حيث للصحاف شهرته المميزة قامت أحدى الشركات الأمريكية بصناعة دمية "صحافية" من الصحاف، ترتدي بزة عسكرية وهذه الدمية تنطلق لدى الضغط على زر في ظهرها لتقول( لا وجود لأي من العلوج الأمريكيين في بغداد) أو الجملة الشهيرة التالية( نحن نقدر أنهم سيموتون جميعا)، وللراغبين بدمية عراقية من بقايا نظام البعث العراقي السابق ما عليهم سوى شراءها والثمن 36 دولارا فقط لا غير. تصوروا مدى الاستفادة الأمريكية من تلك النوعيات من الأنظمة والرموز التي تتسابق فيما بينها على إرضاء أمريكا والدول التي تعيش على مصائب الشعوب الأخرى ومن خلال استغلال كل ما هو قابل للاستغلال. وأمريكا التي بفضلها برز الصحاف كوجه إعلامي معروف وأصبح من المشاهير تستطيع هي نفسها أن تجعل من الأعداء دمى للبيع بعد أن غيبتهم أو قتلتهم أو هربتهم أو أبادتهم. وما الصحاف إلا نسخة عن باقي العربان من الذي تغيب وجوههم ويذوب كلامهم السابق و منهم من يبيع مواقفه الحالية للأمريكان. وغدا لن يجبر الأمريكان على صناعة دمى على شكل القيادات العراقية والعربية لأنهم سوف يأخذونهم أحياءً ليقوموا بعرضهم في معارض خاصة بأعداء أمريكا وبعملائها كذلك، لأن العدو العابر والعميل الحاضر كلاهما دمى، وكلاهما يصلح لتلك المعارض التي سوف تنتشر قريبا في الولايات المتحدة الأمريكية لتصبح مشاريع بطاقات تذكارية يشتريها المرء أو يلتقطها مباشرة وعلى الطبيعة في معارض أمريكا التي تذكرنا بمعرضها الوحشي في غوانتانامو حيث المعتقلين العرب والأفغان بلا حقوق وبلا حياة، أحياء موتى في زمن موتى أحياء يمتد من نيويورك إلى فكابول و بغداد فباقي بقاع الدنيا.
ومن عجائب عراق صدام حسين أن يجد الغزاة في أحدى قصور عدي صدام حسين الذي يشبه لحد كبير بطباعه أبن ديكتاتور رومانيا تشاوشيسكو،الذي مارس بشاعات كثيرة بحق الرومانيين ومنهم بعض الفتيات الرومانيات الرياضيات المعروفات عالميا،وغير ذلك من الممارسات الفاشية والسادية، وعدي صدام حسين الغني عن التعريف معروف لكل الناس من خلال قسوته وعقليته الفاشية في التعامل مع البشر، فلم يكن يقيم أي اعتبار للناس ولحياة وعرض البشر، فهو متهم باغتصاب النساء والفتيات وبتصفية الكثير من معارضيه ومن الذين لم يعجبوه لمجرد أنهم لم يعجبوه.عندما احتلت القوات الغازية قصر من قصور عدي وجدت فيه حديقة حيوان صغيرة فيها أسود ونمور وسيارات وصور سيدات وأشياء أخرى كثيرة ...
هذا قليل من بحر كبير وواسع من عجائب وغرائب دنيا صدام حسين ونظامه الذي سيدخل بالتأكيد كتاب التاريخ من بابه الأسود الواسع.
* تفضلوا بزيارة موقعي الشخصي بحلته الجديدة ، على الوصلة التالية :
http://home.chello.no/~hnidalm