أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - طفولة على مذبح الطلاق _ قصة قصيرة















المزيد.....

طفولة على مذبح الطلاق _ قصة قصيرة


راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.

(Rawand Dalao)


الحوار المتمدن-العدد: 6659 - 2020 / 8 / 27 - 02:10
المحور: الادب والفن
    


( طفولةٌ على مَذبَحِ الطلاق )

قصة قصيرة بقلم #راوند_دلعو

لقد أدار أبواي ظهريهما لبعض ... و انتهت العلاقة بينهما إلى الأبد ... إلى الأبد ... يا حسرتي على طفولتي ، لقد ذهب الدفء ... و ضاع الحنان !!

و إلى الآن أذكر نفسي عندما ركعتُ على رُكبتَيّ بينهما باكياً متوسلاً :

《 أرجوكما ... أتوسل إليكما ... لا أستطيع العيش من دونكما معاً ...

ارحمني يا بابا و تنازل لِماما ... من أجلي ... لا تكسر بيتي الجميل ...!

ارحميني يا ماما و تنازلي لِبابا ... من أجل ابتسامتي ... و لا تكسري بيتي الجميل لا تكسري بخاطر طفولتي !!

لا تقتلاني ... لا تمزقاني ... أرجوكما ... أرجوكما ! 》

كانت روحي ملكهما بالتساوي ... فالحنان من ماما ... و العطف من بابا ...

و كان مِن بابا أنْ تمسّك بنصيبه من روحي ... في حين قاتَلَتْ ماما من أجل نصيبها هي الأخرى ... !

فانتزعَتْ روحي التي في حوزة أمي نَفْسَهَا من روحي التي في حوزة أبي ... و ما كان لهذا أن يحدث إلا بخروج روحي من جسدي ....

فكان أن خرجَتْ روحي ثم تمزّقت إلى نصفين ... فانكسر نصفي الذي لأمي بصلابة نصفي الذي لأبي ... و انكسر نصفي الذي لأبي برعونة نصفي الذي لأمي ... فتحطمت ابتسامتي .... و تهشم زجاج عينيَّ ... ثم ضاعت هويتي ... فلا أنا لأبي و لا أنا لأمي ... !

و في خضم هذه المعركة الحامية بين بابا و ماما ... اختطف بابا نصف قلبي الأيمن فرِحاً ...

في حين تمسّكَت ماما بمِزَق قلبي الأيسر منتشية بانتصارها ... !

ثم على حين غَرّة خطف بابا رئتي اليمنى ليتنفس من أكسجينها .... فهو يحبني كما يقول ...

ثم باغتته ماما حين انتزعت رئتي اليسرى لتواريها في حنان صدرها ... فهي تعشقني على حد قولها ... !

و هكذا بقي صدري الصغير الأجوف بلا رئتين ... فاختنقتُ بدموعي !

و أثناء الشجار ، اقتلع بابا عينيَ اليمنى التي كنت أراه بها قدوتي و مستقبلي ... فهو يراها من حقه ... في حين اجتثّت ماما عيني اليسرى بمرود كحلتها العسلي ... فهي تراها من حقها !

فانتشر العمى و انعدمت الرؤية و ضاع البصر ... و باتت الدنيا بلا شمس و لا زهر و لا قمر !

و في نهاية هذه المعركة حاز كل فريق على عينٍ من عينيَّ ... فأنطفأ بصري و كَلَّت بصيرتي ... إلى أن انتشر الظلام في جسدي !!!

و عندما راجعتُ طبيب العينيّة قال :《《 يا ولدي ، لا يمكن لطفل أن يرى و عيناه متفرقتان .... ! اذهب و اجمع عينيك في وجنتك مرة أخرى يا ولدي ، ثم راجعني لأرد لك بصرك ...》》

فذهبتُ لأبي كي أطلب منه عيني اليمنى ، فإذا به مشغولاً في حضن زوجته الجديدة لاهياً منتشياً بفراشها الوثير ....

ثم ذهبت إلى أمي متوسلاً إليها أن ترد لي عيني اليسرى فإذا بها في حضن رجل غريب !!!!

و أنا أصرخ : أين أنت يا نور عينيّ ؟ لماذا أطفأك الزمان ؟

و هكذا قضيتُ عمري و نصفي يبحث عن نصفي ... و قهري يغرس سُمّ الموت في قهري .... عارياً وحيداً أمام هذه الدنيا المليئة بالوحوش ...

ثم بدأتُ أبحث عن كرامتي في حجرتي الذليلة التي خصصها لي بابا في بيته الجديد ... لكن لم أجدها ...

و عندما فقدت أمل إيجاد كرامتي في بيت زوجة أبي ذهبتُ لأبحث عن كرامتي في زاوية صغيرة موحشة في بيت زوج أمي الغريب .... لكن لم أجد لها أثراً !

فإذا ما ضربني زوج أمي على خدي الأيمن ، ردت له زوجة أبي الصاع صاعين على خدي الأيسر ...

و إذا ما بصقَتْ زوجة أبي في منتصف جبهتي ... رد لها زوج أمي باصقاً على رأسي ...

و هكذا ... مرت السنوات ... فشعرت بالهزيمة تنخر عظامي التي تشظت ... و دمائي التي تفرقت بين عنجهية البابا و عناد الماما ...



لملمتُ ما تبقى من أشلائي ، و نظرت نحو السماء بعينين مُغرَورِقَتَين بالدموع ... ثم كتبت رسالة إلى ذلك الكبير الكبير الذي ندعوه ب ( الله ) ... قلت له فيها :

" حبيبي الله ، يا حلو أنت ... أنا أعرف أنك قوي جداً و كبير كبير ... أكبر من الغيوم و الجبال و غرندايزر ... و تستطيع أن تجلب لي كل لعب العالم و سبايدر مان و سبونج بوب و بات مان ... و أعرف أنك تحبني ... فقد أخبرَتْني الماما قبل طلاقها أنك تحب كل الأطفال ... و تطعمهم الحلوى في الأعياد ... و تسامحهم إذا لعبوا حفاة بلا نعال ... لكنني أعدك أن لا أخرج إلى الحارة حافياً أبداً .. و كذلك قال لي البابا أنك كبير و رحيم ، فلماذا تركتَني أتمزق إلى قلبين و رئتين و عينين منطفئتين ؟ لماذا توقف بابا عن جلب الألعاب ؟؟ لماذا توقفت ماما عن تمشيط شعر لعبتي الصغيرة ؟ أمعقول أن هذا حدث لي لأنني لم أكتب وظيفة العلوم ؟

أنا آسف يا حلو ، و أعدك أن أكتب كل واجباتي و أن آكل طعامي كله في المدرسة ...

حبيبي يا الله الحلو الجميل ... أرجو منك أن تصالح فوراً البابا مع الماما ... و أن يعودا معاً الآن الآن إلى بيتنا الصغير الذي ولدتُ فيه ... فغداً عندي موعد مع أصدقائي في الحارة و يجب أن نهزم فريق الصقور في كرة القدم ... فقد انتصروا علينا في المرة السابقة و يجب أن ننتقم !!! كما أنني لازلت أنتظر أن يجلب لي بابا تلك السيارة الكهربائية التي وعدني بها ... و قميص رونالدو و السكوتر الأزرق الجميل و الدراجة الهوائية التي أحلم بها ... و لا أخفيك يا الله ... لازلت أنتظر أن تشرح لي الماما أسلوب جمع و طرح الأعداد مع الاستعارة و الحمل ... و لا بد ان تُكَتِّبَنِي وظيفة اللغة الإنكليزية ... أم أنك تريد من المس هنادي أن توبخني غداً ؟

ألست تحبني يا الله ؟ ألست مع الطفولة ؟

أي ذنب ارتكبتُ و جعلك تفرّق بين البابا و الماما ؟ أمعقول أن يحدث كل هذا لأنني لم أكمل صحن الشاكرية و عذبت ماما و هي تطعمني في ذلك اليوم ؟

على كل حال أعدك أن آكل كل الأكلات التي تضعها أمي على الغداء و أن أكمل صحن الشاكريّة كله كله !

حبيبي الله ، أنا أعرف أنك جميل و حلو و ضخم جداً و تفعل كل شيء كل شيء ... و تحب لعبتي الجميلة ... و تسريحتي الجميلة ... و رائحة شامبو الجونسون من شَعري الذهبي الناعم ... لكنها حياتي التي انكسرت يالله ... فنصفها مع ماما و نصفها مع بابا ... فأرجو أن تعيدها قطعة واحدة من جديد .... فأنا أحبك يا الله يا حلو يا جميل ... سألصق لك نجمة ذهبية على هذه الرسالة كهدية مني لك فأنت شاطر يا الله ... حقق مرادي أرجوك "

و بعد أن كتبتُ الرسالة إلى الله الجميل ... ذهبت إلى صندوق البريد و أرسلتُها ... ثم عدت إلى بيتنا القديم حيث اجتمع بابا و ماما لأول مرة ...

لكنني لم أجد بابا و لا ماما ... بل وجدت لعبي و قد تكسرت ... و غرفتي و قد أكلها الغبار و غطّاها الظلام ... و فراشي و قد تجمد من شدة البرد و العراء ...

فاندسَسْتُ في فراشي المتجمد ... ثم تكفنت به و أنا أحلم ببابا عن يميني و ماما تمسح شعري من يساري ....

ثم عانقت وسادتي التي فيها ما تبقى من رائحة بابا و ماما ثم تجمَّدتُ إلى الأبد ....

و رغم أنني مت وحيداً في تلك الليلة و انتقلَتْ روحي إلى الله الجميل .... لكن الغريب أن الله لم يرد على رسالتي إلى اليوم !!!

وداعاً بابا

وداعاً ماما

#الحق_الحق_أقول_لكم .... إلى بابا و ماما :

《《 مهما كانت خلافاتكما كبيرة بنظريكما .... لكنها لا شيء أمام عذاب الموت وحيداً في فراشي الجليدي بعيداً عنكما ... فلا تتركاني مرة أخرى ... فأنا أنتظركما هناك عند الله الجميل ...

أحبك بابا

أحبك ماما 》》.

هامش :

العمل الفني للرسام برونتي.



#راوند_دلعو (هاشتاغ)       Rawand_Dalao#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوميديا الأغبياء _ من هلوسات الدعاة الجدد و تكريم المرأة
- لن تجد تنويرياً داعماً لإسرائيل
- قانون نيوتن الثالث في التعامل مع الديانة المحمدية
- عيد العبيد
- مفكرٌ مغمور جداً جداً .... !!
- قِيثَارِيّات على مذابح الوُرُود
- قيثارية الطائفية
- فيه اختلافاً كثيراً _ سجعية الواهبة نفسها للنبي
- تقاسيم على مقام النيكوتين !!!
- لماذا نزهد براغبنا و نرغب بزاهدنا ؟
- وداع الفَيُولا
- جريمة
- صرخة سلام على هامش الحروب الطائفية !!
- أمير أمراء النغم ، كبير ملائكة الموسيقا !
- علمنة الفلسفة
- الزوبعة
- حبيبي أبي
- القرآنيون الجدد في ميزان العقلانية
- ظروف و دوافع اعتناق الديانة المحمدية عبر التاريخ
- كلام الله في ميزان العقلانية


المزيد.....




- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راوند دلعو - طفولة على مذبح الطلاق _ قصة قصيرة