أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - باقر الفضلي - ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟*ألقسم ألثاني















المزيد.....



ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟*ألقسم ألثاني


باقر الفضلي

الحوار المتمدن-العدد: 1600 - 2006 / 7 / 3 - 11:56
المحور: ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع
    


العلمانية والتطرف

ومما تقدم في ألقسم ألأول، فأن ألكثير من يعزي أسباب ألتضاؤل ألعددي للمهتمين بأمور ألدين في أوروبا، ألذي يواجهه ألفاتيكان ، ألى ألخطر ألقادم مباشرة من ألأصولين ألعلمانيين، " ألذين هم وبصلابة، في معرض إعادة صياغة ألعقيدة ألكاثوليكية بأعتبارها كذبة وبهتان"، على حد قول ألمفكر ألأسلامي (عبد مصطفى). موردا تعليق Rev. John Wauck حول تعاليم ألكنيسة ألكاثوليكية ألتي ترى في ؛(( تنصيب ألنساء لوظيفة ألقس، تحديد ألنسل، ألأجهاض، زواج ألمثلين، حق ألتبني للمثلين، ألقتل ألرحيم، وألأتجار لأغراض ألربح، مجرد ألوطأة العظمى لهذا ألأنقضاض، ألقادم من ألعلمانية ألمتطرفة))، كما يشير ألكاتب. أما ألتعليق ألمشار أليه وألذي ينزع ألى ذلك؛ فهو ألقول ألمنسوب ألى Rev. John Wauck كما بينت، وألذي مفاده ؛ "أن ألأتحاد ألأوروبي يبدو وكأنه قد تلوث بالثقافة ألراديكالية ألدينيوية"..! نفس هذا ألتخمين قد ورد على لسان Ratzinger قبل سويعات من تنصيبه ألى منزلة (بابا) جديد ، حيث قال: " نحن نتحرك بأتجاه دكتاتورية من " النسبية" "relativism" ... حيث لا أعتراف بشيء محدد ، فيما عدا أقرار أنانية ألفرد ورغباته كمقياس نهائي." كما أورده ألكاتب أعلاه.-نفس ألمصدر بألأنكليزية

ان التطرف وبمعنى آخر ألتعصب، fundamentalist ، هو حالة موجودة في جميع ألأشياء وألمواقف، وهو في أغلب ألأحيان يعبر عن قراءة خاطئة للواقع ألقائم وألظروف ألموضوعية ألتي تحيط به. فألأمور ألتي جرى ألحديث عنها وموقف ألكنيسة ألكاثوليكية منها، بأعتبارها تشكل خطراّ حقيقياّ على ألتعاليم ألكنسية ألدينية، أوأنها من أسباب تقلص نفوذها كما أشير أليه، وأقحام كل ذلك على ألعلمانية كمحرك وداعم لها، وكأنما ألعلمانية تنظيم أو حركة مسيسة أو دولة بعينها أو قواعد وسنن ثابته لا تتغير ، تسعى جاهدة ألى تقويض أسس ألكاثوليكية في أوروبا أو أي دين آخر على حد ما قيل. أعتقد أن في ذلك ألكثير من ألتهويل، أن لم يكن ألتهويل بعينه.

لو أخذنا ألأمثلة أعلاه وألتي تؤرق ألكنيسة ورجال ألدين عموما وبصرف ألنظر عن دياناتهم، وعلى سبيل ألتخصيص، تلك ألأمثلة ألتي تتعلق بألسلوك ألشخصي للفرد من جهة وأرتباط ذلك بألموقف ألأخلاقي ألعام ألمتعارف عليه في جميع ألمجتمعات تقريبا، لوجدنا أن ما جرى ألتحذير منه، خاصة ما يتعلق بعلاقة ألمثلين، إنما يغور وجوده في ألتأريخ، حتى ألى ما قبل ألأسلام وألمسيحية وألديانات ألأخرى، بل وحتى ألى ما قبل أن يعرف ألأنسان ألدين وألشرائع ألسماوية، فهو ليس أبن يومه أو أنه من نتاجات ألعلمانية كما يريد ألبعض من رجال ألدين وبعض ألمفكرين توصيفه. فبمجرد ألرجوع، على سبيل ألأشارة، ألى ألكتب ألمقدسة كالقرآن وألأنجيل وألتوراة، سنجدها زاخرة بألحديث عن أمثال تلك ألممارسات ألتي تدخل تحت باب ألأنحراف ألأخلاقي ألشخصي ، ولا أراها تمت بصلة ألى ألعلمانية كمنهج في ألتعاطي مع تطور ألحياة. أما (الموقف) من هذه ألسلوكيات، فهذا غير مقصور على ألكنيسة ورجال ألدين حصرا. أنه موقف ينفرد به كل أنسان في ألمجتمع وله نظرته ألخاصة نحوه. فكما هم ألأفراد مختلفون في وجهات نظرهم، كذلك هي ألكنائس في ذلك، بل وحتى داخل ألكنيسة ألواحدة يمكن أن يجد ألمرء هذا ألأختلاف. فأذا ما أستثنينا ألكنيسة ألكاثوليكية (ألفاتيكان) على سبيل ألمثال ، فأن ألبعض من ألكنائس أو من رجال ألدين وبعض ألأحزاب ألمحافظة سواء في أوروبا أو ألولايات ألمتحدة ألأمريكية من قال بجواز ألأخذ بذلك بل وحتى ألأقرار به، كالحال مع ألأجهاض، أو زواج ألمثلين، أو حق ألتبني من قبلهما. ولكن بنفس ألوقت، هناك ألعديد من ألأحزاب ألعلمانية وبعض رؤساء الدول ذات ألصبغة ألعلمانية قد وقفت ضد ذلك بما فيهم ألرئيس بوش؛ رئيس ألولايات ألمتحدة ألمريكية، أكبر دولة علمانية في ألعالم على سبيل ألمثال.
وبالتالي فأن ما قيل عن تلك ألتي كانت سببا في تحفظ ألكنيسة ألكاثوليكية وقلقها، بأعتبارها تمثل موقفا متطرفا من قبل ما سمي بألعلمانيين ألمتعصبين، لا أجده ينسجم مع حقيقة ألأمر، فرغم شخصانية ألمسائل ألمطروحة، ألا أنها تعتبر من ألمسائل ألأجتماعية ألخلافية، وطبقا للمفاهيم ألعلمانية، فأن ألمتعارف عليه، وخاصة في ألمجتمعات ألعلمانية ذات ألديانة ألمسيحية، ونتيجة لتشبعها بألممارسة ألديمقراطية، فأن ألموقف من هذه ألمسائل يحل عادة من خلال أللجوء ألى عملية ألأستفتاء ألشعبي، كما هو ألأمر مع ألموقف من تشريع حق ألأجهاض ، أو ألتصويت ألبرلماني، ولا أظن أن هناك مجالا للقول بأن مثل هذه ألمسائل ألمطروحة تعبر عن تعصب من ألجانب ألذي يتخذ من ألعلمانيةمنهجاّ في أدارة ألحياة. كما أنها في نفس ألوقت لا ترتبط من قريب أو بعيد بألأمور ألأعتقادية ألأيمانية للفرد نفسه. وما ينسب ألى شخص معين بألذات يمكن أن ينسب ألى غيره، سواء كان متدينا أم غير متدين، فألواقع يرينا ألكثير من ألأمثلة ألتي تتعلق بألسلوك ألشخصي للأفراد، بصرف ألنظر عن مكانتهم ألأجتماعية أو معتقداتهم ألدينية..!
فأن كان هناك للعلمانية من شأن بهذا ألأمر، إنما هو في تمسكها بمدى ألألتزام ألذي يكفله ألمجتمع بما فيه ألكنيسة وأية مؤسسات دينية أو منظمات إجتماعية أخرى في صيانة حرية ألرأي وألأختيار، وألتعبير عن ألرأي ألشخصي، في ألحدود ألتي قررها ألقانون وألمثبتة في أغلب دساتير ألدول ألعلمانية..!
أما إذا كان هناك ثمة تطرف في ألعلمانية، فهو في ألحقيقة ناجم من كيفية فهم ألعلمانية كمنهج للحياة أليومية، منهج للسياسة، للأقتصاد، للأدارة وللتعليم ، منهج محكوم بالتطور وألتحرك بأتجاه ألمستقبل، غير محكوم بسنن ثابتة أو قواعد جامدة. أنه نظرة متفتحة للمستقبل، يؤمن بحرية ألفرد ويحترم عقيدته. فالفهم ألناجم عن قراءة خاطئة للواقع هو من يقف وراء كل ألمواقف ألمتعصبة، وردود ألفعل ألمتطرفة عليها من أي جهة جاءت..!
فالقراءة ألخاطئة على، سبيل ألمثال لا ألحصر، من قبل الثورة ألبلشفية عام 1917 ، للواقع ألأجتماعي ألأقتصادي لروسيا آنذاك، دفعها ألى تعصبها في فرض ألمفاهيم العلمانية ألسائدة في يومها على ألمجتمع ألروسي، غير آخذة بألأعتبار متطلبات نضج ألظروف ألموضوعية، ألأجتماعية منها وألأقتصادية، ألتي يفترض أن تكون مهيأة لمثل ذلك ألتغيير، مما دفعها ألى أرتكاب أخطاء، ليست فاحشة وحسب، بل وقاتلة..! ففهمها ألخاطيء ،على سبيل ألمثال، لمدلول مقولة " ألدين أفيون ألشعوب" ألواردة على لسان ماركس، بعد تجريدها من سياقها ألمنطقي ألصحيح لما عناه قائلها، وتفسيرها وكأنها تعني ألغاءّ للدين أو دعوة للألحاد، كان ذلك وراء موقفها ألمتعصب، الذي تجسد في غلق ألكنائس وأماكن ألعبادة ألأخرى ، وألتضييق على حرية ألأعتقاد، وألمغالاة في فرض أيولوجيتها ألجديدة على شعب أغلب سكانه من ألفلاحين ألمتدينين ألفقراء، وسحب ذلك على شعوب ألأتحاد ألسوفييتي لاحقاّ، وبلدان أوروبا ألشرقية، على مدى سبعين عاما..!
وكان من سلبيات تلك ألتجربة ألتي أمتدت كل هذا ألوقت في ألزمن، أنها وسمت بختم ألتطرف وألتعصب كافة ألأحزاب وألمنظمات ألسياسة ألتي تبنت ألفكر ألأشتراكي وبألخصوص ألماركسي منه، وألتي سارت على هدى تلك ألتجربة، بهذا ألقدر أو ذاك. فمنها من تلقفتها دون وعي وأستدلال بظروف وواقع مجتمعاتها، وحولتها ألى تعاليم وعقيدة جامدة، فكانت "ألثورة ألثقافية " ألمتطرفة في ألصين، ودموية ألماوييين ألمتطرفين في كمبوديا في ظل "بول بوت". وقسم منها من أسترشد بألتجربة وأستخلص من دروسها ألقاسية ألعبر ألتي اصبحت مرشدا له في قراءة ألواقع وفق ما هو عليه وليس وفق ما هو يريد. أسوق هذا ألمثل للقول ؛ بأن ألقراءة ألخاطئة للواقع، من قبل ألعلمانيين، وما ينجم عنها من مواقف متطرفة، لا يمكن أن تكون دائما، ألمعيار ألصحيح للأسس وألمفاهيم ألتي بنيت عليها ألعلمانية كأتجاه للتغيير في ألأنماط ألثابتة للحياة دون ألمساس بأي شكل من ألأشكال بمعتقدات ألناس ألأيمانية.وليست ألمؤسسة ألدينيةهي ألأخرى، بمنجى من ألتطرف وهذا ما ضربنا ألأمثلة عليه في ألقسم ألأول من هذه ألمقالة..!

كما ومن ألأمثلة ألقريبة على ألقراءة ألخاطئة لمفهوم ألعلمانية، يمكن سياق ألمثل ألعراقي كأحد أشكال هذه ألأخطاء. فألقرار ألغير متبصر ألذي أقدمت عليه ألولايات ألمتحدة ألأمريكية وبريطانية بغزوها ألعراق، ورغم ما وجده من تأييد من قبل بعض أطراف ألمعارضة ألعراقية آنذاك، يعتبر من ألناحية ألموضوعية وألواقعية من ألأخطاء ألتي لايمكن غفرانها تأريخيا، أذا ما نظرنا أليها من زاوية ألمفاهيم ألعلمانية ألسائدة في ألعالم ألآن، رغم ما أعلن في حينه وحتى ألآن، بأن ألهدف من كل ذلك، كان من أجل تحرير ألعراق من ألدكتاتورية وأرساء ألديمقراطية وبناء عراق حضاري متمدن يكون نموذجا لدول ألمنطقة..!؟ وحتى مع ألأخذ بصدق وصحة ألنوايا، ألا أن ألنتائج جاءت مخيبة للآمال، وأثبتت ألوقائع خطل تلك ألخطوة، وبأنها قد أسست على قراءة خاطئة لظروف ألواقع ألعراقي في حينه، وحقيقة ألأوضاع ألسائدة فيه وطبيعة أوضاعه ألأقتصادية وألأجتماعية، وحدود تقبلها لمثل هكذا تجربة، تفرض من خلال عملية عسكرية خاطفة، لترويض مجتمع لم تكتمل فيه بعد أو تنضج ألظروف ألتي تساعد على خلق تجربة حقيقة مقبولة أجتماعياّ لعلمانية حضارية بجوهرها ألديمقراطي..! فالقراءة ألخاطئة لهذا ألواقع ، قد ولدت ألكثير من ألتعصب وألتطرف في جميع ألأتجاهات، ومن قبل مختلف ألجماعات، بما فيها تلك ألتي وقفت ألى جانب ألعملية نفسها، ناهيك عن ردود ألفعل ألأخرى، ألتي قادتها بعض ألجماعات ألتي أرتدت ثياب ألدين، وألتي سمحت لها ظروف هذا ألوضع، أن تظهر تطرفها وتعصبها ألشديد وأن تتخذ من ألوجود ألأجنبي ذريعة لممارساتها ألمسلحة ألأرهابية ألتي طالت ألعراقيين. نفس ألشيء يمكن قوله بالنسبة لنشر "ألعلمنة ألجديدة" في ألصومال وفي أفغانستان وما آلت أليه من نتائج..!
فعلمانية ألموقف ألأمريكي و حلفاءه في هذا ألمثال وغيره من ألأمثلة كالصومال وأفغانستان كما أشرت أليه في أعلاه، لا تمت بصلة ألى مفهوم ألعلمانية المتعارف عليه. بل هي مجرد علمانية متطرفة في وسائلها وممارساتها وأهدافها. فألعلمانية لايمكن أن تكون وصفة طبية جاهزة للأستعمال في كل ألظروف وألأزمان وألأماكن. وليس من نافل ألقول، ألتأكيد؛ بأن ألعلمانية ألتي يثار ألجدل حولها وتثار ألمعارك ضدها في مجتمعاتنا ألشرقية، "فأن وجدت في ألممارسة"، فهي وليدة ظروفها ألأقتصادية ألأجتماعية وألثقافية. وجذورها تمتد في رحم ألمجتمع ألذي يمارسها كنهج في حياته أليومية. وألعلمانيون ألمتطرفون، إنما هم أولئك ألذين يريدون قسر أرادتهم على مقدرات ألناس، لتتحول ألى أرادوية دكتاتورية شمولية، غير آبهين بحقيقة أوضاع تلك ألبلدان من حيث مستوى ألتطور ألأقتصادي وألثقافي، ويمكن أعتبار نشاط بعض ألمنظمات وألأحزاب ألشمولية أحد أشكال هذا ألتطرف ألعلماني..! ومثل هذه ألتجربة قد ذاق مرارتها ألعراقيون لأكثر من ثلاثة عقود من ألزمن تحت نير ألدكتاتورية ألشمولية، ذات ألسمة ألعلمانية، وألتي جسدها حكم ألحزب ألواحد ..!


أشكالية العصر

أن العلمانية ألتي شقت طريقها كأسلوب ومنهج جديد في أدارة ألحياة، عبر قرون من ألزمن في أوروبا وأمريكا، قد كانت ولازالت من ألحوافز ألفعالة ألتي أثارت فضول ألشعوب ألأخرى في ألبلدان ألأقل تطورا، مثل شعوب ألشرق وخاصة شعوب ألعالم ألأسلامي ألرازحة تحت ظل أنظمة حاكمة أتصفت بألقهر وألأستبداد. وأججت فيها شعلة ألنضال للخروج من أوضاعها ألمتخلفة لمواكبة ألحضارة ألتي طرقت أبوابها حديثا بعد أن غابت عنها منذ قرون من ألزمن..! ( للزيادة في ألتوضيح يمكن ألرجوع ألى ملامح ألتقدم ألحضاري ألذي واكب مسيرة ألدولة ألأموية وألعباسية وألدولة ألأموية في ألأندلس ، وألذي تجلى في مجال ألمعرفة وألعلوم ألدينيوية، مثل علوم ألفلك وألرياضيات وألبناء وألطب وألكيمياء وعلم أللغة وألترجمة، وكذلك ألأجتهاد في ألفقه وأصول ألدين وألفلسفة، وغيرها من أرهاصات ألحضارة ألمدنية ألدينيوية- ألعلمانية ألتي لا زالت تحتاج ألى ألكثير من ألبحث وألتنقيب...)
ففي ألوقت ألذي ولجت فيه شعوب ألبلدان ألأوروبية وأمريكا ألمسيحية عصر ألنهضة ألجديدة ودخلت معترك ألحضارة وألثورة ألصناعية وما رافقها من ثورة أجتماعية ثقافية في كافة مجالات ألحياة، في ذلك ألوقت كانت ألشعوب في بلدان ألشرق ومنها ألبلدان ألعربية، تمر في حالة من ألسبات أتسمت بألركود ألأقتصادي، وألتخلف ألثقافي، وهيمنة ثقافة ألخرافات وألأوهام، وشيوع ألقبلية وألعشائرية وهيمنة ألأمية وألجهل وألفقر وألمرض، ناهيك عن أبتلائها بألكوارث ألطبيعية ألتي كانت عاملا من عوامل تدمير ألهياكل ألأقتصادية البسيطة لمجتمع فلاحي شبه أقطاعي ينوء تحت نير ثقل ألسلطة ألثيوقراطية ألمستبدة في ألأستانة وولاتها ألمنتشرين في ألأقاليم ألعربية، لما يقرب من خمسة قرون من ألزمن، حتى حلول ألحرب ألعالمية ألأولى وبداية دخول مرحلة تشكيل ألدول ألعربية ألحديثة في بداية ألقرن ألعشرين، بأنحلال ألأمبراطورية ألعثمانية، ألتي كانت في حينها تمثل قلب ألخلافة ألأسلامية وألراعي ألرسمي للدين ألأسلامي، والمهيمن ألأكبر على ريع ألأراضي ألعقارية بأعتبارها ألمالك ألأكبر للأراضي في مجمل تخوم ألأمبراطورية، حالها حال ألكنيسة ألمسيحية في أوروبا في ألقرون ألوسطى..!
لقد كان من باكورة ذلك ألتأثير هو نزوع بعض ألنخب ألمثقفة من ألمفكرين ورجال ألدين ومن رجال ألسياسة وألجيش آنذاك ، ألى أستلهام ألدروس وألعبر من مسيرة ألعلمانية ألتي أجتاحت شعوب أوروبا وأمريكا، فأندفع ألعديد منهم ألى ألدعوة ألى ألتجديد في منظومة ألأفكار وألمفاهيم ألتي كانت تسبغ على ألمعتقد ألديني حالة من ألجمود وألتقوقع، ومحاولة مواكبة ألنهضة ألجديدة في أوروبا بما يساعد على خروج بلدانهم من حالة ألأنغلاق على ألنفس وألتشتت. فكانت حركة ألأصلاح ألديني في ألعالم ألعربي ألأسلامي، وألتي لعبت دوراّ مميزا في نهوض شعوب ألمنطقة، ألتي تمثلت بألشيخ محمد عبدة وألمصلح ألكبير جمال ألدين ألأفغاني وغيره من أعلام ألمفكرين وألسياسيين، فمثلا كان للدعوة ألوهابية ألكبرى ألتي قادها ألمفكر ألأسلامي محمد بن عبد ألوهاب في أواسط ألقرن ألثامن عشر وما بعده، أثر كبير ودور أيجابي في توحيد ألقبائل ألعربية المشتتة في شبه ألجزيرة ألعربية، وفي دعم تأسيس ألدولة ألجديدة في نهاية ألقرن ألتاسع عشر وأوائل ألقرن ألعشرين تحت أسم ألدولة ألعربية ألسعودية. مما أكسب هذه ألدعوة صفتها ألجديدة كمذهب من ألمذاهب ألأسلامية في ألفقه وألتفسير، صنوّ للمذاهب ألأسلامية ألأربع ألأخرى، ومع ألوقت أصبح ألمذهب ألرسمي للدولة ألجديدة، بعد أن أبتعد رواده ألمتأخرون عن نوازع ألعنف ألتي رافقته في بدايات تشكل ألحركة ألوهابية..!
وعلى صعيد آخر برز ألتأثير ألكبير للعلمانية في ألشرق، في أطار أدارة ألدولة وبناءها على أسس جديدة وألخروج بها من شرنقة عالم ألقرون ألوسطى وألجهالة. كما حصل في ألهند ألتي قادها جواهر لال نهرو ألى عالم ألعلمانية، من خلال تشجيعه للديمقراطية وألأشتراكية، وتفضيله للعلمانية وألوحدة. وذلك بتكييفه للقيم ألحديثة مع ظروف ألهند. ورفضه عندما كان حزب ألمؤتمر تحت قيادته بعد نيل ألهند أستقلالها عام 1934 ألأئتلاف مع ألمنظمات ألأسلامية في بناء ألحكومة في بعض ألمناطق ألساخنة ألتي كانت تشهد علاقات متوترة بين ألهندوس وألمسلمين آنذاك وألتي أدت في ألنهاية ألى ظهور ألباكستان على ألخريطة..!
كما كان من تلك ألتأثيرات ألمهمة، تجربة (مصطفى كمال أتاتورك) في وضع تركيا في مصاف ألدول ألحديثة وأدخالها في مسيرة ألقرن ألعشرين ألحضارية ألمتطورة، وذلك من خلال برنامجه ألذي تبناه حزب ألشعب ألجمهوري ألذي تأسس عام 1923، وألذي يتركز في ألأتجاهات ألست ألتالية: ألجمهورية، ألوطنية، ألشعبية، ألدولانية، ألعلمانية وألثورية. لقد تمكنت تجربة (مصطفى كمال أتاتورك) من ألنجاح بعد ألغاءه نظام ألخلافة في ألثالث من آذار عام 1924 وأتباعه بألغاء ألمحاكم ألدينية في ألثامن من نيسان عام 1925. أما تحرير ألمرأة ، فيمكن ألقول بأن تركيا كانت في مقدمة ألدول ذات ألأنظمة ألأسلامية ألسباقة في منح ألمرأة ألتركية حق ألتصويت وألأنتخاب للبرلمان منذ كانون ألأول عام 1934. كما جاء ألغاء تعدد ألزوجات وألأخذ بعقد ألزواج ألمدني دعماّ لتحرير ألمراة، وذلك كنتيجة لتبني ألقانون ألمدني ألسويسري، وألقانون ألمدني ألأيطالي، وكذلك ألقانون ألتجاري ألألماني، مما أعتبر حق ألطلاق للمرأة دعوى مدنيةّ. هذا بألأضافة ألى ألعديد من ألأصلاحات في ألمجالات ألقانونية وألأجتماعية وفي مجال ألسياسية وألأقتصاد. لقد وضعت ألتجربة ألكمالية، بأخذها بالعلمانية كمنهج وأسلوب للحياة وتكييفها مع ظروف تركيا ألأسلامية ، قد وضعت ألدولة ألتركية ألفتية وبعد أربعة قرون من ألتحجر ألظلامي، على طريق ألتحضر وألحداثة ، في نفس ألوقت ألذي لم تمس فيه قيم ألناس ومشاعرهم ألدينية وعقائدهم ألأيمانية كما وحافظت فيه على سمات تركيا كأحدى ألدول ألأسلامية..!
ولكن ومع ما أشرت أليه بألنسبة لتجربة تركيا مع ألعلمانية، فأن ذلك لن يمنحها مفاتيح ألجنة ألسعيدة. فألأخذ بالعلمانية لا يمكن أن يكون وحده كفيلا بخلاص ألناس من ألأضطهاد وألتعسف، إن لم تتوفر تلك ألأيادي ألمخلصة لتهيئة أسباب أشباع ألحياة بألديمقراطية ألحقيقية، وتوفر ألظروف ألواقعية ألتي تتلائم مع ألنهج ألجديد، وبعكسه يمكن أن تتحول ألعلمانية، بيد من له ألأمر وألنهي، ألى دكتاتورية أقسى وأمر حتى من جبروت وطغيان سلطة ألأقطاع وألتخلف. فتركيا على سبيل ألمثال، لا يمكن وصفها بالدولة ألديمقراطية رغم أن هيكلية ألدولة قد بنيت وفقا للنهج ألعلماني، ومحاكاة مع النموذج ألأوروبي، وبعيدا عن بقايا ألأشكال الثيوقراطية للدولة ألقديمة. إلا أنها على ألصعيد ألعملي لا زالت ترفض حق ألقوميات ألأخرى في تقرير ألمصير كألقومية ألكوردية، وتمارس ضدها أبشع أساليب ألقمع وألأضطهاد. وألأمثلة مع ذلك كثيرة في دول أخرى على هذا ألتناقض ألصارخ بين ألمنهج وألتطبيق كما أشرت في أعلاه..!

أن وضع ألعلمانية في موضع ألنقيض من ألدين، يعكس طبيعة ألصراع ألمستمر بين تلك ألقوى ألأجتماعية ألصاعدة، وألتي تسعى ألى بناء ألمجتمع على أسس جديدة من ألأنفتاح ألديمقراطي على جميع مكونات ألمجتمع، من قوميات مختلفة وأحترام حقوقها ألقومية، وعدم ألسماح بصهر ألصغيرة منها في بوتقة ألقوميات ألأكبر. وكذلك ألى تكريس ألمفاهيم ألتي توجد ألأساس ألديمقراطي في أدارة شؤون ألدولة، دون غلبة لفئة دون أخرى، وتعمل على تحرير ألمرأة من قيود ألتعسف وألعزلة ألأجتماعية، وأخراج ألمجتمع من هيمنة ثقافة ألأوهام وألخرافات. وتعمل على تحرير ألفرد من عبودية ألجهل وألسير به ألى عالم ألمعرفة وألحضارة..!
هذا من جانب، و بين جملة ألقوى ألمتمثلة بألمؤسسة ألدينية، أيا كانت مسيحية أو أسلامية ألتي عبرت عن قلقها من تزايد أنصار ألجانب ألأول وتأثيرهم في ألمجتمع من ألجانب ألآخر ، وبالتالي ليس مستغربا أن تنحو هذه ألقوى ألدينية ألى ألتقارب ونبذ خلافاتها ألتأريخية ألمزمنة، وألتفتيش عن صيغ جديدة للتقارب وألتفاهم ألمشترك، وهذا ما يلمسه ألمرء من كثرة عقد ألمؤتمرات ألمشتركة وألحوارات ألمتعددة، وبروز ظاهرة ألناشطين من ألجانبين ( ألأسلامي وألمسيحي) للدعوة ألى ألحوار. وألى " نصيحة بابا ألكنيسة ألكاثوليكية في روما Pope Benedict XVI ألى توجيه أنظاره ألى ألأسلام وألعالم ألأسلامي، بدلا من وقفته ألقاسية من ألمسلمين وألأسلام ، فإن على ألبابا ألجديد أن يدعم حقوق ألمسلمين عبر ألعالم ألأسلامي ومساعدتهم للأطاحة بألأنظمة ألدينيوية، وأقامة دولة ألخلافة. وبهذه ألطريقة يكون قد أنقذ ألمسيحية، وحماية حقوق شعبه في ألعالم ألأسلامي، مرسلا بذلك بشير فأل للعلاقات ألمستقبلية مع دار ألأخلافة." عبد مصطفى – موقع ألهلال ألألكتروني- نفس ألمصدر بألأنكليزية
ومع ذلك، فأن هذا ألموقف ألمتشدد من قبل بعض ألمفكرين ألأسلاميين لم يلق أستجابة من قبل ألجميع لما فيه من نزوع للتطرف، رغم ما فيه من دعوة للتفاهم بين ألأديان..! فعلى سبيل ألمثال؛ وحسب قول ألأمير تركي ألفيصل، سفير ألمملكة ألعربية ألسعودية في ألولايات ألمتحدة ألأمريكية؛ فأنه "ليس هناك من متسع في ألنظام ألسياسي ألسعودي، لأي تسييس للأسلام (ألأسلام ألسياسي)، ومن وجهة نظر ألقيادة ألسياسية للحكم، فأن أستخدام ألأسلام بأي طريقة أو شكل للحصول على مكاسب سياسية، إنما يسيء ألى ألتوافق وألأنسجام داخل مجتمعنا." وحسب قوله أيضا؛ " فأنه حيثما توجد هناك بعض ألجماعات ألتي تقول بانها أسلامية ، ولكنها تريد ممارسة ألأفكار ألديمقراطية، فأن السماح لهم بذلك ، إنما هو "أللعب بالنار"، ففي ألوقت ألذي تسم حزبا ما بوسم ألأسلام، فأنه وبعد ذلك، ونتيجة لهذا ألوسم، تمنع ألآخرين من ألأسلام." ( Mira Oberman Wed Jun 28 موقع ألتجديد PIR / نقلا عن Agence France Press )
اما العلمانيون بكل تنوعاتهم، فأن نجاحهم يعتمد على مدى مطابقة إفرازات حركة الواقع الموضوعي مع تسلكاتهم وطرق أداءهم. وأن كان هناك خطر ما على مسيرة ألعلمانية فهو يكمن في تحويل العلمنة من منهج وأتجاه في ألتغيير، هو في جوهره حالة متحركة بأتجاه تطور ألمجتمع، إلى عقيدة وثوابت جامدة تأبى التغيير، حيث في هذا تكمن بذور فشلها وأنحسارها..!

قبل ألنهاية

خلاصة لما تقدم فأن ألبحث في أشكالية ألعلمانية لايمكن أن ينتهي في رؤوس ألأقلام أعلاه، بقدر ما تكون هذه ألمقالة في جزءيها حافزا للبحث ألمتواصل في جميع جوانب هذه ألأشكالية ألتي تمثل في تقديري إشكالية للعصر، ألتي لم تعط حقها من ألبحث ألمعمق رغم كثرة ما كتب حولها من قبل ألمفكرين وألكتاب في ألعالم.
من هنا أستطيع القول بأن العلمانية في جوهرها ألديمقراطي، هي كل موقف يحاول التخلص من ألقيود ألتي تعيق مسيرة ألتطور ألأنساني في ألحياة ، فهي تنطلق بالدرجة الاولى من واقع متحرك لا يقبل الثبات، وتتعامل مع ألظواهر ألحياتية من خلال دراسة جزئياتها، وهذا شأن الحياة، وهي في سعيها هذا لا تقحم نفسها في الخوض في إشكالية ألأعتقاد نفسه، بقدر ما توليه من إحترام وحماية على صعيد ألقوانين ألوضعية وتثبيته كحق لا يقبل ألتأويل أو التحريف في ألدساتير، تحت باب ألحريات..! اما العقائدية ،بمختلف أشكالها، فهي في ميلها للثبات والتمسك بالأسس، وفي محاولتها وضع ألعلمانية في موضع ألنقيض لها من خلال قحمها مسألة ألأعتقاد وأيمان ألفرد في ألموقف من ألعلمانية، وإغفالها لجوهر ألأتجاه ألعلماني في مسيرة ألحياة ألأجتماعية بالنسبة للفرد ، خالقة بذلك هذا التناقض الصارخ بين الموقفين بكل ما يحمله ذلك من افرازات ومؤثرات ونتائج، وتطرفات يمينا أوشمالا. فألأساس في وجود (ألعلمانية) على ألمسرح ألتأريخي ألعالمي، يبقى مصدره وهدفه دائما ( ألفرد)، ككائن فريد في قدراته وأمكاناته ألعقلية وديناميكيته في تقبل ألتغيير وسرعة ألتمرد على ألواقع وسرعة ألأنتقال عبر ألمراحل ألتأريخية. أما أساس موقف (ألمؤسسة ألدينية) من كل ذلك، فمصدره جملة ردود ألأفعال على نشاط ألفرد هذا، في محاولة منها ألى تكبيله ضمن ألأطر وألتقاليد ألتي قننتها، وحملتها روحا أيمانية تدخل في صلب معتقد ألفرد، لتترجم حسيا، في حالة ألخروج عليها أو حتى إنتقادها، وكأنما هو خروج على معتقده ألأيماني في أسمى معانيه. ومن هذا ألمنطلق يسعى ألكثير من مفكري ألمؤسسة ألدينية ألى خلق حالة من ألتعارض ألمستمر بين ألطرفين، بما يخدم ألقول ألسائد أليوم؛ بأن ألخطر ألحقيقي على ألمؤسسة ألدينية ليس ناجما من ألصراع بين ألأديان نفسها، بل هو خطر (ألعلمانية) ألذي بات يهدد ألجميع..!

ومن باب ألأستذكار وليس ألتحليل، فهذا ليس مكانه مع هذه أللمحات، ألفت ألنظر ألى ألأنجاز ألكبير ألذي حققته ثورة ألرابع عشر من تموز1958 في تشريعها لقانون ألأصلاح ألزراعي، ألذي حرر ألملايين من ألفلاحين ألفقراء من عبودية ألأقطاع، وتحرير ملكية ألأرض من رقبة ألأقطاعيين وتوزيعها على صغار ألفلاحين، وكذلك أنجازها ألآخر في تشريعها لقانون ألأحوال ألشخصية، ألذي حرر ألمرأة ولو نسبيا من كثير من ألقيود ألأجتماعية ألمرتبطة ببقايا ألنظام شبه ألأقطاعي وفتح أمامها آفاقا من ألمشاركة ألفعلية في ألحياة ألسياسية وألأجتماعية وألأقتصادية وألثقافية؛ أقول أن تشريع هذين ألقانونين ألتأريخيين في ألعراق في عصره ألحديث، قد جلبا ردة فعل شديدة من قبل رجال ألأقطاع من رؤساء ألعشائر ألعربية وألكردية وملاكي ألآرض ألكبار، مرفقة بموقف داعم ومساند من قبل (ألمؤسسة ألدينية)، ألأسلامية منها وألمسيحية، مما شكل حلفا مقدساّ واسعاّ ضد منجزات ألثورة، أسفر في ألنهاية ألى ألأجهاز عليها في ألثامن من شباط 1963 ..! لقد كان دور ألمؤسسة ألدينية في عملية ألصراع ضد منجزات ألثورة، منصباّ بألأساس على ألعقيدة ألأيمانية لرجال ألثورة وقادتها وعلى ألمؤازرين لها من ألملايين من فقراء ألفلاحين ومن ألعمال وألكسبة وألنساء وألطلبة وجمهرة ألمثقفين، من رجال ألعلم وألكتاب وألشعراء، وحتى نخبة كبيرة من رجال ألدين، فقد وصمتهم بألألحاد وألخروج على ألشريعة وبالشعوبيين، بل وحتى أفتت بتكفيرهم..!؟
لقد كان هذا مجرد مثل للأستذكار، يوضح لنا بأن ألمؤسسة ألدينية أيما كانت، أسلامية أم مسيحية، فهي تبقى في جوهرها، حيث تمتلك ألرياض وألعقار وتستوفي ألريع من أملاكها( ألوقف ألسني- الوقف ألشيعي) (ألفاتيكان- أملاك ألكنيسة)، جزءّ من مكونات ألمجتمع ألأجتماعية ألأقتصادية، تؤثر وتتأثر بكل ألتغيرات ألتي تجري في ألواقع ألقائم، بعيدا عن عالم ألزهد والرهبانية إلا في ألأحوال ألتي تستشعر فيها خطرا على مصالحها ألخاصة.
وما يطلق عليه أليوم من تسمية " ألأسلام ألسياسي" على سبيل ألمثال إنما هو يعبر عن ألمظهر ألخارجي للمؤسسة ألدينية في شكلها "ألعلماني" ..! وحيث أن أغلب ألشرائع ألدينية ومنها ألشريعة ألأسلامية، ينقسم فيها ألدين ألى قسمين: ألعبادات وألمعاملات. فان قسمها ألثاني (ألمعاملات) يتيح لها ولوج ألعالم ألدينيوي وألأسهام فيه تملكا وبيعا وشراءّ وغيرها من ألمعاملات ألدينيوية ألأخرى ألمرتبطة بذلك، وبالتالي فلا أظن أن ألمؤسسة ألدينية يمكنها أن تعزل نفسها، طالما هي تمارس ذلك، عن دينيوية ما يجري حولها وتتأثر بمتغيراته. أما ألجانب ألأخر وهو قسم ألعبادات، فهو ما يضفي عليها هيبتها وقدسيتها ويعطيها خصوصيتها في تقبل أحترام ألمتدينين من ألمواطنين ومكونات ألمجتمع ألأخرى حتى غير ألمتدينة منها. فهي مؤسسة علمانية- دينيوية من حيث أرتباطها بشؤون ألدولة وألحكم وألأقتصاد؛ دينية من حيث منهجية عقيدتها ألدينية ألتي تشكل ألأطار ألعام لهذه ألدينيوية وألمراقب ألعام على أداءها. ومن هنا تأتي أشكالية علاقتها مع ألقوى ألعلمانية أللبيرالية، فيما يتعلق بشؤون أدارة ألحكم وحرية ألفرد..!

مهما يكن ألأمر؛ فأنه وفي ألوقت نفسه، لا يعني هذا عدم وجود خطوط ألتقاء مشتركة بين ألطرفين ، لما يخدم مصلحة ألمواطن، بالقدر ألذي لا يقيد من حريته ألشخصية في أبداء ألرأي وفي ألتفكير وألمناقشة وأتخاذ ألقرار، كما وفي حقه في ألتمتع بتقرير ما يراه يتناسب ومصلحته ألشخصية في ألعمل ألحر وألأتجار وألكسب ألمشروع، وكذلك حقه في ألتمتع بتقرير مستقبله في بناء ألأسرة وفقا لما يمليه عليه ضميره وما يتفق مع رضاه ورضا ألطرف ألآخر دون تقييد أو إكراه ، إلا في ألحدود ألتي لا تتعارض وألموانع ألتي حددها ألقانون. كما ومن جانب آخر إحترام حق ألمواطن في معتقده من خلال كفالة حق ألأعتقاد للجميع، وعدم إكراه ألفرد على ألتخلي عن معتقده لصالح معتقد آخر، بأي شكل من ألأشكال، مادية كانت أم معنوية، وأحترام حقه في أداء طقوسه ألدينية، وإحترام مقدساته من كتب مقدسة ومن مواقع للعبادة وآثار مقدسة. بألأضافة ألى أحترام حقه في ملكيته ألشخصية، وعدم ألتدخل في شؤونه ألأسرية، فيما يتعلق منها بطريقة تربية أبناءه، وعدم ألمساس بحقه في إختيار نمط ألتعليم. فطالما كان ألفرد هو ألعنصر ألمحرك في ألمجتمع، فليس لأحد من سلطان عليه، إلا ما يقرره ألدستور من سلطة وواجبات..!
إن ألمرونة ألعقلانية وألأبتعاد عن ألتطرف وألمغالاة في ألمواقف، من قبل جميع ألأطراف علمانيين أو متديينين، كفيل في تجنب حالة ألأصطراع وألأحتقان بين ألطرفين، وحل أشكالية ألتعارض عن طريق ألحوار ألمشترك وألتفهم ألصحيح لحالة ألتغير ألمستمرة في حيا ة ألمجتمع، وألأخذ بمقولة "تغير ألأحكام بتغير ألأزمان" ، وعدم تكفير ألطرف ألآخر أو إقصاءه، فألحياة هبة من موجدها لينعم فيها ألجميع..! "فألناس قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" ..!


*- للزيادة في ألبحث راجع :
ألأنسيكلوبيديا ألبريطانية
ألأنسكلوبيديا ألكاثوليكية
ألموسوعة ألحرة- ويكيبيديا
ألأنسكلوبيديا ألوطنية ألسويدية



#باقر_الفضلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟* ألقسم ألأول
- ألزرقاوي: ألأسطورة وألظاهرة...! ألجزء ألثاني
- ألزرقاوي: ألأسطورة وألظاهرة...! ألجزء ألأول
- قراءة سريعة في برنامج الحكومة المالكية..! 2/2
- البصرة: بين مطرقة العصابات وسندان المليشيات..!
- قراءة سريعة في برنامج الحكومة المالكية..!1/2
- الحكومة الجديدة: حكومة للوحدة الوطنية أم حكومة للتعهدات..؟
- هل هي صرخة في واد...؟
- العراق: ملامح الحكومة المرتقبة..!
- ألعراق: ألأول من آيار- مهام صعبة...!
- ألعراق: ألأشتباك ألأمريكي – ألأيراني..!
- هل كان ذلك فخا..؟
- ....عقلانية الخطاب السياسي
- ما وراء موقف الجعفري..؟؟
- هل أن الكونفدرالية بديل للديمقراطية..؟
- !..الملف ألأمني واللعبة السياسية
- !..وطنية حزب
- !..ألألتزام -السياسي- بنصوص الدستور
- الذكرى الثالثة..أحتلال أم تحرير..!؟
- !..الملف ألأمني- الحالة المستعصية


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- ما بعد الإيمان / المنصور جعفر
- العلمانية والدولة والدين والمجتمع / محمد النعماني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع - باقر الفضلي - ألعلمانية: منهج أم عقيدة..؟*ألقسم ألثاني