أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم تايه - مصالحة في الهواء الطلق














المزيد.....

مصالحة في الهواء الطلق


هاشم تايه

الحوار المتمدن-العدد: 1599 - 2006 / 7 / 2 - 02:39
المحور: الادب والفن
    


ليس ما سأصفه هو من قبيل تبجيل أمّنا الطيبة الناهضة "المصالحة"، والدعاية لها في لحظتها غير المريحة هذه، فلقد أتيح لي أن أكون شاهداً عليه، ولكَ، عزيزي، أن تعتبر به، أو تسخر منه...
كنت أجلس إلى جوار نافذة في مبنى هيئة زراعة البصرة التي نُقلت إليها من التعليم، وظيفتي السابقة، بأعجوبة من أعاجيب ثمانينيات قرننا المحتدمة...
في شمس نهار صيفيّ، يكاد يشبه نهارنا هذا، لمحتُ، صدفةً، أستاذي (عين) الذي قرأت على يديه الفيزياء أيام كنت طالباً في المتوسطة في الستينيات، كان يدرج في الزقاق تتأبطه امرأة لا بدّ أنها زوجته… هي بثوب أسود، وهو ببنطال رماديّ وقميص أبيض، كانا ذائبيْن في شمس ذلك النهار…
قبل أن يدخلا إطار النافذة التي التصقتُ بها، كان يقترب منها من الناحية الأخرى من الزقاق (ف) أحد ضباط الأمن في البصرة.. كان هذا معروفاً بقسوته في إنجاز مهام وظيفته كجلاد متمرّس طيلة عمله فيها… وقد قُدِّر لي أن أشهده يُغير على مدرستي المتوسطة أيام الستينيات تلك مع رهط من رجاله العتاة فينتزع من بيننا، نحن الطلبة، أستاذنا في الفيزياء (عين)، بسبب ربطته الحمراء التي كان الرجل يحرص على عدم ارتدائها، ويقتاده إلى كهفه الأسود في مديرية الأمن، فتغيب عن صفّنا الفيزياء أياماً وتنقلب إلى غبار من صخب وضجيج...
كان هذا يحدث باستمرار وقد تعوّدنا على أن نربح أستاذنا المنكود يوماً، وأن نخسره أيّاماً.. وكان إذا حضر أطلّ علينا بوجه جرّده الشحوب من مائه، وقد ألفنا شروده وذهوله عن فيزيائه، وانكبابه على خصلة في شعره تقبض عليها أصابع إحدى يديه وتروح تفتلها فتلاً حتى تكاد تقطعها، خلاصة الأمر حياة أستاذنا المسكين انقلبت إلى جحيم بسبب غريمه الأسود الموكول به…
العلاقة التي تربط الرجلين اللذين كانا يوشكان على أن يلتقيا في الزقاق الضيّق، ولا مفر لهما من أن يجدا وجهيهما يرتطمان ببعضهما، هي علاقة عنف، عنف يخرج من (فاء) بحكم الرغبة في الاستبداد فيستقبله (عين) بحكم الرغبة في الحريّة…
لبثتُ مسمَّراً في النافذة أرقب مشهد الارتطام بين رجلين لم يتوادّا في يوم وتقاعدا عن العمل من سنوات، أستاذي عن التعليم وغريمه الضاري عن التعليب ! هل سيكون الهواء قادراً على أن يحتملهما معاً؟ أي جرح ستكابده اللغة لو أنّها وضعت جسدها بينهما ؟
اقتربا من بعضهما وصارا وجهاً لوجه يجمعهما إطار نافذتي... ولم يطل الأمر... مدّ رجل الأمن يده بكفّ مبسوطة تطلب يد أستاذي.. وأوشكتُ أن أقذف الاثنين بصرخة صعدت إلى حنجرتني، لكنّ المرأة ابتسمت في تلك اللحظة، فابتلعتُ صرختي، ولم أكن، أنا المستطار وقتذاك، أستطيع أن أعرف فيما إذا كانت تبتسم ساخرة من المصادفة العمياء، أم تعبيراً عن الرضا...
لا بدَّ أن الكلمات التي أرسلها رجل الأمن مبسوط الكفّ كانت تعبّر عن الاعتراف بهول ما صنع بالرجل، وربما عن الندم أيضاً، ولا بدّ أنّ ذلك الاعتراف المجلّل بالخجل هو الذي أخرج يد أستاذي وبسط كفَّها ودلَّها على كفّ النادم...



#هاشم_تايه (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذُعْر لا يقوى على حمله الهاتف
- كلاسيك
- المربد ... الصوت والصدى
- ضيف الحجر
- أجراس
- من أجل أمّي
- مَنْ يحلب القيثارة السومريّة في لندن ؟
- كولاج الألم
- لا أذودُ الطّيرَ عن شَجَرٍ
- صنائع الصحفي
- ديمقراطية تبحث عن مكان
- التشكيلي محمد مهر الدين فعل الرسم بين التجريد والرغبة في الب ...
- طريقٌ أم طرق ؟
- الرؤية الكونكريتية
- التشكيلية السورية هالة الفيصل الأنثى بعين الجسد
- أسمال ليست طاعنة في السن
- بصوت هادئ حمّال الأسيّة !


المزيد.....




- الثقافة العربية بالترجمات الهندية.. مكتبة كتارا تفتح جسرا جد ...
- ترامب يأمر بفرض رسوم جمركية على الأفلام السينمائية المنتجة خ ...
- إسرائيل: الكنيست يناقش فرض ضريبة 80? على التبرعات الأجنبية ل ...
- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...
- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...
- في عام 1859 أعلن رجل من جنوب أفريقيا نفسه إمبراطورا للولايات ...
- من النجومية إلى المحاكمة... مغني الراب -ديدي- يحاكم أمام الق ...
- انطلاق محاكمة ديدي كومز في قضية الاتجار بالجنس


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هاشم تايه - مصالحة في الهواء الطلق