هاشم تايه
الحوار المتمدن-العدد: 1526 - 2006 / 4 / 20 - 09:16
المحور:
الادب والفن
احتفظت البصرة، في عامها هذا أيضاً، بمربدها في أجواء حرّيتها الملوثة المؤلمة، ونزل قُصّاد المربد الثالث بأثقال أرواحهم في المدينة المنحنية على شطّها بحذاءين من نفايات.. لكن المربد بضجيج شعرائه الذي أنهك الكاميرات دخل المدينة وخرج منها كما الحلم اجتاح خاطرها المرهق الغافي، وحين استيقظت لم تجد له أثراً، ولم تعرف من شأنه أمراً...
الشعراء والمكلفون بهم وملتقطو جواهرهم وحصاهم وكل من وجد نفسه في ركبهم ساروا في شوارع البصرة بخمار الحافلات المظللة المحروسة من نار اللاعبين بأقدارنا، وقرأوا قصائدهم بعيداً عن الهواء الطلق في خيمة مغلقة من حجر وإسمنت بين جمهور هم غالبيته، فكأن المربد لم يغادر عادته القديمة، ودأبه المكرور، وجرياً على تلك العادة غدت قصائد الشعراء مثل دِيَكة تتصارع في حلبة لا ترحم... تصعد القصيدة يتبعها صاحبها على المنصّة التي تتكالب عليها الأضواء وعدسات الكاميرات، وأمام هول الجالسين تتعرّى بإرادتها ولا يفعل صاحبها إلاّ أن يرفع يده أو أصابعه مشيراً إلى ما يحسبه من مفاتن جسدها، متطلعاً بعينين ذائبتين باحثاً بين الحشد عمّن يؤمّن له الاعتراف بقدر صاحبته التي عرضها، سواء أكان ذلك بالتصفيق أم بأمر هو غاية مُناه، أمر يجعله يعيد عرض عضو من كيان قصيدته العاري...
المؤلم في مرابدنا الصورة المحزنة لشعراء يكلفون أنفسهم عناء الشعر الصعب ويرتقون المنابر بما ليس فيه غناء، ولا أمل له بالتحليق في سماء الشعر، والأدهى من ذلك أنهم لا يجدون أُذُناً في جسد جمهورهم، لكنّهم، مع ذلك، ينكبّون على قصائدهم يقرأونها بألسنتهم ورؤوسهم وأيديهم بأصوات تضيع في بحر أصوات الحاضرين الذين جاءوهم بأسباب شتى.
#هاشم_تايه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟