جائحة كورونا والنظام السياسي

جواد الديوان

الحوار المتمدن-العدد: 6622 - 2020 / 7 / 18 - 14:02
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

عواقب مهمة وغير متوقعة تنتج عن الازمات الكبيرة، فمثلا الركود الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي ادى الى انعزالية الدول والافكار القومية والفاشية والحرب العالمية الثانية. ولكنه قدم الولايات المتحدة الامريكية قوة عظمى، وانهى عهد الاستعمار. ونتج عن حادثة 11 أيلول 2001 فشلين امريكيين (العراق وافغانستان)، وصعود ايران وانماط جديدة من الاسلام الراديكالي او العنيف. وسيكتب المؤرخون مستقبلا عن اثار جائحة كورونا.
وتحدد نجاحات الدول في التعامل مع جائحة فيروس كورونا، عوامل مثل قابلية الدولة، وثقة المجتمع بقيادة الدولة. وفي البلدان التي لا تحسن الحكومات وظيفتها ولا يثق بها المجتمع، ولا كفاءة لقيادتها اضحى مواطنوها واقتصادها مكشوفا لتعبث به الجائحة. ويبدو ان فيروس كورونا اقل فتكا مما كان يخشى، لكنه شديد العدوى وينتقل من الناس بدون اعراض. الا ان فيروس ايبولا اكثر فتكا واقل عدوى.
وربما العواقب السياسية لجائحة كورونا اكثر اهمية من العواقب الاخرى مثل الصحية. والناس تبحث عن افعال بطولية، ومنها التضحية، ولكن لفترة محددة، وليست طويلة. والوباء المستمر واشكاليات الاقتصاد (فقدان الوظائف والاجور اليومية وغيرها) تؤدي الى ركود اقتصادي طويل الامد، وعبء ديون غير مسبوقة، وحتما ستؤدي الى توترات وردود فعل سياسية، ولا يمكن التكهن باي اتجاه، اي بالضد لمن في البلد او العالم.
توزيع القوى العالمية سيتجه شرقا، حيث الاداء الناجح لشرق اسيا في مواجه الجائحة، وافضل منه في اوربا والولايات المتحدة الامريكية. ورغم ان الصين كانت بداية للجائحة بل وساعدت على نشره، وربما خداع منظمة الصحة العالمية. وعلى الاقل الصين استطاعت السيطرة على الجائحة لاحقا، واتجهت الى تحدي اخر في استعادة اقتصادها بسرعة. وعلى العكس من ذلك، استجابة الولايات المتحدة للجائحة سيئة وانزلقت هيبتها كثيرا. رغم ان لديها قدرة هائلة للدولة، ولديها سجل رائع في الازمات الوبائية السابقة. الا ان المجتمع المستقطب منع الدولة من العمل بشكل فعال، وظهرت نتائج في التخلي عن المسؤوليات على الولايات، وتشجيع الاحتجاجات، ومهاجمة المؤسسات العالمية بدل ان تحفيزها للعمل.
وقد تسارع الجائحة من انحدار الولايات المتحدة، وتتاكل مكانتها التحررية في العالم، وذلك سيساعد على ظهور الفاشية مجددا في العالم (وليس بالضرورة افكار هتلر بل الافكار القومية دفعت لممارسات فاشية والعراق وسوريا ومصر امثلة على ذلك). وممكن ان تساعد الاوضاع على ولادة ديمقراطية ليبرالية تحيطها الشكوك في القابلية على التجدد والمقاومة.
صعود القومية في العالم يزيد من احتمالات النزاعات العالمية كثيرا، حيث يرى ساسة القومية بان الحرب مع الاجانب من اساسيات تدعيم الجبهة الداخلية (الحرب العراقية الايرانية وما نتج عنها خير مثال). وجائحة كورونا وسيلة لزعزعة الاهداف المستقرة، لخلق حقائق جديدة على الارض (النزاعات التي تشهدها منطقة الشرق مثال لذلك).
ستعاني البلدان الفقيرة والمدن المزدحمة من جائحة كورونا بشكل مؤلم. فالتباعد الاجتماعي فيها صعب، وكذلك غسل الايدي صعب جدا. وندرة الماء ومشاكله ممكن ان تصنعها الحكومات، وبذلك تحرض على التوترات، وتقويض النسيج الاجتماعي.
ستجد الشعوب في دول العالم الثالث نفسها على حافة الكفاف، والجائحة ستسحق امال مئات الملايين الذين استفادوا من عقدين سابقيين من النمو الاقتصادي. وبذلك ينمو الغضب الشعبي، ويحطم امال وتوقعات الملايين، ومن ذلك تنطلق الثورات. واليأس يدفع الناس للهجرة، ويستغل القادة الفرصة للحصول على القوة، ويرى الساسة الفاسدون ذلك فرصة للسرقات.
الرؤى المروعة من الجوائح او الحروب انتجت طوائف جديدة، ومنها الفاشية. وفي حقيقتها طائفة او فرقة ظهرت نتيجة العنف والاهوال التي رافقت الحرب العالمية الاولى. وقد ينتج الواقع المزري في الشرق، ومصائب الجائحة لطوائف جديدة (صعود جديد للقومية العربية الراديكالية احتمال وارد).
ونظريات المؤامرة في الشرق كانت لازدهار حكومات بعينها، وعندها يشعر الناس انهم بلا حول ولا قوة. وتنتشر نظريات المؤامرة في الشرق بشكل كبير، وتنتشر في الغرب كذلك ومثالها ان فيروس كورونا الجديد مضنع في مختبر.
التعامل مع الجائحة بمهنية وخبرة، يكشف عدم الكفاءة بسرعة، وبالنتيجة مكافاة من عمل جيدا من الساسة ومعاقبة من اساء منهم.

#جواد_الديوان (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات