كمال غبريال
كاتب سياسي وروائي
(Kamal Ghobrial)
الحوار المتمدن-العدد: 6603 - 2020 / 6 / 27 - 20:44
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من أخطر عناصر الخلل في رؤية النخب السياسية وجماهير الشعوب الفاشلة المتخلفة،
رؤيتهم لمفهوم "مصالح الشعوب".
فهم ينظرون للدول الكبرى والشعوب القوية الغنية المتحضرة، على أنها تسعى لنهب خيرات الدول والشعوب الفقيرة المتخلفة.
هكذا تكون الإدارات السياسية للدول المتقدمة أشبه بعصابات سطو، تدبر الرخاء لشعوبها، لا عن طريق حسن إدارة مواردهم، وبالتعاون المثمر مع غيرهم من الشعوب، وإنما بالسطو بالقوة أو بالحيلة والخداع على ثروات الشعوب القابعة في حضيض التخلف.
أنا شخصياً كواحد من المتخلفين الفاشلين، أتمنى أن تنتقل جميع التحف القيمة والأثاث الفاخر من بيت جاري الثري إلى بيتي. وأن تنتقل ثروته بحسابه في البنك إلي حسابي الخاوي. لكنني لا أحاول أن أحقق أمنياتي العظيمة هذه. وأركز في الاجتهاد وتنمية قدراتي، حتى أكسب عيشي بجهدي. أفعل هذا ليس لأخلاقي العالية، فأنا أخلاقي في الحقيقة في الحضيض، بحكم نشأتي في مجتمع متخلف ثقافياً واقتصادياً وأخلاقياً. لكنني لا أفعل ذلك لأن البشر توصلوا منذ أن ودعوا حياة التجول والالتقاط الفردية وعاشوا في مجتمعات، إلى أن تحصيل العيش يكون بالجهد المنتج والتعاون، وليس بالسطو والسلب والنهب، الذي اتفقت البشرية أن من ينتهجه هو مجرم مكانه خلف القضبان.
هكذا أنا مضطر أن أخفي ميولي للسطو على ممتلكات جاري في عقلي الباطن. وأعيش بين الناس بعقلي الواعي. الذي يرى لي مصالح لا تتعارض مع مصالح سائر من حولي. وإن كنت أدخل معهم في تنافس شريف وفق القوانين والعلاقات المجتمعية السائدة. وبجانب التنافس مع من حولي هناك التعاون والتكامل، الذي يفيدني ويفيدهم.
نحن كأفراد في المجتمعات الأشد تخلفاً ننتهج في كسب عيشنا هذا المنهج الأخير فعلاً، ومن يشذ عنه منا نضعه في السجون.
هكذا تتصرف الشعوب المتحضرة الآن بصورة جماعية مع غيرها من الشعوب. تتبادل المنافع والتعاون والتكامل. وتدخل في منافسات شرعية وفق العرف والقوانين الدولية. ولا تتبادل السطو والنهب والسلب البدوي العربي القديم.
هكذا لا يريد الغرب نهب بترولنا وثرواتنا. لكن ونحن مشغولون بالنكاح ورضاع الكبير، هو مهتم باستخراج نفطنا من باطن الأرض، ثم شرائه وتكريره واستخدامه في صناعة منتجات يحتاجها، ونحتاجها نحن أيضاً، حتى لا نظل نعيش في الخيام، ونركب الخيل والبغال والحمير، وننظف أسناننا بالسواك، ونتداوى بالحجامة وبول البعير والشعوذة.
هذا هو المفهوم الحديث للمصالح. والذي أدركناه في حياتنا الفردية، لكننا على مستوى سياسة الشعوب، مازلنا نتصور المصالح بالرؤية العربية البدوية، القائمة على نهب القوي للضعيف.
الجهل والثقافة البدوية عميقة الجذور في عقولنا وسيكولوجيتنا بأكثر مما نتخيل.
#كمال_غبريال (هاشتاغ)
Kamal_Ghobrial#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟