|
الباب الصغير
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6586 - 2020 / 6 / 7 - 15:47
المحور:
الادب والفن
كان الشابُ في طريقه إلى السوق، أين يعمل هناك في صنع السلال. عادةً طريقه لا يتغير، مهما تقلب الطقس. واليوم كان جميلاً، عاد في خلال الظهيرة من منزله عقبَ تناوله الغداء. كان على ظهره حماره، الذي خدمه بضع سنين حتى غدا كلاهما يعرف طبعَ صاحبه. الطريق، كان موحشاً؛ يشق البساتين وقد أحدق به من الجانبين جدارٌ طينيّ، عششت فيه الزواحفُ وظللته أشجار الجوز العملاقة. وصل الشابُ إلى بقعة من الطريق، ينفتح فيه الجدار عن باب صغير، واطئ. في الآونة الأخيرة، كان الحمار كلما وصل إلى هذه البقعة فإنه يراوح في مكانه هنيهةً إلى أن تحثه على التحرك ضرباتُ عصا صاحبه. إلا في هذا اليوم، حيث حَرَنَ الحيوانُ وصار يُطلق نهيقه مع كل ضربة عصا. اضطر الشابُ للترجل، وكفّ عن ضرب دابته. لم يكن قبلاً قد أطل من الباب الصغير، وكان هذا عبارة عن فتحة مقوسة الشكل تم الاعتناء بإطارها الحجريّ. خلال الباب، انفتحَ منظرُ بستانٍ حافل بالأشجار المثمرة، ترويه ساقيةٌ تصدر خريراً في عذوبة مائها وصفائه: فإن الشاب ذهبَ وتذوق من معين الجدول، ثم حمل للحمار طاساً منه. " آه، إنها ورقة مالية "، هتفَ في فرح. لم يكن ذلك لقيمة ما عثر عليه عَرَضاً، ولكن لأنه يُبشّر برزقٍ سيأتيه في خلال ما تبقى من النهار. فإن الحمار، نتيجة حرنه قبل قليل، أخرجت قائمته الورقةَ المالية من بين تراب الطريق. أخذ الشابُ ينفخ الغبارَ عن الورقة، وإذا به يرى كتابةً عليها بخط أزرق اللون. كان يعرفُ القراءة والكتابة، بفضل دروس الطفولة عند الشيخ القاسي القلب. " ابحثْ هناك عن كنز! "؛ هذا ما كُتبَ على الورقة المالية. تحت الجملة، كان ثمة سهمٌ يتجه رأسه إلى جهة الباب الصغير. فكّرَ في نفسه مُبلبلاً، ما لو كان هذا هوَ الرزق المأمول. بيد أنه استسلم سريعاً للقنوط، فيما كان يلقي نظرةً على المكان: كيفَ في الوسع العثور على كنز في بقعةٍ كهذه، تتشابك فيها الأشجارُ والنباتات مثل ألياف القش، التي يصنع منها السلال؟ تفكيره، ما لبثَ أن هداه إلى أن السهمَ قد يُشير تحديداً إلى الساقية؛ كونها تقابل تماماً مدخل الباب الصغير. عاد إلى نفس البقعة من الساقية، أين نهلَ منها الماء، فأخذ ينقل بصره في خلالها. ثم أخذ ينكش فيها بطرف عصاه، إلى أن بانَ طرفُ سلسلة حديدية. كان جديراً بقلبه أن يخفق عندئذٍ في عنف، بينما يده تسحب السلسلة على مهل لكن بقوة. " يا إلهي، إنه صندوقٌ ثقيل للغاية برغم حجمه الصغير "، خاطبَ داخله. إذاك، كان قد أخرج الصندوق من الساقية، ما ترك فيها حفرة سرعان ما أخذت تمتلئ بالماء. استغرقَ بعدئذٍ في محاولة فتح الصندوق، وكان بلا قفل. بصعوبة بالغة، تزحزح الغطاءُ من مكانه وما عتمَ بريقُ الذهب أن خطف بصر الشاب. وإنما في اللحظة التالية، شعر بصدغه كأنما اخترقه رمحٌ وما أبطأ في السقوط فاقداً الوعي. ناطور البستان، وكان رجلاً متوسط العُمر، هوَ مَن انهال بعصا الشوم على رأس الشاب. لقد راقبه مذ لحظة إخراج الصندوق من الساقية، لحين أن تمكن من فتح الغطاء على مشهد الكنز. الخطوة التالية، كانت في تخلصه ببرودة من الشاب. تحقق له ذلك، بأن وضع رأسه في الماء ضاغطاً على أعلى الجسد بثقل جسده القويّ. لما تأكد من موت ضحيته، سحبَ الجثة إلى مكان غارق من الساقية تحفه الصخور. على الأثر، أحكم ثانيةً غطاءَ الصندوق ثم مضى به في اتجاه مدخل الباب الصغير. شاءَ استعمال دابة ضحيته، كي يوصل الكنز إلى المنزل. لحُسن الحظ، وجد جوالاً في خرج الحمار فأخفى الصندوق فيه ثم جعله في حضنه. غيرَ أن الحمار لم يتحرك برغم الضربات المتتالية من عصا الشوم. فكّرَ قليلاً، فما عتمَ أن نزل عن الحمار فحمل الصندوق باتجاه الساقية مجدداً: " ما دامَ حُفظ هناك فإنه مكان مناسب، لحين أن آتي بحصاني من المنزل "، قرر ذلك مطمئناً. أسرع بوضع الصندوق في نفسه الحفرة، ثم أهال عليها ما تيسر من الطين والأحجار. آبَ بعدئذٍ إلى جهة الحمار. حانقاً، انهال على مؤخرته بضربة قوية من العصا. وإذا الحمار يرفع قائمتيه الخلفيتين بلمحة، ليرد الضربة بمثلها. الركلة، جعلت رأسَ الناطور يضرب بعنف في الإطار الحجري للباب الصغير. عند حلول العصر، حينَ قدِمَ مسئولُ الأمن في المنطقة، كانت الجثتان قد وضعتا على عربة تشدها الخيل. جمهرة من المزارعين، ملأت البقعة الموحشة من الطريق وكان أحدهم قد اكتشفَ أولاً جثة الناطور. قال المسئولُ لجاويش الشرطة، بنبرة الخبير العارف: " واضحٌ أن الناطورَ فاجأ الشاب وهوَ يحاول سرقة الخضار، فاقتتلا حتى الموت ".
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 2
-
بضعة أعوام ريما: الفصل العاشر/ 1
-
بضعة أعوام ريما: بقية الفصل التاسع
-
بضعة أعوام ريما: الفصل التاسع/ 3
-
بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل التاسع
-
بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 5
-
بضعة أعوام ريما: الفصل الثامن/ 4
-
بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الثامن
-
المارد والحورية
-
بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السابع
-
المنحوتة
-
المرآة السحرية
-
غرام الأميرة الصغيرة
-
بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 2
-
بضعة أعوام ريما: الفصل السابع/ 1
-
بضعة أعوام ريما: بقية الفصل السادس
-
بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 2
-
بضعة أعوام ريما: الفصل السادس/ 1
-
بضعة أعوام ريما: بقية الفصل الخامس
-
بضعة أعوام ريما: مستهل الفصل الخامس
المزيد.....
-
جغرافيون مجتمعون في فرنسا يناقشون ترامب و-إعادة كتابة الجغرا
...
-
سوريا: تشكيل أول برلمان منذ إطاحة الأسد وسط انتقادات لآلية ا
...
-
ثقافة الامتحانات.. أما آن الأوان لإعادة التفكير فيها
-
الجبهة الثامنة.. حرب الرواية
-
مسرحية لمحمد هنيدي و3 مسرحيات سورية في موسم الرياض 2025
-
هل ينجح برلمان سوريا الجديد في اختبار الشرعية والتمثيل؟
-
ترمب: محادثات غزة -ناجحة جداً- وتتقدم بسرعة.. والفرق الفنية
...
-
الأنساق الثقافية في الأمثال الشعبية على طاولة بيت الحكمة
-
الفنان صادق جعفر يقيم معرضه الشخصي في مرسمه
-
هل ينجح برلمان سوريا الجديد في اختبار الشرعية والتمثيل؟
المزيد.....
-
مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
شهريار
/ كمال التاغوتي
-
فرس تتعثر بظلال الغيوم
/ د. خالد زغريت
-
سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي
/ أبو الحسن سلام
-
الرملة 4000
/ رانية مرجية
-
هبنّقة
/ كمال التاغوتي
-
يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025
/ السيد حافظ
-
للجرح شكل الوتر
/ د. خالد زغريت
-
الثريا في ليالينا نائمة
/ د. خالد زغريت
-
حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول
/ السيد حافظ
المزيد.....
|