أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - الخلطة السّحريّة لمرض الكورونا














المزيد.....

الخلطة السّحريّة لمرض الكورونا


نزهة أبو غوش
روائيّ وكاتبة، وناقدة


الحوار المتمدن-العدد: 6571 - 2020 / 5 / 22 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


– مستوحاة من حادث وفاة الطّبيبة الجزائريّة بمرض الكورونا -
صديقتي الطّبيبة رزان تشعرك بانّها تمنحك في كلّ لحظة تعيشها معها طاقة إيجابيّة هائلة توقظك من روحك المستاءة، في أوّل يوم دخلنا به المشرحة أثناء تعليمنا مهنة الطّب أذكر بأنّني هربت صارخة باكية، وقرّرت على أثرها أن انسحب من هذه المهنة؛ لكن رزان ظلّت معي خطوة بخطوة تشجّعني وتشدّ من أزري إِلى أن تكيّفت أخيرا مع طبيعة المهنة. لم تبخل عليّ بشيء سواء كان ماديّا أو معنويّا.
أستغرب لبساطتها وقناعتها، عندما تزوّجت قبل ثلاثة أعوام، كان فرحها متواضعا ضمّ أحبابها وأصدقاءها دون تكاليف باهظة في قاعة متواضعة. كلّ من رآها وعاشرها أحبّها من الوهلة الأولى.
قبل شهرين عرفت رزان جنس المولود الّذي في أحشائها، فطارت فرحا وبهجة، عندما راحت تحضّر ملابس المولودة، كانت تقبّل كل قطعة حتى الحذاء الصّغير، قالت: سأدعوها أمل؛ لأنّ أملي في الحياة كبير جدّا. أنا أُحبّ الحياة يا صديقتي؛ كما هي بحلوها ومرّها؛ حينها حسدتها بقلبي.
قبل شهرين دخلنا معا في دوّامة تدعى" فيروس الكورونا" تواجدنا في المشفى على مدار السّاعة، لم نعد نعرف كيف يتبدّل الليل مع النّهار، ولا كيف يتبدّل الشّفق مع الغسق. كلّ ما نعرفه بأنّنا طبيبتان علينا أن نعمل جاهدتين لإنقاذ المرضى. تغيّر عالمنا القديم وأصبح عالما خاصّا يتمحور حول فيروس لعين هجم علينا بكلّ لؤم وخباثة علينا مكافحته بكلّ ما أوتينا من قوّة.
أصبحنا نعيش واقعا جديدا لم نعهده من قبل. منبّهات الصّوت تعلن كل عشر دقائق:
" عليكم الابتعاد مسافة مترين عن الآخر، أيّها الأطبّاء عليكم لبس القفّازات، والكمّامات، اغسلوا أيديكم بالصّابون جيّدا. الأطبّاء الأعزاء في حالة مواصلتكم مع مريض كورونا عليكم الالتزام بالحجر الصّحيّ مدة أربعة عشر يوما." يا للهول، لقد ظهرت نتيجة صديقتي رزان ايجابيّة. دخلت الحجر الصّحي، كم أتألّم من أجلها!
الأطبّاء يتسارعون في الممرّات وداخل الغرف، بأقنعتهم، حيث يصعب التّعرّف على بعضهم. رائحة المعقّمات تملأ فضاء المستشفى. أُناس يتجمّعون بأقنعتهم وقفّازاتهم خلف زجاج شفّاف يودّعون أحبّاءهم. أُمّهات يبكين، وآباء يصرخون، وأطبّاء يلهثون. الممرّضات يتراكضن ويدرن مثل العاملات في خليّة النّحل.
التّوتّر والخوف والترقّب يسيطر على كلّ فرد في المستشفى. يتحرك الزّمن بشكل مروحي ليس له بداية ولا نهاية. كم أشتاق لاستراحة قليلة تحت شّجرة التّوت الوارفة الظّل في ساحة بيتي، فقدت منظر الطّبيعة الّتي تمنحني رفاهيّة تأمّل المكان والزّمان. أرتشف فنجان قهوتي وأهلي؛ فتمنحني شعورا بالحياة. نعم الحياة. ما الّذي يجعلنا نتمسّك أكثر بالحياة؟
قالت رزان، تؤكّد لي ضرورة التّمسّك بالحياة:
يا صديقتي العزيزة، مؤكّد بأنّ هناك خيوطا كثيرة، بل أكثر من وشيجة تشدّنا لأن نحارب من أجلها. الويل لنا ان فقدنا تلك الخيوط.
سوف تعيش رزان لأنّها متعلّقة بالحياة.
أثناء وجومي وتفكيري وقلقي، دخل البروفسور رئيس قسم الأطبّاء وسألني: كيف حالك أيّتها الطّبيبة النّشيطة؟ يمكنك أن تطلبي إجازة للاستراحة في البيت، أخذ صوته يزداد رقّة وحنانا. اقترب منّي أكثر، أمسك بكتفي وبيده الأُخرى بكفّ يدي قال بصوت محشرج لا يخلو من التّردّد: " عزيزتي ليان، لقد فقدت صديقتك رزان الحياة، هي وجنينها" ثمّ أدار ظهره لي بسرعة؛ كي يخفي بعض قطرات من دموعه.
أدهشتني الصّدمة في البداية، لم أعد أعرف كيف أُحرّك لساني وأقول أيّ كلمة. ثمّ انتابتني نوبة عصبيّة رهيبة مروّعة. رحت أصرخ وأبكي بتشنّج عجيب جعلهم ينقلونني إِلى غرفة الطّوارئ. لم يساعد جهاز التّنفس ولا ابرة المهدّئ على احتمال صدمتي. وحدي نجوت دون صديقتي، لكنّي لم أنجُ من أحزاني المتموّجة وشعرت بأنّ نهاية العالم قد اقتربت. راحت كلماتي تتبعثر في الجو دون استئذاني: "أين العلماء؟ أين الخبراء؟ أين الانسانيّة؟ يجب أن نقضي على الوحوش الّذين صنعوا هذا الوباء."
عينا صديقتي رزان اللتان كانتا تشعّان وهجا عسليّا، انطفأتا في لحظات، خطواتها الواسعة الثّابتة، ايمانها بمهنتها، قوّة ارادتها، قامتها الممشوقة، طموحها، أحلامها، مخطّطاتها العريضة، الأمل المعلّق فوق جدار قلبها، مساحة الحبّ الكبيرة في قلبها العميق؛ مرحها، رشاقتها، ضحكاتها؛ كلّها كلّها طارت بلحظات، وأصبحت رذاذا تتلقفه الأمواج.
ما أصعب أن نعيش بشعور المهموم والمغلوب والمهزوم في آن واحد! أشعر بميزان الألم الثّقيل يربض فوق صدري. إِنّ صديقتي لم تقطع الخيوط الّتي تربطها بالحياة، هي الخيوط تقطّعت لوحدها.
لقد فقدت ثقتي بالحياة الّتي أتمسّك بها. لماذا يخذلنا الزّمن؟ لماذا تخذلنا الحياة؟ يجب أن أفعل شيئا أتحدى به هذه الحياة الّتي فرضت علينا، وأصبحنا أمامها مكتوفي الأيادي. لا بدّ أن نجد نقطة عبور نحو الأمان، حتّى ولو كانت هذه النقطة وهميّة، المهم أن تكون هناك بداية. لا أريد أن أفقد حياتي بهذا المرض اللعين؛ لكنّي أُريد أن أكون أمينة لمهنتي الّتي أقسمت يمين الإخلاص لها.
أشعر بأنّني أتمزّق بين الاختيارين؛ هل أنسحب من المستشفى وأقدّم استقالتي، أم أبقى أدور كطاحونة الهواء في أُفق مجهول؟ إِنّ عقلي غير مؤمن بتخبّطاتي، لكنّ وجداني مؤمن. .
عندما وصلت آخر الليل البيت، استقبلتني أُمّي الّذي يملأ عطرها عبق أنفاسي، ابتسمت لي بتودّد. راوغتني نفسي أن ارتمي بين أحضانها ولا أكفّ عن البكاء. لفت انتباهي المذيعة الأنيقة: " العلماء والباحثون والخبراء والأطبّاء و.....يؤكّدون عن عجزهم التّامّ عن ايجاد علاج للمرض" سحبتني أُمّي من يدي نحو المطبخ وقالت لي محذّرة: " لا ترفضي طلبي يا ليان. لقد صنعت لك هذا الخليط، من الثوم والزّيت والخل والقليل من العسل، عليك أن تأخذي منه ثلاث ملاعق كلّ يوم؛ وسوف يبعد عنك كلّ داء وكلّ وباء"
وأخيرا تغلّب عقلي على وجداني وقرّرت العودة لعملي، بعد أن استجرت بخلطة أُمّي السّحريّة."
21-5-2020



#نزهة_أبو_غوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكورونا الخرافة-قصة قصيرة
- هارب من الكورونا
- مسرحية-محاكمة السيدة كورونا
- خلاف غير نمطي-قصة قصيرة
- نهاية غير متوقّعة-قصة قصيرة
- نورس يبحث عن الأحباب-قصة قصيرة
- كنان يتعرف على مدينته والشخصيات المتشابكة
- على ضفاف الأيام وعاطفة الحب
- رواية الخاصرة الرخوة لجميل السلحوت
- قصة-الأرجوحة-والارتباط بالأرض
- تحليل كتاب -من بين الصخور-
- رواية الحائط وتحقيق الذات
- خلق الشّخصيّات الإيجابيّة في رواية -ليت-
- الصراع في رواية شبابيك زينب
- ميلاء سعاد المحتسب وعاطفة التّحدّي
- رواية السّيق والقلق
- وميض في الرّماد ومعاناة المغتربين
- الصراع في رواية هذا الرجل لا أعرفه
- أشواك البراري وسيرة التحدي
- -طلال بن أديبة- والاعتماد على الذات


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - الخلطة السّحريّة لمرض الكورونا