أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - صباح الخير...أمي














المزيد.....

صباح الخير...أمي


محمد البوزيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6569 - 2020 / 5 / 20 - 02:12
المحور: الادب والفن
    


في الذكرى الأولى للرحيل
1
صباح الخير في عالمك الجميل الرائع حيث لا ضجيج ولا حركة ولا سكون إلا بإذن الله .
منذ سنة غادرتنا بعد أن تعب جسدك الطاهر من تحمل عبء وصراخ السنين التي تركتها وراءك،وتعبت من التصدي لانحناء رأسك بكلتا يديك اللتين كانتا تحملان وشم قساوة تعب السنين الماضية .
منذ سنة ودعتنا بعد أن مللت من أمرنا بالصمت والإنصات للذات، فالحكمة في الصمت لم تكن يوما شرا كما كنت ترددين دوما كوصية عميقة لا تنسى .
منذ سنة كان الفراق بعد أن طالبت منا المسامحة مرات عدة ، وصرحت لنا مرارا أنك على وشك الرحيل وأن كلامك جد لا يحتمل المزاح.
منذ سنة تم الوداع بعد أن مل قلبك الغاص بالمحبة من الحزن والألم على فراق ابنيك الأكبرين بعد أن فقدت اثنين كذلك في مقتبل عمرهما سنوات الخمسينات.
2
كان يوما أليما وأنا أتلقى الخبر بالهاتف ، أتذكر جيدا أنني لم أدر كيف أصدق الخبر خاصة أنني تكلمت معك للتو قبل ثلاث ساعات فقط بابتساماتك الرقيقة التي تعودت التوصل بها كل صباح.
كان يوما أليما امتزج بالحبور على ذهابك في يوم رمضان الأغر قبل أيام قليلة على حلول ليلة القدر الغراء، وكأن الخالق عز وجل أصر على ضيافتك في العشر الأواخر من رمضان .
كان يوما أليما وشاقا وطويلا من حيث رحلتي إليك ، حاولت الوصول إليك قبل الدفن لكن الله قدر ماكان وما سيكون .وكانت لحظة امتزجت فيها دموع الفراق بدموع اجتماع الأهل، بدموع التأمل في نواميس هذه الحياة العجيبة .
كان يوما عجيبا وجميلا حين قدر الله عز وجل توسط قبر الوالد قبر أبويه.لقد اجتمعتم هناك بعدما اجتمعتم هنا بإصرار عجيب على المحبة التي لم تفرق بينكم إلا بالموت الذي حل فجأة دون ألم طويل.
3
صباح الخير يا أمي
لقد غادرت هذا العالم في غر الصيف القائظ، وتركتنا أيتاما حقا، فلا المنزل أضحى كذلك، ولا الزمن بقي كما كان، ولا السطح استطعنا التأمل فيه فيه للفراغ الذي أحدثه رحيلك المفجع .
فبعد أيام على مغادرتك، غادر الجميع البيت لنحتفل لأول مرة بعيد الأضحى بعيدا عن العرين الذي ألفناه منذ سنوات. هل هربنا كي لا نبكي عوض البسمة في صباح العيد حين نلج المكان الذي ألفت أن تجلسي فيه مطأطأة الرأس مثل فيلسوف يحاول قراءة ما يدب في هذه الحياة التي تجاوزت فيها المائة سنة ونيف،لكن ما كسر عمق الألم أن العيد حضرت فيه أختي الزهرة التي كنت تعزينها دوما بمعزة خاصة ولا تترددين في الوصية بها وبأبناءها.
أمي... حين استرجع ذكراك العطرة كنت دوما أردد مع مارسيل خليفة أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ،وأتذكر هاتين الجملتين بالضبط، فلقد ارتبطت بنا كثيرا وبإعداد القهوة الصباحية وتنسم شربها معطرة بالحليب الطبيعي في مسقط رأسنا بوخلال .
وحين أتذكرك لا أجد إلا لمام صور جميلة أنفس بها عن قلبي كثيرا ،وأسترجع الأيام الخوالي وذكرياتها، ولا أمل من تذكر بعض الألفاظ التي اشتهرت بها ولو بلا وعي، حينها أتأكد أنك مازلت حاضرة في قلوبنا فعلا، وحين أمل من الحياة والمشاورة، لا أجد إلا ترديد كلامك الشيق "هاأنا ...هاأنتم ....ها عزيزكم ها..."
أمي ...لا أدري كيف استحليت مناداتك بالبركة منذ سنوات عدة ،ولا أدري كيف يكون جوابك المعتاد الذي يحمل جملا عميقة "الله يجعلها لك في الدراري والتغراد"،لقد كانت هذه اللفظة هي عمق التواصل بيننا في الهاتف الصباحي ، فحين خف سمعك نسبيا كان أداة التواصل هي جوابك الذي أتيقن منه أننا نتواصل برقة وحنان معهودين .
أمي.. لقد فقدت البركة فعلا أو كادت ،فلقد أصبح بوخلال وزاكورة جزءا من الذاكرة، فحين غادرت لم يتردد أخي في المغادرة بدوره مما كان يبدو أضغاث أحلام قبل سنين قليلة .
طبعا لم يعد يتحمل أن يرى مكانك فارغا وهو الذي دأب بحرص على رعايتك كثيرا ورعاية أبيه رحمة الله عليكما.
5
أمي ..لقد أتيحت فرصة للتجمع العائلي قبل ثلاثة أشهر في لقاء تأبيني للمرحوم العم أحمد "السي حدا" ،اجتمعنا، لكن دون طعم أرقى، فقد كان غيابك غيابا لحيوية وحرارة ودفء تبعثينها في كل تجمع عائلي .لم نتلمسها جيدا إلا مع غيابك الحزين.وهل يأكل الطعام دون ملح تبعث فيه نسمة التذوق؟
صباح الخير يا أمي
إننا نعيش الآن تحولات عالمية لن تصلك أصدائها، فقد أصيب العالم بالجائحة العظمى كورونا ،ومهما قلت لن أقدر على وصفها لك ،لكنها تشبه ماحصل بدرعة سنوات عدة في الثلاثينات والأربعينات حين كان الموت والجوع يحصد الصغار والكبار تماما كما هو الحال الآن . آه لو كنت حاضرة بيننا لتحكي لنا ماوقع منذ زمان كشاهدة عيان ومقارنته بما يحدث الآن .
لقد تاه الجميع ياأمي وركن للصمت وفغر فاه لهول ما يحدث ،فلا دواء ولا لقاح ولا أمل..بل الألم الذي يكرر نفسه كل يوم مع تصاعد أعداد الإصابات والوفيات التي لا تتوقف إلا لتنطلق معا .
أمي
لن أطيل عليك ،أدرك جيدا أن عالمنا أصبح لك جزءا من الماضي،فقط أبلغك أنك مازلت حاضرة وجيرانك في قلوبنا ،بين جوانحنا، نتذكرك كل لحظة وحين ،وحين تصيبنا الوحشة القوية نعوض عن دموعنا بنظرات في صور وفيديوهات كنت ترفضينها أصلا ،أما نحن فنلح عليها لهذه اللحظة الخاصة في ذكريات غيابك ،إنها ملفات ننفس بها عن كروبنا ونحبس بها دموعنا أسفا على الفقدان.
ختاما
بلغي التحيات إلى جيرانك الأفاضل ،الوالد والجد رحمهما الله ،بلغيهم أن الجميع بخير وعلى خير ،وأن أبناء وبنات أبنائهم وبناتهم يبلغونكم السلام الحار،وأن الجميع مازال في تواصل تام ،ولتعذرونا إذا ابتعدنا قليلا عن زيارتكم في المكان الذي ترقدون فيه ،فقد قل التنقل إليه .
وداعا وإلى اللقاء



#محمد_البوزيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكورونا والخارج
- تأملات -كورورنية-
- الكورونا والعادات الاجتماعية
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -9- رسالة إلى صديقة
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -8- انتهت -العطلة -
- غدا فاتح ماي... الزعيم غاضب
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -7- سناء تفكك حروف -الكورورنا-
- الثورة الرقمية و*الكورونا*
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -6- سناء ترسم الكورورنا
- وتواصل الكورورنا فتكها الرهيب
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -5- رمضان والكورونا
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -5- الكمامة بكسر الكاف
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -4- سناء في المستشفى
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -3- بداية الحجر
- يوميات صغيرة في الحجر الصحي -2- يا أبي ماهو الكورونا ؟
- بداية الحظر
- كورونا والتربية على المواطنة بالمغرب
- معرض البيضاء للكتاب بنكهة قديمة
- رهينة الماضي
- وهذا المساء


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوزيدي - صباح الخير...أمي