|
أمير أمراء النغم ، كبير ملائكة الموسيقا !
راوند دلعو
(مفكر _ ناقد للدين _ ناقد أدبي _ باحث في تاريخ المحمدية المبكر _ شاعر) من دمشق.
(Rawand Dalao)
الحوار المتمدن-العدد: 6566 - 2020 / 5 / 17 - 11:33
المحور:
الادب والفن
( أمير أُمَراء النّغم ، كبيرُ ملائكة الموسيقا !)
قلم #راوند_دلعو
عندما تضطّرُك الحرب التي تلتهم بلدك إلى ترك الوطن .... و ما تَرْكُ الوطن ؟ ..... ثم ما أدراك ما تَرْكُ الوطن !!؟ ... و أنت الأمير ابن الأمير في هذا الوطن ... لتقاسي آلام الهجرة إلى بلد آخر ... لتكونَ حزناً من شجن ، فتنتقل من حياة الأمير لتنشأ غريباً وحيداً بين طيات الثواني و قساوة الزمن ، لا ينقصك من الموت إلا ذراعاً من قماش الكفن !
في الغربة حيث من الطبيعي أن تُعامَل على أنك أجنبي دخيل و مواطن مُمتَهَن ... مواطن من ( الدرجة الثانية ) من رتبة الفطريات و تطفُّلِ العفن ... فيُحكم عليك بالموت المبكر في متاهات الظّلام من الغربة و عتمات الوحشة في غياهب الوَحدة !!
و تكون _فوق ذلك_ ابناً لأقلية درزية مرفوضة بين غالبية سنية ... !
ثم إذا بك تصل إلى القمّة و قمّة القمّة ، ثم تمزِّق تلك القمّة و تُقَمقِمُها ثم تقزِّمها بمارديّتك ، ثم لتبتلع تلك القِمّة بلُقمِة ، فها أنت تعيد تصميمها فتخيّطها على مقاسك الجديد ، برخام حنجرتك و قماشة صوتك الحريريّة الدّامسكو ، و رشاقة الرّفة من عودك الهارب بخشبه العاري من شجر السويداء الذي يساوق الله في أعنان السماء ... ثم تسكُب في غربتك من طَرف ظِلّك الحوراني العظيم ، ليخطف شموسهم من أكباد سماواتهم فيُذعنوا .... !
ثم لتخترعَ لك ارتقاءات لحنيّة أخرى لا تخطر على بالِ الشّياطين في رؤوس طلعِها ... فتقرع باب الغرب !! بل تاتي موسيقاك بالغرب من آذانه مُطأطِئاً ، ليقرع بابك بإجلال ! لتبنِ لك برجاً عاجيّاً فوق كل القِمم و السُّحب و الملأ النَّغَمِيِّ الأعلى .... إذ ترسم بريشة عودك سماءً أخرى من شجن قُرمزي ...و مدارات جديدة من الحزن المخملي .... ثم تَستَعمر و تستعبد و تُسلسل و ( تجنزر ) آذان البشر في بلاد الغربة .... فإذا ما قيل لآذان البشر ائتوا طوعاً أو كرهاً ، قالوا أتينا طائعين لحنجرتك و ريشة عودك ...
يا فريداً في عصرك ، يا مَن صنعت كل ذلك المجد لوحدك ، مع أنك مُكبل بضغوط الممارسات العنصرية و الطائفية التي كنت تتعرض لها من المُتَنفِّذين و أصحاب القرار في الوسط الفني إذ ذاك !! حيث يتم التغاضي المقصود عن إبداعك المذهل من معظم الزملاء الأعدِقاء ..... و تمارَسُ عليك عملية محبوكة و منظّمة من فن التّهميش الخبيث و الإقصاء الخسيس !!!!
نعم ، لقد سحبوا منك الجنسية و الفرح و أسمهان و الألوان ، ثم حاولوا عزلك في زاوية مظلمة ، و لكنهم تركوا لك _سهواً_ من بقايا شبح أسمهانك دمعتين ، و عوداً نضراً بين يديك المقدستين ، ثم لم يعلموا أنهم تركوا لك ما يكفي لمقتَلِهم ، فها أنت تطلق عليهم الجان من عفاريت نغمك المقدس ... ثم ها أنت تبني لك بين أهراماتهم هرماً سورياً سويدائياً ضخماً ، بعدد لا نهائي من الأضلاع الموسيقية و المضلعات الوترية و نجوم الليل السؤددية ....
ها هو نورك يعلو ثم يعلو ليشق الأفق من فوق أعنان الغيوم ...
يا فريد الأسرار ... يا وحيد الأقدار ... يا من هزمت العالم بحنجرة و بضعة أوتار !!
ها انت تنبعُ نِيلاً سورياً على الخارطة المصرية ، يجاري في دفقه النيل العظيم ، نيلاً برخصة فرعونية مُوقّعة من ( توت عنخ آمون) شخصياً ، و بخطِّه الهيروغليفي ، و وَرَقِهِ البُردِيِّ الشارب حتى النخاع من مياه النيل الأزرق و الأبيض و الأحمر .... فتُغيِّر جغرافيا و تضاريس الفن في مصر ، فإذا بك هناك لتكتب التاريخ المصري بخط سوري من جديد !!
فها أنت ( يا جميل يا جميل ) تقنصهم بأوتار عودك الفتّاك مِياداً .... فيُفسحوا الطريق ثم ليتساقطوا أعداداً ، و ليفشلوا أنداداً ...
شققت الصخر بلين صوتك و زخرف وترك ، لتحقق نجاحاً باهراً إلى حد الانتقال إلى عالَم الشُّهرة العالمية و تكوين قاعدة شعبية رهيبة تجتاح قلب شعوب العالم لاسيما شعب مصر الطيب ، ذاك الشعب الحي الذي قبِلك و أحبك بعيداً عن طائفية رؤوس الطبقة الفنية التي حاربتك ...
ها هو تصفيقهم في حفلاتك يعلو على كل تصفيق ، و يمحو بهديره كل تلفيق ... لتنام مصر على صوتك و تستفيق ... فكنت بصدارة قمة الفن من رجل بحذافير المجد حقيق ... و كنت بجدارةٍ همزة الوصل بين سوريا و الحبيبة مصر !
ثم ها هي أم كلثوم تموت بغيظها و تُعبّر عن ذلك _ لا شعوريَّاً _ برفضها لغناء ربيعك الخارج من حنايا الرِّقة في خشب عودك الأصيل ... يتمايل على أنغامه قصب النيل ... و كعبك الأعلى برهافتك و فنك و إبداعك ، فشتان بين مُهندس للَّحن و مقلد مؤدي !!
لتمرّ السنوات و العقود و تُتوَّج أغنيتك ( الربيع ) _ التي رفضتها أم كلثوم _ على أنها من أهم خمسة أعمال فنية في القرن العشرين .... !
ثم ها أنت تنتقل بجبروتك اللّحنِي إلى العَالميّة ، لتخط اسمك من ذهب بجوار عظماء الموسيقا في القرن العشرين ، بل في كل القرون !!!
نعم لقد كنت تمتلك كمية رهيبة من العبقرية اللئيمة الماكرة التي تفرض نفسها على تضاريس الواقع ، و سَيلاً جارفاً من الإبداع الهائج المائج الحارق المتفجر الذي لا يُجارى و لا يبارى ، و لا يقاوم و لا يختبئ و لا يتوارى ، فكانت القلوب بفنك سكارى ، فهو فوق الشمس و فوق العقل و أعلى من كل الأسوار و الموانع و الحجب العذارى ...
وقد كنت رقيقاً بلورياً شفافاً حنوناً عطوفاً بوهيمياً موسيقياً ...
يا أرقَّ من موسيقاك ... و يا أطرى من ألحانك ... و يا أطرب من أنغامك ...
كل شيء فيك قوي إلا قلبك الضعيف ... الذي انذبح فسكت 😥 ، فكانت أكبر كارثة في عالم الموسيقا ...
#الحق_الحق_أقول_لك ... كل لحن لك من عالم ... و كل نغمة من فضاء ... و كل أغنية من كون مختلف و شجون سماء !
أنت الحزين الذي قفز من (حكاية غرامي) إلى (نجوم الليل) ! ... أنت الفرَح الذي طار من ( الحياة حلوة ) إلى ( قلبي و مفتاحو ) ...
ذلك الإبداع البانورامي الكاسح الذي كنس حقد جميع المُحَكِّمين المتآمرين و نوتاتهم و مقاييسهم و معازفهم و آذانهم ... فأسلموا لعودك ... و لوترك السابع في نهوندك ...
ذلك الإبداع الذي لم يترك مجالاً لأي ناقد كي ينبس ببنت شفة ....
عبقري موسيقي بإجماع الأعداء قبل الأصدقاء .... و الأجانب قبل أهل الوطن ... و الغيورين الحاسدين قبل المحبين أصحاب القلوب الطيبة !!
رفعت لك الأقلام و جفت تحت جفنيك الصحف ... يا أمير أمراء النغم !
حقاً لقد كنت رهيباً جداً و فريداً جداً و وحيداً جداً و حزيناً جداً ....
حيث ارتقيت رغماً عن الجميع و كُتبت عند الله فوق تلك السماء ... كبير ملائكة الموسيقا على يمين الأنواء !
إنك الأمير الحزين فريد الأطرش .
#راوند_دلعو
#راوند_دلعو (هاشتاغ)
Rawand_Dalao#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علمنة الفلسفة
-
الزوبعة
-
حبيبي أبي
-
القرآنيون الجدد في ميزان العقلانية
-
ظروف و دوافع اعتناق الديانة المحمدية عبر التاريخ
-
كلام الله في ميزان العقلانية
-
سَكرانُ دِمَشق
-
سكران دمشق
-
الهمبرغر الفضائي
-
اعتذار عن جريمة مرعبة !!!
-
صَيرفي الأفكار _ عن مغالطة التوسل بالأكثرية
-
كيف تصبح إلهاً في ستة أيام !!
-
الحياة و الموت باختصار !
-
سيمفونية العيون الدمشقية
-
صُنّاع الألحان VS صُنَّاع الأديان
-
الهوموسابيان و دودة الأرض
-
قلب من زجاج !
-
مدمن قلم
-
الوردة
-
آداب الزيف و التزييف ...
المزيد.....
-
تحرير القدس قادم.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25.. مواع
...
-
البعثة الأممية في ليبيا تعرب عن قلقها العميق إزاء اختفاء عضو
...
-
مسلسل روسي أرجنتيني مشترك يعرض في مهرجان المسلسلات السينمائي
...
-
عيد مع أحبابك في السينيما.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك أ
...
-
في معرض الدوحة للكتاب.. دور سودانية لم تمنعها الحرب من الحضو
...
-
الرباط تحتضن الدورة ال 23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية
...
-
الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161 على قناة ا
...
-
-أماكن روحية-في معرض فوتوغرافي للمغربي أحمد بن إسماعيل
-
تمتع بأقوي الأفلام الجديدة… تردد قناة روتانا سنيما الجديد 20
...
-
عارضات عالميات بأزياء البحر.. انطلاق أسبوع الموضة لأول مرة ف
...
المزيد.....
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
المزيد.....
|