أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - في الطريق الى المقهى















المزيد.....

في الطريق الى المقهى


اسماعيل شاكر الرفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 6565 - 2020 / 5 / 16 - 10:46
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


في زمن المقاهي المغلقة
تنتشر على شواطئ القلوب مقاه
من النوع التي يحبها العشاق أمثالي .
دخلت مقهاي المفضلة
وابتعت شاياً ودخاناً وآهات لقلبي المجروح ...

في الطريق الى مقهاي المفضلة
رأيت الشارع مكتضاً
بصيادين . خلق كثير يتدافعون وتتدافع معهم ألسنتهم وبنادقهم .
كان الطريق الى مقهاي عامراً بكوزموبوليتية عجيبة : تتجاور فيها اللغات والسحنات الزاحفة من شتى بقاع المعمورة . استعنت بترجمان أشواق بن عربي ، بقصائد سعدي الشيرازي ، وديوان ابن الفارض : وطرقت الأبواب على الجيلاني والبغدادي والحلاج فلم يسمع ندائي احد ...

لم يسمع قلبي انطلاق رصاصة واحدة رغم الهدوء العجيب الذي خيم على اركان المعمورة ، اثر قرارات العزلة والتباعد الاجتماعي وعدم التجول ليلاً ، ولم ير سقوط شبح ابداً .
لا دليل ، وسط ديجور الظلام الذي تتخبط فيه الجموع المحاربة : على اصابة العدو بمقتل . مع ذلك لا بد من اختراع وجود لعدو ، ولا بد من شيطنة هذا العدو بتحويله الى كيان مهمته في الحياة : التآمر على الفضيلة والأخلاق الحميدة . ويبدو ان حضارات الشرق الأوسط ودياناته : من سومر الى فراعنة مصر والحضارات النهرية الأخرى في الصين والهند : لم تستطع تأكيد ذاتها بهوية محددة من غير حرب ، ومن غير تصدير رؤيتها بالقوة الى العالم الخارجي . الحرب تنوب مناب الضمير الإنساني الطامح الى ايجاد قوانين عادلة . . فالأفكار الخيرة ، ورسائل النور الآلهية لم تنتشر دون حرب . قد تكون هذه المرة الاولى التي يشير فيها البشر الى ان صناعة الشر جاءت من عالم غير عالم البشر : قوى تصفها مؤسسات إدارة شأن الحياة العام بعد الحرب العالمية الثانية بأنها تجسيداً للشر الذي يريد الاقتصاص من الجنس البشري كله . في هذا التوصيف الرهيب للعدو الجديد نكون قد تجاوزنا مدونة طويلة من الاحداث التي كان فيها البشر يتهمون بعضهم البعض بكونهم شياطين ، وولجنا بوابة مرحلة جديدة : لم يعد فيها الإنسان صانعاً للشرور . وتراجع حضور شياطين القرن العشرين من هتلر وموسليني ، ولاحقاً ستالين : وسينجو غورباتشوف من شيطنته بعد ان سلم مفاتيح موسكو الى رأس المال العالمي . هكذا شكلوا وعينا منذ نعومة أظفارنا : على افتراض وجود أعداء لنا ، علينا ان نفتش عن وجودهم ومنازلتهم ...

علي ، كما امروني ، ان أقاتل أعداء غير مرئيين ، تفصلني عنهم ظلمة شديدة الدكنة يختبؤون خلفها ، وليس صعبا على هؤلاء الأعداء ان يفكوا شفرة خطواتي ويعرفوا اتجاه سيري ، فهم يتخللون الوجود من اقصاه الى اقصاه ، ويوجدون حيثما أوجد . ولهذا كان شعوري بالغضب لا حد له ، على تصميم هذا الكون الذي جعلوني فيه حارساً على جسدي بيقظة شديدة خوف ان تخطفه وحوش العالم وشياطينه ، ورغم صغر سني انفجرت ذات يوم بوجه معلم الابتدائية قائلاً : بأنني لم أر أياً من اعدائي لا في نور الشمس ولا في ظلمة الخرابة المجاورة لبيتنا ، فأجابني بانني ما زلت طفلاً ، وإن الأطفال لايدركون معنى الرمزية الكائنة في النور وفي الظلام . وفي الإعدادية كان السؤال نفسه وان لم يكن عفوياً تماماً : لماذا زرعونا في وجود تصطرع فيه الظلمة مع النور بشكل دائم حتى قيام الساعة ، لماذا صنعتم شيطاناً بملايين الألسن ليتمكن من الوسوسة وإغواء الملايين من الناس في اللحظة نفسها ؟ لكن الأستاذ فسر سؤالي على انه تحد لسلطته داخل الصف . لم يكن استاذاً في التربية ، كان أستاذاً في البلطجة : اذ علا ظهري بخيزرانته قبل ان اكمل سؤالي ( حدث هذا في زمن كانت فيه اجسادنا ميداناً لتمارين رياضية مرعبة قبل ان يحرمها المحتل الأمريكي ) . لا احد من اهلنا جأر بالشكوى من نظام تعليمي يجعل اجسادنا ليست ملكاً لنا ، ويجعل امتلاكها من قبل الآخرين شرعياً ومشروعاً . وهذا لا ينطبق على المرأة فقط بل وعلى الرجل ايضاً الذي يعيش وهم : انه السيد ، قبل المرأة . اذ لم تحررنا قوانين الدولة من امتلاك السلطات السياسية لنا . كان الرجال على قائمة الأولوية في التجنيد الإجباري قبل 2003 للموت في سبيل الوطن ، وفي التطوع الإجباري بعد 2003 للموت في سبيل المبدأ والمذهب . لكن في التحليل الأخير : العبودية هي العبودية ، فأنت تموت من اجل شعارات صنعها الآخرون وعليك الدفاع عنها والموت في سبيلها ، لكي يظل ( الآخرون ) هم الطبقة الحاكمة ...

ليس لاعدائي حضور ملموس . انني اسمع من الراديو مثل الناس جميعاً بظهور العدو شمالاً او شرقاً اًو جنوباً : فتسرق السلطات اجسادنا منا ويحاربون بها . العبودية هي هي . لا بد لك من ان تلبس الخاكي وان تعتمر خوذة المحارب وتحتذي ( اللابجين ) الثقيل وتذهب للحرب . ولقد ذهبنا جميعاً للحرب . من اجل هذا الشريط الحدودي الذي يفصل وطننا عن اوطان الآخرين ذهبنا الى الحروب . وهناك رأينا أعداءنا : حين كنا نقوم بعملية رصد افعالهم وخططهم . وكنا نشتبك بهم حين نهجم عليهم راجلين بعد ان تسبقنا الطائرات والمدافع ، وكانوا يهجمون علينا . وفي الحالتين كانوا يوقعون في صفوفنا الخسائر كما كنا نوقعها بهم . وكنا نأسر بعضهم . ولأول مرة رأينا أعداءنا من مسافة أمتار ، لم يكونوا شياطين تماماً ، كانوا مثلنا يخافون من قصف المدافع والطائرات ، ولهم مثلنا ذاكرة وذكريات . ويحلمون مثلنا بالتحرر من عبودية الجيش واختراع أعداء لم نرهم يوماً . لقد رأينا كيف تموت في حدقات عيونهم : احلامهم التي حلموا بها ، فهم مثلنا لا يعرفون مصيرهم ، ويجهلون ان كانوا سيلتقون بأحبائهم مجدداً ...

قلبي يميل دائماً الى الاعتقاد بان تقديم الدليل على وجود العدو المتآمر قبل الذهاب لقتاله هي واحدة من الطرق التي تمكننا من تلافي وقوع الحروب . لقد ثبت بان الدليل المقنع يحفظ ماء الوجه ويجعل رائحة الصمت اشد حضوراً من لغة اللعنات والشعارات . فلو كان بوش صادقا لما لجأت المجندات الأمريكيات الى تعذيب المسجونين جنسياً في سجن ابي غريب . ولو كان صدام صادقاً في إيمانه بحرية الشعب الكردي ، لما اضطر الى خنقهم كما لو كانوا كلاباً سائبة في قراهم ومزارعهم . لو بذل الحاكم جهداً في منع وقوع الحرب ، لجعل الحرب في خبر كان . ولكنه يكره رؤية نفسه تتمايل في السحر على ضفاف دجلة ، ويكره التجول بين الحدائق مساء ، ويعشق بدلاً من ذلك : سماع صراخ الدبابات وأزيز الرصاص . كم مرة تحدث الرئيس الأمريكي حديثاً يتهم فيه الصين بأنها ولجت بوابة حروب الإبادة الجماعية ، ولكنه يخشى رفع الصين الى درجة : العدو . حرب الصين مغامرة غير مضمونة العواقب ومكلفة . ولهذا ينتشر في عصر غلق الشبابيك والأبواب : تسرب القلوب الى أماكن اللهو السرية حاملين بنادقهم على اكتافهم ليوهموا الناس بانهم من المقاتلين المتطوعين ، وأنهم ذاهبون الى جبهات القتال ، لكن قلبي الكوزموبوليتي بدأ يشك في حصيلة هذه الحرب ، وهو يرى بان المطاردين الكوزموبوليتيين : أصبحوا مطاردون ، وانه بدأ يرى في البعد القريب جثة لهم هنا وأخرى هناك ، وقبل ان يلج بوابة المقهى لمح اكداساً من جثثهم ترتفع في الجهات الأربع ، كانت القوى الخفية التي يطاردونها ترتد عليهم وتطاردهم ...



#اسماعيل_شاكر_الرفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاظمي رئيساً لمجلس الوزراء
- منهجان في معالجة جائحة كورونا
- لحظة تكليف الكاظمي
- برنامج : عدنان الزرفي
- في عيد الموسيقى العربية
- واللؤم تحت عمائم الانصار
- هوامش كورونية / 2
- هوامش كورونية
- سيادة الدولة ام سيادة الحشد ؟
- استكانات شاي صباحية
- حق الحياة بلا وصاية
- فيروس كورونا
- بمناسبة انطلاق الثورة الكردية
- بين الثورة والاصلاح
- ليس باستراتيجية عنف التيار الصدري يمكن العبور بالعراق الى بر ...
- هل ينقذ الثورة تشكيل كيان سياسي
- دعوة الصدر الى مظاهرة مليونية : انتحار حضاري
- مقتدى الصدر مرة اخرى
- مقتدى الصدر إنموذجاً
- خطاب الرئيس الامريكي : اعلان عن ولادة حرب باردة مع ايران


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - اسماعيل شاكر الرفاعي - في الطريق الى المقهى