أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يوسف شيت - الذكرى 75 للإنتصار على ألمانيا النازية















المزيد.....



الذكرى 75 للإنتصار على ألمانيا النازية


يوسف شيت

الحوار المتمدن-العدد: 6559 - 2020 / 5 / 9 - 20:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الذكرى الخامسة والسبعين لاستسلام ألمانيا النازية /الجزء الأول
يعتبر سقوط ألمانيا النازية التي مثّلها الرايخ الثالث في الحرب العالمية الثانية واستسلام قيادتها العسكرية أمام القيادة العسكرية السوفييتية وبحضور ممثلين عن القيادات العسكرية الأمريكية والبريطانية بدون قيد أو شرط في برلين يوم 8 أيار 1945 بعد انهيار قواها العسكرية على يد جيوش الحلفاء من الأحداث المهمة خلال القرن العشرين، ليفسح هذا السقوط المدوّي، المجال أمام تطور العالم من كافة النواحي، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والنفسية بعد أن كانت ثروات الشعوب تنهب، وطاقاتها البشرية تستغل من قبل الدول الاستعمارية. ولكن هذا لا يعني بأنّ كافة شعوب العالم ونالت حريتها وتخلّصّت من نير الامبريالية أو من الأنظمة الدكتاتورية التي ترعاها، تخلّصت من الاستغلال البشع البشرية وتساوى كلّ الناس بالحقوق والواجبات ويتمتع كلّ فرد بالإفصاح عمّا يمليه تفكيره بعيدا عن الكره والبغضاء الديني والقومي والعنصري والعقائدي، فلازالت الكثير من الشعوب حتى يومنا هذا تعاني ذات المشاكل رغم تعدد الأساليب كفرض الاملاءات على الحكومات الضعيفة من الخارج سواء برغبتها أو عدمها وتنفيذ أجندات قد تضرّ بمصلحة الشعب مقابل الحصول على امتيازات للطرف القوي. إنّ الأمم المتّحدة بعد تأسيسها في 24 أكتوبر 1945 صاغت وأقرّت الكثير من القوانين لصالح حرية الشعوب وتطورها وصيانة الحريات الفردية والمساواة بين الناس، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الدين أو القومية، ومحاربة العنصرية، خاصة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" لعام 1948، ولكن الكثير من الدول انتهكت وتنتهك هذه القوانين وبشكل سافر.
تؤكّد الماركسية بأنّه منذ تقسيم المجتمع البشري إلى طبقات، أي منذ ظهور نظام العبيد، بدأت معه الحروب والصراع بين الطبقات المستغلّة(بكسر الغين) والمستغلّة(بفتح الغين). وبتطور المجتمعات تطورت معها تقنيات الحروب وأشكالها ومسمّياتها، ويمكن إيجازها ب: حروب داخلية (أهلية) وخارجية، عدوانية ودفاعية، تحررية واستعمارية، حروب عنصرية ودينية ومذهبية وقومية. مهما تكن الحرب، فهي كارثة إنسانية لأنّها تسيل دماء البشر وتدمّر اقتصاد البلدان المتحاربة (ثرواتها الزراعية والحيوانية والصناعية ومدنها وقراها وبيئتها)، تدمّر حضارتها وثقافتها ونفسية مواطنيها، وتخلّف الأيتام والأرامل والمعوقين وتغذي أيديولوجية العنف والكره. وهناك فئات تستغل الحروب لزيادة أرباحها بالترويج لبضائعها من مواد غذائية وملبس ومسكن وصولا إلى الأسلحة، وهؤلاء هم تجّار الحروب. والحرب ليس فقط القتال، بل وتشمل الإعلام والإستخبارات والمعلومات اللوجستية ومدّ المحاربين بالمؤن والعتاد وغيرها. وهذا يعطي صورة واضحة، كم من الأموال تهدر على الحروب، عدا إزهاق أرواح البشر. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الحرب تخلق أناسا يتعلّمون ويمتهنون مزاولة العنف بكلّ أشكاله ويحتفظون بالسلاح المناسب لهم ليتحولوا إلى عصابات للسرقة والابتزاز والقتل، أي ما يسمّى بالجريمة المنظمّة. وتستغل هذه العصابات من قبل منظمات وأحزاب سياسية كدرع لها في الصراعات السياسية وخلق أوضاع غير طبيعية في بلدانها. أثناء الحروب تدخل في الإنتاج عادة أحدث التقنيات المتوفرة لتطوير الأسلحة التي تنزل أفدح الأضرار بين البلدان المتحاربة. وبشكل عام، الحروب قسمين، حروب عادلة لردّ العدوان أو تحرير الأرض من المحتلّ للحفاظ على ثروات البلد، وحروب غير عادلة وعدوانية، تسبقها الدعاية والتضليل، لنهب الثروات وتغيير الخارطة الجيو- سياسية. يقول الضابط البروسي كارل كلاوزفيتس (1870- 1831) " الحرب هي امتداد للسياسة، ولكن بأسلوب آخر". هذا يعني عندما تفشل الأساليب الدبلوماسية، طالت أم قصرت، حول الامتيازات المتنازع عليها تتخذ السياسة منحى آخر وهو الحرب التي تكون بحاجة لفتيل (حجّة) في إشعالها. يقول لينين بأنّ "السياسة هي تعبير مكثّف عن الاقتصاد". الاقتصاد هو العمود الفقري للبلد وشريانه الرئيسي تستوجب، ليس حمايته فقط، بل طريقة إدارته بما يخدم مصلحة شعب ذلك البلد، أو حسب المصطلح الشائع، التوزيع العادل للثروة! (وهذا حديث آخر لسنا بصدد ذلك).
دار في أوروبا 150 نزاعا مسلّحا بعد قيام الثورة الفرنسية في 14 تمّوز 1789 وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية في أيار عام 1945 وفي حوالي 600 موقع. وكانت أبشع هذه النزاعات وأوسعها الحربين العالميتين الأولى والثانية.
الحرب العالمية الأولى، كانت شرارتها (حجّتها) اغتيال ولي عهد النمسا الأرشيدوق فرانز فيرناند وزوجته في 28 حزيران 1914 في عاصمة صربيا. لكن عقيدة الهيمنة لدى الامبراطوريات الرأسمالية العظمى في ابتلاع ما تسع أفواههم من الدول الأضعف هي المحرّك الرئيسي للحرب. بعد شهر من المفاوضات ومحاولة نمسا فرض شروطها ورفضها من قبل صربيا أعلنت الأولى الحرب على صربيا في 28 تمّوز نفس العام. إلاّ أنّ التعبئة العسكرية من قبل الدول المتخاصمة كانت مستمرّة، لكنّها ازدادت بعد عملية الاغتيال وظهور فتيل لإشعال الحرب. وقد شاركت في هذه الحرب أكثر من خمسين دولة من أوروبا وآسيا وأفريقيا والولايات المتّحدة ذهب ضحيّتها ما يقارب 20 مليون إنسان، وكما سمّاها لينين " حرب لإعادة اقتسام العالم بين الدول الامبريالية". وظهرت بوادر انتهاء الحرب بعد قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى في روسيا في 7 تشرين الثاني (25 أكتوبر حسب التقويم الشرقي) 1917، وقررت حينها الحكومة الجديدة في روسيا بقيادة لينين عقد معاهدة صلح مع ألمانيا وسحب قواتها من جبهات القتال والمباشرة لإعادة ما خرّبته الحرب. انتهت العمليات العسكرية للحرب العالمية في 11 تشرين الثاني 1918 وأنهتها رسميا معاهدة فرساي المذلّة لألمانيا التي وقّعتها مع انكلترا وفرنسا في 28 حزيران 1919. وبعد قيام ثورة أكتوبر الاشتراكية مباشرة فضح لينين اتفاقية سايس بيكو الموقعّة بين المملكة المتحدة وفرنسا وبموافقة روسيا القيصرية في أيار 1916 لإعادة اقتسام مستعمرات الدولة العثمانية المسمّاة ب"الرجل المريض". وبعد فضح هذه الاتفاقية وصدور وعد بلفورد المشئوم في الثاني من تشرين الثاني 1917 أصدر وزير المستعمرات البريطاني آنذاك وينستون تشرشل ما سمي "بالأوراق البيضاء" عام 1922 لتبرير الاتفاقية وظرف الدموع على اليهود لتبرير وعد بلفورد لإقامة دولتهم على أرض فلسطين.
أمّا الحرب العالمية الثانية، تنوّعت أماكن وتواريخ شرارتها، لكن العقيدة القومية المتطرفة وظهور الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا كانتا وراء إشعالها بإتباعهما سياسة عدوانية توسعيّة، وصعود هاتين الظاهرتين إلى قمة السلطة جاء كنتيجة لأزمة الاقتصاد العالمي للرأسمالية التي دفعت الكثير من الدول لفرض الحماية الكمركية لمنتوجاتها والسيطرة على الأسواق الخارجية وضمّ الأراضي مما أدّى إلى حدوث مواجهات مسلّحة فيما بينها تطوّرت إلى حرب شاملة. ولم تستطع عصبة الأمم التي شكلتها الدول المتحاربة بعد الحرب العالمية الأولى حلّ أي مشكلة، أو إيقاف أي عدوان من دولة على أخرى، مع العلم كانت من أولويات العصبة حماية السلم العالمي، وفشلت عمليا في أداء مهامها وأهملت من قبل الدول المعتدية كاليابان وإيطاليا وألمانيا، بينما بريطانيا وفرنسا اكتفتا بالتفرّج أو بموافقتهما المعلنة وغير المعلنة على العدوان. في أيلول 1931 احتلّت اليابان منشوريا وأسست دولة عميلة لها تحت اسم مانشوكو، وعندما اعترضت عصبة الأمم على ذلك انسحبت اليابان من العصبة، وكانت اليابان آنذاك تحت حكم شمولي قومي وعلى رأسه الإمبراطور هيروهيتو. في عام 1935 اتّفقت بريطانيا وفرنسا على إعادة إقليم سار إلى ألمانيا بالضدّ من معاهدة فرساي، أي بعد تولّي أدولف هتلر السلطة في ألمانيا عام 1933 وخروجه من عصبة الأمم. في أكتوبر نفس العام غزت إيطاليا أثيوبيا ولم تعترض أمريكا وبريطانيا وفرنسا على هذا الغزو، وعندما اعترضت عصبة الأمم عليه انسحبت إيطاليا من العصبة، وكان على رأس السلطة آنذاك مؤسس الفاشية الإيطالية بينيتو موسيليني الذي قام بتصفية كل من عارض حزبه. واستنتج هتلر من عدم اكتراث الدول الكبرى بما يقوم به وحليفه القادم موسيليني بان "الحلفاء ليسوا على استعداد لخوض الحرب"! وهذا ما أعطى هتلر زخما مضافا لتنفيذ مشاريعه العدوانية. بعد قيام الجمهورية الاسبانية الثانية على اثر انتخابات برلمانية ديمقراطية عام 1936 فازت بها الجبهة الشعبية والتي تضمّ الشيوعيين واللبراليين والاشتراكيين قام الجنرال فرانكو بالتعاون مع القوى القومية المتطرفة بانقلاب عسكري في تمّوز نفس العام وأشعل حربا أهلية تلقى فيها المساعدات المالية والعسكرية والإعلامية من هتلر وموسيليني. أمّا الإتحاد السوفييتي قدّم مساعدات عسكرية ومتطوعين، إلاّ أنّ بعد الأحداث عنه كان أحد العوائق لمساعدة الحكومة الشرعية الاسبانية. أخذت الحكومتان الفرنسية والبريطانية دور المتفرّج المحايد ظاهريا، لكن عمليا كانت لهما الرغبة في القضاء على الجمهورية الفتية. أمّا الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت طالب بسحب أسلحة الطرفين المتنازعين وإيقاف الحرب، ورغم ذلك واصلت الشركات الأمريكية وتحت أنظار حكومتهم، خاصة شركات جنرال موتور وفورد وفايرستون مدّ الانقلابيين بالسلاح والعتاد والعربات والإطارات، وقام مدير شركة مكسيكو أويل المدعو توركيلد ريبر المؤيّد للفاشية بتزويد قوّات الانقلابيين بالنفط والتفاهم مع فرانكو بتسديد الثمن لاحقا كي لا يحرج قادة الفاشية الاسبانية في طريقة الحصول على الأموال، جاء ذلك رغم تهديد روزفلت بفرض العقوبات على هذه الشركات، ولكن بدون جدوى. وبالضدّ من ذلك كان قد شكلّ الأمريكيون المعادون للفاشية سريّة مقاتلة باسم " أبراهام لنكولن" من 2800 مقاتل أميركي مدعومة من الحزب الشيوعي الأمريكي للقتال ضدّ الفاشية ضمن الحملة الأممية لمحاربة الفاشيّة. انتهت الحرب الاسبانية بالقضاء على الحكومة الشرعية في نيسان 1939وقيام نظام فاشي في اسبانيا. هكذا كان الردّ الدولي ضعيفا تجاه مساندة الحكومة الشرعية في اسبانيا، وحينها صرّح الرئيس الأمريكي روزفلت بأنّ سياسته تجاه اسبانيا كانت غلطة فادحة سيدفع الجميع ثمنها، واعتبر الكثير من السياسيين بأنّ الحرب الأهلية الأسبانية بمثابة المعارك الأولى لحرب عالمية قادمة. في آذار 1936 استرجعت ألمانيا مقاطعة الراين المحايدة ومنزوعة السلاح الواقعة بين فرنسا وألمانيا بعد غزوها، بهذا الصدد قال هتلر:" كانت الساعات ال 48 التي تلت الغزو أكثر توترا في حياتي، حيث لم تكن الموارد العسكرية تناسب وضعنا على الإطلاق، ولو أنّ فرنسا هاجمت الراين لعدنا أدراجنا منهزمين". في تشرين الثاني 1936 عقدت ألمانيا واليابان معاهدة سمّيت ب"الحلف المناهض للكومنترن"أي الأممية الثالثة التي كان يترأسها جيورجي ديمتروف سكرتير الحزب الشيوعي البلغاري ومقرّها في موسكو، والحلف موجّه بشكل أساسي ضدّ الاتحاد السوفييتي. في تمّوز 1937 اجتاحت اليابان الصين والتي سمّيت بالحرب اليابانية الصينية الثانية. وفي آذار 1938 ضمّت ألمانيا النمسا بدون أية ردود فعل من بريطانيا وفرنسا، واعتبر هتلر ذلك برجوع الفرع إلى الأصل. في تمّوز نفس العام غزت اليابان منشوريا على حدود الاتحاد السوفييتي وهزّمت من قبل الجيش السوفييتي، ثم قامت في أيار 1939 بالعدوان على نهر غول ودارت معركة بين الطرفين في منطقة خالخين غول تلقّى فيها الجيش الياباني ضربة قاسية على يدّ الجيش الأحمر السوفييتي بقيادة الجنرال جوكوف. في أيلول عام 1938 ضمت ألمانيا إقليم السوديت الجيكي إليها حسب اتفاقية ميونيخ التي وقّعت في 30 أيلول 1938 بين رئيس وزراء بريطانيا جمبرلن والفرنسي دالاديه والألماني هتلر والايطالي موسيليني، وأطلق عليها الجيك والسلوفاك بإملاءات ميونيخ" لأنها تمّت بدون حضورهم، ما هذه الثقة الكبيرة بهتلر؟. وفي آذار 1939 قام هتلر بغزو كامل الأراضي الجيكية وأمام أنظار الحكومتين البريطانية والفرنسية اللتين لم تقدما أي دعم لجيكوسلوفاكيا التي تربطها معاهدة الدفاع المشترك مع الحكومتين. وفي نفس العام غزت إيطاليا ألبانيا. في أيار 1940 ضمّت بريطانيا أيسلاندا وغرينلاند وجزر فارو الدانماركية إليها استباقا للغزو الألماني، وقام الاتحاد السوفييتي بتوقيع معاهدة مع استونيا وليتوانيا ولاتفيا في آب 1940تسمح بتواجد قوّاته فيها، ثمّ قام بضمّ الجزء الشرقي لبولونيا ( وهو الجزء الغربي لأوكرانيا و بيلاروسيا) إليه لنفس السبب.
في الوقت الذي كانت الدول الكبرى تضمّ أو تغزو مقاطعات ودول ضعيفة أليها بشتى الأسباب، أخذ سعير التسليح في أوروبا يتصاعد، وبشكل ملفت في ألمانيا، ولم يبقى سوى انتظار شرارة الحرب التي أصبحت على الأبواب رغم المعاهدات التي وقّعت فيما بينها. فمعاهدة ميونيخ التي وافقت بموجبها بريطانيا وفرنسا على ضمّ ألمانيا لجزء من أراضي جيكوسلوفاكيا بررها رئيس وزراء بريطانيا تشمبرلن بأنّها المنفذ الوحيد لتجنب أوروبا الحرب!!! بينما اعتبرها ستالين عدم قدرة بريطانيا وفرنسا على حماية السلام في أوروبا، وهذا ما حدث. من جانب آخر، رفضت بريطانيا وفرنسا دعوة الاتحاد السوفييتي لتوقيع معاهدة تعاون فيما بينهم لتفادي الحرب في أوروبا آملتان باندلاعها بين ألمانيا والاتحاد السوفييتي مما يؤدّي إلى إضعاف القوّتين المتحاربتين لتحتفظا، أي بريطانيا وفرنسا، بقوّتهما العسكرية والاقتصادية وتتمكّنا من رسم سياسة جديدة لأوروبا والعالم وفق نظرتهما الاستعمارية إلى العالم. لذلك اضطر الاتحاد السوفييتي إلى توقيع معاهدة عدم الاعتداء مع ألمانيا في آب 1939 والتي سميّت بمعاهدة "مولوتوف- روبنتروب" ليتمكّن من الاستعداد للحرب القادمة مع ألمانيا النازيّة (لم يوقّع ستالين أية معاهدة مع هتلر كما فعل رؤساء فرنسا وبريطانيا)، وحينها قال وزير الخارجية السوفييتي مولوتوف، بأنّه لم يندم أبدا على توقيعه على المعاهدة التي مكّنت الاتحاد السوفييتي من الاستعداد لحرب لا مناص منها بعد فشل محاولته التحالف مع فرنسا و بريطانيا. دور المعاهدة بالأساس كان لتأخير الصراع قدر الإمكان لتتيح للاتحاد السوفييتي فرصة تدارك تأخره التكنولوجي ورفع قدرة الجيش السوفييتي ولخلق منطقة عازلة إلى الغرب لحماية المراكز السياسية والاقتصادية على امتداد السنتين التي دام فيها الاتفاق، وسمح بذلك توفير قاعدة خلفية في سيبيريا بعيدة عن جبهة الصراع لنقل المعامل والمصانع وإجلاء السكّان إليها. أمّا المفاوضات مع فنلندا والتي فشلت بسبب انحيازها إلى ألمانيا كانت لتوفير الأراضي القريبة من مدينة لينينغراد لمنع محاصرتها من قبل ألمانيا النازية في حال وقوع الحرب معها.اعتبر تشرشل، معترفا، رفض بريطانيا وفرنسا عقد معاهدة مع الاتحاد السوفييتي، وعقد الأخير معاهدة مع ألمانيا بأنه دليل فشل ما وصلت إليه السياسة الخارجية لبريطانيا وفرنسا خلال السنوات الأخيرة. لم تكن نوايا هتلر في احتلال أوروبا والعالم وإقامة الرايخ ذي 1000 سنة خافية على أحد، خاصة على الاتحاد السوفييتي وعلى بعض القادة الغربيين، لكن إدارة الدولة في انكلترا وفرنسا كانت متخلفة وذات نظرة قاصرة إلى الأوضاع في أوروبا والاعتداد بقوتهما الاقتصادية والعسكرية. لذلك فإنّ المعاهدات والاتفاقيات والتفاهمات تظهر عدم رغبة الدولتين الاستعماريتين الكبيرتين والمنتصرتين في الحرب العالمية الأولى في إضعاف ألمانيا النازية، بل ترغبان في رؤيتها قويّة، ولكن بدون أن تتعدّى قوتهما العسكرية والاقتصادية كي تتمكّن ألمانيا الجديدة من شنّ حرب ضدّ الاتحاد السوفييتي، بل كانتا ترغبان في إسكات هتلر وإبعاد شروره عنهما وترويضه لصالحهما، بمعنى آخر أنّ الديمقراطية الرأسمالية تلتقي مع الديكتاتوريات الفاشيّة في محاربة الشيوعية، وهذا ما لم يخفيه رؤساء الوزارات البريطانية، خاصة تشمبرلن وتشرشل والرئيس الأمريكي هاري ترومان ورؤساء فرنسا وغيرهم من قادة الدول الرأسمالية والذين مهّدوا للحرب الباردة. بهذا الخصوص يعتبر جيورجي ديمتروف الفاشية " بأنّها ظاهرة سياسية جاءت خلال تطور الرأسمالية عشية الحرب العالمية الثانية وأكثر رجعية ودموية للرأس المال المالي وصعودها للسلطة نتيجة الأزمات الحادة للنظام الرأسمالي". في سبتمبر 1940 وقّعت كلّ من ألمانيا واليابان وإيطاليا اتفاقية شكلوا بموجبها "قوّات دول المحور"، وخلال ستة أشهر من توقيعها انضمّت إليهم المجر ورومانيا وسلوفاكيا وبلغاريا ويوغوسلافيا وكرواتيا. وبموجب الاتفاقية، على اليابان احترام والاعتراف برغبة ألمانية وإيطاليا في إنشاء نظام جديد في أوروبا. وكذلك احترام واعتراف ألمانيا وايطاليا برغبة اليابان بإنشاء نظام جديد في شرق آسيا ( أنظر رأي تشرشل عندما أعطى الحقّ لليابان في احتلال منشوريا خوفا منه على انتشار الشيوعية).
من الضروري إلقاء نظرة سريعة على نشاط وتفكير وأيديولوجية زعماء الدول التي خاضت الحرب :
آرثر تشمبرلن (1869- 1940) ، أحد زعماء حزب المحافظين البريطاني ورئيس وزراءها في الفترة أيار 1937 وأيار1940 وجاء بعد استقالة بلدوين . كان والده جوزيف تشمبرلن إحدى الشخصيات البريطانية التي ساهمت بتوسيع مستعمراتها، خاصة عندما كان وزيرا للمستعمرات من 1895- 1903، وكان عنصريا معروفا يؤمن بأهميّة العرق، وكان يرى ضرورة وضع السياسة الخارجية على أسس عرقية تستند إليها التحالفات الدولية، وكانت نظرته للعرق هرمية يتربّع العنصر الانكلو- ساكسوني (الانكليزي الأمريكي) قمة الهرم ثمّ تليهم أجناس أدنى منهم. كان تشمبرلن الابن أيضا، أحد زعماء حزب المحافظين. تقلّد منصب وزير الصحة، وبعدها وزيرا للمالية. ادّعى تشمبرلن بأنّه يستطيع الحفاظ على السلام بمهادنة وإرضاء هتلر وموسيليني وترويضهما، حيث سكت ونظيره الفرنسي إدوارد دلادييه عن ضم هتلر لنمسا واجتياحه لكامل الأراضي الجيكوسلوفاكية بينما رفض الاثنان عقد معاهدة مع الاتحاد السوفييتي لتقوية الحلف المعادي للفاشية والنازية والكفّ عن إطلاق العنان لهتلر وموسيليني. وقد فشلت سياسته التي أدت إلى قيام الحرب العالمية الثانية عندما اجتاحت الجحافل النازية بولندا في الأول من أيلول 1939، وفي الثالث من أيلول أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا ولكن بدون عمليات حربية مهمّة تذكر. وبعد فشل حملة بريطانيا لاحتلال النرويج واحتلالها من قبل ألمانيا ثار ضدّه البرلمان واستقال في أيار 1940 ليخلفه وينستون تشرشل.
وينستون تشرشل (1874- 1965)، رئيس وزراء المملكة المتحدة (10 أيار 1940- 26 تموز 1945) ومن الزعماء البارزين الذين لعبوا دورا هاما في الحرب. وهو من عائلة ارستقراطية من دوقات انكلترا، وظل متمسكا بتلك التقاليد ومحتفظا بعلاقات رسمية مع غيره. وكان شديد التقلّب في آراءه ومواقفه السياسية، كما سنرى لاحقا.
وكان من أبرز زعماء بريطانيا في النصف الأول من القرن الماضي. لم يكن تشرشل سياسيا فقط، بل كان كاتبا وأديبا وصحفيا وفنانا ومراسلا حربيا، وقد حاز على جائزة نوبل للآداب. تقلّد عدة مناصب مدنية وعسكرية في الجيش والبحرية البريطانية، وتقلّب بين حزب المحافظين والحزب اللبرالي أو مستقلا من أجل الفوز بمقعد في البلدية أو البرلمان. وتقلّد كذلك عدة مناصب وزارية منها، الحرب والمالية والداخلية والمستعمرات. كان شديد الميل لقمع التظاهرات والإضرابات العمالية، وساهم بشكل مباشر في قمعها عندما كان وزيرا للداخلية، فكان يعتبرها تهديدا لوجود الدولة ،إلى جانب دعوته لتعويض أصحاب الصناعات المتضررين من تلك الإضرابات. ونقلا عن صحيفة "الجازيت" البريطانية يقول "إما أن تقصم الدولة ظهر الإضراب أو يقصمها الإضراب"، مشيدا بذلك فاشية موسيليني بأنّها قدّمت خدمة للعالم أجمع وخلقت وسيلة لمحاربة القوى التخريبية ( المقصود إضرابات الشغيلة المطالبة بحقوقها). كما ادّعى تشرشل بأنّ "موسيليني سليل عباقرة الروم وأعظم صاحب قانون في العالم". كان تشرشل من الداعمين للتدخّل ضدّ روسيا السوفييتية، وبهذا الصدد كتب عدة مقالات تحريضية ضدّ ما أسماه بالخطر الشيوعي كون الشيوعية تهدد السلام العالمي! بينما أشاد بالفاشية الإيطالية والنازية الألمانية. وفي إحدى خطبه في مجلس العموم البريطاني عام 1937 قال"لن أقرّ بأنني لو خيّرت بين الشيوعية والنازية، أنني سأختار الأول"، أي يريد القول بأنّ النازية والفاشية هي أيضا واجهة أخرى من أوجه النظام الرأسمالي. بهذا الصدد نشر تشرشل مقالا في كتابه "معاصرون عظماء" يقول فيه " إذا كان هتلر قد أجبر على اختيار الدكتاتورية والكراهية والعنف كوسيلة للسلطة، على التاريخ أن يذكره كرجل أعاد الشرف والطمأنينة لشعبه، وأعاد سكينته وأمنه، مما جعله شعبا صالحا ومفيدا وقويا يتصدّر أوروبا بأكملها". وهنا يبرر تشرشل قيام الدكتاتورية الفاشية كنظام أجبر عليه هتلر وكأنّ الفاشيّة ليست من أهدافه وعقيدته التي كان تشرشل على بيّنة منها وربّما قرأها عدة مرّات في كتابه السيئ السمعة "كفاحي". واعترض تشرشل على عصبة الأمم التي عارضت احتلال اليابان لمنشوريا قائلا "أأمل بأننا في انكلترا أن ندرك مكانة اليابان كدولة لها تاريخ، وهي مهددة من قبل روسيا السوفييتية"! لم يرغب تشرشل بشكل عام طرح الحقيقة كما هي كون ألمانيا وإيطاليا واليابان دول معتدية تريد التوسّع اقتصاديا وجغرافيا وهي بحاجة إلى أسواق لتصريف بضائعها واستعباد الشعوب الأخرى، لأنّه، أي تشرشل ساهم في نفس الدور، خاصة عندما كان وزيرا للمستعمرات البريطانية في عشرينات القرن الماضي. وكان من مناصري مفهوم تفوّق العرق الأنكلو-سكسوني.
بغض النظر عن عقيدته البرجوازية والدفاع عنها بأسلوبه "الهجوم خير دفاع"، وخاصة في كتاباته المكرّسة للهجوم على الشيوعية، ووقوفه إلى جانب حكومته في محاولة القضاء على ثورة أكتوبر الاشتراكية منذ لحظة قيامها في روسيا، كان تشرشل خطيبا ذا أسلوب مقنع وسياسيا بارعا، وله القدرة على تغيير مواقفه السياسية وآراءه بسرعة. استغل تشرشل ضعف حكومة تشمبرلن لكيل الانتقادات لها ومن يقف معها من البرلمانيين بعد فشلها في احتلال خامات الحديد في مديني نارفيك النرويجية وكيرونا السويدية في نيسان 1940 لقطع إمدادات الحديد الخام على ألمانيا النازية.وأصبح تشرشل من الداعين إلى تسليح بريطانيا وتطوير معداتها الحربية بكلّ أنواعها، البحرية والجويّة والبريّة والاستعداد لأي حرب محتملة، لأنّه كان يقيّم بشكل جيّد الأوضاع في أوروبا وأطماع هتلر، وفي هذا الصدد قال في خطابه في مجلس العموم البريطاني منتقدا معارضيه ورئيس الوزراء تشمبرلن "مٌنحتم خياري الحرب والعار، اخترتم العار وستلاقون الحرب" ( ويقصد معاهدة ميونيخ في أيلول 1938). كان الشعب البريطاني، كغيره من الشعوب، تواقا للسلام وكان يرغب أن تعقد حكومته معاهدة سلام مع ألمانيا النازية رغم إعلان بريطانيا الحرب عليها. لكن تشرشل كان يرى عكس ذلك، بأنّ هتلر لا يريد السلام، لذلك كانت خطاباته تحرّض الشعب على خوض غمار الحرب والدفاع عن الإمبراطورية البريطانية وكانت هذه الخطابات مصدر إلهام كبير للبريطانيين، وزادت شعبيته وأصبحت الناس تثق بكلامه، واستطاع تشرشل بذلك استغلال الظروف المهيأة للعمليات الحربية، مثل تطوير عمل المصانع العسكرية والتدريب في الجيش والبحرية والطيران واستلام المزيد من المساعدات العسكرية الأمريكية وبتسهيلات مالية واستغلال ثروات المستعمرات البريطانية وشعوبها لزجّها في الحرب. ومن كلماته التي ألهمت البريطانيين في الدفاع عن وطنهم "لا أستطيع أن أوعدكم إلاّ بالدم والدموع والبكاء والألم". لم يتوان تشرشل في التهجم على القيادة السوفييتية مستغلا بذلك الغزو النازي لأراضي الاتحاد السوفييتي ونعتها بالغباء والإهمال, مع العلم لم يكن لدى تشرشل أية فكرة عن البناء الحاصل هناك من الناحية الصناعية والزراعية والتصنيع العسكري والبدء من الصفر تحت قيادة الحزب الشيوعي الروسي بعد الخراب الذي أحدثته مشاركة روسيا القيصرية في الحرب العالمية الأولى ثمّ الحرب الأهلية التي ساهمت فيها أربعة عشر دولة، ومن بينها بريطانيا في إمداد القوّات المعادية بالمال والسلاح, وكان تشرشل من الدعاة لهذه المساعدة التي أنهكت شعوب روسيا السوفييتية. وفي مذكّراته حول لقاءاته مع ستالين، يقول تشرشل، بأنّ رسائله إلى ستالين كانت تنمّ عن تفهمه لموقف السياسة الخارجية الروسية قبل الحرب، وصمم ستالين، كما ذكرت من قبل (والحديث لتشرشل)، على أنّ من مصلحة روسيا الإستراتيجية تقضي بقاء القوّات الألمانية في أبعد مكان ممكن غربا في بولونيا اغتناما للفرصة وتنفيذا للخطط التي رسمت للنهوض بروسيا وإعدادها عسكريا، ولم أهوّن من شأن دفاع ستالين هذا (المقصود هنا معاهدة مولوتوف- بنتروب، من الكاتب). وبعد انتهاء الحرب ألقى خطابا في 6 آب 1946 في مدينة فولتين بولاية ميسوري الأمريكية دعا فيه إلى إقامة حلف عسكري من دول الانكلوسكسونية لمحاربة الشيوعية العالمية.
كتب الكثير عن شخصية تشرشل، وبشكل خاص منجزاته وقيادته للدولة خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، وأنتجت أفلام عن سيرة حياته.

من اليسار إلى اليمين: ستالين، روزفلت، تشرشل في مؤتمر يالطا

ستالين (1878- 1953)، من أبرز زعماء التحالف في إدارة الحرب. أسمه يوسف فيسّاريونوفيج جوغاشفيلّي، واختار لقب "ستالين" من كلمة ستال وتعني بالروسية "الفولاذ"
إلتحق بالمدرسة اللاهوتية في مدينة غوري الجيورجية وهو في سنّه العاشرة، وتفوّق على أقرانه التلاميذ في المدرسة رغم أنّ معظهم كانوا من أبناء الكهنة والأثرياء، وكان يقضي بعض أوقاته في كتابة الشعر وقراءة القصص. حصل على منحة دراسية في عام 1894 في المدرسة الأرثوذكسية في العاصمة تفليس (تبيليسي، عاصمة جورجيا)، وهنا أخذ يقرأ الكتب والقصص الممنوعة وتعرّف على الأدب الثوري، وخاصة الماركسي، مما أدّى إلى طرده من المدرسة. في عام 1898 انتمى إلى حزب العمّال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (ع ا د ر)، وانحاز إلى كتلة البلاشفة التي يقودها لينين. خلال هذه الفترة عمل ستالين موظفا في الأنواء الجويّة ثم موظفا في مصفاة للنفط في مدينة باتومي الروسية. وفي عام 1907 حضر، مع لينين المؤتمر الخامس لحزب (ع.أ.د.ر.) الذي عقد في لندن. في عام 1912 ساهم في تأسيس جريدة "البرافدا" وكان يكتب فيها مقالات مهمّة. ساهم في ثورة أكتوبر 1917 بقيادته للفرق البلشفية واقتحام قصر الشتاء في 7 تشرين الثاني (25 أكتوبر وفق التقويم القديم). بعد قيام الحرب الأهلية ( 1918- 1921 التي أشعلها أغنياء روسيا ورجال الدين وتدخّل 14 دولة استعمارية وتابعة، وفي مقدّمتهم انكلترا وفرنسا، أصبح ستالين عضوا في المكتب السياسي. وتحت قيادته استطاع الجيش الأحمر حسم معركة تساريتسين لصالحه ضد الحرس الأبيض بقيادة الأدميرال كولتشاك والتي تعتبر معركة حاسمة في الحرب الأهلية . بعد مرض لينين الذي توفي في كانون الثاني 1924 انتخب ستالين سكرتيرا للحزب الشيوعي في نيسان 1924. كانت الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية قد حوّلت روسيا إلى خراب شامل لزراعته وصناعته وتحوّلت البنى التحتية إلى أطلال. لكن القيادة السوفييتية استطاعت أن تنهض بمهمّاتها في إعمار البلد،على أساس السياسة الاقتصادية الجديدة "نيب" التي وصعها لينين وإعادة ما خرّبته الحروب والتّدخل الأجنبي، وتطوير الصناعة والزراعة وتسليح الجيش ليكون على أهبة الاستعداد للدفاع عن مكتسبات الشعب.
أزاح ستالين معارضيه في الحزب والدولة ليصبح كلّ شيء تحت قيادته. وكان خلافه الرئيسي مع تروتسكي الذي كان يدعو إلى الثورة العالمية، بينما كان ستالين يعتبر ذلك مغامرة وتحريفا لمبادئ الحزب وخطرا على الثورة التي يجب حمايتها من القوى المعادية. كما تمّت تصفية قياديين آخرين اختلفوا مع ستالين في كيفية إدارة الاقتصاد، وخاصة في مجال الزراعة، مثل بوخارين وزينوفييف وكامنيف. اختلفت الآراء حول قيادة ستالين لبلد بلغت مساحته 1/6 اليابسة (22,3 مليون كم2 ) وطول حدودها 60 ألف كم وسكانه يقارب 200 مليون نسمة ومئات القوميات والاثنيات والديانات والطوائف. تباينت الآراء داخل قيادة الحزب الشيوعي السوفييتي التي عملت مع ستالين والتي أباحت بها للملأ بعد وفاته. كانت الأغلبية تعتبره باني الاتحاد السوفييتي الذي برز كقوّة عظمى على المسرح العالمي، وتحت قيادته أنقذ الجيش الأحمر البلد وشعوب أوروبا من الهمجية النازية في الحرب العالمية الثانية. والطرف الآخر اتّكأ على الأخطاء، كبيرها وصغيرها، التي حدثت في فترة البناء أثناء قيادة ستالين، وأبرزهم كان نيكيتا خروتشيف الذي أصبح سكرتيرا للحزب بعد وفاة ستالين. كما اختلفت الآراء داخل الحركة الشيوعية بين مؤيّد لهذا الرأي أو ذاك. إلاّ أنّ الانتقاد والهجوم اللاذع جاء من كتّاب ومنظري الرأسمالية، والذين حاولوا ويحاولون أن يظهروا لشعوب العالم وكأنّ الشعب السوفييتي كان يعيش في جحيم لا يطاق. كما ينشر هؤلاء أفكارا مضللة حول، أنّ أي نظام اشتراكي وفي أي دولة سيمرّ، لا محالة، بمرحلة مشابهة "للستالينية" يَفرض على الشعب نظام ديكتاتوري وتسلب حريته! في ذات الوقت يحاول منظروا الرأسمالية حجب أزماتها وخلقها لبؤر التوتّر والحروب في أنحاء مختلفة من العالم من أجل تأمين استمرار وزيادة أرباحها على حساب أشلاء الملايين من الناس, وبذلك يحاول هؤلاء طمس مفهوم الصراع الطبقي كونه ظاهرة اجتماعية يلازم كلّ مجتمع تتفاوت فيه معيشة الناس وحاجياتهم المادية والروحية من معدمين يصعب عليهم الحصول على طعام يومهم ومأوى وملبس وصولا إلى أصحاب المليارات والذين يفتح معظمهم صناديق "المساعدات الإنسانية" لمساعدة ضحاياهم.
كان ستالين كثير الشكوك بمن حوله في إخلاصهم للنظام الإشتراكي, وكان هناك القلّة من يثق بهم من رجال المخابرات وعلى رأسهم لافرينتي بيريا الذي تربّع على أعلى المناصب في المخابرات باستخدامه أسلوب الاحتيال والتودد لستالين. واستطاع بيريا بمكره، نصب المكائد وخلط الأوراق بين من هو مخلص للنظام الاشتراكي ومن هو معارض له بتصفيتهم، حيث تمّت تصفية الكثير من رجالات الحزب والدولة وضبّاط كبار،بما فيهم بدرجة مارشال، ورجال العلم والثقافة بتهم كيدية لفّقت من قبل رجال مخابراته وفي محاكمات صورية. ولكن تبقى المسؤولية الأولى على شخص ستالين بتصفية من ساهموا في البناء الاشتراكي بدون أن يميّزهم عن الأعداء الحقيقيين، وكان هذا أحد أسباب تراجع الجيش الأحمر في بداية الغزو الفاشي لأراضي الاتحاد السوفييتي هو فقدانه الكثير من قياداته التي تمرّست في فترة الحرب العالمية الأولى والحرب الأهلية. لقد صدرت وتصدر الآلاف من كتب وبحوث ومقالات وأحاديث عن شخصية ستالين والتي أخذت عدة اتجاهات من اليمين المتطرف إلى اليسار المتطرف، وتحدثت الكثير من الشخصيات العالمية عنه سلبا وإيجابا. وهذا رأي البعض منها :
- وينستون تشرشل، رغم انتقاداته اللّاذعة، كان من الأصدقاء المقربين لستالين، وقال في مذكّراته: "استلم ستالين روسيا عبارة عن مجراف زراعي وتركها بسلاح ذرّي...حتى أنا الذي تربيت في البرلمان لم أكن لأرفض له طلبا،
- شارل ديغول، وهو من المعجبين بستالين، قال "لقد تمتّع ستالين بهيبة ونفوذ واحترام كبيرين، ليس فقط داخل روسيا، بل حتى من أعداءه"،
- كان الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت من المعجبين بشخصية ستالين ومن الذين لا يشكّون بنواه، ففي مؤتمر طهران عام 1943 رفض أن ينام في أي مكان آخر غير الغرفة المجاورة لغرفة نوم ستالين في السفارة السوفييتية،
- بعد زيارته لروسيا ولقاءه بستالين عام 1931 وصفه الكاتب والفيلسوف الايرلندي- البريطاني جورج برناردشو بأنّه أعظم الشخصيات السياسية في اوروبا،
- كتبت عنه وعن منجزاته في بناء دولة عصرية الكثير من القصائد من قبل شعراء العالم المشهورين، ومنهم محمد مهدي الجواهري والشاعر الفرنسي بول ايلوار. وقام بابلو بيكاسو الذي كان من المعجبين بستالين برسم صورته بعد وفاته.

الجزء الثاني
فرانكلين روزفلت (1882- 1945)، من الزعماء البارزين في الحرب. وهو الرئيس الأمريكي الثاني والثلاثين (1933- 1945). درس بكلية الحقوق بجامعة كولومبيا، لكنّه لم يحصل على شهادة جامعية. انتمى إلى الحزب الديمقراطي وتقلّد عدة مناصب، منها سيناتور في مجلس الشيوخ (1911- 1913) ثمّ عيّنه الرئيس ويدرو ويلسون مساعدا لقائد البحرية (1913- 1920). أصيب بالشلل سنة 1921 لمدة ثلاث سنوات وبعد شفاءه عاد لمزاولة نشاطه السياسي. انتخب محافظا لولاية نيويورك (1929- 1933) وقام بإصلاحات، منها تقليل ساعات العمل بالنسبة للأطفال والنساء إلى 48 ساعة في الأسبوع، وتشكيل هيئة لمساعدة العاطلين عن العمل وتسهيل إعطاء القروض للمزارعين لتطوير الزراعة . ورشحه الحزب الديمقراطي لخوض الانتخابات الرئاسية لعام 1932 التي أصبح فيها الرئيس الثاني والثلاثين. في شباط 1933 جرت محاولة اغتياله لكنّه لم يصب بأذى وأعدم الفاعل. كانت أهمّ خططه القضاء على الكساد الاقتصادي الذي عانت منه الولايات المتحدة منذ عام 1929 وحقق مشروعه الذي أطلق عليه "العهد الجديد" نجاحا ملموسا. أعيد انتخابه كرئيس عام 1936، ثمّ فاز في الانتخابات الرئاسية لفترة ثالثة عام 1940 ودخل معه هنري أغارد والاّس كنائب للرئيس، وكانت هذه الفترة من أصعب وأهم الفترات، حيث دخلت الولايات المتحدة الحرب إلى جانب الحلفاء. رفض روزفلت، في البداية، الترشحّ لفترة رابعة في عام 1944، وقال حينها: "فشل الحزب الديمقراطي عندما وقع تحت سيطرت أولئك الذين يحسبون كلّ شيئ بالمال عوضا عن القيم الإنسانية، وما لم يتخلّص الحزب من قيود القوى المحافظة والرجعية وعقلية الاسترضاء فلن يتابع الحزب مسيرته إلى النصر، لذلك أرفض شرف الترشيح للرئاسة"، وجاء في الرسالة أيضا قوله "لو كنت مندوبا في هذا المؤتمر لصوّت ل هنري والاّس". ولكن نائبه هنري والاّس حرّم من الترشيح كنائب له لفترة ثانية بسبب ممارسات بعيدة عن الديمقراطية من قبل أقليّة مناهضة لإصلاحاته وأفكاره، وفرضت هاري ترومان كنائب للرئيس. ووالاّس شخصية مثيرة للجدل، وسنأتي على ذكره لاحقا لأهميّة دوره الذي يخفيه الإعلام الرأسمالي.
بعد الحرب الأهلية في روسيا وإنهاء التدخّل الأميركي بدأت العلاقات التجارية بين البلدين لتنتهي باعتراف أمريكا بالدولة السوفييتية وإقامة علاقات دبلوماسية عام 1933،أي بعد انتخاب روزفيلت، كما انتعشت الحياة السياسية والاقتصادية وانفتاح جزئي على القوى اليسارية الملاحقة من قبل المخابرات وإطلاق تهمة العمالة للسوفييت جزافا ضدّ الناشطين من الشيوعيين واليساريين، إلاّ أنّ هذا لا يعني غياب الملاحقات واتهامات كيدية بحقّهم، ففي عام 1937 اعتقل غيس هول سكرتير الحزب الشيوعي الأمريكي. انتعشت الحركة النقابية في زمن رئاسته ودعا إلى تثبيت الأسعار لحماية أصحاب الدخل المحدود. كانت زوجته إليانور روزفيلت من المدافعين عن حقوق السود.
بعد الغزو الألماني للاتحاد السوفييتي قدّمت الولايات المتحدة مساعدة مالية ومعدات عسكرية له، ولكن لم تكن هذه المساعدة لتلعب دورا هاما في انتصار السوفييت كما يدّعي الكتّاب الغربيون وغيرهم، لكن الولايات المتحدة لعبت دورا هاما بعد إعلانها ومشاركتها في الحرب على دول المحور (ألمانيا ، يابان، إيطاليا) بعد الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر الأمريكي في جزر هاواي في كانون أول 1941. كان روزفلت يختلف مع تشرشل في موقفه من الاتحاد السوفييتي، وكان يقول: " إذا اختلفنا مع السوفييت سنجد دائما ما نستطيع التوصّل إليه"، كما لم يتفّق مع تشرشل في الدعوة لإخراج القوّات السوفييتية من بولونيا وإبعاد الحزب الشيوعي البولوني عن قيادة الدولة بقوله،أي روزفلت، " أنا أتفهّم ستالين، لأنّ بولونيا كانت بوّابة لحربين ضدّ روسيا". وكانت أمريكا الدولة الوحيدة التي استفادت من الحرب في إنعاش اقتصادها.
هنري والاّس(1988- 1965)، في بداية نشاطه السياسي كان ليبراليا منتميا إلى الحزب الجمهوري، ثمّ انحاز إلى مشروع روزفلت الإصلاحي "العهد الجديد" وانتمى إلى الحزب الديمقراطي. عيّن وزيرا للزراعة في الفترة 1933- 1940 الذي كان والد والاّس يشغله سابقا. كما شغل منصب رئيس اللجنة الاقتصادية وتمّ عزله منها بسبب ضغوط من المحافظين في الحزب. استطاع إعادة الإعانة الحكومية إلى المزارعين، وانتعشت الزراعة بفضل إصلاحاته، مما خفف من وطأة الكساد الاقتصادي. وأصدر تعليماته بمساعدة الفقراء بتقديم مساعدات مالية وغذائية ووجبة طعام مجانية إلى المدارس في المدينة. كان مقربا للعلماء ورفض التمييز العنصري بينهم. وكذلك التمييز في إيجاد فرص عمل للعاطلين. في الانتخابات الرئاسية لعام 1940 رشّح والاّس نائبا للرئيس روزفلت وأصبح أكثر احتكاكا بالعالم الخارجي. أرسله الرئيس ليقوم بجولة إلى بلدان أمريكا اللاتينية لكسب حكوماتها إلى جانب الحلفاء في الحرب ضدّ دول المحور ولاقى خلالها ترحابا منقطع النظير وموافقة 12 دولة للانضمام إلى الحلفاء. كان والاّس ثاني أكبر شخص ذي شعبية في أميركا، خاصة بين العمّال والمزارعين، وكان يبوح بأفكاره أمام الملأ، ففي أحدى خطبه عام 1942 قال: "تحدّث البعض عن القرن الأمريكي، أعتقد أنّ القرن الذي نراه الآن، القرن الذي سيلي الحرب يمكن أن يكون، ويجب أن يكون قرن الإنسان العادي، يجب أن لا توجد أي إمبراطورية اقتصادية أو عسكرية. إنّ سيرة الحرية التي قطعت أشواطا خلال الأعوام ال150 الماضية شهدت ثورات شعبية، فقد شهدنا الثورة الأمريكية والثورة الفرنسية وثورات أمريكا اللاتينية والثورة الروسية، كلّ تلك الثورات تحدّثت باسم الإنسان العادي، بعضها أفرطت بعض الشيئ ولكن الشعوب شقّت طريقها نحو النور". رغم أنّ تشرشل كان كثير التودد لروزفلت كون بريطانيا كانت بحاجة إليه إلاّ أنه، أي تشرشل كان ينظر إلى والاّس ببرود، وقد أمر مخابراته في أمريكا إلى مراقبته. كان والاّس شديد الكره للإمبراطورية البريطانية. وردّا على إحدى مقولات تشرشل حول تفوّق العرق الانكلو- سكسوني قال والاّس: "قلت بوضوح، إنني أعتقد أنّ مفهوم التفوّق الانكلو- سكسوني الذي يتبنّاه تشرشل في أساليبه يسئ إلى الكثيرين، وربّما كان مخمورا حين صرّح بذلك".دعي والاّس لمقابلة الرئيس روزفلت والبتّ في ترشيح نائب الرئيس لانتخابات 1944 قبل مؤتمر الحزب، وعن هذا اللقاء قال والاّس: "بدت عاطفة قويّة جدا من قبل الرئيس، وشاورني قائلا: هنري، أتمنى أن يبقى الفريق نفسه". في جلسة مؤتمر الحزب الخاصة بترشيح نائب الرئيس للولاية الرابعة طالب البعض في قيادة الحزب رفع الجلسة للتشاور فيما بينهم على كيفية إزاحة والاّس، إلاّ أنّ الأغلبية الساحقة من المندوبين صوّتت بمواصلة الجلسة، لكن رئيس الجلسة صامويل جاكسون أعلن فجأة رفع الجلسة رغم الاحتجاج على ذلك وخارقا مبدأ الديمقراطية الحزبية. ولو أنّ الجلسة استمرّت لحصل هنري والاّس على الأغلبية الساحقة من الأصوات وفشل هاري ترومان أحد القادة المحافظين في الحزب. ورفع الجلسة جاء لإعطاء الوقت لإتمام الصفقات لشراء الأصوات لصالح ترومان الذي فاز بالمال فقط لا بالإرادة الحرة للنوّاب المصوتين له وإبعاد والاّس الذي حظا بالتأييد الواسع من جمهور الحزب ونقابات العمال والرئيس روزفلت. في فترة روزفلت الرابعة عيّن والاّس وزيرا للتجارة، ثمّ أزيح من الوزارة بسبب خلافاته مع الرئيس الجديد هاري ترومان، خاصة حول الحرب الباردة التي عبّر عنها في خطابه المشهور في قصر الرئاسة في أيلول 1946 الذي دعا فيه الولايات المتحدة إلى الاهتمام بشؤونها الداخلية وعدم تحمّل عبئ مواجهة التحديات والمخاطر في كلّ مكان. تخلّى والاّس عن الحزب الديمقراطي وأصدر مجلّة "الجمهورية الجديدة"، ثمّ أسس حزب العمل الأمريكي وخاض الانتخابات الرئاسية عام 1948 وفشل فيها. كانت أفكاره تتلخّص بأخذ إيجابيات الرأسمالية الأمريكية والاشتراكية الأوروبية والشيوعية السوفييتية.
هاري ترومان (1884- 1972)، وهو الرئيس الأمريكي الثالث والثلاثين (1945- 1952). تسلّم رئاسة الولايات المتحدة بعد وفات روزفلت في 12 نيسان 1945، عندما كان الرايخ يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت ضربات الجيش الأحمر وقبل أربعة أسابيع فقط من استسلام قادة النازية بدون قيد أو شرط أمام قادة الجيش السوفييتي. فشل في حصوله على الشهادة الجامعية، ثمّ توجّه للدراسة في دورات ليلية للحصول على شهادة المحاماة، لكنّه فشل أيضا. توجّه نحو الجيش، ورغم فشله في فحص العيون قبل في الجيش وترقّى إلى رتبة نقيب وقاد بطارية أمريكية عندما كان يحارب في فرنسا ضدّ الألمان في الحرب العالمية الأولى. لم يصاب أحد من جنوده في المعركة عندما فاجأهم الألمان بهجوم في جبال الفوغ لأنّهم هربوا ذعرا، لكنّه استطاع إرجاعهم بعد سبّهم وشتمهم. أنتخب قاضيا لمقاطعة جاكسون في ولاية ميسوري ثمّ سيناتورا للولاية. كان من المعارضين لنائب الرئيس هنري والاّس وينظر إليه كيساري متطرف، بينما هو، أي ترومان، كان يميل إلى مجموعة المعادين للشيوعية والاتحاد السوفييتي والممهدين للحرب الباردة، ففي أحد أحاديثه أمام مجلس الشيوخ، وبعد غزو القوّات النازية للإتحاد السوفييتي قال " إذا رأينا ألمانيا تنتصر علينا مساعدة روسيا، وإذا رأينا روسيا تنتصر علينا مساعدة ألمانيا، وبذلك نتركهم يستنزفون أكثر ما يمكن من القوّتين". لم يستشر روزفلت نائبه ترومان ولم يلتقي معه على انفراد سوى مرتين خلال ثلاثة أشهر الأولى من فترة حكمه الرابعة. وكان وزير خارجية ترومان إدوارد ستيتنيوس يتحدّث إليه ويقنعه بأنّ السوفييت مخادعين، ولذلك كان موت روزفلت خسارة للسلام العالمي والذي سلك طريق التفاهم مع ستالين كونهما مسؤولان عن حماية السلام العالمي. إلاّ أن ترومان أسس لبداية الحرب الباردة مع تشرشل والحكومات التي تلته ثمّ انضمام ديغول إليهم.
شارل ديغول (1890-1970)، تخرّج من الكلية العسكرية عام 1912.عيّن قائد فرقة برتبة جنرال ونائبا لوزير الدفاع الوطني. عارض فكرة توقيع هدنة مع الألمان التي تبنّاها رئيس الحكومة بيتان. بعد استسلام فرنسا لقوّات هتلر وتقسيمها بين ألمانيا وايطاليا وحكومة موالية لألمانيا دعا ديغول إلى مقاومة الاحتلال، وقال حينها "إنّ فرنسا خسرت المعركة، ولكنّها لم تخسر الحرب".ثمّ شكّل حكومة مؤقتة في لندن في كانون الثاني 1941 التي تحوّلت في عام 1942 إلى المجلس الوطني للمقاومة الفرنسية ضدّ الاحتلال وحكومة فيشي العميلة، وضمّت فصائل أنصار الحزب الشيوعي والحركات الوطنية المعادية للاحتلال النازي. بعد تحرير فرنسا شكّل حكومة وفاق وطني (الحكومة المؤقتة 1944- ينتقد 1946 وبداية الجمهورية الرابعة) التي ضمّت الشيوعيين والاشتراكيين والديمقراطيين المسيحيين. فشل ديغول في فرض دستور يكون النظام في فرنسا رئاسيا أي تمتع الرئيس بصلاحيات واسعة. في انتخابات 1947 شكلّ الحكومة الجديدة جورج بيدو من الحزب الديمقراطي المسيحي ونائبه موريس توريس سكرتير الحزب الشيوعي، إلاّ أنّ الشيوعيين أبعدوا من الوزارة لعدم موافقتهم على تجميد الأجور ورفضهم تخصيص ميزانية لحماية المستعمرات الفرنسية. وبقي ديغول والحزب الشيوعي في صفوف المعارضة. في أزمة أيّار 1958 بعد استيلاء الجيش على الحكم في الجزائر، طالب الإنقلابيون تعيين ديغول رئيسا للوزارة، إلاّ أنّ ديغول اشترط تغيير الدستور الذي سيكون نظام الحكم في فرنسا رئاسيا، وحصل الدستور الديغولي أكثر من 70% من أصوات الناخبين. وهكذا أسست الجمهورية الخامسة على يدّ الجيش الفرنسي وبرئاسة شارل ديغول. أصدر ديغول عدة مؤلفّات حول الجيش.
من أبرز زعماء دول المحور المثيرين للحرب،
أدولف هتلر (1889- 1945)،كان هتلر من المناوئين لاستسلام ألمانيا وفق اتفاقية فرساي واعتبرها طعنة في الظهر، لأنّ إعجابه بالأمّة الألمانية كان منقطع النظير، مع العلم لم يصبح مواطنا ألمانيا إلاّ عام 1932. في عام 1919 انظمّ إلى حزب العمّال الألماني، وهو حزب يميني متطرّف وملائم لأفكاره. بعد الأزمة القيادية في هذا الحزب انتهز هتلر الفرصة واستطاع إملاء شروطه ليترأس قيادة الحزب في عام 1921 ويغيّر اسمه إلى حزب العمّال الاشتراكي الألماني القومي (الحزب النازي) وأصبح هتلر يلقّب ب"الفوهرر، أي القائد. وبعدها أخذت خطبه النارية تحرّض الألمان، خاصة الشباب منهم، ضدّ جمهورية فايمار (حكومة ألمانيا 1919- 1933) والدعوة إلى الإطاحة بها كونها حصيلة معاهدة فرساي المذلّة للأمّة الألمانية. كانت البطالة واستياء الجماهير من سياسة الحكومة من الأسباب التي مكّنت هتلر من زيادة جماهير الحزب النازي متهما اليهود والشيوعيين وجميع الماركسيين واللبراليين وتأثير الأقليّات "غير المرغوب فيها" بخلق الأزمة. في تشرين الثاني 1923 قام هتلر بمحاولة انقلابية فاشلة ضدّ حكومة فايمار للاستيلاء على الحكم أدت به إلى السجن خمس سنوات، وقضى منها سنة واحدة فقط وبدأ خلالها بكتابة مؤلّفه "كفاحي" الذي ضمّنه مبادئ الحركة النازية، وانتهى منه عام 1927. بعد فشل المحاولة الإنقلابية، انتهج هتلر "استراتيجية الشرعية" أي الامتثال الرسمي لمبادئ جمهورية فايمار، التي لا يؤمن بها أصلا، حتى يتولّى زمام الحكم قانونيا ويستغل مؤسسات الدولة لتنصيب نفسه ديكتاتورا مطلقا وتنفيذ أفكاره المريضة. وكان يردد مقولته: "يجب أن لا تتحكّم بنا الدولة، بل نحن من يتحكّم بها"، أنّه يستبعد وجود دولة تتمتّع بمؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية تعمل باستقلاليّة. وهو يشاطر صديقه موسيليني الذي يقول: " إرادة الشعب ليست الوسيلة لإدارة الحكم، وإنمّا القوّة هي الوسيلة التي تحكم وتفرض القانون، لذلك السلطة التنفيذية هي التي تشرّع وتنفّذ ويكون على رأسها شخص قائد بارز".
تبنى هتلر فكرة معاداة السامية، وحسب ادّعائه، عندما كان في النمسا رأى كيف يعبث اليهود بمقدّرات البلد، وزاد هذا الاعتقاد عندما اطّلع على كتابات لانز فون ليبنفيلس المنظّر في معاداة السامية وكارل لويجر مؤسس الحزب الاشتراكي المسيحي وغيرهم من زعماء الحركة القومية الألمانية. انتقى هتلر بعضا من الحركات الاشتراكية والبلشفية التي كان اليهود في زعامتها واعتبرها حركات يهودية ليدمج بين فكرة معاداة السامية ومعاداة الماركسية. كما زعم بأنّ اليهود هم أعداء الجنس الآري لتترسّخ لديه فكرة إبادتهم التي تمّ تنفيذها، بما يسمّى"هولوكوست" وبإشراف اليهودي الألماني وأحد المقرّبين لهتلر "أدولف آيخمان" الذي اختطفته المخابرات الإسرائيلية بعد اختفائه 15 عاما في الأرجنتين، ثمّ حكم عليه بالإعدام أمام محكمة إسرائيلية ونفذّ الحكم عام 1962. وشملت الهولوكوست، ليس فقط اليهود كمّا يدّعي البعض، شملت كذلك الملايين من قوميات وأجناس أوروبية، وخاصة من شعوب الاتحاد السوفييتي. برّرت العقيدة النازية عملية الإبادة كونها طريقة للتخلّص من هم تحت البشر، ولمّا كان للأمّة الألمانية عرق نقي فمن حقها حكم العالم، وأنّ العرق الآري يفوق في جودته الأعراق الاوروبية الخليطة مثل الغجر والبولونديون والسلافييون واليهود والألطيون والأفارقة، وحتى الآريون مثل الشيوعيين واللبراليين والمعادين للعقيدة النازية والمرضى والمعاقين والمثليين هم طبقة تحت البشر تجب إبادتها. كما كان هتلر يقرّب الرجال الذين كانوا يبحثون في العرق الآري وتمجيده، من أمثال هملر وغوبلز. وقد نفّذت الأجهزة الإرهابية التي أسسها هتلر عمليات الإبادة، ومنها الشرطة السريّة المعروفة ب"الغيستابو"، والجناح العسكري للحزب النازي المعروف ب"قسم الهجوم آي إس" ووحدات النخبة النازية المعروفة ب"إس إس"بقيادة هملر، ودعمت هذه الأجهزة من قبل ماكنة غوبلز الإعلامية المضللة. يدّعي هتلر بأنّه مسيحي، ولكن لا علاقة لتعاليم السيّد المسيح بسلوك هتلر الهمجي تجاه البشر وعقيدته القومية ، خاصة تلك التي يطالب فيها السيّد المسيح المرء "أن يحبّ لغيره ما يحبّ لنفسه" ونشر السلام والمحبّة على الأرض، وحلّ كتاب هتلر "كفاحي" وأحاديثه محل كتب الثقافة العالمية المتنورة وكلّ ما يدعو إلى السلام. كرّس هتلر جلّ جهازه الإعلامي، الذي كان يتزعّمه جوزيف غوبلز، لنشر أفكاره، فاستطاع الحزب النازي في انتخابات أيلول 1930، وألمانيا تئّن تحت أزمتها المالية، الحصول على 107 مقاعد بعد أن كان قد حصل على 12 مقعد فقط في انتخابات أيار 1928 ليرتفع هذا العدد إلى 230 في انتخابات تمّوز 1932. وعلى إثر الانتخابات الأخيرة ترشّح هتلر لمستشارية ألمانيا (رئيس الحكومة) وحصل على الأكثرية في البرلمان بعد أن منعت العصابات النازية دخول الكثير من الشيوعيين والمعادين للنازية دخول البرلمان، بالإضافة إلى وجود الكثير من الشيوعيين النوّاب في سجون حكومة فايمار "الديمقراطية". بهذه الطريقة عيّن الرئيس الألماني هندبنرغ هتلر مستشارا لألمانيا في كانون الثاني 1933. بعد حرقه الرايخ في شباط 1933،اتهم هتلر القوى اليسارية بالحادث، وخاصة الشيوعيين، وأخذت ماكنة دعايته تنشر كتابه ليحصل عليه كل بيت ويحلّ محل الكتب السماوية والوضعية، وقامت ميليشياته تنشر الرعب في كافة أرجاء البلاد مما أعطى فرصة لاجراء انتخابات برلمانية التي حصل فيها الحزب النازي على حوالي 300 نائب، بذلك أصدر البرلمان "قانون التفويض" الذي سلّم كلّ سلطاته لهتلر الذي بدأ بالقضاء بكلّ الأساليب على خصوم النازية من الشيوعيين والاشتراكيين والليبراليين واليهود، وفي تمّوز 1933 حظرت الحكومة الصحافة المعادية للأهداف القومية للحزب النازي وجميع نقابات العمّال والأحزاب. وبعد وفاة الرئيس الألماني هندبنرغ أصبح هتلر حاكما مطلقا لألمانيا وأطلق على نفسه لقب (فوهرر أندر رايخسكانزلر)، أي زعيم ألمانيا ومستشارها. إنّ الإقبال على تأييد الحزب النازي كان نتيجة انهيار الإمبراطورية الألمانية في الحرب العالمية الأولى، فشعر المواطن الألماني بأنّه أصبح بدون هويّة، وأخذ يبحث عن هوية جديدة وضنّوا بأنّهم سيجدونها بين أساطير ألمانيا القديمة، وهذا ما دفع بقادة النازية إلى التشبث بالأمجاد القديمة التي لا يمكن لغير الحزب النازي وقائده هتلر تجديدها. وحال استلامه زمام السلطة، بدأ هتلر بإعداد ألمانيا للحرب لتكون زعيمة العالم، وكانت البداية احتلال الراين عام 1936.
بداية الحرب، كما أسلفنا كانت هناك معارك واغتصاب وضمّ أراضي بشروط سمّيت ب"اتفاقيات"، أو بدونها من قبل دول المحور قبل بدأ الحرب في الأول من أيلول 1939. في هذا اليوم غزت القوّات الألمانية بولندا ب60 فرقة تعدادها 1.5 مليون جندي واحتلّت ثلثي أراضيها. وفي 17 أيلول قام الجيش السوفييتي باحتلال القسم الشرقي لبولندا، والتي هي القسم الغربي لأوكرانيا وبيلاروسيا، بعد أن أعلنت الحكومة السوفييتية بعدم صلاحية المعاهدة الموقعة مع الحكومة البولندية عام 1932 بسبب انتهاء بولندا كدولة، وزجّ في المعركة حوالي نصف مليون جندي. استبسل الجنود البولنديون في القتال حتى دخول الألمان العاصمة وارسو في 6 تشرين الأول بعد مقتل 66 ألفا منهم وأسر حالي 700 ألف مقاتل وإرسالهم إلى معسكرات الأسر(الموت) الألمانية. بعد يومين أعلنت الحكومتين البريطانية والفرنسية الحرب على ألمانيا. رفضت فنلندا التخلّي عن الأراضي للإتحاد السوفييتي وفق معاهدة مولوتوف- روبنتروب، مما حدا بالأخير لغزوها في 30 تشرين الثاني، وبعد الخسائر بين الطرفين، وافقت فنلندا على التنازل عن بعض من أراضيها. كما اتفق الاتحاد السوفييتي مع دول البلطيق بإقامة قواعد عسكرية ضمن مواثيق المساعدة المتبادلة.
رغم إعلانهما الحرب على ألمانيا لم تقدّم انكلترا وفرنسا أي مساعدة عسكرية لبولندا، تغلغلت القوّات الفرنسية مسافة عشر كيلومترات فقط ثم تقهقرت أمام ضربات القوّات النازية، بعدها أرسلت بريطانيا قطعات عسكرية إلى فرنسا لمساعدة بولندا، ولكن الدولتين لم تتحرّكا لفعل أي شيء واكتفتا بإعلانهما الحصار الاقتصادي على ألمانيا مما حدا بالأخيرة مهاجمة السفن التجارية الانكليزية والفرنسية لتبدأ معركة المحيط الأطلسي التي كانت بدايتها في المياه الإقليمية لأرجنتين عندما هاجمت الطرادات البريطانية سفينة ألمانية عند مصب نهر لابلاتا. عندما حاولت انكلترا قطع طريق إمداد ألمانيا بخام الحديد من السويد عن طريق النرويج والدنمارك وإغراق بعض سفنها نتيجة الألغام التي زرعتها البحرية البريطانية، قامت ألمانيا باحتلال الدنمارك في نيسان 1940 خلال ساعات، ثم احتلالّ النرويج في 10 حزيران. بسبب الخسارات المتتالية للجيش البريطاني، قدّم رئيس وزرائها شامبرلن استقالته واختير تشرشل بدلا عنه في 10أيار نفس العام. أصبحت الجبهة الغربية هادئة لمدة سبعة أشهر، فأطلق عليها الانكليز "الحرب المزيّفة" والفرنسيون "الحرب المضحكة" والألمان "الحرب الجالسة". عندما رأى هتلر عدم وجود نيّة جديّة للردّ على عدوانه، فقام في الفترة من 10 أيّار حتى 28 منه باحتلال لوكسمبورغ وهولندا وبلجيكا وأصبحت القوّات الألمانية على خط ماجينو لتبدأ حملة احتلال فرنسا في 13 أيار. اخترقت القوّات الألمانية خط ماجينو من مناطقه الغير متوقعة لدى الفرنسيين والانكليز، مما اضطرّهم إلى الانسحاب وترك الأسلحة الثقيلة ورائهم، فأصبحت قبلة الألمان العاصمة الفرنسية باريس التي تمّ احتلالها يوم 14 حزيران، وفي 16 حزيران قدّم رئيس وزراء فرنسا بول رينو استقالته، وفي 22 حزيران وقّعت فرنسا معاهدة الاستسلام في نفس المكان ونفس العربة التي وقّعت فيها ألمانيا معاهدة استسلامها في الحرب العالمية الأولى. وشكلّت ما تعرف ب"جمهورية فيشي" في وسط فرنسا الموالية لألمانيا يترأسها الجنرال فيليب بيتان، واحتلّ الألمان الجزء الشمالي وسواحل المحيط الأطلسي لفرنسا والطليان جزئها. وفي تقييمه الوضع في فرنسا قال تشرشل: " لم تكن فرنسا لتواجه الحرب مع ألمانيا بنفس الثقة وبروح معنوية عالية كالسابق (يقصد أيّام الحرب العالمية الأولى)، كما أنّ الجبهة الداخلية لم تكن متماسكة، حيث هناك حركة فاشية كانت تصغي إلى دعاية غوبلز وتنشرها بشتى الطرق". بعد هزيمة فرنساعرضت ألمانيا على بريطانيا توقيع معاهدة سلام معها للحيلولة دون دمار الإمبراطورية البريطانية، إلاّ أنّ بريطانيا رفضت مشترطة بذلك إعطاء الدول الأوروبية حقّ تقرير مصيرها. في هذا الأثناء تمكّن الآلاف من الجنود الانكليز الهروب إلى انكلترا بواسطة القوارب. حطّت ألمانيا طائراتها في مطارات شمال فرنسا لتكثيف هجماتها الجوية ضدّ بريطانيا لتمكين قوّاتها البريّة عبر القنال الانكليزي الوصول إلى البرّ البريطاني، وسمّيت الخطّة ب"أسد البحر" وسمّاها الانكليز ب"حرب بريطانيا". كان هتلر يعوّل على الحرب الجوية للانتصار على بريطانيا عن طريق تدمير مدنها وموانئها وكافة فروع صناعتها وقتل السكّان وإرهابهم. خاب ضنّ هتلر الذي كان يحلم بسهولة تحقيق هدفه في بريطانيا بسبب المقاومة العنيفة للسلاح الجوّي البريطاني واحتفاظ معظم البريطانيين بمعنوياتهم العالية، مما حدا بهتلر تأجيل خطّة "أسد البحر" عدة مرّات حتى انهيار جيشه. في الفترة من 6 نيسان حتى 27 نيسان قامت القوّات النازية بالاستيلاء على يوغوسلافيا واليونان رغم المقاومة البطولية لجيوش الدولتين، وفي الأول من تمّوز استولت على جزيرة كريت وهروب الحكومة اليونانية إلى مصر.
في جبهة المحيط الهادئ، استغلّ اليابانيون سقوط فرنسا وتراجع بريطانيا أمام الألمان، فقاموا بغزو ماليزيا والفيلبين ولاؤس وفيتنام وكمبوديا، ثمّ اندنوسيا للسيطرة على منابع نفطها، ورحّبت شعوب هذه الدول بالاجتياح الياباني وانتقلت أعداد من الجنود إلى الجيش الياباني بسبب القسوة التي كانوا يلاقونها من المستمرين الأوروبيين ، إلاّ أنّ قسوة اليابانيين لم تكن أقلّ. وفي 7 كانون الأول 1941 هاجمت اليابان وبشكل مباغت القاعدة الأمريكية في ميناء بيرل هاربر في جزر هاواي ودمّرت معظم سلاحها البحري والجوّي. وفي يوم 8 كانون الأول دخلت أمريكا الحرب إلى جانب الحلفاء. كان سبب هذا الهجوم الحصار الذي فرضته أمريكا على اليابان وللحدّ من المساعدات الأمريكية للحلفاء. وفي اليوم التالي أعلنت ألمانيا وإيطاليا الحرب على أمريكا، واتهم هتلر أمريكا بسياسة التوسع وفرض الديكتاتورية والهيمنة على العالم بغير قيود!
أمّا في شمال أفريقيا، قامت القوّات البريطانية المتمثّلة بالجيش الثامن والطيران والسفن الحربية وبمساعدة البحرية الأمريكية بالهجوم على قوّات المحور (الألمانية والإيطالية) في 18 تشرين الثاني 1941 في منطقة الحدود بين مصر وليبيا، منطقة برقة، واستولت على مدينة طبرق الليبية في 6 كانون الثاني 1942 بعد انسحاب قوّات المحور. استعادة قوّات المحور تنظيم جيوشها بقيادة ارفين رومل وبإسناد البحرية الفرنسية التابعة لجمهورية فيشي النازية فشنّت هجوما على الجيش الثامن في 26 أيار في معركة عين الغزالة واستعادة طبرق بعد أن أنزلت خسائر كبيرة بالجيش الثامن. لم تهدأ المعارك بين الطرفين حتى نشوب معركة العلمين الأولى في مصر من تمّوز 1942 حتى 26 منه، استطاع الجيش الثامن البريطاني بقيادة برنارد مونتغمري أن يهزم قوّات المحور. حاولت قوّات المحور استعادة المناطق التي فقدتها بعد إعادة انتشارها والبدء بمعركة العلمين الثانية وانتهت بهزيمتها في 4 تشرين الثاني 1942 تحت ضربات الجيش البريطاني الذي واصل مطاردتها فيما سمّيت ب"حملة تونس" ، منهية بذلك الحرب في شمال أفريقيا واستتاب الأوضاع للحلفاء.
الجزء الثالث
الجبهة الشرقية، كانت من أكبر وأعنف المعارك وأكثرها دموية ودمارا على الإطلاق وعلى مرّ التاريخ. وهي التي ستقرر مصير الحرب،أي مصير البشرية جمعاء الذي أصبح على كفّ عفريت، إمّا الاستعباد والدمار والفناء، أو السير نحو الحريّة والبناء السلمي، وهذا ما كان يعرفه حقّ المعرفة قادة دول الحلفاء الذين أثنوا على بطولات وتضحيات الجيش الأحمر السوفييتي. على هذه الجبهة سحقت الماكنة الحربية للنازية ، وفقد الشعب السوفييتي خلال هذه المعارك ما يقارب نصف ما فقدته الشعوب الأخرى التي خاضت حكوماتها الحرب. رغم تفاوت الأرقام بعدد ضحايا الحرب، وفي كلّ الأحوال، فهي لا تقلّ عن 60 مليون شخص. أصبحت أوروبا، باستثناء انكلترا، تحت حكم النازيين والفاشيين، وتحت تصرّف هتلر ثرواتها وقواها البشريّة الهائلة المستعبدة إلى أقصى الحدود والتي كرّسها لعدوانه وأطماعه التوسعية، ساعيا لتنفيذ عقيدته القومية المريضة النابعة من نفسيّته المصابة بداء العظمة في جعل العنصر الآري يحكم العالم لتفوّقه على الأعراق الأخرى الأدنى مستوى واستعبادها أو القضاء عليها. هكذا انصبّ كل تفكير هتلر في وضع خطط لاحتلال روسيا المالكة لثروات طبيعية لا حصر لها من نفط ومختلف المعادن وغابات وأنهار وبحيرات ومحاطة ببحار وجزر. وهو يعرف، أي هتلر، بأنّه لا يستطيع تنفيذ خططه بدون القضاء على شعوب الاتحاد السوفييتي، وهذا ما بدأ بتنفيذه منذ اليوم الأول من عدوانه عليه. وفي إحدى خطبه البهلوانية المعتادة وعشيّة غزوه للإتحاد السوفييتي قال: "يجب على الروسي أن يموت كي يعيش الألماني"، أي المطلوب من جيشه القيام بحرب إبادة. كان غزو الأراضي السوفييتية متوقعا، بل وحتميا، من قبل القيادة السوفييتية وزعماء الغرب على حدّ سواء. لكن توقيت الغزو أصبح لغزا. عندما كانت الصحافة الغربية والساسة الغربيون يتوقعون قرب الهجوم، كان ستالين يعتبر ذلك إثارة الخلاف مع ألمانيا لتخريب اتفاقية مولوتوف- روبنتروب، وكان الرئيس الأمريكي روزفيلت قد حذّر ستالين في كانون الثاني 1941 وكذلك رئيس وزراء بريطانيا تشرشل في آذار نفس العام من الهجوم الألماني المرتقب. ووصل الحدّ بستالين إلى عدم تصديق رجال المخابرات السوفييتية العاملين في بولندا وألمانيا بنية هتلر المبيتّة. كما كان رئيس استخبارات الأركان السوفييتية الجنرال فيليب كوليكوف يقدّم تقاريره مباشرة إلى ستالين، وحسب العسكريين السوفييت، كانت التقارير تحوي ما يسرّ ستالين وتناسب رؤيته للأوضاع. وعندما شكا رئيس الأركان الجنرال غيورغي جوكوف لستالين تصرّف كوليكوف بعدم تسليمه التقارير الاستخباراتية، أجابه ستالين: "سيبلغك رئيس الاستخبارات ما سأراه أنا ضروريا"، هكذا حصر ستالين كافة المعلومات الاستخباراتية بيده. وترسّخت لديه فكرة، بأنّ ألمانيا ستهاجم الاتحاد السوفييتي حوالي منتصف عام 1942، لذلك أمر بعدم القيام بأية استفزازات ضدّها. ولم يعط ستالين أوامره لوضع الجيش في حالة الإنذار القصوى إلاّ قبل ثلاث ساعات من بدء الهجوم رغم محاولة جوكوف وتيموشنكو لإقناعه باتخاذ الإجراءات على الحدود، كما أنّه اعتبر تحذير الملحق العسكري السوفييتي في فرنسا- حكومة فيشي- الذي أعلمه يوم 21 حزيران بأنّ الألمان سيهاجمون يوم 22 حزيران بأنّها لعبة انكليزية. وفي يوم 19 حزيران أرسلت المخابرات السوفييتية برقية تؤكد أعلام السفير الإيطالي في برلين من قبل القيادة الألمانية بأنّ الهجوم سيكون بين 21 و 25 حزيران. وعندما أبلغ ستالين بوقوع الهجوم قال، ربمّا هذا استفزاز لأنّ الألمان بارعون به. ويشير بعض العسكريين السوفييت الذين اشتركوا في الحرب إلى نيّة ستالين وضع خطّة في أيار 1941 للهجوم على الجيش الألماني في بولونيا استباقا لهجوم هتلر المرتقب في العام القادم!
بدأت القيادة الألمانية في حزيران 1940 بوضع الخطة لغزو الأراضي السوفييتية التي أطلق عليها "عملية بارباروسا"، وأقرّت من قبل القيادة العليا العامة تحت أمر رقم 21 في 18 كانون الأوّل نفس العام. جاءت العملية تنفيذا لمقولة هتلر: "عندما نتكلّم عن أراضي جديدة علينا أن نفكّر في روسيا، القدر نفسه يشير إلى هناك، إنّ مستقبل الشعب الألماني هو في الشرق ويجب استقطاعه من الاتحاد السوفييتي". شملت العملية ثلاث جبهات،الشمالية والوسطى والجنوبية (بالنسبة للسوفييت، الجبهة الشمالية الغربية والغربية والجنوبية الغربية) بقيادة الفون براوشتش، وبطول 3000 كم تبدأ من شمال غرب الاتحاد السوفييتي عند ميناء مورمنسك على بحر الشمال حتى ميناء أوديسا على البحر الأسود. زجّت ألمانيا في الجبهة 5,5 مليون جندي مما شكّل 70% من قوّاتها البرية بالإضافة إلى 900.000 جندي من دول المحور الأخرى، و4000 دبابة 4950 طائرة و47200 مدفع و192 سفينة حربية. وبلغ إجمالي القوّات السوفييتية 2.743.000 جندي ما يعادل 53% من القوّات البرية للجيش الأحمر و10.000 دبّابة و5000 طائرة و38000 مدفع و182 سفينة حربية. وكان الهدف النهائي للعملية هو عزل القسم الآسيوي لروسيا عل خط أرخانكلسك- فولغا وتدمير الصناعة الروسية في منطقة اورال بواسطة الطيران الحربي. لتنفيذ العملية قسّمت الجيوش النازية إلى ثلاث جبهات، جيوش الجبهة الشمالية نحو لينينغراد والوسطى نحو موسكو والجنوبية نحو كييف وقفقاس.
في الساعة الثالثة والربع من صباح 22 حزيران 1941 بدأ الهجوم الألماني في الجبهة الوسطى. حاولت القوّات الألمانية دخول قلعة بريست على الحدود بعد قصفها بالمدفعية لكنّها جابهت مقاومة شديدة رغم تفوّق عدد الغزاة بأربع مرّات ونصف عدد المدافعين. وأثناء حصارها قتل الكثير من المدافعين ووقع في الأسر آخرين واستطاع القسم الآخر منهم الإفلات والالتحاق بفصائل الأنصار. ظلت المقامة الفردية حتى أوائل آب، وبعد التحرير كان المدافعين الأبطال قد سجلوا على حيطان القلعة الداخلية ما أبدوه من مقاومة ، منها مثلا: " سأموت ولكن لن أستسلم، وداعا أيها الوطن ، 29 تمّوز 41". وأصبحت قلعة بريست رمزا للصمود والبطولة والتضحية من أجل الوطن. كتب رئيس أركان القوأت البريّة النازية الجنرال فرانس هالدر في الشهر الأوّل من المعارك: "المقاومة القوية من الروس اضطرّتنا أن نلتزم بقواعد المعركة، في بولندا والغرب سمحنا لأنفسنا أن نظهر كما نحن، أمّا الآن هذا غير ممكن". توّغلت الجيوش النازية في العمق رغم المقاومة البطولية للجنود السوفييت فاستولت على مينسك عاصمة بيلاروسيا يوم 29 حزيران ثمّ التوجّه نحو مدينة سمولنسك تمهيدا للزحف إلى موسكو. في الجبهة الجنوبية استولى الألمان على كييف عاصمة أوكرانيا تمهيدا للتوجّه نحو القوقاز حيث منابع النفط وخامات الحديد وغيرها، ثم احتلال ستالينغراد على نهر فولغا. وعلى الجبهة الشمالية تمت محاصرة لينينغراد التي تعتبر رمز ثورة أكتوبر، وأعطى هتلر أوامره لمحو المدينة مع سكانها في حالة عدم القدرة على اجتياحها. لم يمرّ الغزو النازي مرّ الكرام أثناء زحفه، لقد أجبر على التراجع في الكثير من المناطق مثل لينينغراد التي ضلّت عصيّة على العدو حتى فكّ الحصار عنها وملاحقة القوّات النازية، وكييف عاصمة أوكرانيا لم يستطع العدو دخولها حتى التاسع عشر من أيلول ، أي بعد ثلاثة أشهر من المعارك والمقاومة البطولية للجيش الأحمر. كانت الخسائر على الجبهة الغربية في المعارك حول مينسك كبيرة جدا، وأحد الأسباب هو تركيز القيادة السوفييتية العليا على جبهة أوكرانيا، بينما ركّزت القيادة الألمانية على الجبهة الوسطى الأقرب إلى موسكو. وعلى أثر الهزيمة في مينسك حكم بالإعدام على مجموعة من قادة الجيش الأحمر. أصبحت وجهة الجيوش النازية موسكو، عن طريق مدينة سمولينسك. دارت معارك طاحنة للدفاع عن سمولينسك واستمّرت شهرين من 10 تمّوز حتى احتلالها في 10 أيلول. بهذا استطاعت القوّات السوفييتية بمقاومتها تأخير معركة موسكو أكثر من شهرين. لقد كان ثمن المقاومة من أجل الوطن غالية جدا، ففقد الجيش الأحمر حتى قدوم شتاء 1941 حوالي ثلاثة ملايين جندي بين قتيل وجريح وأسير وتغلغل البعض إلى خلف خطوط العدو للالتحاق بفصائل الأنصار، والآلاف من الدبابات والطائرات والمدفعية والعربات. بهذا أصبحت أمام القيادة العامة والحكومة السوفييتية مهام صعبة ومعقّدة، سواء في التعويض عن الخسائر البشرية والمادية أو إعادة تنظيم القوّات المسلحة، وكذلك الحصول على القروض المالية، وليس من مقترض سوى بريطانيا وأمريكا. أكّد تشرشل استعداده لمساعدة الحكومة السوفييتية، ولكن عندما طلبت الأخيرة قرض من بريطانيا ب10 مليون جنيه استرليني، وبعد مباحثات بين الطرفين رفض الطلب في البداية، ثم تمّ الاتفاق على شرط دفع فائدة عالية. وفي مذكّراته قال أنستاس ميكويان وزير التجارة الخارجية السوفييتية آنذاك، بأنّ ستالين استقبل شخصيا مبعوث الرئيس الأمريكي روزفيلت الذي كان صريحا بحديثه وقال بأنّ السادة أعضاء مجلس النوّاب والشيوخ لا يحبّذوا تقديم المساعدة للسوفييت، لكن الرئيس روزفيلت والمقربين حوله يريدون تقديم المساعدة. ومن المساعدات التي قدّمتها أمريكا كانت 11 مليار دولار و100 طائرة حربية، وقد قام العسكريون الكبار بعرقلة إيصال الطائرات. لم يشكك روزفلت بصمود السوفييت بوجه الغزاة، وقال في أيلول 1941، أي في أوجه تقدّم الألمان في عمق الأراضي السوفييتية: " إنّ الروس سيصمدون وإنّ موسكو لن تسقط في يد هتلر".
معركة موسكو، كانت من المعارك الشرسة والكبيرة، سواء بعدد الأفراد أو المعدّات والتجهيزات الحربية والمساحة التي شغلتها. كان هتلر يعتقد بأنّ قوّاته ستحتل موسكو خلال ثلاثة أو أربعة أشهر ليعلن سقوط الاتحاد السوفييتي. حتى الصحافة الغربية تنبّأت بسقوط موسكو خلال شهرين، ووصلت المبالغة بالبعض إلى سقوطها خلال شهر! خططت القيادة الألمانية لعملية احتلال موسكو في 24 أيلول تحت أسم "تايفون" وفي 26 أيلول أصدر أوامره لبدأ الهجوم في الثاني من تشرين الثاني 1941، وقدّر بأنّ احتلال موسكو سيكون حوالي منتصف تشرين الثاني أي خلال 45 يوما. كما وأصدر أوامره بتطويقها من كلّ الجهات وبعدم السماح لأي جندي أو أحد من سكانها، إذا كان رجلا أو امرأة أو طفل بمغادرتها، ومن يحاول يقتل حالا. كان لتأخير زحف الجحافل النازية نحو موسكو جرّاء المقاومة العنيفة للجيش الأحمر عاملا مساعدا لإقامة خطوط دفاعية. بلغ تعداد الجيوش النازية لاحتلال موسكو 1.800.000 جندي و14000 مدفع و1700 دبابة 1390 طائر، وتعداد الجيش الأحمر، 1.250.000 جندي و7600 مدفع 990 دبابة و667 طائرة. لم تستطع القوّات السوفييتية منع تقدّم الألمان، إلاّ أنّ مقاومتها أبطأته إلى حدّ كبير. بسبب الظروف الخطيرة التي أحاطت بموسكو تمّ نقل المقرّات الحكومية، ومنها مقرّ ستالين، والبعثات الدبلوماسية الأجنبية إلى مدينة كويبشف. واستقرّ مقرّ لجنة الدولة للدفاع في محطة مترو "ماياكوفسكايا"، كذلك نقلت المصانع والمعامل والورشات ومحتويات المتاحف والمسارح والمدارس والمؤسسات العلمية والمقتنيات والمعان الثمينة خارج موسكو. قام سكان المدينة ، ومعظمهم من النساء، بإقامة المتاريس والموانع وحفر الخنادق، وتحويل شرف وشبابيك البنايات إلى مواقع لإطلاق النيران، ووضعت ألغام في محطات المترو لتفجيرها في حالة استباحتها من قبل الغزاة النازيين. تحوّلت موسكو من مدينة آمنة رومانسية تسودها حركة بناء سلمي إلى جبهة مدججة بالسلاح تنتظر صدّ العدو في شوارعها. وفي 16 أكتوبر انتشرت حالة رعب بين سكان المدينة وفوضى وسرقة محلاّت والهروب خارجها، وفي اليوم التالي أعلن سكرتير منظمة موسكو للحزب الشيوعي بأنّ "موسكو لن تستسلم"، وفي 20 أكتوبر أعلن ستالين حالة الطوارئ ومنع التجوّل من الساعة 12 ليلا حتى الخامسة صباحا وإلقاء القبض على كلّ من يخالف الأوامر وتقديمه إلى القضاء، أمّا الأعداء والجواسيس يعدمون حالا. وفي 21 منه أصدر ستالين أمرا بتعيين الجنرال قسطنطين جوكوف قائدا للجبهة الغربية ومسئولا للدفاع عن موسكو. في نهاية أكتوبر تباطأ تقدّم الألمان حتى توقّف نهائيا بعد أن صار على بعد 30كم فقط عن مركز المدينة في جهة شمال الغرب و60كم من جهتها الغربية. وفي 6 تشرين الثاني بدأ الهجوم المعاكس وأمر جوكوف قيادة الفيالق بعدم إعطاء أي فرصة للعدو للتخندق والدفاع عن نفسه. قذف العدو مسافة 200 إلى 300 كم عن العاصمة، مما أتاح في أوائل كانون الأول إرجاع بعض المعامل والمصانع إليها وبدأت المسارح ودور الثقافة تعمل والحياة تستقرّ في المدينة تدريجيا. لقد فشلت خطة "تايفون" وقبرت إلى الأبد، وبانت أفق الانتصار على النازية.
معركة ستالينغراد، كانت من أشرس معارك الحرب العالمية على الإطلاق من حيث الضحايا من البشر والأسلحة المدمّرة من مختلف الصنوف وغيرها من المعدّات ودمار مدينة بكاملها. هذه المعركة هي التي تقرر، ليس فقط مصير الاتحاد السوفييتي، بل ومصير أوروبا والعالم، لذلك كانت الخسارة لأيّ من الطرفين المحاربين مرفوضة. بعد خسارته معركة موسكو وجّه هتلر جلّ اهتمامه نحو ستالينغراد الممتدّة مسافة 30كم على نهر الفولغا الشريان الرئيسي للمواصلات النهرية وهو الخط الفاصل بين قارتي آسيا وأوروبا، وكذلك منطقة القوقاز حيث سيسهل تزويد المعدّات بالوقود بعد احتلال منابع نفطها وقطع الوقود على الجيش الأحمر. لذلك عمد إلى تقسيم جيوشه إلى "أ" باتجاه قفقاس و "ب" باتّجاه ستالينغراد، وسمّيت ب"العملية الزرقاء". كان من المفروض للعملية أن تبدأ في أيار1942، إلاّ أن حصار مدينة سيفاستوبل في شبه جزيرة القرم والمقاومة النادرة التي أبداها المدافعون عنها أخّر العملية. تقدّمت الجيوش النازية بسرعة نحو أهدافها إلاّ أنّ المؤن لم تصل بهذه السرعة. وحسب قول بعض ضبّاطه، كان هتلر يعتبر بأنّ العمليات تسير ببطؤ لأنّه يعتمد على أسلوب الحرب الخاطفة، فهو يريد أن يسير كلّ شيء على هواه ويعتبر نفسه القائد الذي لا يهزم. في 23 آب وصلت طلائع الدبابات الألمانية إلى ضفة نهر الفولغا وإلى المدينة التي سوف لا يعودون منها. تمّ إخلاء معظم المصانع والمعامل من المدينة قبل تدميرها. قام الطيران الألماني "لوفتفلوت4"الذي كان أقوى أسطول جوّي في العالم، وتقدّم الجيش السادس، أقوى جيوش العالم، بقيادة باولوس نحو المدينة لاجتياحها بعد أن تحوّلت إلى أطلال واستطاعت إنزال ضربات مميتة بالجيش الأحمر. تطوع سكان المدينة للقتال ضدّ الألمان وتقديم كلّ ما هو ضروري للصمود، ورفع الجنود السوفييت شعار، "لا أرض لنا وراء الفولغا". دخلت القوّات النازية المدينة في منتصف أيلول 1942 لتبدأ حرب المدن والاشتباك بالسلاح الأبيض من شارع إلى شارع ومن بيت إلى بيت. أصبحت تلّة مامايف كورغان في ضاحية المدينة ذات الموقع الاستراتيجي تحتل وتسترجع عشرات المرّات. لم يكن للألمان خبرة في حرب المدن لأنّهم يعتمدون على قاعدة هتلر "الحرب الخاطفة". في أحد البيوت المهدّمة التي اتّخذها العريف ياكوب بافلوف حصنا لفصيله للمقاومة وسط المدينة استطاع تكبيد الألمان مئات القتلى. وعبر قائد الجيش السوفييتي 62 جويكوف مازحا: "إنّ الألمان الذين قتلوا محاولين اقتحام منزل بافلوف أكثر من الذين قتلوا لاحتلال باريس". وكتب المؤرّخ الانكليزي ,أنتوني بيفر: "بعد كل موجة هجوم ألماني على منزل بافلوف كان الجنود السوفييت يخرجون جثث القتلى الألمان ويبعدونها كي يحتفظوا برؤية واضحة لخط المواجهة". منح قائد الفصيل بافلوف لقب "بطل الاتحاد السوفييتي".
أنهكت مقاومة الجيش الأحمر القوّات النازية واستنزفت حتى معنوياتها، مما أتاح لقيادة جبهة ستالينغراد تنفيذ خطة الهجوم المعاكس. بدأت القوّات السوفييتية بتدمير جناحي الجيش السادس النازي الأيمن والأيسر ليصبح بدون حماية مما مهّد الطريق لتطويقه ووضعه بين كمّاشة الجيش الأحمر التي لا مفرّ منها، إمّا الاستسلام أو الموت. طلب قائد الجيش النازي باولوس من هتلر السماح له بالانسحاب من المدينة المحاصرة والحفاظ على أرواح المتبقين من جنوده وضبّاطه، رفض هتلر الطلب لأنّ الأرواح لا قيمة لها عنده، ودعا باولوس إلى الصمود إلى حين وصول الإمدادات، التي أصبحت مجرّد وعود
منزل بافلوف 1943 إلى جانب رفع شعارات تضليلية مثل، "أصمدوا سيحررنا الفوهرر". أصدر هتلر قرارا بترفيع باولوس إلى رتبة "فيلد مارشال"، وكانت فكرته بأنّه لم يحدث أن استسلم، أو لن يستسلم، ضابط ألماني بهذه الرتبة الرفيعة، فإذا لم يحالفه الحظّ في الصمود سوف ينتحر ويرحل إلى الخلود النازي! لم يكن الفيلد مارشال الجديد من هواة جرائم الحرب، فاستسلم للجيش الأحمر يوم 2 شباط 1943 وأنقذ حياة 110.000 جندي وضابط من الموت المحقق من مجموع 420.000 شاركوا في المعركة. وبعد حجزه حتى عام 1952 قرر باولوس قضاء بقية حياته في مدينة درسدن في ألمانيا الشرقية. ظلّ يدافع عن موقفه حول استسلامه، ونقل عنه حديثا يقول فيه: "إنّ الشيوعية هي أفضل أمل لأوروبا بعد الحرب". غيّرت معركة ستالينغراد، ليس مجرى الحرب فقط، بل ومصير العالم الذي أصبح قاب قوسين بين مخالب النازية. وبعد هذه الهزيمة للنازية اقترح صديق هتلر موسيلسني إجراء الصلح مع روسيا!!! قيّمت مأثرة الجيش الأحمر تقييما عاليا من قبل الكثير من زعماء الدول وشعوب العالم، وخاصة من قبل الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا تشرشل. كتب روزفلت رسالة إلى ستالين : "نيابة عن شعب الولايات المتحدة الأمريكية أقدّم هذه الرسالة إلى مدينة ستالينغراد احتفاء وإعجابا بالمدافعين الذين أثبتوا الشجاعة والتفاني خلال حصار المدينة، ويلهم هذا النصر قلوب جميع الناس الأحرار. إنّ نصرهم المجيد وضع حدّا لتيّار الغزو، وكانت نقطة تحوّل في مسار الحرب ضدّ قوّات العدوان".
حصار لينينغراد، بدأ المعارك على الجبهة الشمالية الغربية اعتبارا من 10 تمّوز1941 حتى 9آب 1944. واشترك في القتال إلى جانب القوّات النازية للإستيلاء على المدينة القوّات الفنلدية والإيطالية والاسبانية ومتطوعين من شمال أفريقيا وأوروبا. وشملت الجبهة منطقة لينينغراد وكالينينغراد واستونيا والحدود مع فنلندا. بدأت جيوش الشمال النازية والقطعات الفنلندية التحرّك على الحدود السوفييتية يوم 21 حزيران 1941، ثمّ الهجوم في اليوم التالي. قام الطيران السوفييتي يوم 25 حزيران بقصف حوالي 20 قاعدة جويّة في فنلندا وشمال نرويج لتلافي تقدّم القوّات النازية إلى لينينغراد. وهدف هتلر للاستيلاء على المدينة هو الاستحواذ على 12% من الإنتاج الصناعي السوفييتي، الاستيلاء على الأسطول السوفييتي الحربي والتجاري في بحر البلطيق، تأمين الحماية للجبهة الوسطى التي تقوم باحتلال موسكو، تحصين هيمنة ألمانيا على بحر البلطيق لتأمين نقل خامات المعادن من النرويج للصناعة الألمانية. وضعت قيادة جبهة لينينغراد خطة حماية المدينة والتي وافق عليها رئيس الأركان الجنرال جوكوف. تمّ إنشاء ثلاث خطوط دفاعية حول المدينة، وفي أطراف المدينة تمّ إنشاء خنادق ونقاط إطلاق النار للمقاتلين وخنادق وسدود معيقة للدبّابات والعجلات. وساهم في إنشاءها النساء ومن هم في دور المراهقة لأنّ الرجال توجهوا للحرب لحماية المدينة وعدم تدنيسها من قبل الفاشست، لأنّها مدينة لينين ومهد ثورة أكتوبر الاشتراكية ومركز الثقافة والصناعة السوفييتيتين. وصلت القوات الغازية مشارف لينينغراد بعد احتلالها عدة مدن وبدأ الحصار يوم 8 أيلول 1941. وقعت المدينة في كمّاشة الجيوش الغازية، وحوصرت من كل الجهات، ولم يبقى سوى طريق واحد على جليد بحيرة لادوغا الشبه السالك في فصل الشتاء فقط للوصول إلى الأرض الكبيرة، والذي سمّي ب"طريق الحياة"، على هذا الطريق تمّ أجلاء حوالي نصف مليون من السكّان، معظمهم من الأطفال، ولم يكن آمنا حيث مات الكثيرين منهم غرقا بسبب عدم تحمّل الجليد ثقل السيارات أحيانا. انقطعت المؤن والمياه والأدوية والتدفئة في الشتاء عن المدينة الواقعة تحت وابل من نيران المدفعية الثقيلة والدبابات والقاذفات الثقيلة والطيران الحربي من كلّ الجهات، كانت تقع على المدينة كلّ يوم 52 ألف قذيفة. أصبح العدو على بعد 4- 7كم من المدينة. بالرغم من ذلك واصل مصنع كيروف داخل المدينة في إنتاج الدبابات الشهيرة "تي 34". لضخّها إلى الجبهة. اعتبارا من 16 تمّوز بدأ توزيع حصص المواد الغذائية على الوجه التالي: للعاملين في الورشات الحارّة 1000غم، للعمّال 800غم، للموظفين 600غم، للمعاقين والأطفال دون 12 سنة 400غم، وحتى نهاية عام 1941 انخفضت الحصص بسبب الحصار الشديد، على التوالي، 375، 250، 125، 125،125غم. أصبح الطريق الشتوي المنفذ الوحيد للتموين ،وتحوّلت لينينغراد العامرة ببنيانها وأماكنها السياحية ودور ثقافتها ومؤسساتها العلمية وصناعتها وجسورها ال300 ، والأهم من ذلك، أناسها الطيبين إلى مجرّد مدينة أشباح، وأصبح نقل الجثث إلى مثواها الأخير ظاهرة يومية مألوفة بسبب القصف والجوع والعطش والبرد والأمراض المعدية مثل التيفوئيد والكوليرا.

سكان لينينغراد يحصلون على الماء. (المصوّرة كودوياروفا- كانون ثان 1941)
وسط الآلام التي لا تحصى في المدينة ألّف الموسيقار السوفييتي العالمي دميتري شستاكوفيج السيمفونية السابعة المشهورة "لينينغراد"، وعزفها على مسرح كويبشيف للأوبرا والباليه يوم 5 آذار 1942، وأصبح عزف السيمفونية حدثا مهمّا للمدينة المنكوبة ورفع معنويات سكانها.
في 22 أيلول 1941 أصدر رئيس أركان أسطول البلطيق النازي بيانا جاء فيه: "إتّخذ فوهرر قرارا بمسح لينينغراد من على وجه الأرض...يجب تطويق المدينة بحلقة ضيّقة وتدميرها عن طريق المدفعية والطيران. إذا تطورّت الأوضاع وحدث الاستسلام سيرفض لأننا نحارب من أجل حقّنا في الوجود، ولا نريد حدوث مشاكل في التموين ولسنا مجبرين على حلّها، لذلك لا يمكن الاحتفاظ بأي جزء مهما كان صغيرا من السكّان". هذه هي العقيدة النازية القومية المتطرّفة، وهذا أسلوبها في الخلاص من هم ليسوا من عرقهم. وفي 11 أيلول قال الرئيس الفنلندي المناصر للنازية للسفير الألماني : " في حالة إزالة لينينغراد كمدينة كبيرة ستبقى حدودنا على نهر النيفا... يجب إزالة المدينة من الوجود". في ظلّ الأجواء الخطرة هذه قدم جوكوف إلى لينينغراد لقيادة العمليات. في مذكّراته كتب جوكوف : "اعتبر ستالين الوضع في لينينغراد كارثة، وحتى استخدم كلمة: ميؤوس منها، وعلى ما يبدو وبعد عدة أيّام سنعتبرها ضائعة". في يوم 29 آذار 1942 دخلت إلى المدينة مجموعة من الأنصار (بارتيزان) حاملين معهم المأكولات لسكان المدينة. صحيح إنّها قليلة جدا، لكنّها تعني الكثير، ظهرت الفرحة على وجوه المحاصرين ورفعت من معنوياتهم، وأثبت اختراقهم، أي البارتيزان، للحصار واللقاء بالسكّان عدم إمكانية العدو في الحفاظ على تحصيناته. استقبل الناس عيد الفصح في 10 من الأديرة والكنائس في المدينة، وتقول السيدة ليوبوف فاسيليفنا شابورينا: "..في ليلة 4/5 نيسان 1942(22 آذار حسب التقويم الشرقي) وتحت قصف مروّع، حملت النساء الخبز الأسود ليباركه الكاهن برشّ الماء المقّدس عليه". في 18 كانون الثاني 1943 تمّ اختراق الحصار من قبل الجيش 67 والجيش الثاني للقوّات الضاربة، وفي 27 كانون الثاني 1944 استطاع الجيشانّ رفع الحصار كاملا عن مدينة لينينغراد. لم يبقى من سكان المدينة ذي المليونين ونصف المليون سوى 800 ألف نسمة وأجلي منها 500 ألف آخرين فقط بعد أن دام الحصار حوالي 900 يوما.
بعد خسارته معركة ستالينغراد عمد هتلر إلى إعادة هيبة جيشه بالتحضير للسيطرة على المزيد من المدن السوفييتية على الجبهة الغربية ومحاولة تدمير المزيد من القوّات السوفييتية لإعادة زمام المبادرة. استطاع السوفييت الحصول على المزيد من المعلومات حول تحشّدات الألمان من الدبابات والمدفعية والطيران. مما أتاح لهم الفرصة في وضع مخطط دار حوله نقاش بين ستالين والمارشال جوكوف، وتمّ الأخذ بفكرة جوكوف التي ترمي إلى اتخاذ موقف الدفاع لاستنزاف قوّات العدو وزرع كثيف لمختلف أنواع الألغام، وخاصة المضادة للدبابات. دارت بين الجانبين في منطقة كورسك أضخم معركة للدبابات سمّيت بمعركة "قوس كورسك" شاركت فيها حوالي 6000 دبابة من الجانبين انتهت بدحر الجيش النازي. ثم بدأ الجيش الأحمر بالتقدّم لتحرير مدن خاركوف وكييف ومينسك وسيفاستوبل وجمهوريات استونيا ولاتفيا وليتوانيا. في 13 كانون الثاني بدأ الجيش الأحمر بتحرير رومانيا وبلغاريا وبولندا التي انتفض الشعب ضدّ حكوماتها النازية وتشكيل حكومة وطنية وقطع العلاقات مع ألمانيا والانضمام إلى جانب الحلفاء، ثمّ تحرير يوغوسلافيا والنمسا وجيكوسلوفاكيا. وصولا إلى برلين.


العريف كنتاريا يرفع العلم السوفييتي على الرايخستاخ

كانت معركة برلين من المعارك القويّة والتي استمرّت من 16 نيسان حتى 2 أيار انتهت باحتلال الرايخ ورفع العلم السوفييتي فوقه ثمّ استسلام القادة النازيين بدون قيد أو شرط يوم 8 أيار أمام المارشال جوكوف وبحضور قادة عسكريين أمريكان وبريطانيين. في نهاية نيسان انتحر هتلر وعشيقته وغوبلز وزوجته التي قتلت أطفالها الستّة بحقنهم بالسمّ. بعد الاحتلال مباشرة عيّن الجنرال السوفييتي برزانين حاكما عسكريا لبرلين إلى حين استقرار الأوضاع.
إنزال نورماندي، كان ستالين قد طالب حلفاءه الغربيين عام 1942 بفتح الجبهة الغربية لتخفيف الضغط على الجيش الأحمر، لم يعترض الرئيس الأمريكي روزفلت على ذلك، إلاّ أنّ رئيس وزراء بريطانيا اعترض على ذلك بسبب المعارك التي يخوضها الحلفاء في شمال أفريقيا. وبعد انتهاء معارك شمال أفريقيا لصالح الحلفاء في تشرين الثاني 1942 طالب ستالين الحلفاء مرّة أخرى بفتح الجبهة. وافق الرئيس الأمريكي على الطلب ، لكن تشرشل ظلّ يماطل، بالرغم من موافقة الأطراف الثلاثة على ذلك في مؤتمر طهران (28 تشرين ثان- 1 كانون أول)، حتى دخول الجيش الأحمر إلى الأراضي البولندية، وكانت أمريكا قد أعدّت الخطة من قبل القائد العسكري دوايت إيزهاور (رئيس الولايات المتحدة 1953- 1961) بعد سقوط باريس عام 1940. حشّد الحلفاء على الجبهة الغربية قوّاد ضخمة وأسطول بحري وجوّي من آلاف السفن الحربية وسفن الإنزال وآلاف الطائرات بقيادة قائد الجيوش الأوروبية ايزنهاور. بدأت العملية يوم 6 حزيران 1944 وبشكل مباغت للجيوش الألمانية التي يقودها رومل لأنّ توقعاتهم بالنسبة لمكان وزمان الإنزال كانت خاطئة. كانت المعارك قويّة في الأيّام الأولى، ولكن سرعان ما أخذ الجيش النازي يتراجع بسرعة، فتمّ تحرير فرنسا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وصولا إلى برلين، والتقت هناك بعض القطعات من القوّات الأمريكية والسوفييتية.
حركة الأنصار السوفييتية- البارتيزان، تشكّلت فصائل الأنصار في الأيام الأولى من غزو القوّات النازية لأراضي الاتحاد السوفييتي بمبادرة من منظمات الحزب الشيوعي. وتشكّلت بالأساس من الجنود والضبّاط الذين هزّمت قطعاتهم على جبهات القتال ومن الذين اخترقوا حصار القوّات النازية والتفوا وراءها. في 18 تمّوز 1941 أصدرت اللجنة المركزية للحزب قرارا بتشكيل المقاومة خلف خطوط العدو. كان عددهم في البداية يعدّ بالعشرات،وأخذ العدد يتزايد بشكل مضطرد وأخذ الناس يلتحقون بهم دون انتظار أوامر من المنظمّات الحزبية أو العسكرية أو الكومسومول،حتى تخطّى عددهم المليون نصير، أصبح الأنصار حركة شعبية شارك فيها الرجال والنساء من مختلف الأعمار ومن مختلف القوميات وحوّلت حياة الجنود النازيين في المناطق المحتلة إلى جحيم . تمّ تشكيل قيادة عامة للأنصار ونسّب ضبّاط برتب عالية لقيادتهم، وأصبح حوالي 80% من الفصائل تتصل مباشرة بالقيادة العامة عن طريق أجهزة الاتّصالات لتزويدها بكافة المعلومات عن تحرّك العدو والتنسيق مع وحدات الجيش. وحصل الأنصار على آلاف القطع من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة المختلفة بما فيها مضادّات الدروع. أهم المهام التي قاموا بها هي الحصول على معلومات عن تحرّك القطعان النازية، تخريب طرق المواصلات، وخاصة سكك الحديد التي سمّيت ب"حرب سكك الحديد"، تدمير خطوط الضغط العالي وخطوط الإتّصالات، اغتيال ضباط بمختلف الرتب والمندسّين بين الأنصار، نصب كمائن لتدمير وإعاقة وصول قطعات النازيين والأسلحة والعتاد إلى جبهات القتال، تهيئة الناس في الأراضي المحتلّة وإعدادهم للقتال ضدّ المحتل.

تقليد قسّ كنيسة في القرية ميدالية "نصير الحرب الوطنية"
بعد تحرير الأراضي السوفييتية انظمّ الأنصار إلى الجيش الأحمر لمواصلة تحرير دول أوروبا من القطعان النازية. لم تقتصر حرب الأنصار على أراضي الاتحاد السوفييتي المحتلّة فقط، بل كانت قد انتشرت في معظم الدول الأوروبية الواقعة تحت النير النازي والفاشي وشارك فيها حوالي 40 ألف نصير سوفييتي. استشهد الآلاف من الأنصار أثناء الصدام مع قوّات العدو أو إعدامهم أثناء وقوعهم بقبضته أو بسبب المرض والأحوال الجوية القاسية. ومن شهداء الأنصار: ماريا ميلنيكايتة (1923- 1943) من جمهورية لاتيفيا، جرحت في معركة غير متكافئة مع القوّات النازية، وأسّرت وعذّبت لمدة خمسة أيّام وأعدمت رميا بالرصاص بعد أن بصقت بوجه مستجوبها، منحت لقب "بطل الاتحاد السوفييتي". زويا كوسموديميانسكايا، وقعت في الأسر بيد الألمان، بصقت بوجه المستجوب ثمّ أعدمت شنقا، وكان قد صوّرها أحد الضباط الألمان، وبعد فترة قتل الضابط وبحوزته فيلم حول عملية إعدامها. منحت النصيرة البطلة لقب "بطل الاتحاد السوفييتي".
نيكولاي كوزنتسوف، (1911- 1944) وهو أوكراني، من أشهر المستطلعين في حركة الأنصار، يجيد الألمانية قراءة وكتابة، وعمل في إحدى مقرّات القيادات الألمانية وانتحل أسماء ألمانية. اغتال عدد من القيادات الألمانية في أوكرانيا. استشهد ومرافقه أثناء اشتباكهما مع ما يسمى بجيش تحرير أوكرانيا العميل للقوّات النازية. منح لقب "بطل الاتحاد السوفييتي". ملاحظة: في عام 1990 قام القوميون النازيون الأوكرانيون في مدينة لفوف بهدم قبره. أصدر القائد الأنصاري الجنرال ديمتري مدفيديف الذي عمل كوزنتسوف تحت قيادته قصة عن حياة هذا البطل وتمّ تصويرها في فيلم سينمائي تحت عنوان: " كان هذا في ضواحي روفنو".
في الثامن من أيار 1945 أعلن في موسكو عن رفع التعتيم الليلي في المدينة ليتحوّل يوم 9 أيار، بعد توقيع القيادة النازية وثيقة الاستسلام في الثامن من أيار بدون قيد أو شرط وبإشراف القائد العسكري السوفييتي الاسطورة قسطنطين جوكوف، إلى يوم الفرح والبهجة التي عمّت قلوب، ليس فقط شعوب الاتحاد السوفييتي، بل وشعوب العالم أجمع. واتّخذت شعوب الدول المستعمرة (بفتح الميم) وشبه المستعمرة من هذا النصر منارا لتحررها. لكن الرأسمالية العالمية لم ترضى بالأوضاع التي تهدد أرباحها، فعمدت إلى إثارة الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفييتي، والتي بدأت عمليا قبل سقوط الرايخ، بإشعال الفتن والتدخّل في شؤون الدول الأخرى بشتى الأساليب، وخاصة العسكرية، وأصبح السلام العالمي مهددا بحرب تحرق الأخضر واليابس على الأرض بفعل السلاح النووي الذي جرّبته الولايات المتحدة في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. كان القصف النووي تهديدا مبطنا للاتحاد السوفييتي والبدء الفعلي للحرب الباردة التي انتهت بانتهاء التجربة الأولى للبناء الاشتراكي في منظومة الدول الاشتراكية بسبب أخطاء تراكمية استغلّت من قبل الطرف الآخر المدعوم بأموال هائلة وماكنة إعلامية غطّت نصفي الكرة الأرضية . ولكن لا محالة سيكون النصر دائما لما هو أفضل لحياة البشر على الأرض، خاصة أنّ شعوب المعمورة تتابع عن كثب ما تقوم به الدول " المنتصرة في الحرب الباردة" والمآسي التي تخلقها في الكثير من مناطق العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، باستخدام مطاياها في المنطقة
تحاول الدول الغربية قاطبة تشويه تاريخ الحرب العالمية الثانية عن طريق ماكنة إعلامها المسموعة والمرئية من قنوات تلفزة وراديو وصحف ورقية وإلكترونية ومراسلين ومحللين ومنظرين ورجال سياسة، وذلك بتهميش دور الاتحاد السوفييتي الحاسم في القضاء على الماكنة الفاشية، ففي كل ذكرى الانتصار يبرزون الإنزال في نورماندي وكأنّها المعركة الحاسمة التي قضت على ألمانيا النازية، مع العلم عندما رأى القادة النازيون بأن الجيش الأحمر يتقدّم باتجاه برلين خففوا المقازمة ضدّ القوّات الانكليزية والأمركية ولم يخربوا المدن التي تركوها في الجبهة الغربية كما فعلوا في تدمير مدن الاتحاد السوفييتي وأوروبا الشرقية. كما تحاول الأوساط الصهيونية في إسرائيل ومعها الدول الرأسمالية بإظهار وكأنّ هتلر شنّ الحرب من أجل القضاء على اليهود بإظهارها الهولوكوست وكأنّها الجريمة الوحيدة لهتلر بحق الإنسانية مهمشين بذلك 60 مليون ضحية حصدتها الحرب العالمية الثانية، ما يقرب من نصفها كان من حصة الشعب السوفييتي.
بهذه الطرق الرخيصة يحاول الغرب إعادة كتاب تاريخ الحرب العالمية الثانية والتي أطلق عليها السوفييت، بحقّ، " الحرب الوطنية العظمى"



#يوسف_شيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكريات بعد ربع قرن من الأنفال
- هل يتجاوز العراق محنته وهو بين فكّي المحاصصة
- ثقوب سوداء فوق العراق
- نصف قرن من الآسي بين نظام قومي متطرف ونظام محاصصة طائفية
- سبعون عاما على إجتياح الجيش النازي للأراضي السوفييتية
- حكومة شراكة وطنية أم سرج حصان
- إغلاق مقرّات الحزب الشيوعي العراقي,قضية صراع طبقي
- ماذا وراء التشكيك بحقوق الشعب؟
- الدروس المستخلصة من مظاهرات 25 شباط
- مشاكل الشعب لاتحلّها تبرعات,ما تسمّى,أنصاف الرواتب
- هل تأخذ المعارضة التونسية بدروس من سبقوها
- ولادة مواطنين مشوّهين وولادة حكومة م...ه
- من الفائزز، الدستور أم الفائزين
- الذكرى 65 للإنتصار على الفاشية /بطولات،تضحيات ودروس -2-
- الذكرى 65 للإنتصار على الفاشية
- الأحزاب الكبيرة والأحزاب الصغيرة والإنتخابات
- الإنتخابات وأهميّة قراءة التأريخ
- أهميّة دعوة السيستاني الى الناخب العراقي
- بعد هتلر يحاول الإطلسي الفوز بالقوقاز
- اليوبيل الذهبي لثورة 14تموّز- أسئلة وأجوبة في إمتحان عسير


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يوسف شيت - الذكرى 75 للإنتصار على ألمانيا النازية