أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - أمل














المزيد.....

أمل


جميلة شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6552 - 2020 / 5 / 2 - 19:18
المحور: الادب والفن
    


جلسَتْ على كرسيِّ أمامي تقُص عليَّ ما رأتْه في منامها. كانتْ تُؤرجح رجليْها الى الأمام تارة، والى الخلف تارة أخرى، وقد اتجهتْ بنظرها نحو نافذة الغرفة ذات الستائر التي تسمح لجزء لا بأس به من أشعة شمس نيسان الدافئة، بأن تتسلل الى داخل الغرفة فتزيدها ضوءا وحرارة. لم تكن الغرفة بحاجة للضوء أصلا؛ فالضوء المنبعث من مصابيحها، من نوع الفلوريسنت كان كافيا؛ ولم تكن كذلك بحاجة الى الحرارة؛ إذ كان يكفي الاستماع لبوحِ أمل، حتى يشعر مَن يسمعه بنار تستعر في داخله فتأتي على عظمه قبل لحمه، وتحرق أعصابه، فروحه. يا إلهي! كيف لطفلة بهيئة الملاك أن تعيش مناماتٍ كهذه؟ كيف للبراءة أن تغشاها كوابيس مزعجة فتسلبها لونها الوردي؟
أمل؛ التي أرسلت بها معلمتها منى إليَّ لتقص عليَّ كابوسا كانت قد رأته في منامها وقد أخبرته لمعلمتها منى، هي طفلة في الصف الثاني، تجاوزت ربيعها السابع ببضع شهور. أمل؛ طفلة تفيض البراءة من روحها وتتمتع بجمالٍ خلاّب؛ يسحرك عسل عينيها، ويبعث في نفسك الراحة والهدوء ياسمين خديها. لقد لفت انتباهي وأنا استمع لحديثها، شريطٌ أزرق اللون يلم خصلات شعرها الذهبية ويكوّن منها ضفيرة جميلة تنسدل على ظهرها بحنو افتقدته في حياتها التي ما زالت تدرج سلالمها الأولى.
عندما كانت أمل في الصف الأول، لم يكن بالإمكان أن تمر جلسة الهيئة التدريسية الدورية دون أن يكون اسمها حاضرا على طاولة النقاش؛ فقد كانت تأتي به مربية صفها ويعينها على ذلك بعض المعلمات اللاتي يعلِّمن أمل. كان التذمر من سلوكيات أمل مسيطرا على حديث مربيتها؛ وكانت شكواها والتصريح بعجزها وعدم جدوى الطرق التي اتبعتها في التعامل مع أمل، كفيلٌ لأن يتضامن معظم الموجودين معها ومع معاناتها في غياب تجاوب الأهل معها.
يا الهي! كم ظُلمتْ أمل! كيف لطفلة بعمر الورد تجلس الآن أمامي، وتقص عليَّ منامها بعباراتٍ مفهومةٍ لنا، نحن الكبار، وغير مفهومةٍ لملاكٍ مثلها؛ كيف لها أن تحتمل كل هذه المعاناة دون أن يكون لجانبها معين او نصير؟
عندما أصبحت أمل في الصف الثاني، اهتمت مربية صفها، منى، أن تصحبها معها الى غرفة المكتبة في حصة المكوث*خاصتها، بحيث كانت تعطيها في كل مرة حرية اختيار قصة من رفوف المكتبة لتقرأها لها، ثم تدير معها نقاشا حولها. ولم تمر بضعة أشهر، حتى شعرت المربية منى أنها أصبحت أكثر قربا من تلميذتها، وأنها قد استطاعت أن تبني معها علاقة ثقة؛ فأدى ذلك الى أن تشعر أمل بارتياح لمربيتها والى الحديث معها.
وفي يومٍ من أيام نيسان المشمسة، دخلت المربية منى غرفتي وكان دوام اليوم قد قارب على الانتهاء، وقد بدت مضطربة، مخطوف لون وجهها، وفي صوتها مرارة، ولربما غضب كذلك، يشعر بهما المستمع لحديثها وهي تتكلم يجملٍ غير مترابطة.
سمعت من منى، وفهمت بعد أن جمّعتُ جملها المبعثرة، أنها ومنذ مدة تزيد عن الشهر، تشك بأن تلميذتها "أمل" تتعرض لسوءٍ؛ وقد تكشَّف لها ذلك من خلال الأحاديث التي كانت تدور بينها وبين أمل، وبالذات عند مناقشة القصص معها أو ترك الحرية لها لتعبِّر عما قرأته بالرسم والألوان. كذلك؛ من مراقبتها لسلوكيات أمل في الكثير من المواقف والأحداث. لكن منى، كما قالت، لم ترغب بالتحدث عن شكوكها هذه الا بعد أن تتيقن مَن هو الشيطان. وها هي اليوم، قد ثبتت شكوكها باليقين، بعد ان زارت بيت أمل وبعد الذي أخبرتها إياه أمل.
لقد طلبت مني المعلمة منى أن أتدخل لأتخذ الإجراءات اللازمة، وأن أشاركها المسؤولية؛ فهي غير مستعدة لأن تتحمل المسؤولية وحدها، كما قالت لي، ولا ان تتحالف مع الشيطان ضد أمل. ثم طلبت ان استمع لأمل وهي تتحدث بنفسها عن كابوسها الليلة الفائتة.
لقد حكت لي أمل ما رأته في وسنها، ووصفت بمفردات طفلة، ماردا يزورها في نومها كلما سنحت له الفرصة، فيستبيح جسدها ويغتال براءتها ويقتل طفولتها؛ مارد يُفترض به ان يكون ملاكا حارسا لأمل، يحميها ويغدق عليها العطف، لتكون احلامها وردية مزينة بالفراشات الملونة لا كوابيس مخيفة.



#جميلة_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فنجان قهوة
- يا آهتي
- كالنهر كوني
- عروس في زمن الحرب
- الخاصرة الرخوة، والمرأة الفلسطينية في مجتمع سلطوي، ذكوري
- الوفت
- ما زالوا يكتبونَ القصَّة
- كثيرة العثرات انا
- شمس الخريف
- رحلة
- ما هكذا يُودع الآباء
- ارقصي
- سيدة الخصب
- نادر
- قصيدة بعنوان: هي خمس دقائق فقط
- نحن النساء...كلنا خنساء
- إصدارات جديدة للكاتبة جميلة شحادة


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جميلة شحادة - أمل