أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - رواية قصر الثعلب لابراهيم سبتي وأرشفة الوجع العراقي















المزيد.....

رواية قصر الثعلب لابراهيم سبتي وأرشفة الوجع العراقي


علي حسين يوسف
(Ali Huseein Yousif)


الحوار المتمدن-العدد: 6539 - 2020 / 4 / 16 - 21:48
المحور: الادب والفن
    


رواية قصر الثعلب للروائي العراقي ابراهيم سبتي تندرج ضمن روايات الزمن العراقي الموجوع , ذلك الزمن الذي لا يستوعبه السرد الواقعي المباشر ولا يمكن أن يهضم تفاصيله إلا الحلم , فالرواية كلها عبارة عن حلم طويل قد يكون معادلا موضوعيا لحياة بأسرها , ولطالما كانت أحلام المظلومين صادقة , لذلك نجد فيها تصويرا دقيقا للفرد العراقي عندما يداعبه الخيال وحين يهرع إلى الحلم ؛ الحلم هو العالم الوحيد الذي يكون فيه الفرد عراقيا بامتياز دون رتوش ، حين يحلم المرء بالمأساة , بالحزن , بالسفر , بالهجرة , بالمتاعب , بذكرياته مع أصدقائه , بالأماكن التي ألفها والأماكن التي طردته , بكل الوجوه التي صادفها وصادفها وتلك التي أقام معها علاقات حب صادقة فاعلم أنه عراقي , وكل ذلك يقرنه بلحظته الراهنة التي تبعث فيه المقارنة لذا نجده حين يحلم بأنه مُطارد في أوربا أو أميركيا يقارِن ذلك كله بضياعه في وطنه , وحين يحلم أنه غريب لا أرض له ولا وطن يأويه في بلاد الغرب يتذكر مأساته في وطنه ومطاردة السلطات له , وحين يحلم بالجمال الذي تبتهج به الشوارع والحدائق وأماكن الراحة والمتعة هناك يقرن ذلك كله بالمدن الخربة في بلاده وبالحدائق المهجورة وبالشوارع التي تئن من الحرمان .
من هنا يمكن القول أن الرواية تتكون من حكاية زائدا خطاب فالرواية بوصفها خطابا تطوع اللغة في خدمة الحلم ومن اللغة تنبثق الأسئلة كلها فقراءة النص تعني بوجه من الوجوه الإجابة عن الأسئلة التالية : ما ذا أراد الناصّ أن يقول ؟ وهذا السؤال عن الفكرة والرؤية , وكيف عبَّر الناصّ عن فكرته ؟ وهذا سؤال عن آليات العمل وجماليات اللغة والبناء التي وظفها الكاتب في عمله , ومن ثم يأتي السؤال : هل وفق الكاتب في التعبير عن تلك الفكرة ؟ وهو سؤال التقييم . .
لكن كيف نقرأ النص ؟ أو كيف ندخل إلى عوالم الناصّ ونعايش مخلوقاته وننفعل بالأحداث التي يرويها ؟ من أين تبدأ قراءة النص ؟ والمقصود بالقراءة هنا القراءة الفاحصة الناقدة , هل نتعامل مع مدونة ابراهيم سبتي على أنها حكاية واقع معيش أو نتعامل معها على أنها أضغاث أحلام ؟
وبما أن الرواية تمثل حكاية تتحدث عن (محمد الناصري) بات لزاما على من يريد أن يستنطقها بصورة دقيقة أن يتتبع المقاطع ويدقق في وظائف الأشخاص وأدوارهم ويتلمس دور الفواعل التي تحرك النص ثم يقف على العلاقات البنيوية التي شكلت مجمل النص فمحمد الناصري المدرس العراقي حين ينهي قراءة إحدى الروايات يعجب ببطل الرواية ( شاهين) أشد الإعجاب ؛ الناصري الذي كان لاجئا وقد ترك قريته ( أم النخل ) لاكتشاف عالم الغرب يسرد حلمه في السفر إلى أمريكا لذا يبدأ بوصف الطائرة التي أقلته وبالمضيفات اللواتي التقى بهن في سفرته تلك , وبعد وصوله يذهب متلهفا ليلتقي بنجمه الهوليودي المفضل (ايستوود) ليقدم له الهدية التي أخذها معه تحصل المفارقة المرّة فحقيقة الأمر كان محمد الناصري يتلاعب بمصيره ويجازف بحياته بجنون فقد تقمص دور أخيه أحمد الناصري فالذي كان معجباً بالممثل المشهور هو أحمد وليس محمد فقد كان أحمد على تواصل دائم بالممثل المشهور حتى استحق أن يستدعيه ذلك الممثل ووعده أن يقيم له حفلاً مهيباً بعد وصوله وبما أن أحمد توفي على إثر إصابته بحادث انفجار فقد استغل محمد تلك الفرصة وتقمص دور أخيه .
وهنا يجد القارئ نفسه في حيرة من أمره فقد أوقعته الرواية بين خيارين كليهما مرّ فهل يتعاطف مع بطل الروية محمد أم يستنكر ما قام به بوصفه عملا غير قانوني ؟ فأن تقرأ نصا يعني أنك تدخل راضيا في عالم من خَلْقِ غيرك , ومعناه ــ أيضا ــ أنك مطالب بتتبع الخيوط الرابطة للأحداث لكي تخرج بتصورات ورؤى متوافقة أو مخالفة لما يطرحه الناصّ , ومعناه ثالثة أنك حين تقرأ النص فأنك تُشغل خيالك مع المؤلف لكي تستطيع مجاراة الأحداث بتصورها وكأنَّك تعيشها محاولا تجنب الانزلاق مع منحدرات العاطفة .
ويستكشف القارئ بشيء من التوجس من تصرفات بطل الرواية أن محمدا بعد أن ينزل من المطار يستقبله الممثل بحفاوة ليريه معالم الأبهة التي يعيش فيها وقد لفت انتباهه تمثالا لثعلب صغير كان يقف في الحديقة لكن الصدمة كانت حين لاحظ أن الممثل اكتشف أن محمدا ليس هو الشخص المعجب به ليس هو الذي راسله ألف مرة طيلة عقدين من الزمن وقد صارحه بذلك متهما إياه بالتحايل وإنه سيكون موضع الحساب والعقاب على جريرته تلك وهنا تظهر شخصية ( ادريس ) المترجم السوداني الذي يرافق الممثل حين ينقل خيارين لا ثالث لهما لمحمد فإما أن يكون بخدمة الممثل في القصر المهيب أو يُسلم إلى الشرطة لترى فيه رأيها لكن الحلّين لم يروقا للناصري لذلك طلب من ادريس مساعدته في الهرب من القصر فيرق الأخير لحاله ومن ثم يتفقان على أن يهرب بسيارة القمامة وبمساعدة ادريس نفسه .
في تلك الدوامة كلها يسيح الناصري في خياله مع ذكريات لا حدود لها حيث تأخذه الذاكرة لتعود به الى شوارع بغداد ورفقته مع أصدقائه عبد الهادي السعدي وسالم وآخرين ؛ تأخذه حيث شوارع بغداد والانفجارات والحرب , وحين نفذت الخطة وبعد مرور لحظات عصيبة كاد أن يموت بها اختناقا قذفته سيارة القمامة حيث آلاف الأطنان من النفايات في تلك اللحظة يترآى له مشهد هروبه من الكويت وقت الانسحاب العراقي من ذلك البلد فالقدر البائس يطارد العراقيين في كل زمان والمشاهد تتشابه في كل زمان , مشاهد البؤس والهروب وعبور الأمكنة الطاردة . هي ذي القصة .
وما ترسب لدي بعد قراءة الرواية أن رواية قصر الثعلب كانت مسعى حثيثا للاندماج بواقع عايشه كثير من العراقيين عبر آليات سردية جمعت بين واقعية الأحداث وإمكانية تصورها وبين التخيل اللامجسد وهنا يمكن أن تنضاف هذه الرواية إلى الروايات اللاواقعية جدا يدل على ذلك المفارقة بين أمنية بطل الرواية المترفة وبين الأوضاع الصعبة التي مرت عليه في بلده وهنا لا بد من التأكيد على أن الرواية موضع الدراسة قدمت فكرتها بصورة تثير التعاطف من خلال حسن حكايتها ووعي خطابها وانتظام مقاطعها .
كان البناء القصصي لرواية قصر الثعلب مكونا من الناحية النظمية من حكايتين ؛ حكاية محمد الذي يعاني شظف العيش وحكاية الممثل الذي يعيش حالة ترف واضحة وهذه مفارقة يمكن أن نجد لها ما يماثلها على أرض الواقع فقد انتج لنا هذا التوازي بين الحكايتين بناء دائريا فبعد الحلم الكبير في اللقاء بالممثل المشهور والأمل في العيش بحياة كريمة يعود محمد مجبرا ومتوجا بالهزيمة والفضيحة معا إلى واقعه الذي انطلق منه رغم أنه لا يوجد تجاور جغرافي في الأمكنة , وهذا الصنيع السردي يمكن أن يكون كفيلا بتحقيق وظيفة سردية هامة تمثلت ـ بوصفها فعلا منجزا ـ في ابراز قيم أخلاقية قد لا يرتضيها القارئ وقد يتعاطف معها فإذا أخذ بنظر الاعتبار التهميش الذي يعيشه الانسان يكون التبرير حينئذ مستساغا وهو ما تحملنا عليه رواية قصر الثعلب .



#علي_حسين_يوسف (هاشتاغ)       Ali_Huseein_Yousif#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية , تاريخها , أقسامها , مباحثها
- كورونا , صراعٌ مع الإنسان وتوظيفٌ سياسي للأزمة
- الفلسفةُ , أسسها , مباحثها , أقسامها
- المعنى من التطابق إلى التشتت
- كيفية كتابة بحث في العلوم الانسانية
- التداولية , ملمح تعريفي
- نحو تداولية الخطاب المعاصر أو ترويض الخطابات
- مقتل الحسين كما صورته كتب التاريخ والتراجم
- الرثاء في الشعر العربي , التمثلات والبواعث
- الواقعُ نصَّاً سرديّاً , قراءة في مجموعة (رغبات بعيدة المنال ...
- موجِّهات السرد في رواية (السقشخي) لعلي لفته سعيد
- ما سكت عنه السرد , قراءة في رواية (وحي الغرق) لساطع اليزن
- توظيف اليومي في الرواية العراقية ، شوقي كريم أنموذجاً
- جماليات السرد في رواية (النوتي) لحسن النجار
- معاناة الشعوب فعلا سرديا , قراءة في رواية جمهورية باب الخان ...
- الحقيقة المؤجلة
- صورة الوطن بين روايتي موسم الهجرة إلى الشمال وكش وطن , مقالة ...
- اللغة والعرفان
- الفلسفة والجنون ... غرائب من حياة الفلاسفة
- الموضوع والمحمول بين الفلسفة واللغة


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي حسين يوسف - رواية قصر الثعلب لابراهيم سبتي وأرشفة الوجع العراقي