أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علاء موفق رشيدي - الثقافة والفن بين الصلابة و السيولة















المزيد.....

الثقافة والفن بين الصلابة و السيولة


علاء موفق رشيدي

الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 11 - 23:56
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ضمن مشروع ترجمة كتب عالم الإجتماع والفيلسوف البولندي (زيجمونت باومان 1925 – 2017 )، والذي رحل عنا العام الماضي، قدمت الشبكة العربية للأبحاث والنشر الكتاب الجديد من ترجمة حجاج أبو جبر، بعنوان : ( الثقافة السائلة، 2018 ). في هذا الكتاب الجديد يوسع (باومان ) من أطروحته عن مفهوم ( السيولة ) الذي يمتد ليشمل العواطف السائلة، الأخلاق السائلة، الحياة السائلة، وهنا يوسع تطبيق المفهوم على " الثقافة " في هذا الكتاب.

ولمعالجة هذا المفهوم، أي الثقافة، يعود بنا ( باومان ) إلى عصر التنوير، في زمن تفكك " النظام القديم " وضموره الذي سمي فيما بعد بإسم " النظام قبل الحديث "، في ذلك الوقت صيغت المهمتين الأساسيتين للثقافة من قبل فلاسفة التنوير :

كانت المهمة الأولى للثقافة تتمثل في تنوير العامة أو تثقيفهم. فكان الهدف هو تحويل الحيارى التائهين، المنفصلين عن العادات الرتيبة لحياتهم الجماعية بسبب التحول التحديثي الأولي غير المتوقع، وليس المرسوم أو المتوقع، إلى أعضاء أمة حديثة ومواطني دولة حديثة.

وأما المهمة الثانية للثقافة التي أسندت للطبقات المتعلمة فهي مهمة وثيقة الصلة بالمهمة الأولى، وهي تتألف من إسهام مهم في التحدي الذي وضعه المشرعون، بمعنى ابتكار أبنية صلبة جديدة تحدد إيقاعاً جديداً للحياة، وتمنح مؤقتاً شكلاً لعديم الشكل، بعدما تحررت من أغلال التقليد، لكنها لم تتعود بعد على النظام الجديد والضبط والربط، أي ابتكار نظام اجتماعي، أو لنكن أكثر دقة، تنظيم المجتمع.

إذاً، كان الغرض من الثقافة وفق مفهومها الأصلي أن تكون عاملاً للتغيير وليس عاملاً للحفاظ على الوضع القائم، فكان المطلوب منها أن تكون وسيلة لقيادة التطور الإجتماعي نحو وضع إنساني عالمي.

وقد عبر ماثيو آرنولد في كتابه المؤثر للغاية وعنوانه الكاشف ( الثقافة أو الفوضوية ، 1869 ) : " إن الثقافة تسعى إلى التخلص من الطبقات، وإلى نشر أفضل الفكر والمعرفة في العالم في كل مكان، وإلى تهيئة الناس جميعاً للعيش في جو من اللطف والحب ". وفي مقدمته لكتاب ( الأدب والدوجماطيقا، 1873 )، يذهب ماثيو آرنولد إلى أن الثقافة هي مزج الأحلام والرغبات الإنسانية بكدح المستعدين والقادرين على تحقيق هذه الأحلام وإشباع هذه الرغبات: " الثقافة هي الشغف باللطف والحب، والأهم هو انها الشغف بالعمل على سيادتهما ".

يرى فيليب بنتون أن فكرة " الثقافة " اتسمت بثلاث سمات عند ظهورها : 1. التفاؤل بمعنى الإيمان بأن القدرة على التغيير في الطبيعة البشرية لا تحدها حدود. 2. العالمية، بمعنى الإفتراض بأن مثال الطبيعة البشرية والقدرة على استيفاء مطالبه هو مثال واحد وقدرة واحدة لجميع الأمم والأماكن والأزمنة. 3. المركزية الأوربية، بمعنى الإعتقاد بأن المثال تم اكتشافه في أوربا، وحدده هناك المشرعون في المؤسسات السياسية والإجتماعية، كما حددته طرق الحياة الفردية والجماعية ونماذجها.

مع بزوغ القرن العشرين ترسخت فكرة أن المثقفين، أو العاملين في حقل الثقافة، هم أصحاب رسالة تجسدت بدورهم النشط المساعد ، وإن كان الدور الحاسم في إعادة ترسيخ جذوز ما تعرضت جذوره للإقتلاع ، أو باللغة التي يحبذها علماء الإجتماع اليوم، الدور الحاسم في دمج ما تعرض للإقصاء.

ولكن ومنذ ثلاثين عاماً، وبالتحديد العام 1979، أصدر بيير بورديو كتابه ( Distinction التمييز )، وأوضح الإنقلاب الذي وقع على مفهوم الثقافة، فكشف بورديو أن لم يعد للثقافة ذلك الدور المتعلق بالتهذيب والتعليم. وأثبت بوضوح، أن " الثقافة " تحولت من باعث وحافز إلى مسكن ومهدئ، ومن ترسانة ثورة حديثة إلى مستودع لمنتجات المواد الحافظة. صارت " الثقافة " اسماً للوظائف المعهودة لأجهزة الحفاظ على الإستقرار والتوازن والإتجاه.

وبدلاً من المحاولة الجريئة المغامرة، والحرب المقدسة، والرسالة الحضارية الماضية، شبهت الثقافة نفسها بأداة تحافظ على التوازن، وبجهاز الجيروسكوب الذي يحفظ الإتجاه والتوازن ويحمي الأمة / الدولة من الرياح المتغيرة والتيارات المتداخلة ويساعدها على قيادة السفينة إلى بر الأمان رغم العواصف وتقلبات الطقس المتغير. أي تمكين النظام من استعادة توازنه.

لقد جعل المجتمع الإستهلاكي الذي نعيشه من الثقافة، مثل كل شيء في العالم الذي يعيشه المستهلكون، بإعتيارها مستودعاً للبضائع الإستهلاكية، تتنافس جميعها لجذب الإنتباه الخاطف المستنزف لدى الزبائن المحتملين، وتحاول جميعها جذب ذلك الإنتباه لأكثر من مجرد طرفة عين، كما فعل بالفنون على سبيل المثال.


يكتب باومان : ( استخدم هنا مصطلح " الحداثة السائلة " Liquid modernity للإشارة إلى الشكل الراهن للوضع الحديث الذي يصفه مؤلفون آخرون بأنه " ما بعد الحداثة " ، أو " الحداثة المتأخرة "، Postmodernity، أو الحداثة الثانية Second modernity، أو الحداثة العليا Hypermodernity. إن ما يحول الحداثة من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة، ويبرر اختيارنا لهذه الصفة، هو التحديث المكثف الذي أفضى إلى عدم قدرة أي من أشكال الحياة الإجتماعية المثالية ان تحتفظ بشكلها زمناً طويلاً، تماماً مثل المواد السائلة )

في مقدمته للكتاب يبين المترجم (حجاج أبو حبر) الفارق الحاد بين الثقافة الصلية والثقافة السائلة : ( أكدت " الثقافة الصلبة " على فصل الدين عن الدولة، ووضعت الدولة / الأمة في مركز الوجود، وأكدت مركزية الإنسان في صنع هذا الوجود، وآمنت بأن الحضارة هي نتاج المادة والروح والفعل والتفكير والإنتاج، وهي دين بديل يؤمن بتضحية الإنسان، لا في سبيل الله، بل في سبيل تقدم العلم وبسط سلطان العقل على عناصر الطبيعة الجامحة، وهكذا قامت " الثقافة الصلبة " عند طه جحسين على سردية التقدم الذي يتحقق بمركزية الدولة، والإنسان المنتج، والتعليم المدني الخالص الذي يجمع بين العلوم التجريبية والأدبية.

لكن الثقافة الإنسانية مرت بعدة عوامل حولتها من حالتها الصلبة إلى حالتها السائلة، وهي : ظهور العولمة، التمركز حول السوق والنزعة الإستهلاكية، وانتشار النزعة الفردية، وانسحاب الدولة من أدوراها الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والسياسية، مما مهد الطريق إلى انتقال الثقافة من مرحلة الصلابة إلى مرحلة السيولة، كما انتقلت إلى عالم السلع الإستهلاكية، فإنسحبت الدولة من دعمها للثقافة والإرشاد القومي، وبدلاً من الدعم صارت عائقاً أمام الثقافة الحقيقية، حيث اقتصر اهتمامها على توظيف الثقافة والإعلام في تزييف الوعي وتبرير احتكار وسائل القهر والعنف، وشيطنة الحركات الإحتجاجية، التقدمية والمحافظة على السواء.

إن القوى الدافعة للتحول التدريجي لمفهوم " الثقافة " إلى حالته الحديثة السائلة هي القوى نفسها التي تحبذ تحرير السوق من القيود غير الإقتصادية، لا سيما القيود الإجتماعية والسياسية والأخلاقية. فالإقتصاد الحديث السائل المستهدف للمستهلك يعتمد على فائض عروضه، وشيخوختها السريعة، وذبول في غير أولنه لقواها المغوية.



ويرى باومان أن ذلك ينعكس على الفن : ( ما يتوارى خلف هذا الوضع هو الإحراج للفنانين من مهام عظيمة وجليلة يؤدونها، وإذا ما كانت إبداعاتهم لا تخدم أي غرض غير تحقيق الثروة والشهرة لقلة معدودة مختارة، والترفيه والمتعة الشخصية لمتابعي هذه القلة، فكيف يمكن الحكم عليهم من غير طريق الدعاية العامة التي تصاحبهم في أية لحظة ؟ )

ليس للثقافة الحداثة السائلة من شعب تنيره وترتقي به، ولكن لها زبائن تغريهم. فالإغراء، على العكس من التنوير والإرتقاء بالنفس. فليست وظيفة الثقافة هي إشباع الحاجات القائمة، بل خلق حاجات جديدة، بينما تحافظ على الحاجات المترسخة بالفعل أو غير المتحققة على الدوام. فإهتمامها الرئيس هو منع إحساس بالرضا لدى الزبائن، لا سيما منع الإشباع الكامل التام النهائي الذي لا يترك مجالاً لمزيد من الحاجات والنزوات الجديدة التي لم تتحقق بعد.

علاء رشيدي



#علاء_موفق_رشيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة حاجة بيولوجية للأجيال
- - اللامرئي - في الفكر، الفن، الأدب والموسيقى
- - لماذا الحرب ؟ - بين ألبرت آينشتاين، وسيغموند فرويد.
- - مماثل للحياة الإنسانية - معرض تغريد درغوث : تشكيل موّحد لم ...
- مهرجان حرش بيروت 2018 : الإهتمام بمسرح المقولات السياسية وال ...
- واقع حرية التعبير في لبنان
- الأمسية الثانية للأفلام اللبنانية القصيرة 2018
- - إيروتيكا - باللغة العربية
- عن الفنون الفردية السورية وآليات إنتاجها بين عامي 2012 – 201 ...
- فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
- مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا ...
- المغامرة السريالية
- القصة القصيرة الروسية الساخرة
- رحيل منظر المفاهيم السردية الأساسية
- مسرحية (صاحب الصورة المشهورة ) : تماهي المتلقي بين المنقذ وا ...
- فيلم - الآن: نهاية الموسم -، محطة المهاجر بين البياض والماء
- مسرحية الإعتراف : الموت والعذراء في الراهن السوري.
- Haven For Artists : ملاذاً للفن والفنانين.
- القصة الروسية الساخرة
- المغامرة السريالية


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - علاء موفق رشيدي - الثقافة والفن بين الصلابة و السيولة