أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالوهاب بيراني - ذاكرة مكان















المزيد.....

ذاكرة مكان


عبدالوهاب بيراني
روائي و شاعر و ناقد في الادب و الفن


الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 11:14
المحور: الادب والفن
    


./1/
من قلب سوق راس العين (سري كانيه) التجاري الشعبي (خان عبدالقوي)
--------------
دكاكين و حوانيت بأبواب خشبية كانت تصطف في جهة السوق الجنوبية من زاوية الجامع الكبير شرقا إلى الخان الذي عرف بأسم صاحبه التركماني عبدالقوي الشهابي _رحمه الله_
كان الخان مساحة كبيرة بحدود الالف متر مربعة و يحوي غرف مبنية من الطين و الحجر و باسقف من من عواميد الحور.. الغرف كانت مستودعات لتخزين الجلود و التبن و الحبوب و المعادن و الزجاج و غيرها من المواد البلاستيكية و المعدنية من نحاس و رصاص و المنيوم و الخبز اليابس أيضا
الجزارون و القصابون كانوا يطرحون جلود الاغنام و البقر في الخان على أن يتم شحنها لمدينة حلب فتنبعث الروائح النتنة من الخان و غرفه... الرجل كان يمارس البيع و الشراء منذ الصباح و حتى غياب الشمس و في المساء كان ثمة رجل أصابه العته لا يتكلم رغم انه لم يكن اخرسا او بكما من قبل و يعاني الطرش و مشاكل في التواصل مع الآخرين كان معروفا بلقبه "احمد جرا" و عرف بين اهل المدينة بالدروشة و البركة و لم يشاهد ابدا وهو يتسول او يشحذ مالا او متاعا او غيره.. كان يدخل اي محل تجاري و يحمل حسب حاجته اليومية فقط و دون طمع بالمزيد فكنا نراه يحمل تفاحة او موزة او فليلفة حمراء حادة و حينما كان حذاءه يهترئ كان يبادر لأي محل يرمي حذاءه القديم و يخرج بحذاء اسود لميع و ثيابه هكذا و كل حاجاته و عندما يهبط الليل على المدينة كان ياخذ طريقه الي إحدى غرف الخان و ينام هناك في غرف الصوف شتاءا و في أرض الخان بالعراء صيفا و لم يعرف له اهلا او عائلة و قيل انه بالأصل من عامودا او قرأها.. لا أعرف من أين اتي و متى حل على المدينة ، كان اهل المدينة ياخذونه الي بيوتهم و يحممووه و الحلاقون يحلقون شعره الاشيب و ذقنه الخشونة.. اختفى فجأة و لم يعد أحدا يراه في شوارع المدينة و لا في خانها الوحيد الذي غادر صاحبه الي مدينة الباب بريف حلب و أصبح باب الخان الخشبي كأحدى واجهات الشارع التجاري في المدينة.. كان باب ضخما و يفتح أمام الشاحنات المحمولة بالجلود و الصوف و الزجاج المكسر و بقايا المعادن االتالفة و ضمن الباب الكبير كان ثمة باب صغير للافراد ضمن الباب الكبير (صورة الباب مرفقة مع البوست)
لم يعد للخان وجود فقد تحول المكان الي بنايات و محلات تجارية من الخرسانة و الباطن المسلح و البناء الطابقي.. ذاك المكان اعتقد ان الجيل الحالي لا يعلم عنه شيئا. لكنه جزءا من الذاكرة الجمعية لابناء جيلي و الاجيال التي سبقتنا..

/ 2/
من مدينة سري كانية/راس العين (عين حمزة /عين العظام) _المسلخ /

سلاسل و اقواس معدنية بالقرب من نبع ماء ظللته أشجار الزيزفون و الحور البلدي و نوع من الشجر لا ينمو الا على ضفة النهر دعنا ندعوه بشجرة عاشقة الخابور.. ذاك النبع كان يدعى عين العظام (نسبة إلى عظام الماشية) و المعروف أيضا بنبع حمزة، كان المسلخ هناك جنوب المدينة يتوسط عين السيارات و عين الريم (نبع القرباط) و نبع الفوار و عين سالوبى و بداية راس العين حيث النبع الأقرب للمدينة جنوب كورنيش المدارس و المشفى.....، كانت الماشية تذبح وخاصة الاغنام فلم تكن هناك عادة ذبح الأبقار في المسلخ الا ماندر، لذا اقتصرت عمليات الذبح و السلخ على الاغنام و بعض من رؤوس الماعز البلدي، الدماء تنساب مع مياه النبع الصافية فيتحول لون الماء للقرمزي الأحمر المضيء و اسراب كبيرة من الأسماك الصغيرة تلتهم الدماء وهي تندفع بسرعة نحو الدماء كوجبة شهية و فخمة، و سهلة المنال.. لم يكن عدد الجزارين كبيرا انذاك فكانوا يلجأون إلى تعليق الذبائح بالسلاسل المعدنية و يبدؤون بعمليات السلخ و فتح البطن و يتم رمي بقايا عمليات السلخ و بعض العظام الي النبع و يحملون لحومهم و بمساعدة صبيانهم و اللذين تحولوا و بعد سنوات من صبيان الكار إلى معلمي الكار و اصبحوا أصحاب محلات جزارة و مطاعم فيما بعد... و اشتهرت عوائل من المدينة أو ممن سكنها من مناطق أخرى كحلب و كوباني بممارسة هذا الكار و إلى الآن....
في النبع كان ثمة انواع عديدة من الأسماك و تبدأ بالتهام بقايا عمليات الذبح و السلخ و تستقر العظام في قاع النبع بيضاء واضحة للعيان لنقاوة مياه العين كما سائر ينابيع و عيون ينابيع نهر الخابور، مع العلم ان عمليات الذبح بالمسلخ كانت تتم في ساعات الفجر الأولى و قبل شروق الشمس حيث يتم نقلها إلى محلاتهم بعربات خشبية ذات ثلاث عجلات او "طريزينات" ذات الثلاث عجلات و التي كانت تعد انذاك من وسائط االتقل ضمن المدينة...... تبدأ عمليات انتزاع الأضلاع بمهارة لتكون اللحمة جاهزة لتقطيع و البيع مباشرة.
ذاك النبع لم يكن يغرينا بالسباحة و ذلك لوجود العظام في قاع النبع و التي طالما انغرزت كنصول السكاكين في اقدامنا الفتية كما أن النبع كان مظللا بالاشجار و مياهه باردة فلم تكن أشعة الشمس تصل إلى صفحة النبع و لا إلى أجسادنا العارية الا قليلا، و لوجود السلاحف و السرطعونات التي اتخذت من النبع و جواره مكانا لها لوفرة الغذاء الناتج عن المسلخ حيث كنا نخشى من ملاقطها و اذاها، و لوجود بعض شاربي العرق و كنا نحن الأطفال نخافهم كثيرا و يشكلون لنا بهيئاتهم الثملة و عيونهم الحمراء و مشيتهم المترنحة مصدر خوف و رعب غامض.
كان الكثير من العيون و الينابيع ذات القيعان الرملية و الصخرية و المشمسة قريبة من هناك و كانت ملاذنا و ملاعب طفولتنا و مرحنا و فرحنا و ضفاف صيد و لهو و لعب حيث المياه النقية و الضفاف المعشوشبة الخضراء.
نهر الخابور سيد انهار الجزيرة الخضراء بينابيعه و عيونه النقية و العذبة.. غادر النهر المدينة و غارت مياهه و جف تماما و لم يبقى سوى حجارة و صخور جرداء و مازالت العظام هناك في قاع حفرة نبتت فيها الأعشاب و لم يبقى هناك لا ماءا و لا اسماكا و لا سلاحف و لا سرعطونات و لا طيور السمك او الزريق.. حتى الأشجار التي كانت تظلل النبع و المسلخ و المكان جفت و لم يبقى هناك سوى جذوع جافة تدل على تاريخ مكان و ذاكرة لن تجف ابدأ....


ذاكرة مكان/3/
سكة حديد قطار الشرق... (جسر تل حلف الحديدي)- سري كانية /راس العين

كان الملعب يقع جنوب السكة الحديدية مباشرة في وادي صغير يطل عليه خرائب بيوت أثر زلزال قديم ضرب المدينة يعود للقرن الثامن عشر و من الطرف الشرقي كانت حقول القمح الموازي لسكة حديد القطار و إلى جنوبها المدينة التي يفصل بينها و بين السوق التجاري حارة الخرابات نسبة للخراب و للخرائب التي مازالت موجودة لليوم، باختصار يمكننا القول ان حارة السوق و حي الكنائس و حي المحطة و حارة الكهرباء كانت الحد الفاصل مابين "اقليمين " او مكانين مختلفين هما الخرابات و "الميات" اي منطقة المياه و الينابيع. و كلاهما كانت بمثابة ملاعب الطفولة و متنفس الفسحات للعوائل ايام العطل و الجمع و الآحاد و خاصة في نهارات الربيع و الصيف.... .،، الحارات السكنية كانت تقع مابين الخرابات الموازية للحدود السورية- التركية حيث كانت سكة الحديد لقطار الشرق السريع هي الخطوط الدولية التي قسمت و رسمت الحدود على أرض الواقع و التي قسمت مدن عديدة على طول الحدود و باتت مدن كثيرة تع ف باسمها السوري و التركي كرأس العين (سري كانية بن خط) و (سري كانية سر خطيه) اي سري كانية العليا او الفرقانية و سري كانيه التحتانية اي فوق خط القطار و تحت خط القطار و من المعروف ان راس العين سري كانيه هي بداية منابع الخابور و رأس عيونها المتدفقة و دعيت راس العين على الجهة التركية ب جيلان بينار اي عين الغزال او نبع الغزلان لكثرة الغزلان التي كان تؤم النبع للشرب فسميت البلدة هناك ب جيلن بينار و مازالت مزارع الغزلان موجودة هناك و قد تم جلب بعض رؤوس الغزلان إلى جبل عبدالعزيز (جبل قزران) لاعادة تربيتها و للحفاظ على نوعه و تشجيع تأهيل المنطقة بحيواناتها و اشجارها و نباتاتها فما زالت أشجار البطم (قزوان) تغطي سفوح جبل عبدالعزيز محافظة على جزء من غطائه النباتي..
لن أطيل اليوم، فثمة مواضيع هامة علي التوقف عندها، ملعب صلاح الدين الأيوبي لكرة القدم و فريقه و قصة الكرة التي كانت تتقاذف مابين حدود دولتين او لنقل بين قارتين، فكثيرا ماكانت الكرة تجتاز الحدود إلى الجهة التركية و على الجهة الأخرى أيضا حكايا مازالت في الذاكرة حيث النباتات و الطيور و الازهار و جب الماء النقي و مخافر الجنود و حراس الحدود و قصص المهربين (قاجاغ جي) و الألغام هذا من جهة و تاريخ مد سكة الحديد و حكايات السكة و القطارات و المحطة و نهارات الأعياد و ال(كورشمه) حيث يتقابل الاهالي على طرفي الحدود لتبادل التهاني و الهدايا فاصلا بينهما الجندرمة التركية و شريط معدني شائك، بالإضافة لبوابة الحدود و المحطة الأساسية للقطار و حالات الزفاف و انتقال عروس من سرخط الي بن خط و تاريخ بناء جسر القطار على احد فر ع نهر الخابور. قرب قرية تل حلف و تلالها
المعروفة بأنها من أقدم المناطق التي تعرضت للتنقيب الاثاري، و حكاية المهندس الألماني الذي ترك بناء الجسر لينتقل إلى البحث عن الآثار و عودته مع تلامذته و بعثة أوربية للتنقيب في تل الفخيرية (نسبة للفخار الذي عثر عليه في تلالها)
سأحاول ان اتحدث لكم عن هذه الأمور و باسهاب خلال المنشورات القادمة.. راجيا دعمي بالصور او الوثائق او المعلومات عبر الصفحة مباشرة ليعم الفائدة للجميع..
ملاحظة : الصور هي خريطة مسار السكة الدولية، و جسر القطار عند تل حلف و صورة قديمة لقطار الشرق السريع، و لكل صورة حكاية من ذاكرة المكان....
للمقاول تتمة...



#عبدالوهاب_بيراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حامد بدرخان، على -دروب اسيا- مرتحلا، و في حضن جبال الكرداغ م ...
- -محنة العشق و الغياب.. في نص جيهان جمعة-
- تيسير حيدر... شاعراً للأنسان عاشقا للطبيعة..
- قراءة في نص -رغبات برسم السنة الجديدة- للشاعرة الكردية السور ...
- ne tires cihan ......Dîlan şewqî....لا تخف ايها العالم! ...
- قراءة في دراما النص الشعري (رياح الشمال من هناك.. إلى الشام. ...
- نضال سواس... أيقونة سورية من ضوء اللون وبوح الحرف... الطريق ...


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالوهاب بيراني - ذاكرة مكان