أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - نهاية غير متوقّعة-قصة قصيرة














المزيد.....

نهاية غير متوقّعة-قصة قصيرة


نزهة أبو غوش
روائيّ وكاتبة، وناقدة


الحوار المتمدن-العدد: 6533 - 2020 / 4 / 9 - 10:21
المحور: الادب والفن
    


يبدو أنّ الصّدمة قد ابتلعت نصف صوته، وظهر الفزع متراقصا على وجهه. لقد حمل ذاكرة وطن بأسره خلال أعوامه التّسعين.
لأوّل مرّة في حياته يدخل المستشفى، بعكس زوجته نداء الّتي كانت تدخلها كل عام مرة ّ أو مرّتين. راوغتها نفسها أن تهدهد حزنه، وتواسيه، وتقول له:
" أنت يا حاجّ تاج فوق راسنا وحبيبنا، صدّقني يا حاجّ مرضك بسيط، لا تقلق، كلها يومين، وراح ترجع عالبيت".
لكنّها تراجعت حين رأت عينيه معلّقتين بالزجاجة الّتي تتساقط منها القطرات برتابة، لتتّصل بدمه .
شعرت بأنّ الألم راح يتساقط مطرا رذاذا في أعماقها، كيف ستهدّئ من روع هذا الرّجل، سليمان زوجها ورفيق دربها، وصديقها، وأبي أولادها. هذا الرّجل الّذي لم تسمع منه مرّة كلمة تؤلمها، أو تجرح مشاعرها. مرّا معا كلّ منعطفات الحياة بحلوها ومرّها. هو الّذي ضرب الأرض بفأسه الّتي كانت تئنّ تحت قدميه؛ فامتلأت بأشجار الزّيتون والعنب والتّين، و... دائما أحسّ بأنّ الأرض كانت تزهو به، وتنبسط أمامه، وتضحك له. كان في كلّ مرّة تلامس قدماه التّراب، يبسط صدره للهواء النّقيّ، يشهق منه حتّى يرضى، ثمّ يطلق زفيرا طويلا.
دخلت الممرّضة وهي تضع القناع على وجهها الّذي لم يظهر منه إِلا عيناها السّوداوان، لكنّها لم ترفع عينيها عن زوجته.
قالت لها بنبرة حازمة:
" سيّدتي، أرجو أن تخرجي من هنا بالحال، سوف نأخذك إِلى الحجر الصّحي، إِنّ زوجك، السّيّد سليمان مصاب بمرض الكورونا"
تبدّدت أمامها كلّ الأحلام، تبدّد دعاؤها اليومي" اللهم أحسن ختامنا" ما عساها أن تفعل الآن؟ استسلمت للقضاء والقدر:
"دائما تفاجئنا الحياة بما هو جديد وغريب، وهذا قدرنا"
لم تشبع عيناها من وداعه، أراد أن يناديها، لكنّ صوته خرج مجروحا. أحسّت بزغللة في عينيها، وذبذبات غريبة في أُذنيها، ثمّ غابت عن عينيه نهائيّا.
شعر بانقباض شديد في صدره، وألم مفرط في رأسه. أغمض عينيه، أراد أن يحلم بالهواء النّقي الّذي كان يعبئ به صدره ربّما يتحسّن! تخيّل نفسه جالسا تحت شجرة الزّيتون الكبيرة هناك فوق الجبل، يغمّس سلطة البندورة بالبصل والزّيت، ثمّ يلحقها بحبّة زيتون. رائحة التّراب حين كانت تتسرّب إليه المياه، كانت كلّ الدّنيا تنتعش، فتغسل هذا الفلّاح من الدّاخل، تغسل روحه وقلبه. ما أسعدها من أوقات!
فتح عينيه المنهكتين رأى عالما كبيرا خلف الزّجاج، رأى الأبناء والأحفاد الّذين كانوا يلوّحون له بأيديهم، ويرسلون على أطراف أصابعهم قبلاتهم بالهواء، وقد اغرورقت عيونهم بالدّموع.
يا إلهي العظيم، كيف يمكن للإنسان أن يستشفّ الجديد الغريب في هذه الحياة!
امتلأ سليمان بالأُنس، وتملّكته غبطة عجيبة لا يشوبها الا قلّة هواء الأرض النقيّ.
" ما أسعدني بأبنائي وأحفادي! لو يرزقني الله فقط، بحبّة هواء طبيعيّة تشبه هواء الجبل هناك، لكانت نهايتي كما تمنيّت، تُستلّ روحي وسط عائلتي فوق وسادة ناعمة، مع أحلام مطمئنّة!"
فتح عينيه مرّة أُخرى على مجموعة من الأطبّاء والممرّضات بلباس أهل الفضاء يقتربون منه، أمسكت به الممرّضة، رئيسة القسم، وبصوت ناعم لا يخلو من العطف:
" سيّد سليمان، سوف نعطيك تنفّسا اصطناعيّا عبر الجهاز الخاصّ؛ كي يساعدك على التّنفّس".
داهمته دهشة عجيبة، فانتفضت كلّ خليّة في جسمه، وصار يشبه ورقة خريف صّفراء تتطاير في الهواء قبل وقوعها على الأرض.
" ماذا قالت؟ "
راحت الكلمة تقفز داخل رأسه، ثمّ ترتطم بأُذنيه تماما مثل كرة قدم تدور في ساحة الملعب، ثمّ ترتطم بالشّبكة " اص... اص... ط...نا...عي..يا.......
احترقت رهافة حسّه ولم يقدر أن يتلقّف دموعه كما كان يفعل في كلّ مرّة. استطاع أخيرا أن يرفع يده نحو الطّبيب، لوّح بها بإصرار عجيب: " لا...لا...لا أُريد" .
لم يعرف الطّاقم الطّبي بأسره حتّى الآن سبب رفض المريض سليمان للجهاز الصّناعي.
9-4-2020



ِِ



#نزهة_أبو_غوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نورس يبحث عن الأحباب-قصة قصيرة
- كنان يتعرف على مدينته والشخصيات المتشابكة
- على ضفاف الأيام وعاطفة الحب
- رواية الخاصرة الرخوة لجميل السلحوت
- قصة-الأرجوحة-والارتباط بالأرض
- تحليل كتاب -من بين الصخور-
- رواية الحائط وتحقيق الذات
- خلق الشّخصيّات الإيجابيّة في رواية -ليت-
- الصراع في رواية شبابيك زينب
- ميلاء سعاد المحتسب وعاطفة التّحدّي
- رواية السّيق والقلق
- وميض في الرّماد ومعاناة المغتربين
- الصراع في رواية هذا الرجل لا أعرفه
- أشواك البراري وسيرة التحدي
- -طلال بن أديبة- والاعتماد على الذات
- برج الذّاكرة، للكاتبة الفلسطينيّة، حليمة دوّاس ضعيّف.
- رواية الرقص الوثني والخروج عن المألوف
- الحالات النّفسيّة لشخصيّات عشاق المدينة
- طغيان العاطفة في رواية -قلب مرقع-
- سردية اللفتاوية والجذور


المزيد.....




- موت يعقوب ح 163… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة على قنا ...
- الإعلان 2 حصري ح 163.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 على ATV ...
- لأول مرة تقام في الكويت.. نجوم مصريون يحيون -ليلة النكد-
- فيديو.. تعرف على المكان الذي شهد إحياء اليعازر بالقدس
- بعد صمت طويل.. نجمة الأفلام الإباحية تعلق على إدانة ترامب
- فنجان حبر مع المنصف المرزوقي
- بموسيقى مرعبة.. ابتسامة بايدن تتحول لحملة دعاية لصالح ترامب ...
- نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز -لم تنبس ببنت شفة- بعد ...
- -يجعلني بأفضل حالاتي-.. شاهد ما قاله الكاتب والكوميدي بيل ما ...
- ناشطة بيئية تضع ملصقا احتجاجيا على لوحة (حقل الخشخاش) لكلود ...


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزهة أبو غوش - نهاية غير متوقّعة-قصة قصيرة