أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم يونس الزريعي - تحدي- كورونا- يكشف هشاشة الاتحاد الأوروبي















المزيد.....

تحدي- كورونا- يكشف هشاشة الاتحاد الأوروبي


سليم يونس الزريعي

الحوار المتمدن-العدد: 6533 - 2020 / 4 / 9 - 03:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كشف فيروس كورونا نفاق بعض الدول وأنانيتها، كما ظهَّر كم كانت بائسة محاولات البعض الرخيصة استحضار ثقافة التشفي، والنظر للآخر بتعالي، ظنا منهم أن المرض يخص منطقة معينة وشعوبا بعينها، وهم في منأى عنه... بل وتوجيه الاتهام بأن الصين هي وراء هذه الوباء قبل أن يتحول الفيروس إلى جائحة طالت كل دول العالم.
غير أن فيروس كورونا المستجد كذب هذا المنطق، أي حصرية هذا الوباء، بأن غزى تلك الدول، وكشف هشاشة سياساتها وعجزها الداخلي، أمام هذا الخطر الذي يهدد كل العالم، ولذلك عرى هذا الوباء مقولات البعض حول التعاون والوحدة حتى في البيت الواحد، والإنسانية بمعناها الواسع، لتكشف مأساة إيطاليا كم هو الفرق كبير بين الأقوال وقت السعة، والأفعال ساعة الخطر الجدي، لتتراجع مقولات الأيديولوجيا والتعاون والوحدة الأوروبية، عبر خلق تناقض خارجي وهمي، لصالح التشرنق على الذات، لتكشف عمليا تراجع مفاهيم الوحدة، لصالح قيم وثقافة الخلاص الفردي.
ولعل أكثر الدول التي فاجأتها إدارة ظهر شركائها في الاتحاد الأوروبي سواء على صعيد الدولة أو الشعب، هي" إيطاليا"، الذي جعل هذا السلوك الأوروبي السلبي وربما العدائي من البعض، رئيس الوزراء الإيطالي، جوسيبي كونتي، يحذر من سقوط الاتحاد الأوروبي ككيان جامع، خلال مقابلة صحفية مع موقع “إل سول 24” الإيطالي، وأن التكتل الأوروبي بكامله كما قال: "قد يفقد في نظر مواطنينا، سبب وجوده”، فيما قال وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو إن بلاده كانت “تنتظر ولاء من شركائها الأوروبيين”، لكن دول الاتحاد الأوروبي كشفت كذب كل شعاراته حول الوحدة الأوروبية والبيت الأوربي الواحد، بل وأدارت الظهر عن عمد حتى للجانب الإنساني الذي يشكل قيمة عامة متجاوزة للجغرافيا الطبيعية والسياسية.
وصدمة الإيطاليين والشك في صدقية دول الاتحاد، هي ترجمة للوقائع الملموسة التي اتخذتها بعض دول الاتحاد تجاه إيطاليا المنكوبة بالفيروس، ففي الوقت الذي أقامت فيه روسيا الاتحادية المعاقبة من الاتحاد الأوروبي جسرا جويا مع إيطاليا لتقديم الدعم الطبي والاختصاصين لمواجهة الوباء، وكذلك فعلت الصين وكوبا، أغلقت النمسا بين ليلة وضحاها الحدود معها. فيما أقدمت جمهورية التشيك على مصادرة شحنة من المساعدات الطبية والأقنعة الواقية، كانت قادمة من الصين في طريقها إلى إيطاليا، وبدورها قررت ألمانيا حظر تصدير مستلزمات الوقاية الطبية للخارج.
جملة هذه المواقف والممارسات والقرارات التي اتخذتها بعض الدول الأوروبية، والشعور الإيطالي بالخذلان جراء مواقف الاتحاد الأوروبي من دعمه في محنته، ألقت بظلال من الشك لدى الإيطاليين حول جدوى استمرار هذا التكتل، الذي فشل في إعلاء قيم التعاون والوحدة في موضوع إنساني، تحملت صدمته الأولي إيطاليا.
في حين أن الاتحاد قام على أساس اعتماد مبدأ حرية الحركة للأفراد والبضائع بكافة جوانب تلك الوحدة السياسية والاقتصادية، بل حتى الاجتماعية والثقافية منها، وظل الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الماضية يعتبر مثالا يحتذي به للتضامن في شكل بنيان سياسي واقتصادي وعسكري واحد.
لكن ما جرى خلال الأيام الماضية من ترك إيطاليا وحدها تواجه مصيرها منفردة، لم يكشف فقط عن أزمة جوهرية تمثلت في غياب التنسيق الأوروبي الواضح داخل كيان الاتحاد في التعامل مع القضايا ذات الاهتمام المشترك. وإنما في ظهور مواقف شبه معادية اتخذنها بعض الدول الأوروبية، من ذلك أن ألمانيا الاتحادية ودول شمال أوروبية أخرى رفضت مناشدة تسع دول، من بينها إيطاليا الأكثر تضرراً، من أجل الاقتراض الجماعي من خلال "سندات كورونا" للمساعدة في تخفيف الضربة الاقتصادية للوباء.
بل إن ألمانيا وفرنسا اقدمتا على حظر المبيعات الخارجية لأقنعة الوجه، وتحديدًا تجاه إيطاليا التي انتشر فيها الفيروس بشكل كبير، واتخذت نفس هذا الموقف أيضا مع كلًا من النمسا وسويسرا عبر إصدارها قرارا بإلغاء شحنات إرسال أقنعة الوجه إليهم.
هذا السلوك يتنافى مع فكرة الاعتماد المتبادل التي هي أحد أركان العولمة الاقتصادية التي من المفترض أن الاتحاد الأوروبي قائم على أساس ذلك المبدأ، عبر ترابط شبكات إنتاج دِوله معا، مما يجعل هناك صعوبة في فكرة التخصص والانعزالية في إنتاج سلعة معينة، وهو ما جعل الدول أكثر اعتمادًا على بعضها البعض، لأنه لا يمكن لأي دولة أن تسيطر على جميع السلع والمكونات التي تحتاجها، إلا أن المنحى الذي اتخذته الدول الأوروبية في التعامل مع إيطاليا وصربيا يتناقض مع تلك الفكرة.
ويمكن القول إن فيروس كورونا جاء ليكشف هشاشة هذا الكيان من الناحية السياسية والاقتصادية، بأن جعلت دول الاتحاد مبدأ البحث عن المصلحة الوطنية لكل دولة داخل الاتحاد، المبدأ السائد وأن الشعارات السياسية والمبادئ الاقتصادية تصلح في أوقات السلام لا أوقات الأزمات، وكشف التعامل الأوروبي مع الأزمة أن إدارة الدول الأوروبية للأزمة جرت على أساس التجزئة والنأي بالنفس وعدم العمل ككيان واحد.
وعلى خلفية "تباطؤ" دول الاتحاد في دعم دولة مثل إيطاليا ظهرت أربعة مشاهد ذات دلالات عميقة؛ الأول كان مشهد المدرعات والعربات الروسية التي تجوب شوارع إيطاليا حاملة على متنها مساعدات وأطقم طبية، من دولة تفرض عليها إيطاليا باعتبارها جزءا من الاتحاد الأوروبي عقوبات اقتصادية وسياسية.
والثاني هو مشهد الأطباء الكوبيين الذين وصلوا إلى إيطاليا أيضاً والترحيب الهائل الذي قوبل به أطباء الدولة التي تفرض أمريكا عليها حظراً منذ عقود، فيما تجلى مشهد تقبيل الرئيس الصربي لعلم الصين اعترافاً منه بدعمها ومساندتها لبلاده، الذي هاجم بشده تخلي الاتحاد الأوروبي عن بلاده في هذه الظروف ورفضهم بيع بلاده أدوات وتجهيزات طبيه لمواجهة فيروس كورونا. وتمثل المشهد الرابع في إنزال مواطن إيطالي لعلم الاتحاد الأوروبي ورفع علم الصين بدلاً منه.
إن تعامل الاتحاد الأوروبي مع الدول التي اجتاحها وباء كورونا، كشف أنانية تلك الدول، هذا من جانب ومن جانب آخر أظهر أن الاتحاد كمؤسسات عجز عن ترجمة مبادئه التي طالما استخدمها كقوة ناعمة، في محاربة الدول الأخرى التي لا تتوافق مع سياساته، في دعم الدول الأعضاء في الاتحاد، وإنما لعب دورا سلبيا فيما هي تواجه شراسة الوباء، بأن غابت أوروبا وحضرت دول أخري، لتقدم الدعم والمساندة لإيطاليا في محنتها فيما حاصرتها بعض دول الاتحاد الأوروبي.
ومع أنني أقدر أن حسابات تجاوز المحنة سيكون حاضرا في رسم المواقف والسياسات الإيطالية المقبلة فيما يتعلق بالاتحاد الأوروبي، لكنه لن يصل إلى حد التخلي عن فكرة الاتحادـ، مع أن هذا التخلي عن دعم إيطاليا وجه ضربة قوية لأحد المبادئ التي قام عليها لا يمكن تجاهلها.
هذه الضربة، لن تكون مفاعيلها على الوحدة الأوروبية آنية، ولكنها ستحفر لها مجرى في الوجدان والعقل السياسي الإيطالي، كون ما حدث في إيطاليا من خذلان أوروبي مشين، وصل حد مشاركة الوباء في حصار الشعب الإيطالي سيجل مما بعد محنة كورونا ليس كما قبلها على الأقل لدى الإيطاليين ودول أخرى خذلها الاتحاد.



#سليم_يونس_الزريعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاكسات // إنسانية المافيا ... طرد الأجانب
- مشاكسات // أي ثمن...؟ // بنية فاسدة
- أردوغان...أوغلو... باباجان...تنافس سياسي أم كسر عظم؟
- مشاكسات // كورونا مسلمة...! مملكة تجريم الشكوى..!
- انتخابات الحزب الديمقراطي التمهيدية...ومحاولة وأد حظوظ ساندر ...
- مشاكسات ... استراتيجية...! / غضب...!
- نتنياهو يعري بعض العرب ...خطة ترامب إسرائيلية بامتياز
- مشاكسات ...التباس المفاهيم... أي دولتين...؟!
- مشاكسات // انفصام...! // الاستخذاء...ّ!
- مقاربات يهودية لصفقة ترامب...لكنها كاشفة
- مشاكسات / صلاة استخارة...!/ الواقعية المعكوسة
- البرهان...خطوة لقاء نتنياهو بلا برهان
- الصفقة المستحيلة... -فلسطين ليست عقارا يسوقه السمسار الرئيس- ...
- مشاكسات أيهما الأحمق؟ .... -لعم- للتنسيق الأمني...!
- الصفقة المستحيلة... -فلسطين ليست عقارا يسوقه السمسار الرئيس- ...
- مشاكسات ... عدالة أمريكية...! تقدير مصري للصفقة...!
- الحوار...مفتاح حل تناقضات قوى المجتمع الواحد
- مشاكسات / انتخابات ... دور مشبوه
- مشاكسات.... غضب أمريكي... سفير أم ناشط سياسي؟
- العنف...بين السلوك الغريزي والثقافة المكتسبة


المزيد.....




- أفغانستان: حكومة طالبان تكافح الجفاف بانشاء قناة على نهر أمو ...
- إسرائيل - إيران: من الحرب المفتوحة إلى حرب الظل
- طهران تنفي العودة إلى محادثات جديدة مع واشنطن
- بعد ثلاثين عاما من الصراع : اتفاق سلام بين الكونغو الديمقراط ...
- نجل أحد الرماة السنغاليين يرفع دعوى قضائية ضد فرنسا بتهمة إخ ...
- بزشكيان يدعو لوقف -التساهل- مع إسرائيل
- الاتحاد الأوروبي: عنف المستوطنين بالضفة يجب أن يتوقف فورا
- حماس تطالب بتحقيق دولي في قتل المجوعين بعد تقرير هآرتس
- عاجل | كاتس: وجهت الجيش لإعداد خطة بشأن إيران تضمن الحفاظ عل ...
- شاهد لحظة إضرام رجل النار داخل مقصورة مترو أنفاق مزدحمة بالر ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سليم يونس الزريعي - تحدي- كورونا- يكشف هشاشة الاتحاد الأوروبي