|
هل يُغير فيروس كورونا الأزمة الليبية ؟
حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)
الحوار المتمدن-العدد: 6518 - 2020 / 3 / 19 - 15:20
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
وقائع الأزمات الصامتة في ليبيا لا تنتهي؛ فبمجرد صدور قرارات من حكومتي الوفاق الوطني، والمؤقتة بالحاجة إلى اتخاذ التدابير الوقائية ضد فيروس كورونا المستجد حتى عمت البلاد شرقها وغربها بعض حالات من الهلع والخوف -المؤقت- من نفاذ السلع والمواد الغذائية من الأسواق، وكأن ذلك الإعلان كان النذير باقتراب الفيروس من الحدود الليبية التي تُعاني من اختراقات بشرية بشكل مستمر. إن الإجراءات المتخذة من قبل حكومتان الشرقية والغربية بشأن هذا الفيروس تكاد تكون واحدة، فكأن العقل والفكر الذي يُدير تلك الأزمة واحد، فشملت تلك الإجراءات إغلاق الحدود في المنطقة الشرقية، والغربية، وإيقاف الدراسة - المتعثرة أصلاً- في المؤسسات التعليمية، وكذلك تحديد ساعات العمل بالمقاهي والأسواق، وأصبح هناك عدو مشترك؛ بالرغم من عدم رؤيته. في الحروب الأهلية التي حصلت في ليبيا بعد سقوط النظام السياسي العام 2011م، كانت ولا تزال آلية التفكير واحدة ما بين الأطراف المتنازعة وهي التي تقول "لا أحد يستطيع أن يجدع انفي، لا عاديات الزمان أو تصاريف القدر" بالرغم من كون كِلَى الطرفين يرفع نفس الإعلام على المباني الحكومية، ولديه نفس النشيد الوطني، ويحتفل بنفس يوم عيد الاستقلال. فطرابلس اليوم لا تزال تعيش مشاهد حرب منذ 4 أبريل 2019م، وتبدو الحياة الاجتماعية فيها بعد أيام من ذلك النذير تكاد تكون عادية؛ فإطلاق الصواريخ لم ينتهي، وسماع الانفجارات لا يزال مستمر، وكذلك حركة السيارات، والشوارع، كلها لاتزال شبه عادية، وبخصوص المعاملات المتبعة؛ فالأقارب أو الأصدقاء أصبحوا يحيي بعضهم البعض من بُعد، في حين أن البعض الأخر قد يُصر أحيانًا على التسليم والمصافحة بالأيدي رغم كل التحذيرات، وقد يستغرب البعض عندما يعلم بأن بعض المتسولات في مدينة طرابلس أصبحن يلبسن في أيديهن قفازات طبية، وهن حذرات أشد الحذر من احتمال ملامسة أيدي المُحسنين أيديهن، فمخاوف انتشار هذا الفيروس خلقت عندهن ذلك الحذر، دون الحاجة إلى قيام الحكومة بالتعبئة المجتمعية ضد اضرار ومخاطر ذلك الفيروس... هكذا الجو العام في طرابلس. في علم الاجتماع يعزا نجاح أيّ مجتمع إلى تغلبه على المحن، وخاصة خلال فترات الحروب، أو الأوبئة، والسجلات التاريخية ذات العلاقة بالمجتمع الليبي ترصد لنا عدد من أهم المحطات التاريخية ذات العلاقة بدور الأمراض والأوبئة في إعادة منظومة التضامن والتماسك والتعاون والالتحام الاجتماعي بين اللبيبين، وتروي لنا الأنسة توللي؛ وهي إنجليزية عاشت في طرابلس خلال الفترة من (1783-1793) في كتابها بعنوان "عشرة أعوامٍ في طرابلس" بأنه أيام الطاعون الذي حل بمدينة طرابلس سنة 1785م، قام أهالي طرابلس بكـل إخلاص ومحبة بتسليم المؤن إلى النصارى الذين طلبوها، وهم كما تقول توللي أرفع منزلة من القيام بمثل هذه الخدمة، حيث تؤكد بأن أهالي طرابلس يقومون بأعمال الرحمة والبر والإحسان في ظل ظروف مرعبة، وتسرد لنا الأنسة توللي قصة المرأة النصرانية التي وضعت مولودًا أبان فترة الطاعون فهرب منها كل الأقارب والأصدقاء لأن المحافظة على النفس علمتهم الهروب، حتى أمها فرت منها، وتؤكد توللي في كتابها المذكور بأن أحد أهالي طرابلس سمع أنينا عند مروره فعرف قصة تلك المرأة البائسة، حيث وجدت يداً فيها حنان الأبوة، واحتضنها بمشاعر العطف والشفقة، حتى اتم الطاعون عليها، وطوال ذلك لم ينقطع عنها، يتفقدها ويرعاها، تزدري بأصدقائها النصارى وتحتقرهم لأنهم هجروها وحيدة لرعاية الشخص محب للخير والإحسان". إن فيروس كورونا الذي أصبح ينتشر في العالم مثل النار في الهشيم وأصاب تلك المجتمعات بحالات عدم الأمان والخوف، إلا أنه في ليبيا سيكون الأمر مختلف بعض الشيء، فتلك الجنيات - التي أعتقد بأنها لا تزال مضمرة- وقدمت المساعدة لامرأة لا تعرفها؛ إلا لكونها بحاجة إلى تلك المساعدة، ستكون جاهزة أيضًا لتقديم المساعدة والدعم للوطن وأبنائه. فأكاد أجزم بأن الليبيون لن يختبئوا في بيوتهم أو يقوموا برفع الحوائط حول بيوتهم لحماية أنفسهم من أهلهم، ليس لكون تلك البيوت لم تعد موجودة أصلاً لدى البعض، أو إن بعضها لايزال ينتظر المصير نفسه، وهذا لا يعني أيضًا عدم خوف الليبيون من ذلك الفيروس، أو أنه مر عليهم شيء مثل هذا من قبل، إنما أعتقد بأن سنوات الحروب الأهلية أوجدت لديهم عدد كبير من أنماط السلوك والممارسات أصبحت تُقاوم أيّ فيروس، وتعمل كنظام حماية (Anti-Virus) في حال وجود أيّ خطر قد يواجههم، بعيدًا عن أيّ دعم أو مساندة حكومية، وهذا ما يُفسر بأن بنية الأداء المجتمعي في ليبيا قد تغيرت، وهي مسألة جد مهمة، وهي بحاجة إلى بحث وتشخيص بشكل دقيق. وعلى المستوى الحكومي فأننا نعلم مسبقًا ضعف الأداء الحكومي في مواجهة ذلك الفيروس، والأهم من كل ذلك فالحكومة ليس بحاجة إلى تبرير ذلك الضعف، بالتالي فليس هناك حاجة أيضًا لأن يُعري ذلك الفيروس الأداء الحكومي مثلما فعل مع دول مثل إيطاليا، أو إيران!. في الحقيقة لا نريد أن نقلل من خطر المشاكل التي ربما تواجه المجتمع الليبي في حال وصول فيروس كورونا المستجد إلى الأراضي الليبية، لكن من المفيد أن نُشير إلى كون التجزؤ السياسي، وحالات الانقسام المجتمعي كان ولا يزال أكثر خطر من ذلك الفيروس!. إن من يحسن التأمل ويدقق النظر يستطيع أن يُدرك أن خطر هذا الفيروس لن يكون كخطر الحروب، بالرغم من وجود بعض التشابه بين الإثنين؛ حيث أن كلاهما لن يُعيرا أية مشاعر سواء أكانت عَطْفاً أم شفقةٍ اتجاه أيّ أحد، سواء أكان كبيرًا، أم صغيرًا، امرأة أكانت، أم شيخًا مسنًا، إلا أن هذا الفيروس غير مرئي سيصيب الجميع، ولن يلتفت إلى أيّ طرف دون الآخر، ولن يُقيم وزنًا لأيّ تدخل خارجي، كما أنه لا يهمه من يمتلك القوة العددية، أو الأسلحة المتطورة، فالكل لديه سواء، ولن يجعل هناك أية فرصة للتفاوض بين الفرقاء، عندها فقط ليس من المبالغة القول بأنه سيُعم الصمت المطبق على الجميع، وسيرضى من يتصدرون المشهد الليبي من الساسة بأيّ شيء، وبكل شيء، وسيندمجون مع بعضهم البعض في السلطة، اندماجًا كان من قبل شبه مستحيلاً. إن المحنة الكبيرة التي ستواجه الليبيون في مواجهة هذا الفيروس هو كيفية إعادة التوجهات القيمية والأخلاقية المضمرة وتفعليها من خلال الممارسات والأفعال والتصورات والإدراكات، لتتحول إلى قوة دفع بالاتجاه وحدة الوطن، وقوة مؤسساته، وعدم السكوت والانزواء والصمت والهروب، فسنوات الحروب الأهلية جعلت من الذين يتصدرون المشهد السياسي في ليبيا عاجزين عن إدراك ضرورة توحيد الوطن، وعاجزين أيضًا عن تصور أن تقوى مؤسسات الدولة على حسب قوة القبيلة أو المنطقة، وعاجزين عن ممارسة سلطة مركزية واحدة، تكون قادرة على مد نفوذها على كامل التراب الليبي، وتحكم فيها السيطرة الكاملة على كل الحدود، فممارسات تلك التصورات والإدراكات ستقود لا محالة إلى تبني الإجراءات الصينية في مراقبة ومواجهة ذلك الفيروس والقضاء عليه.
#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)
Hussein_Salem__Mrgin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المبعوث الأممي غسان سلامة والأزمة الليبية
-
ليبيا وأزمة شخصية القيادة
-
التعليم الجامعي الحكومي في ليبيا عراقيل وتحديات الواقع ...وإ
...
-
الجودة وضمانها كما رأيتها في مدرسة شموع العلم
-
الدراسة الذاتية للمؤسسة التعليمية.. لماذا؟ وماذا؟ وكيف؟
-
الجودة وضمانها في المؤسسات التعليمية
-
الدراسة الذاتية المفهوم والدلالات
-
مراجعة كتاب: ليبيا التي رأيت، ليبيا التي أرى: محنة بلد-
-
الاحتجاجات المجتمعية في المنطقة العربية والحاجة إلى إعمال ال
...
-
إصلاح منظومة التعليم الجامعي الحكومي في ليبيا - الواقع – وال
...
-
ماذا تريد وزارة التعليم بحكومة الوفاق الوطني الليبية من مؤسس
...
-
مشروع الجمعية الليبية لكليات التربية مدخلًا نحو إصلاح وتطوير
...
-
الحراك المجتمعي في ليبيا 2011م والحاجة إلى مقاربات وتصورات ت
...
-
الجودة وضمانها في التعليم ..المفهوم والدلالات
-
البحاث والأكاديميين الليبيين...وسؤال إلى أين تتجه ليبيا ؟
-
الشيخ والقبيلة في حرب طرابلس 2019م
-
إلى أين تتجه ليبيا 2 ؟
-
ظاهرة الفساد في ليبيا - الواقع وآليات المنع والمكافحة 2011-
...
-
علم الاجتماع والنسيج الاجتماعي في ليبيا
-
التعليم صناعة أيها السادة
المزيد.....
-
تحسن طفيف في وول ستريت وتسجيل أرقام قياسية جديدة
-
-حزب الله- يعرض مشاهد من عملية استهداف معسكر جنوب حيفا أسفرت
...
-
الجيش الإسرائيلي يشن سلسلة غارات على مدينة بعلبك ومحيطها شرق
...
-
إيران تحذر.. رد إسرائيل قد يورط واشنطن
-
-الأقصى المبارك-.. جوهر الصراع بين الفلسطينيين والاحتلال
-
إعلام إسرائيلي: نخوض حرب أدمغة مع حزب الله وقدراتنا الاعتراض
...
-
خبير عسكري: اشتباكات جنوب لبنان التي نشرها جيش الاحتلال -تمث
...
-
رغم المذابح وتفوّق القوة لماذا يشعر الإسرائيلي دائما بالهزيم
...
-
حزب الله ينشر صور عملية -العشاء الأخير- التي استهدفت لواء غو
...
-
مسؤول أميركي سابق يدعو إلى -رد فعل قوي- تجاه الصين
المزيد.....
-
الآثار القانونية الناتجة عن تلقي اللقاحات التجريبية المضادة
...
/ محمد أوبالاك
-
جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية
/ اريك توسان
-
الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس
...
/ الفنجري أحمد محمد محمد
-
التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19-
/ محمد أوبالاك
المزيد.....
|