أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - عبد الرحيم التوراني - ثرثرة فوق جسر نهر الكورونا














المزيد.....

ثرثرة فوق جسر نهر الكورونا


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 16 - 12:40
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    


قابع بالبيت، معتكف، أوزع يومي بين النوم والاسترخاء والقيلولة والكسل، أحيانا أقوم بتصفح بعض الروايات والكتب التي لم أقرأها بعد، أفتح صفحة من كتاب وأغلق أخرى من كتاب. لا ألوي على شيء مما تطالعه عيناي. عقلي ليس معي.
فيما يبقى من وقت الليل أو النهار، أطل على العالم من نافذة الانترنت، الحمد لله على نعمة الانترنت على كل حال. أو أشهر في وجه العدو اللعين الريموت كنترول، أسدد سلاحي من كوة اعتكافي صوب أكثر من قناة تلفزيونية. أتابع أخبار انتصارات الفيروس المتلاحقة، صارت هي نفس الأخبار مستنسخة، بالنقطة والفاصلة واللكنة، ثرثرة فوق جسر نهر الكورونا، والنهر يجري إلى مصبه بلا تردد أو خوف.
***
أما أنا، فكبر خوفي، خائف مني، من هيأتي ومن ملامح وجهي، من ظلي، أحس أن ظهري احدودب، عيناي بدتا لي هذا الصباح كامدتين قليلا، أمشي حافيا وسط البيت، أحرك جسدي، أحرك يمناي ويسراي، وأخاف من راحة يدي أن تصفعني، تعتدي علي في عقر بيتي، تشد من خناقي، تخنقني، أدفعها، كيف تسهل اختراق العدو لحصني؟!
خائف من أن تقترب أصابع يدي من وجهي، عيني وفمي وأنفي. وكلها ثقوب ثغرات سهلة للتسلل والاختراق. أنظف يدي تنظيفا بالصابون والماء، أعقمها تعقيما بالمعقم، وأعيد، أكتم سعالي في الحلق، صارت عطستي موؤدة في الصدر، أراقب تنفسي ورئتي ودقات القلب. ويأخذني الشك والارتياب إلى مداه. أشك أني هو أنا بالذات والصفات، أم آخر غيري، واحد آخر من اختراعي.
أقف أمام المرآة طويلا، أفحص حمرة عيني. أنزع كمامتي، أرخيها مدلاة تحت الذقن. أووه.. لقد نسيت حلق ذقني، انتبهت إلى الشيب الذي يلمع في لحيتي، وكأني أراه لأول مرة، صارت لي لحية تشبه ذقن معمم من الكهان، أتذكر المهربين الدينيين، صرح واحد من كبارهم عندنا أن كورونا "من جنود الله". أغضب وأبتسم في آن. لا أخشى على هزيمة الجبار أمام مخلوق صغير من مخلوقاته الضعيفة في مختبر صيني أو أوروبي أو أمريكي. ولا مختبر علمي ترجى شفاعته في بلاد النفط والقحط والشفط والضغط.
***
رن الهاتف واتصل بي قريب، أنقذني من وحدتي من وساوسي وكلامي مع نفسي. قريب من كندا في القارة البعيدة، عبر الوتساب نتكلم، يراني وأراه، طمأنني: "كل الجالية هنا بخير"، أتساءل في سري من المجلي فينا من المُهاجِر المُهَجَّر؟ أطمئنه على أفراد العائلة: "كلنا هنا بخير". يخبرني أن جوستن ترودو، رئيس الوزراء لديهم، التزم بوقوف الدولة مع الشعب في هذه المحنة غير المسبوقة، وأنه أعلن عن حزمة مساعدات لمواجهة تداعيات كورونا اقتصاديا، منها إعفاء المستأجرين من دفع الإيجار، وتعويضات مادية أخرى. أخبرته أني تابعت ذلك على المواقع والفيس بوك. ثم أفدته أننا هنا، من كرم حكوتنا الموقرة ملزمون بدفع ثمن أكفاننا وقبورنا قبل موتنا بفيروس. وأن حكومتنا أيضا تقف مع الشعب، تقف مذهولة فاغرة فمها، وقد بانت أسنانها وأنيابها الناتئة المفترسة، ولأنها منا ونحن منها، أي مثلنا، فهي لا تعرف ما تقدم أو ما تؤخر، وأن جوستن ترودو (نا)، رئيس الوزراء لدينا، يستحي تمام الحياء أن يقوم بإصدار قرار يمنع التجمعات، في المقاهي والحانات، فهي المجالس الشعبية الديمقراطية التي تطرح فيها قضايا الشعب، ويخشى اقتراف الإثم إذا تجرأ ومنع تجمعات المؤمنين في المساجد. فالمساجد هي المختبرات الوحيدة التي يمكن لعلمائنا الأجلاء اللجوء إليها لاختراع الدعاء المعالج من كورونا بإذنه تعالى. من يدري.. فقد نقوم بتصديره إلى البلدان الإسلامية.
صمت قريبي وبدت عليه علامات الخوف، فبادرت وطمأنته أنه يمكن لكندا وغيرها، أن تكون مشمولة بالقرار، فكل أرض بها من يوحد الله ويعلي كلمته يحق لها أن تستفيد. ولما لمست ارتياحه، أوضحت له أنها مجرد فتوى، سيدافع عنها بعض علمائنا من المتنورين، أكدت له قائلا: أنا لا أضمن لك ترجمة هذه الفتوى على الأرض. ما دام فيروس كورونا لا يبقى في مجرى الهواء، بل يسقط أرضا، وبذلك يجد فرصته للانتقال عبر الأحذية. من هنا منع التجول في الشوارع.
تمنى لي قريبي السلامة، شكرته وتمنيت لي أيضا السلامة، فلو كنت مثله في كندا، ما كنت مضطرا لاختراع شخص شبيه لي ينتهز فرصة اعتكافي بالبيت لينفرد بي ويقهرني بالوساوس. كنت أتمنى أن أكون من سكان كندا، ليس من أجل الاستفادة من عطاءات الدولة الكندية ومنح المسمى جوستن ترودو، وأطماعه السياسية على حسابي، بل من أجل أن لا أظل هنا أحسب أعداد المصابين بالكورونا، من كوفيد 19 إلى كوفيد 20 و21 حتى النهاية، هذا إذا لم أتحول أنا أيضا إلى رقم من الأرقام، رقم يحظى بالذكر ضمن إحصائيات ضحايا كورونا، وكورونا من أمثالنا بريئة براءة مختبراتنا من علاج كورونا.
مع استمرار حالة الطوارىء، سيزيد خوف الحكومة، حكومتنا طبعا، وقد يتحول الشعب كله إلى كورونا واعية فاتكة فتاكة.



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كورونا تجهل موقع العالم!
- روح إيفانكا تنبح في البيت الأبيض
- من قتل عمر بنجلون؟!
- ألا لا يجهلن أحد علينا..!
- قصة قصيرة: على حافة موال تيزي نتيشكة*
- جمهور الكرة لا يقرأ جورج أوريول بل يشرب -الروم- ولا يقرب الأ ...
- محمد زفزاف السينمائي الذي جاور هوليوود ..!
- انتخابات تونس: قيس سعيّد الرئيس الخامس للجمهورية التونسية!!!
- انتخابات تونس: مرشحون على الجدران والشارع في همومه وأشباح بن ...
- رائحة شحم في الساطور
- أغنية الصّباغ الذي هوى الآن
- التمرغ في تراب التكريم!
- أقصوصة: سبب عدم وصول صاحب التاكسي
- حلويات بن لادن
- الموت يغيب المناضل الأممي باتريس بارا ... نهاية رجل شجاع
- مقابلة مع المناضل الأممي ضد العولمة باتريس بارا Patrice BARR ...
- غياب: رحيل الصحفي المغربي عمر الأنواري.. نجم آخر ينطفئ بعيدا ...
- الصحافة المغربية في حداد.. عبد القادر شبيه: نجم إعلامي ينطفئ ...
- غياب القطب الاستقلالي السياسي والأديب والمفكر: عبد الكريم غل ...
- عشرون سنة مرت على رحيله: الرفيق الحاج علي يعته.. ذكريات مع ا ...


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- جائحة الرأسمالية، فيروس كورونا والأزمة الاقتصادية / اريك توسان
- الرواسب الثقافية وأساليب التعامل مع المرض في صعيد مصر فيروس ... / الفنجري أحمد محمد محمد
- التعاون الدولي في زمن -كوفيد-19- / محمد أوبالاك


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات - عبد الرحيم التوراني - ثرثرة فوق جسر نهر الكورونا