أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمد جوشن - حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور 5














المزيد.....

حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور 5


خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)


الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 16 - 02:53
المحور: الادب والفن
    


حين توقفت عند قصيدة الشاعر ت س اليوت لم تستوقنى افكاره فى اول الامر، بقدر ما استوقفتنى جسارته اللغوية

فى قصيدة الارض الخراب
فى الساعة البنفسجية ، ساعة المساء التى تعود ، الى البيوت
وتعيد البحار من بيته الى البحر
والتايبست الى بيتها فى موعد الغداء لتنظف المائدة من بقايا الافطار
ولتشعل الموقد ، وتخرج الطعام من علب الصفيح المحفوظة
وتدلت من النافذة اطقمها الداخلية المنشورة لتجف، اذا لمستها اشعة الشمس الغاربة
وتكومت على الاريكة ( التى تتخذها سريرا فى الليل) ، جواربها ، وشبشبها ، وقمصانها ، ومشداتها
-------------------

استعمل ت س اليوت ؛ تعبيرات جواربها ، شبشبها ، قمصانها ، مشداتها ، اطقمها الداخلية
الالفاظ وغيرها كانت غريبة علينا ، ولكنها كانت الكلمات لوحيدة التى تستطيع نقل هدف الشاعر لفتاة فى عصر التقدم الصناعى

عاملة فى متجر تحيا وحدها فى غرفة فقدت كل ملامح الذوق والاناقة تعيش فى سطحية وعجالة فهى تخرج الى عملها صباحا مسرعة قبل ان تنظف مائدة افطارها
وتعودلتتناول طعاما رديئا من علب الصفيح المعلبة ، وملابسها ملقاة باهمال على الحبال والاريكة

وهذا الابتذال فى الحياة الظاهرة يقابله ابتذال فى الحياة الروحية ، حيث يزورها شاب ويمارس معها الجنس فى الية وبلا روح او ممانعة منها

ويغادرها وتعود وحيدة وتصلح شعرها ، وتضع اسطوانة رتيبة ، هل هذه حياة
لقد جعلت المدنية الحديثة من الوحدة وهى اخصب ما يملكه الانسان ، ضجرا ومشقة، وجعلت الحب ابتذالا وسخفا

من هذه القصائد ذات الجسارة اللغوية ، ادركنا ان الشعر لا قاموس له
وقد تاثرت بهذه السمة الجديدة فى عهد باكر، وحاولت ان ارسم صورة صادقة للشخصية الريفية فى قصيدة ( شنق زهران ) فى ملبسها وطابعها الانسانى
مر زهران بظهر السوق يوما
واشترى شال منمنم
ومشى يختال عجبا ، مثل تركى معمم
وفى قصيدة اخرى
ورجعت بعد الظهر فى جيبى قروش
فشربت شايا فى الطريق
ورتقت نعلى
ولعبت بالنرد الموزع بين كفى والصديق
قل عشرة او عشرين

وتهكم بعض الاصدقاء والنقاد بعد نشر القصائد بالشاى ، والنعل المرتوق وغير ذلك ، وهو مادفعنى للتفكير فى مشكلة اللغة الشعرية ، ومشكلة اللغة بوجه عام

واللغات الغنية هى اللغات لتى تجد فيها رمز لكل المدركات الحسية والوجدانية التى يواجهها الانسان ، رموز حيوية جارية الاستعمال فى الحياة الومية لا رموز محنطة فى القواميس

واللغة العربية غنية بالقوة وفقيرة بالفعل كما يقول الفلاسفة المسلمون ، فامكانيات الغنى تكمن فيها كما تكمن الشجرة فى البذرة ، ولابد ان تسقى بالماء وتتعهد بالرعاية حتى تنمو وتزدهر

ولغتنا وقفت موقفا متحفظا من ادوات الحضارة الحديثة فلا هى طورت تراثها ، ولا هى اثرت اللغة بما يجرى عليه استعماله ، ايثارا للصدق على الزينة

ولقد كان امرؤ القيس لايعرف الفرق بين اللفظ العادى واللفظ الشعرى، فهو يحدثنا فى شعره عن شحم ناقته ولحمها ، وعن بعر الارام وحب الفلفل وينقل لنا صورة صحراوية نابضة بالحياة

فظل العذارى يرتمين بلحمها
وشحم كهداب الدمقس المفتل
ترى بعر الارام فى عرصاتها
وقيعانها كانه حب فلفل

والقاموس الشعرى لايعرف الترادف ، فالحب ليس هو الشغف ولا هو العشق، وبذلك ليس هناك لفظ اجود من لفظ ولكن هناك لفظ اصدق واوضح دلالة فهو الجدير بالاستعمال

ولست اشك فى ان لغة اى شاعر معاصر اغنى واكثر ثراء من لغة امرؤ القيس ، لسبب منطقى هو ان مدركات شاعرنا اكثر من مدركات سلفه

وانا لونظرت فى غرفتى التى اكتب فيها الان لوجدت الف مدرك حسى لها اسماء مختلفة ، وانا اكتفى بان احدق فى مكتبى وفى الرف الذى امامى ، لاحدثك عن علبة السجائر والقداحة او الولاعة والصورة الفوتغرافية ، واطار الصورة والمطفأة ، والمزهرية والمروحة والقاموس ونوتة التليفونات وعلبة الاقراص المنبهة والمهدئة وتمثال فينوس وعشرات

الفرق بيننا وبين امرؤ القيس ان سلفنا كان يحس بحيويته كاملة فى استعمال لغته كما يشاء ، بينما نحن اسرى القاموس الشعرى واذا حاولنا استعمال هذه الالفاظ فلن نستطيع الا بمشقة بالغة ، فهى اذن الفاظ ميتة ، رغم حياتها الواسعة ، لقد اصبح الثراء فقرا لانك لا تستطيع ان تستعمل ما تملكه
ان شعرنا جدير ان يبلغ افاقا اسمى لو منحنا الجسارة اللغوية ، لان الفكر الغنى لابد له من لغة غنية تستوعبه، ولذلك لابد من الاقدام على الالفاظ الجديدة وترويضها للدخول فى سياقاتنا الشعرية

لقد كنت اقرأ مقطوعة لسان جون بيرس يقول فيها
الشاعر معكم ، وافكاره كابراج المراقبة معكم ، فليواظب على المراقبة حتى المساء ، وليثبت نظره على حظ الانسان

وحين هممت ان اقرأها للمرة الثانية ، ادركت ان نصف جمالها يعود الى استعمال كلمة ابراج المراقبة



#خالد_محمد_جوشن (هاشتاغ)       Khalid_Goshan#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصبى الوطواط
- الرعب
- حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور4
- وطة
- حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (3 )
- حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور (2 )
- موت سندريلا اخرى
- حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور
- متى يخرج الدين ؟
- ثورة يوليو خير وشر
- الدكتور زكى مبارك امير البيان
- يوميات عادية جدا 5
- معونة الشتاء
- وكأنه شخص أخر
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصره جون رولز (2) نظرية فى العدل ...
- الكتابة ذلك العذاب
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة جون رولز (1) نظرية فى العدل ...
- مغامراتى فى العراق 1
- اعلام الفلسفة السياسية المعاصرة كارل بوير ب بقلم أنطوني كوين ...
- موت شجرة


المزيد.....




- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد محمد جوشن - حياتى فى الشعر - صلاح عبد الصبور 5