أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - شاكر النابلسي - هل سيبني الفلسطينيون دولتهم من وراء القضبان؟















المزيد.....


هل سيبني الفلسطينيون دولتهم من وراء القضبان؟


شاكر النابلسي

الحوار المتمدن-العدد: 1574 - 2006 / 6 / 7 - 10:58
المحور: القضية الفلسطينية
    


-1-
قرأنا في تاريخ الشعوب المعاصرة أن أكثر الزعماء تأثيراً في شعوبهم هم الزعماء المسجونون الذين يخاطبون شعوبهم من وراء القضبان. وقرأنا كذلك أن أكثر الوثائق السياسية صدقاً وطهارة وواقعية كذلك هي الوثائق والمواقف التي تخرج من وراء القضبان. كما قرأنا أن الشعوب تستجيب للدعوات السياسية التي تنطلق من ظلام السجون أكثر من استجابها للدعوات السياسية التي تنطلق من كراسي الحكم، ومنصات الإعلام الرسمي. وشاهدنا كذلك بأن الشعوب التي انقادت لزعمائها قيادة سياسية واقعية وصادقة هي تلك الشعوب التي قادها زعماء قضوا في سجن أعدائهم السنين الطويلة ، فتعذبوا وذاقوا طعم الحرمان من الحرية، وعرفوا معنى وطعم وثمن الحرية الحقيقية، وبدأوا يفكرون تفكيراً واقعياً هادئاً ومتأملاً، بعيداً عن عواطف غوغاء الشوارع، وشعارات تجار السياسة، وخطباء المنابر الدينية والسياسية. ولقد صدق محمود عباس بالأمس، عندما قال عن السجناء السياسيين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية بأنهم أشرف الشرفاء، وأكثر وطنية وصدقاً من أي زعيم فلسطيني آخر. وقد أثبت لنا نيلسون مانديلا زعيم جنوب افريقيا، ومن قبله عمر ال مختار الزعيم الليبي ومجموع ة من الزعماء الجزائريين من قادة الثورة الجزائرية وغيرهم، بأنهم كانوا بالفعل أشرف الشرفاء، وأكثر السياسيين في أقطارهم صدقاً وواقعية واخلاصاً. وبأن هؤلاء السجناء إذا كانوا من المعارضة، فهم أصدق وأخلص معارضة في أقطارهم. ولنا من السجناء السياسيين في سوريا وفي مصر وفي أقطار أخرى من العالم العربي، المثال الكبير والواضح والناصع.
-2-
خلال الشهر الماضي (مايو)، أصدرت مجموعة من السجناء السياسيين الفلسطينيين في سجن هاداريم الإسرائيلي، وثيقة سياسية اطلقت عليها (وثيقة الوفاق الوطني). وهذه الوثيقة، رغم بنودها الثمانية عشر التي لا تتعدى في معناها ومبناها عن مبادرة السلام العربية التي اعلنت في مؤتمر القمة العربي في بيروت (مارس 2002)، كما لا تفرق كثيراً عن مبادرة جنيف (السلام الممكن، 2003) التي تمّت بين ياسر عبد ربه ويوسي بيلين، والتي أيدها آنذاك 38% فقط، من الرأي العام الفلسطيني. وكل هذه المبادرات ،كان غصوناً وتفرعات لجذر المبادرة السلمية الأصلي التي طُرحت في مؤتمر قمة فاس العربية عام 1982 . وكأن العرب - كما اعتادوا على ذلك في العصر الحديث - يعيدوا دائماً طرح أفكارهم، ولكن في مناسبات سياسية مختلفة، بعد أن يكون القطار قد فاتهم. فما تمَّ رفضه بالأمس، يمكن أن يكون مقبولاً اليوم، حيث لا ثوابت في السياسة. وكم ندم العرب ندماً مريراً، على ما طُرح من مبادرات سلام في الماضي، بدءاً من قرار الأمم المتحدة الخاص بالتقسيم عام 1947 رقم 181 ، وانت هاءً بمبادرة جنيف 2003. ولكن تظل (وثيقة الوفاق الوطني) من أخطر الوثائق الفلسطينية في تاريخ القضية الفلسطينية، ومن أكثرها أهمية وواقعية سياسية، بل تعتبر اللبنة الأساسية التي لو وجدت شجاعة سياسية كافية، خارج قضبان سجن هاداريم، لاعتمدتها ونفذتها فوراً، لتكون الخطوة الأولى نحو بناء الدولة الفلسطينية، فيما لو توفرت النية الحسنة والصادقة لدى الحكومة الإسرائيلة والإدارة الأمريكية، وذلك لعدة أسباب منها:
1- تحتوى هذه الوثيقة على 18 بنداً رئيسياً تعتبر خلاصة للتجربة السياسية الفلسطينية المريرة، منذ الثلاثينات من القرن الماضي حتى الآن.
2- لم تكن هذه الوثيقة مبادرة عربية من ملوك ورؤوساء عرب، أو من رؤوساء فلسطينيين، ولكنها كانت من قِبل مجموعة من أبرز المناضلين السجناء السياسيين في سجن هاداريم الإسرائيلي. وهم: مروان البرغوثي أمين سر تنظيم حركة فتح بالضفة الغربية، والشيخ عبد الخالق النتشة عضو الهيئة القيادية العليا لحركة حماس، والشيخ بسام السعدي عضو حركة الجهاد الإسلامي، وعبد الرحيم ملوح عضو اللجنة التنفيذية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ومصطفى بدارنة عضو الجبهة الديمقراطية. وهذه الفصائل، هي أهم الفصائل السياسية الفاعلة على الساحة الفلسطينية.
3- لا بد أن هؤلاء جميعاً لم يكتبوا هذه الوثيقة من بنات أفكارهم وحدهم، ولم يوقّعوا عليها، دون أن يستشيروا قياداتهم ويتفاوضوا معها. بل هم بالتأكيد، قد استشاروا قياداتهم ومراجعهم السياسية خارج السجن، وتفاوضوا معهم طويلاً، الى أن انتهوا الى الصيغة التي انتهوا اليها في هذه الوثيقة. ومن هنا، تعتبر هذه الوثيقة بمثابة اجماع شعبي فلسطيني عليها. وما نسمعه من أصوات التحفظ على بعض ما جاء في بعض بنود هذه الوثيقة من السياسيين الذين هم خارج سجن هاداريم، ما هو إلا لعب في الوقت الضائع، ومناكفات سياسية، وعلك ديني عقائدي، لا طائل من ورائه، غرضه مكاسب سياسية شخصية معينة، واضاعة المزيد الوقت، وتأخير قيام الدولة الفلسطينية العلمانية المستقلة.
4- تأكيد هذه الوثيقة في بندها الأول، على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وهذه الدولة المستقلة سوف تقوم على الأرض المحتلة عام 1967 ، وليس على كامل التراب الفلسطيني، كما سبق وطالبت المنظمات الفلسطينية القومية والدينية في الماضي، ومنذ ما يزيد على نصف قرن. وتلك واحدة من نقاط التقدم في هذه الوثيقة التي قطعت الطريق على كل المزايدات السياسية الفلسطينية في الداخل والخارج.
5-لقد ذكر البند الثالث من هذه الوثيقة، حق الشعب الفلسطيني في المقاومة والتمسك بخيار هذه المقاومة. كما ذكر البند العاشر، ضرورة العمل على تشكيل جبهة مقاومة موحدة باسم "جبهة المقاومة الوطنية"، لقيادة وخوض المقاومة ضد الاحتلال، وتوحيد العمل والفعل للمقاومة، وتشكيل مرجعية سياسية موحدة لها. كما دعا البند 13 الشعب الفلسطيني للوحدة والتلاحم والمقاومة في وجه العدوان والحصار. ودعا البند 16 كذلك ، الى ضرورة اصلاح وتطوير المؤسسة الأمنية الفلسطينية وانهاء حالة الفوضى والفلتان الذي يُلحق ضرراً كبيراً بالمقاومة ويشوّه صورتها. ونلاحظ في هذه البنود الأربعة ملاحظة مهمة جداً ، وسابقة لم نقرأ مثيلاً لها في تاريخ الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، وهي أن هذه البنود جميعها، حذفت كلمة "مسلحة" من ذكر المقاومة، ولم يعد هناك على الإطلاق ذكرٌ لعبارة "المقاومة المسلحة". واكتفت هذه البنود الأربعة، التي جاء فيها ذكرٌ للمقاومة وضرورة حمايتها، بذكر المقاومة واغفال كونها "مسلحة". مما يعني، أن الشعب الفلسطيني، الذي صوّت بالموافقـة على هذه الوثيقـة، كما قالت معظـم الص حف الفلسطينيــة الصادرة يوم 27/5/2006 ، التي قامت باستطلاع رأي الشارع الفلسطيني، قد وافق على عدم القيام بالمقاومة المسلحة، واللجوء الى المقاومة السلمية، والمقاومة السياسية، والمقاومة بالمحادثات والمباحثات والحوار. وأن كلمة "مسلحة" التي اقترنت بالمقاومة الفلسطينية منذ أكثر من نصف قرن مضى، لم تسقط سهواً من عبارة "المقاومة"، في هذه البنود الأربعة وفي غيرها من بنود هذه الوثيقة التاريخية، وإنما كان حذفها متعمداً تعمداً سياسياً واعياً وواضحاً، يؤرّخ لمرحلة جديدة من الوعي السياسي الفلسطيني. وهذا الحذف الجريء، وهذا الاسقاط الشجاع للمقاومة "المسلحة" والاكتفاء بذكر كلمة "المقاومة"، دون اقرانها بكلمة "المسلحة" معها، قد أحرج دون شك كافة الفصائل الفلسطينية المسلحة الدينية والقومية، والتي استمدت شرعيتها في الشارع الفلسطيني من مبدأ القيام بالمقاومة "المسلحة" والاستمرار فيها. ولعل هذه الخطوة التاريخية الجريئة، هي أبرز وأهـم مـا في (وثيقة الوفاق الوطني) التي كتبها السجناء السياسيون الفلسطينيون. وهو ما سوف يُضعف من قوة حماس في الشارع الفلسطيني دون شك، ويزيد م ن قوة محمود عباس وتياره السياسي، الذي فطن على ما يبدو - بذكائه السياسي الحاد - الى أهمية هذه الوثيقة، التي كانت بمثابة قارب النجاة للغرقى الفلسطينيين - وهو منهم - ومن هنا أصرّ على تبني هذه الوثيقة من قبل لجنة الحوار الوطني، خلال عشرة أيام، وإلا فإنه سيكون مضطراً لطرحها للاستفتاء العام. وهو ضامنٌ موافقة الشعب الفلسطيني عليها، بنسبة ربما تزيد عن ثمانين بالمائة، كما أشارت الصحف الفلسطينية الصادرة في 27/5/2006.
5- قال البند السابع وهو واحد من أهم بنود هذه الوثيقة أيضاً، بأن ادارة المفاوضات، هو من صلاحية منظمة التحرير ورئيس السلطة الفلسطينية. وهو اعتراف ضمني وحيي بالدولة الاسرائيلية. إذ لا مفاوضات تجري مع غير اسرائيل في هذا الشأن. ولكي يتم التفاوض مع اسرائيل على اقامة الدولة الفلسطينية كما قال هذا البند، فلا بُدَّ من الاعتراف بالشريك المفاوض. وهذا البند، الذي تحفّظت عليه "حركة الجهاد الإسلامي" كما جاء في ذيل الوثيقة، هو من باب حياء العذارى لأوّل وهلة، واللائي لا يلبثن أن يرضين، ويستمتعن بالمضاجعة. كذلك، فإن توقيع عضو الهيئة القيادية العليا لحماس الشيخ عبد الخالق النتشة الذي وقّع على بند المفاوضات، كما وقّع على باقي البنود الثمانية عشر دون تحفظ، يعتبر ثورة كبرى في خطاب حماس السياسي، وانقلاب على كل مواثيق حماس، وعهودها للشعب الفلسطيني في الحملة الانتخابية التشريعية التي جاءت بحماس الى الحكم. ورغم هذا، فلم تعلن حماس رفضها لهذا البند أو للبنود الأخرى المتعلقة بالمقاومة "غير المسلحة"، ولم تعلن طردها للشيخ عبد الخالق النتشة من صفوفها وبراءتها من هذه الوثيقة، جملة وتفصيلاً. وكذلك كان الحال مع باقي الفصائل اليسارية التي وقّعت باسم سجنائها على هذه الوثيقة.
6- يلاحظ في هذه الوثيقة، أن هناك تركيزاً على دور "منظمة التحرير الفلسطينية" ورئيسها في تفعيل العمل والحراك الفلسطيني. وقد تكرر هذا التركيز في البنود : 2، 4، 5، 7، 13. فكانت هذه البنود تشير الى منظمة التحرير ورئيسها، دون غيرها، ودون غيره، في تفعيل دور منظمة التحرير في العمل الفلسطيني، مما يعني تهميش الدور المتضخم لباقي الفصائل، وعلى رأسها حركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي. وهي خطوة مهمة ورئيسية لتوحيد الصوت الفلسطيني والقرار السياسي الفلسطيني، والقضاء على اصداء الأصوات السورية والايرانية التي تنطلق من هنا وهناك بين حين وآخر، وتنادي بخيار واحد ووحيد، وهو المقاومة المسلحة.

-3-
لقد أصبحت (وثيقة الوفاق الوطني) للسجناء السياسيين الفلسطينيين، عبارة عن حد فاصل بين الحرب والسلام، بين الخير والشر، بين الماضي والمستقبل، بين الحل السلمي والحل على طريقة المقاومة المسلحة اللامجدية، بين الرفض المطلق والقبول الواقعي والعملي، بين الواقعية السياسية والثورية الرومانسية الطفولية، وبين بناء الدولة الفلسطينية الحقيقية وبين بقاء الفلسطينيين كمليشيات مسلحة الى يوم يبعثون.
فماذا كانت النتائج الفورية والسريعة لهذه الوثيقة على الساحة الفلسطينية والعربية والدولية؟
دعونا نستعرض بعض النتائج السريعة التي ظهرت، أو المتوقع صدورها في الفترة القادمة:
على الساحة الفلسطينية :
1- أظهرت استطلاعات الرأي العام الفلسطيني التي اجرتها الصحف الفلسطينية الصادرة صباح 27/5/2006 أن ثمانين بالمائة من الشعب الفلسطيني يؤيد الوثيقة المشار اليها. وهذا يعني أن ثمانين بالمائة من الشعب الفلسطيني يريد السلام عن طريق المفاوضات التي أشارت اليها الوثيقة. ويشارك الرأي العام الفلسطيني جزء من الرأي العام الإسرائيلي بهذه النتيجة، وهو الذي مهييء للسلام الآن أكثر من أي وقت مضى.
2- لقد عززت هذه الوثيقة ودعمت موقف محمود عباس في السلطة الفلسطينية، كما رفعت من أسهم حركة "فتح" في الشارع الفلسطيني باعتبار أن الموقِّع الرئيسي على هذه الوثيقة كان مروان البرغوثي الذي يحظى باحترام وشعبية طاغية في الشارع الفلسطيني.
3- كشفت هذه الورقة عن ضعف حركة حماس وقبولها الخجول لهذه الوثيقة التي تتعارض مع كل مبادئها السياسية المعلنة سابقاً. واصبحت حركة حماس (في خانة اليك) ومحرجة تجاه هذه الوثيقة احراجاً سياسياً واضحاً. فهي أمام خيارين : إما أن تقبل بالمبادرة العربية التي طرحت في مؤتمر القمة في بيروت عام 2002 وإما أن تقبل بهذه الوثيقة . وأحلى هذين الخيارين مرٌ في فم حماس، مرارة كبيرة.
4- لقد أحرجت هذه الوثيقة احراجاً سياسياً وشعبياً حماس في الخارج، وخاصة خالد المشعل الذي يبدو أنه لا يستطيع أن يتفوه بكلمة واحدة سلباً أو ايجاباً تجاه هذه الوثيقة، بعد تصريحاته العنترية في دمشق وطهران والدوحة واسطنبول والتي طالب فيها بالسلاح قبل المال، استعدادا لخوض انتفاضة ثالثة مسلحة.
5- بعد أن تم اعلان حركة الجهاد الإسلامي رفضها التام لهذه الوثيقة في 29/5/2006 مما يعني انشقاقاً واضحاً في صفوف هذه الحركة. فزعماؤها في السجن وقّعوا على هذه الوثيقة، في حين أن زعماءها خارج السجن يرفضونها جملة وتفصيلاً بعد أيام من صدورها، فقد بدأت عملية الفرز الدولية بين فصائل المقاومة المسلحة. فاعتبرت كل من يرفض هذه الوثيقة ارهابي لا شك فيه، وكل من يقبل بهذه الوثيقة، فهو داعية سلام وبناء واستقرار في المنطقة. ويبدو أن حركات المقاومة الفلسطينية اليسارية المتمثلة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية كذلك، قد انضمتا الى معسكر "فتح"، بعيداً عن حركة الجهاد الإسلامي. ولعل الأيام القادمة سوف تحسم هذه الأمر، فيما لو أصرَّ محمود عباس على طرح هذه الوثيقة على الاستفتاء الشعبي الذي ترفضه حماس، وتعتبره تحدياً لها. ولكن محمود عباس - بذكائه السياسي المعهود - يضع حماس في مأزق شديد الصعوبة الآن، ويحشرها في زاوية ضيقة. فهو يطلب منها الموافقة على الوثيقة من خلال الحوار الوطني، أو من خلال الاستفتاء العام . فإذا رفضت هذا وذاك، فهي إذن تختار الحرب الأهلية المُحرَّمة. فلا بُدَّ إذن من الحرب الأهلية التي ستفرض على الشعب الفلسطيني فرضاً. فالحرب الأهلية فتنة كبرى بلا شك. ولكن بعض الشعوب عندما اختلفت الأحزاب فيها فيما بينها على مصير الدولة والشعب، ولم يعد هناك من حلٍ توافقي واقعي، لم تجد أمامها غير الدم تقدمه ثمناً للمستقبل، وذلك هو أبغض الحلال عند الله وعند الناس. فقد تحارب العرب فيما بينهم في معركة صفين 657م، فيما كان فتنة كبرى. وتحاربوا في معركة الجمل كذلك 646م ونأمل من الشعب الفلسطيني أن لا يأخذ بحلِّ أبغض الحلال. وأن تتعقل الفصائل الدينية الفلسطينية المسلحة، وأن لا تضطر الطرف الآخر الى أن يأخذ بأبغض الحلال هذا.

على الساحة العربية:
1- تعتبر هذه الوثيقة نصراً كبيراً لكل الأنظمة العربية المعتدلة التي وقفت الى جانب المبادرة العربية في مؤتمر قمة بيروت عام2002 والتي رفضتها الفصائل الفلسطينية الدينية المسلحة على وجه الخصوص وعلى رأسها حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي.
2- لقد أعادت هذه الوثيقة التي لا تخرج في بنودها الثمانية عشر عن بنود مبادرة قمة بيروت كثيراً. بل إن هذه الوثيقة تعبر اعادة صياغة لغوية وأدبية لتلك المبادرة، ولمبادرة عام 1982 في مؤتمر قمة فاس. وهذا يعني أن الأنظمة العربية قد استعادت ثقتها بنفسها، من حيث قدرتها على وضع حل نهائي وواقعي وجريء للقضية الفلسطينية، التي استنزفت قوى العالم العربي طيلة أكثر من نصف قرن مضى.
3- إن هذه الوثيقة بالنسبة للأنظمة العربية، تعتبر الرد الفلسطيني الحر الحاسم على الحركات الارهابية في العالم العربي التي تؤمن بالتغيير بقوة السلاح، وتدعو الى استمرار المقاومة المسلحة كما جاء في خطابات زعماء القاعدة وقادتها أخيراً. ومن شأن هذه الوثيقة أن تُضعف من قوة الحركات الارهابية اضعافاً شديداً.
4- لا شك أن هذه الوثيقة تعتبر خسارة كبيرة لحركة الإخوان المسلمين ولحزب الله، ولكل الأحزاب الدينية والفصائل الدينية الأخرى في العالم العربي التي كانت تدعم حركة حماس، وتشدَّ على يدها في اصرارها على المقاومة المسلحة.
5- لا شك بأن سوريا وإيران منزعجة من هذه الوثيقة وغير راضية عنها. وكانتا تتمنيان بأن لا تصدر مثل هذه الوثيقة عن هؤلاء الزعماء والقادة الفلسطينيين الشرفاء الذين لا تشك سوريا وايران برفعة شرفهما النضالي والسياسي. وقد خسرت سوريا وإيران بهذه الوثيقة رصيداً سياسياً لا بأس به، كانتا تتمتعان به سابقاً.
6- وأخيراً، فإن هذه الوثيقة قد أحرجت الإعلام العربي والمثقفين العرب الذين كانوا داعمين ومساندين للكفاح المسلح، وكانوا ينادون ليلاً نهاراً بمواصلة هذه الكفاح كحل واحد ووحيد للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي. كذلك فقد كانت هذه الوثيقة برهاناً كبيراً على صدق رؤية الليبراليين العرب الذين ما فتأوا يقولون بأن الحل السلمي وطريق المفاوضات والحوار هو الطريق الأمثل لاقامة الدولة الفلسطينية في ظل المعادلات السياسية المستجدة على الساحة الدولية وعلى الساحة الفلسطينية خاصة. وقد جاءت بنود هذه الوثيقة لكي تؤكد ذلك تأكيداً عميقاً.
على الساحة الدولية:
1- سوف يكون لهذه الوثيقة الأثر الطيب والبالغ على الساحة الدولية. فالرأي العام الدولي سوف يعلم علم اليقين بأن الشعب الفلسطيني شعبٌ مسالم، وأنه صاحب حق مشروع، وأنه يودُّ أن يحصل على حقه بالمعروف والحُسنى. وأن الجماعات الدينية المسلحة التي رفضت هذه الوثيقة، ورفضت من قبل المبادرة العربية في مؤتمر فاس 1982، ومؤتمر قمة بيروت 2002، هي المعارضة الطبيعية في كل المجتمعات وفي كل الظروف السياسية والأزمنة. وهي لا تعني أن الشعب الفلسطيني بأكمله شعب دموي، ولا يملك الخيار الثالث التوافقي. فهو إما غالباً أو مغلوباً، كما كان كذلك في تاريخه الطويل. وأن المثال النبوي في "صلح الحديبية" هو الاستثناء التاريخي وليست القاعدة التاريخية التي أخذ بها العرب في تعاملهم مع شعوب العالم.
2- سوف تمكِّن هذه الوثيقة المجتمع الدولي من تقديم كل المساعدات الموقوفة للشعب الفلسطيني. كذلك سوف تمكِّن هذه الوثيقة المجتمع الدولي وخاصة الرأي العام الأمريكي الذي استنكر مشروع قرار مجلس النواب الأمريكي القاضي بحجب المساعدات عن الشعب الفلسطيني واغلاق مكاتب منظمة التحرير في واشنطن من الضغط على اسرائيل لتليين موقفها من اقامة الدولة الفلسطينية في أية مباحثات قادمة.
3- لا شك أن هذه الوثيقة سوف تخفف من غلواء الارهاب تجاه المجتمعات الغربية، وسوف تُلجم عدداً من عناصر الارهاب التي تخطط لشن هجمات على المجتمعات الغربية بحجة تأييدها لاسرائيل، وعدم اعترافها بالحقوق الفلسطينية.




#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلمات على حائط المبكى الفلسطيني
- حماس الفنادق وحماس البنادق
- وأخيراً نَفَثَ الطوطم الأعظم سُمَّه!
- هل سترث الإمبراطورية الفارسية الجديدة العالم العربي؟
- القنبلة النووية الشيعية: هل هي المهدي المنتظر؟
- العرب بين إسلام القرآن وإسلام الفقهاء
- WANTED
- خسئتم فنحن نتحداكم ولن نستسلم
- سقط هُبْل وبقي هُبْلان
- عَوْدٌ أحمد يا سيّدنا القمني!
- لماذا يعادي رجال الدين العَلمانية؟
- هل العلمانية الإسلامية هي الحل؟
- لم تسقط بغداد بل سقطت معابد الاستبداد
- الأمة الهابطة والفن الهابط
- الذاكرة العربية المثقوبة
- هل سيتزوج الزرقاوي نانسي عجرم؟
- الصِحَاحْ في نقدِ المِلاَحْ
- جذور الكراهية وأصول العداء بين الإسلام والغرب
- الوصل والفصل بين الإسلام والغرب
- لهفي على هذا العراق!


المزيد.....




- جريمة غامضة والشرطة تبحث عن الجناة.. العثور على سيارة محترقة ...
- صواريخ إيران تتحدى.. قوة جيش إسرائيل تهتز
- الدنمارك تعلن إغلاق سفارتها في العراق
- وكالة الطاقة الذرية تعرب عن قلقها من احتمال استهداف إسرائيل ...
- معلومات سرية وحساسة.. مواقع إسرائيلية رسمية تتعرض للقرصنة
- الفيضانات في تنزانيا تخلف 58 قتيلا وسط تحذيرات من استمرار هط ...
- بطائرة مسيرة.. الجيش الإسرائيلي يزعم اغتيال قيادي في حزب ال ...
- هجمات جديدة متبادلة بين إسرائيل وحزب الله ومقتل قيادي في الح ...
- مؤتمر باريس .. بصيص أمل في دوامة الأزمة السودانية؟
- إعلام: السعودية والإمارات رفضتا فتح مجالهما الجوي للطيران ال ...


المزيد.....

- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان
- رغم الخيانة والخدلان والنكران بدأت شجرة الصمود الفلسطيني تث ... / مرزوق الحلالي
- غزَّة في فانتازيا نظرية ما بعد الحقيقة / أحمد جردات
- حديث عن التنمية والإستراتيجية الاقتصادية في الضفة الغربية وق ... / غازي الصوراني
- التطهير الإثني وتشكيل الجغرافيا الاستعمارية الاستيطانية / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - شاكر النابلسي - هل سيبني الفلسطينيون دولتهم من وراء القضبان؟