أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فارس إيغو - هل الرأسمالية أخلاقية؟ (الجزء الأول)















المزيد.....

هل الرأسمالية أخلاقية؟ (الجزء الأول)


فارس إيغو

الحوار المتمدن-العدد: 6508 - 2020 / 3 / 8 - 14:45
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


هل الرأسمالية أخلاقية؟ هو عنوان كتاب صدر في فرنسا، للكاتب الفرنسي أندريه كونت ـ سبونفيل (من منشورات ألبان ميشال، 2004)، وقام بترجمته الى العربية أ. بسام حجار (دار الساقي، بيروت 2005).
لقد ارتأيت تلخيص هذا الكتاب نظراً للأهمية الكبيرة للأفكار المطروحة فيه، والتي لم تأخذ حيزاً مهماً من النقاش والجدال، وحتى السجال إذا أمكن، في الساحة الثقافية العربية. وأنوه من البداية، بالترجمة الرائعة التي أنجزها السيد بسام حجار، فقد نقل أفكار الكاتب الفرنسي بأمانة وبأسلوب رائع وسلس وجذاب. وأعتبر الترجمات الي قام بإنجازها هي أمثلة للترجمة العربية التي تحقق الفائدة والمتعة، وتوصيل المعرفة بصورة أسلوبية سهلة على القارئ.
أطروحة الكتاب الرئيسة تتجاوز مقولة الأمريكي من أصل ياباني فرنسيس فوكوياما حول نهاية التاريخ وإنتصار الرأسمالية، وتسخر من المثقفين الغربيين والعرب الذين ما زالوا في نوستالجيا البديل الاشتراكي أو "الأطروحة الشيوعية" للفرنسي ألان باديو (1).
فوكو ياما، مع نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي، كتب في مؤلفه نهاية التاريخ والإنسان الأخير: لقد انتصرنا، إذن نحن الأفضل. بينما سبونفيل يبدو متأكداً من انتصار الرأسمالية، لكن مشككاً في قدرتها على إدارة المجتمع. يقول سبونفيل: لقد سقط الاتحاد السوفياتي وتبيّنا أن النظرية الماركسية تنتج حين تتطبق في الحكم بيروقراطيات شمولية قاسية جداً. لكن سبونفيل يقول إن الرأسمالية لم تنتصر، لأن المشاكل أمامنا. الرأسمالية ـ صحيح أنها لم تفشل ـ لكنها مريضة حسب سبونفيل.
إن فكرة الكتاب تتجاوز أطروحة ما زال بعض المثقفين العرب (من ماركسيين الى قوميين، وأخيراً إسلاميين) يروجونها، هي البحث عن البديل المناسب للرأسمالية، بالنسبة للبعض فإنهم ما زالوا يشككون في هزيمة الاشتراكية، وبالنسبة للبعض الآخر، فإن الأمر يتعلق بوهم الاقتصاد الإسلامي. الجديد الإبداعي في أطروحة سبونفيل، أنه يعترف بهزيمة الاشتراكية، لكن الرأسمالية بالنسبة له بحاجة للعناية الطبية المشددة.
لا بديل عن النظام الرأسمالي في الأفق المنظور، إذ يجب الاعتراف بالأمر الواقع والتعامل مع الرأسمالية نقدياً، ومحاولة حل إشكالياتها، وخاصة ما تنتجه من مشاكل بيئية خطيرة على الصعيد الداخلي لكل بلد، وعلى صعيد العالمي، بالإضافة للتفاوت في النمو الذي تخلقه بين الشمال المتقدم والجنوب المتأخر، بالرغم عمليات نقل الصناعات التي تتم نتيجة العولمة من الشمال الى الجنوب حيث اليد العاملة الرخيصة، والحوافز الضريبية المعطاة لصالح المنتجين.
يدور كتاب سبونفيل حول العلاقة بين الرأسمالية والأخلاق، وهو يرد على القائلين بأن الرأسمالية أخلاقية، وعلى الذين يقولون بأنها لا أخلاقية؛ إنها بالنسبة لسبونفيل غير أخلاقية، أي محايدة أخلاقياً، أي لا علاقة لها بالأخلاق، فهي نسق خاص، وإن كان غير مستقل استقلالاً تاماً عن الأنساق الأخرى.
سنحاول في البداية، تلخيص أطروحة سبونفيل بعدة كلمات قبل الدخول في تفاصيل الكتاب الكثيرة: الرأسمالية نسق اقتصادي يتبع النسق التقني ـ العلمي، أما الأخلاق فهي تتبع نسق آخر هو نسق الأخلاق، وبالتالي لا يمكن أن تكون الرأسمالية أخلاقية أو لا أخلاقية بذاتها، وطالما أن الاقتصاد تابع للنسق التقني ـ العلمي، والرأسمالية نمطاً وقانون في الاقتصاد، هو قانون السوق الحرة، فإنها خاضعة لـ "المبدأ الوحيد المنظم للعالم التقني"، أي المبدأ الذي يقول إن "كل الممكن سينجز على الدوام" شريطة وجود سوق حرة (2).
وليصل سبونفيل الى هذه النتيجة، فإنه يلجأ الى مسار طويل، سنحاول اختصاره قدر الإمكان.
يقسم المؤلف الأنساق الاجتماعية الى أربعة أقسام، هي (3):
1ـ النسق الاقتصادي ـ التقني ـ العلمي: وهو النسق الأول بالمعنى الباسكالي للعبارة (4)، أي مستوى أول ومضماراً واسعاً يتميز بتجانسه الخاص، واستقلاله النسبي عن المضامير الأخرى. هذا الاقتصادي ـ التقني ـ العلمي مبني من الداخل على تعارض "الممكن" و "غير الممكن". تقنياً، هناك ما يمكن أن نفعله(الممكن) وما لا يمكن أن نفعله (غير الممكن). علمياً، هناك ما هو قابل للتفكير (ما هو صحيح احتمالاً)، وما هو غير قابل للتفكير (ما هو خطأ يقينياً) (5).
أي حدود للاقتصاد؟ أي حد للرأسمالية؟ أي حدود للسوق وقانون السوق؟ هل نسمح مثلاً لأسعار سلعة ما أن تخضع لقانون السوق بالهبوط، وتدمر اقتصاد بلد يعتمد أساسياً على هذه السلعة؟ هذا سؤال أساسي لا تستطيع قوانين الاقتصاد أن تحلها من دون تدخل سياق آخر، هو النسق القانوني ـ السياسي.
2ـ النسق القانوني ـ السياسي: وهو الذي يأتي من خارج النسق الاقتصادي ـ التقني ـ العلمي ليحدُه. عملياً، يتشكل هذا النسق من القانون والدولة بأشكالها المختلفة. هذا النسق مبني في داخله على التعارض بين ما هو "شرعي"، وما هو "غير شرعي". قانونياً، هناك ما يسمح به القانون (الشرعي)، وما يحظره القانون (غير الشرعي). سياسياً، هناك ممثلو الشعب (في الديموقراطيات) يسنون القوانين في البرلمانات، وهناك أغلبية تحكم وأقلية تعارض. هذا في الشكل الديموقراطي لهذا النسق. لكن، هذا النسق يحتاج الى نسق آخر من خارجه لكي يحده، لأنه قاصر داخلياً على حد نفسه بنفسه. إذا تركنا النسق السياسي من دون تحديد خارجي، قد تصبح الأغلبية إنقلاباً كاملاً على الشرعية والعدالة والمساواة.
إن سبونفيل يشكك في أن تكون "السيادة" مطلقة للشعب، ويعطي أمثلة كثيرة على إنحراف هذه السيادة الشعبية التي كرسها روسو في كتابه العقد الاجتماعي ، وذلك باختيار الناخبين في المانيا عام 1933، الحزب الاشتراكي الوطني، وحزب فاشي، والكوارث التي تسبب فيها صعوده الى السلطة.
3ـ النسق الأخلاقي: وهو النسق الثالث، ويخضع لعدد من المقتضيات الأخلاقية البحتة. وإذا كانت الكفاءة هي محور النسق الأول، والقانون هو محور النسق الثاني، فإن الضمير هو محور النسق الثالث. إنه مبني من الداخل على التعارض بين الخير والشر، والواجب والضمير. قد يخيل لنا أن هذا النسق هو النسق الأكمل، وأنه لا يستطيع أن يحده شيئ من خارجه، إلا الدين بالنسبة للمؤمن، الذي يعتبر الأخلاق هي ما تسطره الكتب المقدسة. لكن، سبونفيل يفاجئنا بالقول، بأن هذا النسق يحتاج الى نسق رابع، لا لضبطه من خارجه، وإنما لكي يكمله، لأن الأخلاق في ذاتها غير كافية (6).
4ـ النسق الإيتيقي أو نسق الأخلاقيات
يقيم المؤلف هذا النسق على التفريق بين الأخلاق والإيتيقا (الأخلاقيات). الأخلاق هي كل ما نفعله بدافع الواجب كما يقول كانط، أما الإيتيقا فهي كل ما نفعله بدافع الحب (7).
عودة الخطاب الأخلاقي
يحلل كونت ـ سبونفيل ظاهرة عودة الخطاب الأخلاقي في الغرب بصورة تنم عن شمولية فكر هذا الفيلسوف. هذه العودة تتسم باهتمام الشباب ـ خصوصاً ـ بالقضايا الإنسانية، وكذلك زيادة الشعور بالتضامن بين البشر، ويتجلى ذلك بانتشار جمعيات المجتمع المدني الغير الحكومية، والتي يطغى عليها الاهتمام بالقضايا الإنسانية. ويمكن أن نسمح لأنفسنا بأن نطلق على جيل الثمانينيات والتسعينيات بـ "الجيل الأخلاقي"، مقارنة مع جيل الثورة الثقافية (جيل أيار 1968) الذي اعتبر "كل شيئ سياسي" (8). يعطي كونت ـ سبونفيل لظاهرة عودة الأخلاق وخطاب حقوق الإنسان، ثلاثة تفسيرات هي:
أـ التفسير الأول: وهو التفسير على المدى القصير، وهو الانتقال من جيل الى آخر، والأزمة السياسية التي يعبر عنها هذا الانتقال، من جيل الى آخر، والأزمة السياسية التي يعبر عنها هذا الانتقال، أي أفول الأيديولوجيات والنظريات الطوباوبة الكبرى، والتي عبر عنها الفيلسوف الفرنسي جان ـ فرانسوا ليوتارد صاحب البيان الأول لما بعد الحداثة الفلسفية بنهاية عصر السرديات الكبرى للحداثة، وعلى رأسها مفهوم التقدم؛ أما الفيلسوف الفرنسي ادغار موران فتحدث عن نهاية الميثولوجيات والحماسات الكبرى.
هذا الشعور باليأس من السياسة، دفع الشباب الى تبني الخطاب الأخلاقي أو خطاب حقوق الإنسان. فقد انتقلنا من جيل يعتبر أن "السياسة كل شيئ" أو "كل شيئ سياسي"، أي جيل أيار 1968، الى جيل اعتبر الأخلاق كل شيئ، أو إذا أردنا أن نكون دقيقين، الأخلاقيات دون طوباويات.
ب ـ التفسير الثاني: وهو التفسير على المدى الطويل، ويتجلى بالعلمنة المطلقة للمجتمعات الغربية، والذي يلخص بواقعة "الموت الاجتماعي لله"، والذي يحيل كلّ واحد منا الى السؤال: ماذا ينبغي لي أن أفعل؟ بوصفه سؤاله الخاص. هذه السيرورة بدأت منذ عصر الأنوار، واستمرت في القرن التاسع عشر والعشرين، حيث أدت الى ظهور النزعة الفردية وظاهرة "التشرنق" أو الإنكماش على الذات. لقد مثّلّ الدين في العصور السابقة رابطاً اجتماعياً قوياً، لم تستطع المواطنة الحديثة والهوية القانونية الجديدة التي يتكلم عنها هابرماس ـ خصوصاً مع إنهيار الشعور القومي والجماعة الوطنية والأمة ـ في تعويضه (9).
جـ ـ التفسير الثالث، وهو التفسير على المدى المتوسط، والذي يتجلى بسقوط الاشتراكية وانهيار دول المنظمومة الشيوعية، وانتصار الرأسمالية كنظام اقتصادي وحيد يمتلك الأفق للمستقبل. لقد شكل سقوط الماركسية، انهيار أهم حكاية من الحكايات والسير الحديثة، والتي اكتسبت شعبية كبيرة لدى الشباب. ومن الطبيعي أن يتجه هؤلاء الى مجال آخر يشبعون غيه عطشهم للمثالية، ولكي يفرغوا فيه فائض الطاقة "اليوتوبي" لديهم في الأخلاق وخطاب حقوق الإنسان.



#فارس_إيغو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي عبد الرازق ورحلة الشك المتعبة التي إنتهت بالإخفاق الكامل
- كتاب الإيديولوجية الألمانية وبداية الأوهام الماركسية
- نحو الطريق الشاق الى الديموقراطية في الجزائر
- ظاهرة المدون السوري إياد شربجي على الفايس بوك
- الجزائر على منعطف الطريق نحو التحول الديموقراطي
- مارسيل غوشيه والثورات العربية: عودة الدين أن بداية نزع السحر ...
- الديموغرافيا وثورات الربيع العربي
- الصين الشعبية من ماو الأول الى ماو الثاني
- هل ينجو السودان من مخاطر المرحلة الانتقالية
- المفكر الإسلامي وحرية النشر
- الخطاب الأيديولوجي وسرير بروكست
- الصراع بين العسكر والإخوان في المنطقة من خلال العلاقات الترك ...
- خطر اللبننة في الغرب: من حوادث التخريب في الشانزليزيه الى اح ...
- العرب والتراث: معضلة وجودية
- كيف يمكننا تسمية عصرنا الحالي؟
- الأصولي ومفهوم الرهاب والتطهّر
- الشعب ضد الديموقراطية أو الديموقراطية ضد الشعب
- بين استراتيجيات الإصلاح النهضوي للشيخ وداعية الليبرالية، وال ...
- المفارقة العالمية العولمية
- من المحيط الى الخليج: رياح منعشة تهب علينا من جبال الاطلس


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - فارس إيغو - هل الرأسمالية أخلاقية؟ (الجزء الأول)