أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور نديم - شاهد رخامي بارد















المزيد.....

شاهد رخامي بارد


نور نديم
(Nour Nadim)


الحوار المتمدن-العدد: 1573 - 2006 / 6 / 6 - 01:14
المحور: الادب والفن
    


تلملم أشلاءها المتناثرة في هذا المنزل البعيد .. تسكنه منذ سنين
اختارت مكانه في أقصى أطراف البلدة .. حيث لا يأتي أحد من الساكنين فيها
طالما كرهت فضول تلك البلدان الصغيرة وأهلها
وانتشار الأخبار فيها مثل النار في الهشيم
وحالة الفراغ التي يحيوون فيها فلا يجدون لهم سلوى سوى تناقل القصص والحكايات عن شخصيات تحيا معهم
فهم لا يملكون خيال لتأليف قصص خاصة بهم .. ولا يعرفون أن الشخصيات الورقية البيضاء أجمل كثيراً
لملمت ملابسها .. وأشلاءها ووضعتهم في حقيبة صغيرة
وحملت هذا التمثال الفـُخاري الأبيض في حضنها
فقد كانت تتعبد له كل مساء حتى بزوخ الفجر
يذكرها بوجه عرفته ذات يوم
يسكن في ذاكرتها .. فأرادت له الخلود على تلك الطاولة أمام كرسيها المفضل والمدفأة
خشيت من أن تفقد ذاكرتها ذات يوم .. فجعلته ها هنا
ليذكرها بمن كانت هي .. ومن كان هو
حملت التمثال في حضنها ورحلت
تاركة الأرض مغطاة بمئات اللوحات المرسومة والصور الملتقطة
الملونة والرمادية
وطأت الصور بقدميها وهي تجوب المكان للمرة الأخيرة
هل تتبرأ من الماضي بما فيه من ألون ومساحات رمادية ؟
لماذا تركت الصور ؟
هل تنتظر أن يراها أحد فيعرف من كانت ؟
...
يسدل الليل ظلامه الدامس في تلك البقعة البعيدة عن كل مظاهر المدنية
حتى الورود أمام منزلها تغلق عينيها وتنام هي الأخرى
لتستريح استعداداً ليوم جديد
....
يأتي الندى ملامساً وجه الورود واحدة واحدة برفق
تتفتح كفتيات صغيرات .. تتثاءبن وتفتحن أذرعهم عن آخرهما قبل النهوض
صباح يوم جديد ..
أتلك الشمس هي التي غادرت يوم أمس ؟
هل ترسل للأرض ذات الشعاع أم أنها تجدل لها كل يوم شعاعاً جديداً ؟
يأتي مع هذا الصباح إلى البلدة رجل غريب
لا يسكن هنا ..
يمشي حاملاً كيساً من قماش مربوطاً على ظهره كعادة المسافرين قديماً
يصفر لحناً معتاداً .. متكرر النغمات
يجوب بين الزرع الأخضر ..
يمد يديه ليربت على الورود واحدة تلو الأخرى
يبحث بعينيه عن شيء .. عن أحد
لكن عينيه بلا شك في حالة من القلق الواضح
أكان يعرفها ؟
أهذا هو الوجه الغامض الذي حملته معها ورحلت ؟
يسرع الخطى .. يقترب من المكان الذي تسكن فيه
يقف مسمراً ..
يدور دورة كاملة حول نفسه كمن يتأكد أنه في المكان الصحيح
يلقي بحقيبته على الأرض
يهرول بعشوائية في كل اتجاه ..
وفيما هو مغموراً في علامات استفهامه الخاصة يأتيه صوت طفلة من الخلف
- أتبحث عنها ؟
- ألم يكن هناك منزلاً .. تسكن فيه امرأة وحيدة ؟
- نعم .. ولكنها ماتت
يصمت .. تتسمر عينيه على وجه الطفلة
- هل مرضت ؟ كيف حدث هذا ؟
- لا أعرف .. فقد أتيت إليها ذات صباح وجدت منزلها قد اختفى
- من قال أنها ماتت إذاً ؟ ربما رحلت للبحث عن منزل آخر ؟
لا ترد الطفلة سؤاله .. مدت يدها الصغيرة لتمسك بيده
تجذبه وراءها .. يرافقها دون سؤال
تمشي قليلاً ثم تتوقف فجأة .. ليجد نفسه أمام هذا الشاهد الرخامي الأبيض المغروس بين الورود
لا يصدق عينيه .. يحرر يده من كف الصغيرة
يركع على ركبتيه .. يمد يديه ليلامس هذا الرخام البارد
أهذا قبرها فعلاً ؟
- من دفنها إذن ؟
- لا أعرف
- إذن كيف عرفتي من أتكلم عنها ؟ أن أهل البلدة لم يكن أحد يعرف بوجودها على ما أظن
- كنت أجري في أحد الأيام فوجدت نفسي هنا .. أمام منزلها . فكرت أنه منزل مسكون بالأشباح كتلك المنازل التي تحكي لي عنها جدتي . استمررت في الجري لكن تلك المرة راجعة لحدود البلدة .. فأتاني صوتها يناديني
- تعالي .. عندي لك شيئاً سيسعدك كثيراً
وقفت طويلاً .. أنها لا تشبه الأشباح .. تبدو طيبة
اقتربت خائفة بخطوات بطيئة .. اقتربت مني هي الأخرى حتى مدت يديها فوجدتها على شعري
- من أنتِ ؟
- أنا .. أنا نور ، وأنتِ ؟
- لن أقول لكِ اسمي فقد قالت لي أمي ألا أتحدث مع الغرباء
- لكنني من الممكن ألا أكون غريبة إذا قبلتي صداقتي .. أتريدين تذوق الحلوى التي أصنعها
ثم ذهبت معها إلى المنزل وقدمت لي كثير من الحلوى بأشكال حيوانات ووجوه أطفال تضحك
كانت حلوتها لذيذة .. أكلت بعضها وتركتها وجريت عائدة للمنزل
لم أخبر أحداً عنها . لكني اعتدت أن أتي إليها حين أخرج للعب وفي كل مرة تقدم لي حلوتها بأشكال مختلفة ، لكن كلها كانت مضحكة .
ثم أتيت ذات يوم فوجدت المنزل اختفى ولم أجد سوى هذه القطعة من الصخر . وعرفت أنها ماتت لأن جدي ينام مثلها تحت قطعة صخر تشابه تلك وأخبرتني أمي أنه مات وأنني لن أراه مجدداً .

أيمكن أن تكون ماتت بالفعل ؟
أيمكن أن تكون تلك الفتاة الصغيرة هي الوحيدة التي عرفتها في تلك البلدة ؟
يتذكر يوم أتى إلى هنا أثناء ترحاله .. ورأى منزل مضاء فتوقف لطلب بعض الماء ليكمل الطريق . فقد اختار أن يتنقل من بلد لآخر .. من جزيرة لأخرى ..
يبحث عن شيء ؟ ربما
يبحث عن أحد ؟ ربما
فتحت له .. امرأة في الثلاثينات لكنها تبدو أكبر كثيراً
صوتها .. تعبيرات عينيها .. شحوب وجهها
دعته للدخول ..
- أتريد بعض الشاي الساخن وبعض الطعام ؟
صمت .. راح ينظر إليها
ليس معتاداً على وجود إمرأة وحيدة في تلك البيوت القروية
يسترجع ترتيب منزلها .. لا يبدو أن هناك أطفال يعيشون فيه
ولا يبدو أيضاً أن هناك رجل يحيا معها .. فهي حتى لا تعد طعام الغذاء رغم أن موعده قد حان
يبحث بفضول عن خاتم زواج في يدها اليسرى .. يرى ما يشبهه لكنه لا يحمل يقيناً
أيمكن أن تكون أرملة ؟ لماذا لم تعود للحياة مع أسرتها ؟
يترك الأسئلة جانباً فقد وضعت أمامه عدة أطباق ممتلئة وأبريق من الشاي

- شكراً
- لا شيء يستحق الشكر . هل أنت مسافر ؟
- لا أنا رحالة ؟
- أهذا عملك ؟
- تستطيعين القول أنه قدري
تصمت لبرهة .. ثم تقول بصوت متهدج : - إذاً سأسميك الغريب
- لكن لي اسم .. فأنا ...
تقاطعه قائلة : لا يعنيني ما قد يكون اسمك الحقيقي .. ألم تقل أن الترحال قدرك .. إذن ستظل غريباً في عيني
- وأنتي ؟ ألك اسم يمكنني أن أعرفه ؟
- أنا نور ....

وسرعان ما أنتهى من طعامه .. وشكرها
وعند الباب تلفت ليشكرها مرة أخرى
- أتعرف أيها الغريب .. ما من قدر أزلي ، فكل قدر قد يتغير إن أردنا .
أتمنى لك حظاً سعيداً .

نظر في عينيها الداكنتين .. وحمل حقيبته واستمر في المسير .....



#نور_نديم (هاشتاغ)       Nour_Nadim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم يحكمنا السواد
- الإغواء الخامد
- الهواية .. امرأة
- أرواح صماء .. ونفير المعركة
- ما أقسى أن تسكن الأحلام
- الموت للفخاري ...
- ثمالة ال نحن
- تلك السطور .. حيث خلدتني
- نخب أحلامك


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نور نديم - شاهد رخامي بارد