أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة مجموعة قصصية بعنوان رقصة الشحرور















المزيد.....


مناقشة مجموعة قصصية بعنوان رقصة الشحرور


رائد الحواري

الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 19 - 09:20
المحور: الادب والفن
    


ضمن الجلسة نصف الشهرية التي تعقدها اللجنة الثقافية في دار الفاروق للثقافة والنشر تم مناقشة مجموعة قصصيو بعنوان «رقصة الشحرور» للقاص والروائي الفلسطيني «مصطفى عبد الفتاح»، وتقع المجموعة في 188 صفحة من القطع المتوسط، وهي صادرة عن مؤسسة «الآن ناشرون وموزعون» لسنة 2019. وقد افتتح الجلسة الروائي محمد عبد الله البيتاوي الذي رحب بالضيوف الذين حضروا الجلسة، ثم قال: نحن أمام مجموعة قصصية لكاتب فلسطيني، يكتب عن الهم والوجع الذي نعانيه، هناك تنوع في مواضيع المجموعة كما نجد الرمز منتشراً فيها. وسوف أترك الحديث لكم أيها السادة وقد أبدي بعض الملاحظات في النهاية.
ثم فتح باب النقاش فتحدث الأستاذ سامي مروح قائلاً: رقصة الشحرور صادمة لأنها تهاجم المتدينين، وهذا يعد تناقضاً مع الآية القرآنية «نحن نقص عليك أحسن القصص»، الحدث عند القاص واضح والرمز مكشوف، وكل من يقرأ المجموعة يصل إلى الفكرة التي يريد تقديمها القاص، وأعتقد أنه يمكننا أن نجد انفعال الكاتب في بعض القصص، من هنا نجد المضمون والفكرة جاءت على حساب فنية المجموعة، فلو كان اختيار القاص للقصص بعناية لكانت قد (هذبت) وكانت أجمل مما هي عليه.
ثم تحدث الكاتب همام الطوباسي قائلاً: القاص يأخذنا إلى مواضيع وطنية واجتماعية وهذا ما يجعل فكرة قصصه مقبولة من القارئ، وهناك بعض القصص كان يمكن أن يضيف إليها تفاصيل أخرى.
أما الشاعر عمار خليل فقال: قد تختلف دوافع الكتابة من كاتب لآخر، ولكن في النهاية يستطيع القارئ المتمرس التعرف على شخصية وسيميائية الكاتب، وهنا لا أتحدث عن الكاتب من لحم ودم، بل عن فكره، وانحلال الفكرة/العقيدة/الأيديولوجية/ على كافة النصوص، وهذا ما ينطبق على هذه المجموعة القصصية للكاتب مصطفى عبد الفتاح، وهذا أيضاً يحيلنا إلى الوعي أثناء ممارسة الكتابة والسيطرة على رغبة الكاتب للوصول إلى مبتغاه في النصوص التي كتبها. إذن نستطيع القول إن هذه المجموعة تميزت بموتيف فكري يجمع كل توجهات النصوص، وهذا دليل على نجاح الكاتب في تقديم ما يريد، وما يريده الكاتب هنا، لي عليه وقفات قد لا تتسع لها قراءتي هذه، ولكن سأشير باختصار إلى ثلاثة أمور: الأول: العاطفة المغرقة في النصوص، وهذا يرجعنا إلى كتابات مصطفى المنفلوطي في العبرات والحسرات، وهذا الأسلوب في رأيي لم يعد مقنعاً للذائقة العامة للمجتمعات، نحن في زمن الإقناع والبراهين حتى في مشاعرنا، وهذا ينطبق أيضاً على النصوص، فالنص كما يقول «رولان بارت» في كتابه «لذة النص» له ذات وروح. أما الأمر الثاني فهو: الرمزية المفضوحة في النصوص، عند استخدام الرمز في النصوص الأدبية ليس من الجمال والمتعة أن يكون هذا النص عارياً، وإن كان كذلك فلماذا يستخدم أصلاً، فاستخدام الرمز له حاجته الفنية والواقعية في النصوص، وأرى أن استخدام الرمز يكون مذهلاً حين يختبئ في مساحات النص مع إيجاد مفاتيح وقرينة تدل عليه، وهذا بالدرجة الأولى احتراماً للقارئ، وزيادة في المتعة. أما الأمر الثالث فهو: فقدان التوازن المنطقي: وهنا أحيل هذا الموضوع إلى التسلط الذي مارسه الكاتب ضد التدين، ولا أدري لماذا يصر الكاتب على إقحام الدين بهذه الصورة السوداوية، مع إدراكي الكامل أنه ليس هناك إنساناً معصوماً عن الخطأ، بل هذه من طبيعة هذا التكوين البشري، وأذكر هنا ما قاله محمد الغزالي: التدين المغشوش قد يكون أنكى بالأمم من الإلحاد الصارخ، ولكن لم يقدم لنا الكاتب شيء مقنعاً يجعلنا نصوب معه بوصلتنا نحو التغير المجتمعي الإيجابي، لقد كان الكاتب متسلطاً وغير محايداً في تقديمه لشكل وسلوك المتدين. ولا أعرف ماهية ارتباط صلاة الفجر بفعل وممارسات الإنسان السيئة في قصص (رقصة شحرور ورجل من ورق والتجارة شطارة)، أرى أن هناك تعمداً من الكاتب في تعميق هذه الصورة السوداوية الغير منطقية ولا موضوعية.
وتحدث الشاعر خليل قطناني قائلاً: صدرت المجموعة القصصية «رقصة الشحرور» سنة (2019) عن دار (الآن ناشرون وموزعون) للكاتب الفلسطيني مصطفى عبد الفتاح وله من الإسهامات الأدبية رواية «عودة ستي مدللة» 2015، ورواية «جدار في بيت القاطرات» وغيرها من الإنجازات في محور أدب الأطفال والنقد.
تتصدر المجموعة قصة «رقصة الشحرور» وعليه، فقد سمى المجموعة القصصية باسم هذه القصة من باب تسمية الكل باسم الجزء، وسأقصر حديثي على قصة «المؤامرة» التي يمكن تصنيفها أدبياً تحت «أدب البروليتاريا»؛ الأدب المبني على النشاط الاقتصادي في نشأته ونموه وتطوره، وتأثيره في المجتمع؛ لذا ينبغي توظيفهُ في خدمة المجتمع. واستقراء هذه النظرية في عالم الأدب والثقافة يدفع باتجاه إدراك المفاهيم والمحددات، محددات الواقعية الاشتراكية:1- الصراع الطبقي المستند إلى الاقتصاد، 2- الإيديولوجيا الفكرية والديالكتيك، 3- الانتصار للطبقة الكادحة، 4- نظرية الانعكاس، 5- مرحلة الثورة بعد الثورة.
سمات الأدب الاشتراكي: يركز الأدب الاشتراكي على المضمون أكثر من الشكل، ويختار الشخصيات من شرائح المجتمع، وينطلق من نظرية «الأدب للحياة» التي تبني على دراسة المجتمع ونقده بلغة بسيطة ومفصحة وأحياناً استخدام اللون المحلي في اللهجة المحكية.
ملخص القصة: تدور أحداث القصة حول مجموعة من العمال الفلسطينيين الذين يعملون في قطف البرتقال عند المعلم اليهودي «حاييم»، ويحدث أن يدور حديث بين العمال حول زيادة الأجرة؛ إذ بالكاد تكفي الأجرة لتوفير الحاجات الضرورية، ويتفق الجميع على شخصية السارد المتعلم والعامل النشيط والاشتراكي المؤدلج والأكبر سناً بينهم على تمثيل العمال أمام المعلم للمطالبة بزيادة الأجرة، وتتم المقايضة ولكن حاييم ينصح هذا العامل بعدم التعويل على رأي العمال، فلم يرضخ للتهديد، وهدد بالإضراب إن لم تتم زيادة الأجور «أعلنت عن نزاع عمل فوري باسم العمال وأعلمت حاييم بمطالبنا رفع أجرة تعبئة الصناديق بالبرتقال وإلا يكون اليوم التالي يوم إضراب...» ص100. يدور حوار بين السارد وحاييم ويهدده الأخير بالكف عن ذلك وإلا سيخسر عمله، ولكنه لم يرضخ، فيلعب حاييم على وتر وحدة العمال، ويزعزع ثقة السارد بهم «أنصحك ألا تثق بالعمال وأنصحك أن تعود إلى عملك وتترك هذا الهراء،؛ فلن تستطيع الصمود يوماً واحداً...» ص 101. وتنتهي القصة بمفارقة ساخرة ومرة وناقدة؛ ففي اليوم التالي يتفاجأ السارد بانخراط العمال جميعهم في العمل دون رفع الأجرة ودون التنسيق مع العامل النشيط لتنتهي القصة بتراجع حاييم عن علاوة القروش وفقدانهم العمل: «وفي اليوم السابع كانوا ينظرون إلي بخجل، وهم يقفون في طابور الباحثين عن عمل» ص 104 .
قصة «المؤامرة» - تحليل ورؤية -: في الوقوف على العتبة النصية تتضمن مفارقة ساخرة، وتدين الطبقة العاملة التي تنكبت اتفاق السارد مع حاييم وجسدها الكاتب في العنوان «مؤامرة«. إنه لا يدين سلوك العمال وحسب، بل ويتهمه بالتآمر، وفي هذا الدال من المعاني الثواني ما فيه .يختار الكاتب شخصياته من شريحة العمال المستهدفة عادة في الأدب البروليتالي من دون تسميتهم؛ ليمثلوا حالات ونماذجَ بقصر النظر عن تبيين شخصياتهم وأسمائهم، حتى إن الكاتب قد أخفى اسم السارد المشارك (العامل الاشتراكي) بغية تعميم الحالة والحدث، ونقد الفكرة غير المؤسسة على حالة ثورية، فالمجتمع -والعمال منه- بحاجة إلى ترسيخ الفكر الثوري أولاً، ويفضح الكاتب شخصية حاييم اليهودي وهي شخصية نمطية في الأدب الفلسطيني بعامة، ولم يشذ عن تلك الصورة إلا أعمال قليلة، وبخاصة في الفترة الأخيرة (السيدة من تل أبيب) نموذجاً .
يتموضع المكان المحدد المغلق (بيارة حاييم) إطاراً للأحداث التي رويت بشكل كرونولوجي تتابعي، وعلى الرغم من حيوية المكان وألفته عند العمال، إلا أنه شكل بعداً غير تصالحي ومخيف في بعض الأحيان بسبب العمل عند معلم يهودي من ناحية، وبسبب قلة الأجر وساعات العمل الطويلة والمتعبة من ناحية أخرى، واشتراطات المعلم الصارمة في كيفية ملء الصناديق: «أما شرط صاحب العمل الوحيد فهو أن تملأ الصناديق جيداً بالبرتقال دون أن تتلفه بانتزاعه باليد، أو دون قص عنق الحبة بمقص خاص، أو رميها بشكل عشوائي داخل الصندوق» ص 97 .ليس ثمة زمن معين للقصة كإطار حدثي، وإن كان ثمة إشارات زمنية كالفجر، والعمل الموسمي، والإشارة المهمة في سياق التحليل هو اليوم التالي بعد المفاوضات حين مارس العمال عملهم دون تنسيق مع السارد، ودون تحقيق أي مكاسب كما اتفق، والإشارة الأخرى هي في نهاية القصة في اليومين السادس والسابع حيث انتهى العمل وتم تسريح العمال، ولعل تعمية الزمن هنا لتكرر الحالة في المشهد الفلسطيني .
أما عن اللغة فهي لغة يومية ومعاصرة غير معقدة، وبسيطة التناول، وتناسب الفئة العمالية وشخصيات القصة، وتتواءم والمنهج الواقعي الاشتراكي في تركيزه على المضمون دون الشكل، وقد أسلب الكاتب لغة حاييم أيضاً؛ فلم نعثر على أي كلمة عبرية، ولا يخلو الأمر من صور فنية مبسطة وسهلة .يتخلل السردَ التتابعي مشهدٌ حواري بين العامل/ السارد وحاييم، يشف عن نفسية كل منهما واتجاهاته في الحياة والفكر ص100 و101 .ويسائل الكاتب ويحاكم الطبقات العمالية في التخاذل والانصياع لسياسة الإقطاعي البرجوازي الآخر الضد الجشع، ليؤسس لنظرة ثورية، فهل نجح في ذلك؟؟.
ثم تحدث رائد الحواري فقال: المجموعة تتناول عدة مواضيع، هناك بعض القصص تدخل القاص في أصوات شخصياتها، وهذا ما جعلها تبدو ضيفة، لكن يمكن للقارئ أن يجد علاقة بين أسماء الشخصيات والطبيعة التي قدمت بها الشخصيات والأحداث، وهذا يحسب للقاص.
وتحدث الشاعر اسماعيل حج محمد قائلاً: تأخذنا بعض القصص إلى التغريبة الفلسطينية كما هو الحال في قصة مؤامرة، عندما حاول مسعود أن يقف بوجه صاحب العمل، وهذه القضية تبقى من المشاكل التي لم تعالج في مجتمعاتنا العربية، يبقى أن نقول أن المجموعة قدمت بلغة سهلة وفيها رموز سهل الوصول إليها.
أما الاستاذ محمد شحادة فقال: مجموعة قصصية تستحق أن تقرأ، بعضها جاء قريب من الخاطرة لسرعة سردها وتقارب محيطها، ذكر محطة 48 و67 تصريح مباشر إلى احتلال فلسطين في هاتين الحربين، الغول، جاء كرمز للاحتلال وبشكل واضح، حتى بدا وكأنه مباشر، فهو يتكلم جميع اللغات ويأكل ويلتهمهم ويبتلع كل شيء، الكبير والصغير، لكن المحطات لم تكتمل فلم يتحدث عن أوسلو. وقد ورد تشبيه رائع عندما تحدث عن النسر الذي فقد ريشه ويحاول الطيران.
في قصة «مؤامرة» تحدث القاص عن عمل العمال وعلى الأغلب أنهم عرب فلسطينيون لأنهم قبلوا بظروف العمل القاسية، والأجور القليلة، صاحب البيارة حاييم، هي بيارة مقامة على أرض فلسطين وهو رمز واضح، ومن الرموز الأخرى قطرات الندى والمطر التي ترمز إلى الحياة التي يمكن لابن الوطن أن يستعيدها إذا بذل بعض الجهود وتحمل شيئاً من العناء. الشوك قد يرمز إلى أن شجرة البرتقال تحاول الدفاع عن نفسها لتمنع القاطفين من اغتيال ثمارها، وكأن هناك ابن الوطن المتشبث بوطنه، يمكن أن تحول بعض القصص إلى عمل تلفزيوني. هناك بعض الأخطاء في القصص مثل كلمة «البعض» التي لا تعرف.
ثم تحدث الناقد حسن عبادي فقال: مصطفى عبد الفتاح ابن قرية كوكب أبو الهيجا الجليليّة؛ عضو مؤسّس في اتحاد الكتاب الفلسطينيّين/الكرمل وممّن سعوا للتوحيد ليصير اتحاداً واحداً، يعمل أمين عام في مكتبة القرية، يكتب المقالة السياسيّة والأدبيّة، ناشط ثقافي فعّال، يكتب أدب الأطفال، قرأت له رواية «عودة ستّي مدلّلة»؛ تركَت ستّي مدللة قريتها صفورية قسراً، هُجّرت إلى لبنان وعادت متسلّلة لتسكن في قرية كفر مندا الواقعة على مرمى حجر من صفوريّتها، تنتظر تحقيق حلمها بالعودة. كان النزوح والتهجير والترحيل القسري إلى لبنان نصيبهم، قساوة الحياة ومرارتها حليفهم، هناك في مخيّمات الشتات اللبنانيّة وهنا في كفر مندا، رغم كونها على مرمى حجر، وكانت ستّي مدلّلة صامدة وشامخة وتحوّل بيتها إلى مضافة، تصير قِبلة جميع النساء، وينصفها كاتبنا، نصير المرأة.
ابتعد حلم العودة وخاب أملها وخذلها الجميع فهرِمت، أرادت أن تستنشق هواء بيتها وحديقتها، هواء صفورية. وصيّتها، وهي على فراش الموت، تسلّم مفتاح البيت الصفّوري لحفيدتها قائلة: «خذي يا صغيرتي هذا المفتاح، إنّه مفتاح بيتنا الكبير»، حالمة بأن تُدفن هناك، مثلما فعلت الجدّة رُقيّة بطلة رواية «الطنطوريّة» لرضوى عاشور، حين التقت حفيدتها على الجانب اللبنانيّ من السلك الشائك، تناولتها من فوق الأسلاك، قبّلتها، قامت بنزع المفتاح من عنقها، مفتاح دارهم في الطّنطورة الذي ورثته عن أمّها لتعلّقه بدورها على رقبة الطفلة، وهي تصرخ بصوت عال: «مفتاح دارنا يا حسن.. هديّتي إلى رقيّة الصغيرة«.
حين علم ابنها بوفاتها دخل صفوريّة، التي صارت تسيبوري، بإذن الحارس الذي دفّعه رسوم الدخول ليُحضر حفنة تراب صفّوريّ ليدفنها معها، وقنينة ماء بلاستيكيّة من نبع القسطل ليعمّدها بها.
قرأت له رواية «جدار في بيت القاطرات»؛ تعتبر قفزة نوعية كبيرة من حيث الشكل والمضمون، تتناول البيت/الوطن الذي تمّ تقسيمه، وشُلّت حركته الطبيعية، والذي بدلاً من حماية البيت يصير فاصلاً بين مساحاته المفتوحة وسكانه، والقاطرات تمثّل الثبات والقيد والحصار؛ إنّه جدار من الوهم أقامه الاحتلال في النفوس «لتيئيس» أهلنا، يتناول الصراع على الأرض والوجود وصراع البقاء لأهلنا في الداخل الفلسطيني، لنبقى شوكة في حلق الكيان الصهيوني والحلقة الصعبة في المعادلة.
تشكل مجموعته القصصيّة «رقصة الشحرور» مدماكاً آخر في مشروعه الكتابيّ، الوطنيّ والثقافي؛ لن أتناول الحبكة القصصية وفنية كتابة القصة، أتركها للأصدقاء محمد، فراس، خليل ورائد والزملاء، فوِجهتي هي القراءة والكتابة الانطباعية:
بعد النكبة شاع مفهوم «الأدب الملتزم» وبرز كُتّابنا أمثال راشد حسين، حنا أبو حنا، توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم وغيرهم، ولكن تبين لاحقاً أن هذا المفهوم تم تجريده من جمالية الكتابة لصالح الجانب التحريضي والشعاراتية وخطابة المنابر، مما أدى إلى تنحي جماليات الكتابة الفنية وتمت صناعة صورة نمطية مُقَوْلبة كان الخروج عليها يعد ضرباً من التابو الأدبي أو الثقافي والنضالي، ربّما تعويضاً عن الشعور بالهزيمة والإحباط والخيبات المتلاحقة، وصار النضال، على أشكالِه، والمقاومة تربة خصبة لزراعة أمنياتنا وطموحاتنا وأحلامنا التي عجزنا عن تحقيقها موضوعيّاً.
أنتجنا أدباً شعاراتياً نمطياً متشابهاً، تتغير فيه الأسماء، وتبقى الثوابت الأساسية من دون مس، وكانت المشكلة هنا، هي أن موضوعاً كالقضية الفلسطينية، لم نستطع أن نبلوره ونشكله كخزّان ضخم لكتابة جمالية عالية، الأمر الذي أساء إلى القضية نفسها قبل أن يسيء إلى الأدب، لاحقاً. وعندما قرأنا أدب أمريكا اللاتينية، وبعض الآداب الأوروبية المقاومة، اكتشفنا كم كنا بعيدين عن صون قضيتنا في الكتابة، واكتشفنا كم ساهمنا في إضعافها، لأن تلك الآداب الأخرى قدمت أبطالها وقضاياها كما ينبغي لها أن تكون، لا كما تحب لها أن تكون.
أومن بأنّه لا يوجد كاتباً ملتزماً كما جاء في التظهير، بل هناك أدب ملتزم؛ ومصطفى عبد الفتاح يحمل النكبة والهم الفلسطيني، ولكنه حاول الخروج من عباءة أولئك الكتّاب، وبدوري أقول: آن الأوان يا مصطفى لتتحرر من تلك القيود، لتتحدث (من الحداثة)، لتتحدى كونك الضحية لأنك فلسطيني بقي في أرضه وتنطلق بأدبك إلى قمم أعلى وآفاق أبعد كما فعلت في محاولتك الناجحة في قصّة «بداية جديدة» و«صور مبعثرة«.
في قصّة «المحطة والغول» يتحدث عن محطة القطار رقم ثمانية وأربعين، المحطة السابعة والستين، الغول الذي حرق المحطة وأغلق الطريق ورغم ذلك سيولد «أمل» وسينتظر الغائب حتى يعود.. حتماً سيعود. في قصّة «سكاكين.. سكاكيييين» يتناول بسخرية سوداويّة «انتفاضة السكاكين» كما فعل في قصّة «ظَلّ الله في الأرض» وهجرة الأخوة السوريين إلى استنبول. وفي قصّة «الساحر حسن» يسخر من جامعة الدول العربية وقراراتها
في الروايات كثُرت الأخطاء النحوية والمطبعية مما ظلم مصطفى ورواياته وأشرت إلى ذلك في حينه، ولكن هنا نجده قد استعان بصديقي الأستاذ فتحي فوراني لتدقيق المجموعة، احتراماً لذاته وللقارئ. كاتبنا قارئ ومثقف، جاءت لغته جميلة وسلسة دون ابتذال وتصنع، متبّلة بالمحكية مع استعماله الموفق للغة المحكية المحلية لإيصال رسالته؛ واستعماله للأمثال الشعبية: «تطعمنا بطيخاً في عز الشتاء»، «مِنحُط الحدّ على الزّعرورة»، «لا حيا ولا نيا ولا دخان جَلّة»، «بهيم اللّي فلت رسنو»، «قيم أخوي عنّي وخذ حبّاته منّي»، «المصاري بتعمي البصر والبصيرة» وغيرها.
أخيراً؛ أشكر الأستاذ محمد عبد الله البيتاوي والزملاء على هذه المبادرة التواصلية بين جناحي الوطن وأقدّم لوحة صديقي الدكتور يوسف عراقي الأخيرة وعنوانها: «النكبة» كهديّة متواضعة لدار الفاروق.
أما الشاعر فراس حج محمد فقال: نرحب بالحضور الكرام، هناك مشكلة تتمثل في القصص القصيرة فكتابة القصة تعد مغامرة في زمن استحوذت وهيمنة عليه الرواية، لهذا يجب أن تكون المجموعة الصادرة قوية ونافذة تتجاوز طغيان الرواية، هذه المجموعة لم تكن متألقة، هناك قصص منحت منحى الخاطرة. حتى نعتبر هذه القصة قصيرة هناك مجموعة عناصر يجب توفرها، فالعقد بين الكاتب والقارئ يكمن في العنوان والنوع الأدبي الذي يوضع على الغلاف، بحيث يشير إلى مضمون ونوع المادة وشكلها الأدبي، رواية، قصيدة، خاطرة، فعندما تغيب عناصر القصة بالتأكيد سيكون له أثر سلبي على القارئ، أما الرموز في المجموعة فقد جاءت مكشوفة وواضحة، الطرح الطبقي والوطني لم يعط المجموعة مكسباً جمالياً بل أضعفها، لأن المضمون كان على حساب الشكل.
ثم تحدث الشاعر محمد حلمي الريشة قائلاً: لدي تأكيد بأن المجموعة لم تكتب دفعة واحدة، بل على مراحل، وهذا ظاهر في المستوى واللغة والمضمون، قرأت لمصطفى عبد الفتاح رواية «جدار بيت القاصرات» وهذا جعلني أتساءل: هل كتبت هذه المجموعة قبل أم بعد الرواية؟. رموز القصص تشير إلى واقع فلسطين في 48، مواضيع القصص اجتماعية وسياسية، السارد لم يتدخل في القصص، وأهم ما في المجموعة اللغة، اللغة كانت جميلة متقنة، جمالية اللغة تشد القارئ، هناك تعدد الأساليب في المجموعة، فلكل قصة أسلوب معين خاص بها، الوصف وحضور الطبيعة أسهم في تشويق القارئ للمجموعة القصصية.
أحياناً الظرف يجبر الكاتب على أن يكشف ما يكتبه، فالواقع ـأحياناًـ أقوى من الكاتب. شعرت أن بعض القصص كانت نهايتها متسرعة، وأن القاص يميل إلى بعض الشخصيات، لكن انحيازه كان من خلال اللغة فقط، وترك حرية الفعل والحديث للشخصية، وهنا أسأل القاص: ما هو سبب جمعك لهذه المجموعة؟، ولماذا لم تفصلها أو تهذبها؟.
وفي نهاية الجلسة علق القاص مصطفى عبد الفتاح على ملاحظات الحضور قائلاً: شكراً لكل من حضر وأبدى ملاحظاته على المجموعة، وهذه الملاحظات بالتأكيد سأستفيد منها وأخذ بها، أنا سعيد بحضوري بينكم في نابلس، وهنا أشكر صديقي حسن عبادي الذي مهّد هذا اللقاء، طُرح كثير من النقاط، لكنني أحب أن أوضح شيئاً عن هذه المجموعة، فهي نشرت في أزمنة مختلفة ونشرت في مواقع متعددة، من هنا تجدونها متعددة المواضيع ومتباينة الأسلوب، كل ما أكتبه ناتج عن أحداث عشتها، فالمواضيع الاجتماعية جاءت بأثر أحداث اجتماعية والسياسية كذلك، فالمجموعة خارجة من هموم وطنية واجتماعية، والمدة الزمنية بينها طويلة، وأنا عندما أتحدث عن أحداث وهموم ومشاكل بالتأكيد أدفع القارئ للبحث عن حلول لها، ففي قصة «الصياد» تجد صورة الشعب الذي يُقتل يومياً على يد جنود الاحتلال، وعندما تناولت رجال الدين فأنا ضد المتدينين الذين عاثوا فساداً في أوطاننا ومع الدين الذي يدعو للتمسك بالأخلاق والمثل، وعندما تناولت اللاجئ السوري أردت أن أوكد على أن هموم المشردين واحدة أو متشابهة، فالفوضى العارمة والمنتشرة تنعكس علينا ودون إرادتنا، ولا يمكن للكاتب أن يكتب عن الحب وهو يرى شعبه يموت ويقتل ويشرد، بالنسبة للبروليتاريا، حتى لو كنت أحمل الفكر الماركسي يبقى العامل الذي يخرج في الصباح الباكر ليؤمن قوت يومه ولقمة عيشه لأنها الأهم، فهذا، بالنسبة له، المشهد بشكله المجرد يفرض علي أن أكون مع هؤلاء العمال من هنا جاءت قصة المؤامرة، مرة أخرى أشكركم على الملاحظات وعلى حضوركم.
وفي نهاية الجلسة تم تحديد الجلسة القادمة لتكون يوم السبت الموافق 29/2/2020 لمناقشة كتاب «كتاب الوجه» للشاعر «محمد حلمي الريشة».
وحتى نلتقي لكم خالص التحية



#رائد_الحواري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عديقي اليهودي، القسم الثاني محمود شاهين
- عبود الجابري تكرار
- رقصة الشحرور مصطفى عبد الفتاح
- عديقي اليهودي رواية فكرية تاريخية سياسية محمود شاهين
- محمد داود -عيد الحب-
- كبوة القراءة والكتابة
- سوريانا وسهى وأنا -على وهج الذاكرة- عيسى ضيف الله حداد
- نبوءة الشاعر في ديوان -عيون الكلاب الميتة- عبد الوهاب البيات ...
- مناقشة كتاب ديوان شعر «في مديح الوقت»
- كميل أبو حنيش لقد صرت أبا رسائل من القلب
- في مديح الوقت -مرزوق الحلبي-
- الأنثى في -مدينتنا- نزهة الرملاوي
- سورية والدين
- الشاعر والمرأة والواقع كميل أبو حنيش -صفا فؤادي-
- التقديم الناعم في رواية -قلب الذئب- ماجد أبو غوش
- ياسين محمد الباكي -أين هم-
- مناقشة رواية أوراق خريفة
- رمال على الطريق مفيد نحلة
- جريمة الشرف في الرواية -شرفة العار- إبراهيم نصر الله
- قصائد الأندلس


المزيد.....




- -نبض الريشة-.. -رواق عالية للفنون- بسلطنة عمان يستضيف معرضا ...
- فيديو.. الممثل ستيفن سيغال في استقبال ضيوف حفل تنصيب بوتين
- من هي ستورمي دانيلز ممثلة الأفلام الإباحية التي ستدلي بشهادت ...
- تابِع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 23 مترجمة على قناة الف ...
- قيامة عثمان 159 .. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 159 مترجمة تابع ...
- -روائع الموسيقى الروسية-.. حفل موسيقي روسي في مالي
- تكريم مكتب قناة RT العربية في الجزائر
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائد الحواري - مناقشة مجموعة قصصية بعنوان رقصة الشحرور