أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - إبْحَثْ عنِ امرأة عشوائيات في الحب - العشوائية 19














المزيد.....

إبْحَثْ عنِ امرأة عشوائيات في الحب - العشوائية 19


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 6493 - 2020 / 2 / 17 - 23:35
المحور: الادب والفن
    


في المشافي عادة ، مَشاهدٌ تَختصرُ الكثيرَ مِمَّا في الحياة . على يمينِكَ قد يكون رجلٌ فرِحاً ، يستخرج شهادة ميلادٍ لمولودٍ جديدٍ لَه . وعنْ اليسارِ منكَ آخرٌ ، يَستخرجُ شهادةَ وفاةٍ لِعزيزٍ عليه . هذا الاختصار من الأسبابِ التي تشدُّني لزيارة المشافي ، كلًّما عصفَ بي حنينٌ إلى تصفُّح نفسي ، أو التبست أليُفَط ُأمامي ، أوتناسَلَت شعاراتٌ ومُسمَّياتٌ تُحيِّرُني وهي تَرتَطمُ بسمعيَ أو ببصري .
مع إطلالةُ شمسٍ دافئةٍ ، صبيحةَ هذا اليوم الشُّباطيُّ ، نظرتُ في المِرآة . فرأيتُ وجهاً مُتعباً أرهقتهُ الحياةُ . شِفاهٌ صدِئَةٌ ، لسانٌ مُعتَقلٌ في أقبيةِ فمي ، أعينٌ مُتثاقلةٌ بِلا وميضٍ . قبلَ أن يورقَ دمعٌ فيها ، يَمَّمْتُ وجهيَ صوبَ المدينة الطبية في عمان ، فهي ترقد فوق تلة ولا أجمل من تلال غرب عمان . وانْتَبذبتُ في غربِها مكانا قصيا . حيث الأشجارٌ والأزهارٌ والأعشابٌ ، تنمو في صمت . مِثلُها كنتُ ، أدركُ حاجتي لِصمتٍ مُؤثِّرٍ أحياهُ .
في مقهى على رصيفِ مركز جراحة القلب هناك ، جلستُ مُغمِضا عينيَّ . فجأة ، سمعتُ وأنا مُغْمِضٌ صوتا نَسويا غاضبا . مُتكاسِلاً فتَحتُ عينيَّ ، تَلفتُّ يَمنة ويَسرة باحثا عن مصدر الغضب . فوقعَ بصري على امرأة قُبالَتي ، أنيقة الجَمال ، ظَنَنْتها في الخمسين من عمرها . سمَّاعتها الطبية حول رقبتها ، مرتديةً مريولا طبيا ناصع البياض ،وقبالتها يجلس رجل كان يعطيني ظهره ولا يراني . عاودتُ اغماض عينيَّ ، وواصلتُ الاستماع لحوارٍ كان عاصفا بينهما . فهمت من شكوى المرأة للرجل المقابل لها ، أنها قد اكتشفت قبل أيام ، أن صديقة لها ، ليست بأجمل منها كما تظُن ، قد استحوذت بالكامل على قلب من تحب . وباتت هي خارج السياق العام والخاص لحياته . سألَتْهُ بألمٍ مشوبٍ بالكثيرِ مِنَ الغضبِ والاستنكار المُرِّ :
قل لي يا باشا : من الذي أسمى النساء بالجنس اللطيف ، والمعروف أن وراء كل رجل سجين امرأة . ووراء كل رجل مديون امرأة .ألا ترى مثلي ، أن وراء كل مشكلة امرأة ، ووراء كل حرب امرأة ؟! ولا تنس أيضا ، أن وراء كل حادث سَيرٍ امرأة . ووراء كل عراك مع الجيران امرأة . ووراء كل أبٍ أوأمٍّ قد تم التخلص منهم ، في دار للمسنين ، أومأوى للعجزة امرأة .
نفذ صبر الرجل الباشا ، فصاح قائلا لها بلسانه وبأصابعه العشرة فيما أظن : مهلا مهلا ، ما بك يا امراة من غضب ؟! أنسيتِ أنَّ وراء كل رجل عظيم ، أو ناجح أو سعيد أو شجاع ، امرأة أيضا وأيضا !!! وأكمل الرجل دون أن يلتفت إلى همهماتها : ولَدَتني امرأةٌ يا دكتورة ، وربَّتني وعلَّمتني امرأة ، وأحببتُ امرأة وسأتزوج امرأة ، فكيف لا أحترم النساء ؟
بعضُ القلوب يا سيدتي ياسمينٌ ، يُعانِقُكِ بلا شوك ، تمتلئين بها وأنت تضميها . ونخشى الحياة بعيدا عن بعضهن . ولا تصح قهوة الصبح بدونهن ، وعلى ضوء أقمارهن تكتب الأعمار . ولبعضهن نُقلَّب دفاترَ فرَحنا ، ويأخذنا وجعُ بعضهن مشاويراً معها .
إبتسمت المرأة بصفراوية ، وصرخت موجوعة بوجهه ، وأدارت وجهها له ، تماما كما يفعل حنظلة ناجي العلي ، وغادرت المكان بسرعة ، دون أن تنتظر منه جوابا وهي تردد : شو بعرِّفْكم أنتم يا معشر الرجال . بناتُ جنسي ، وأنا بهن أكثر دراية منكم . ستَبقون مُحاصَرين بالوهم .
نهض الرجل الباشا للحاق بها ، فانتبه لوجودي ، وأدرك من ملامح وجهي ، أنني كنت متابعا لصراخهما الغاضب . أومأت برأسيَ مُجيبا على سؤال لم يَنطقه ، نعم يا سيدي ، سمعتُ كلَّ شيء . دعوته للهدوء ، وأشرت له بيدي أن يتفضل بالجلوس معي ، فجلس وفي عينيه ألف سؤال وسؤال . يريد أن يفهم مني .
عاجلته قائلا : كلاكما على حق . لائحة الاتهام التي قصفتك بها صحيحة . ولائحة دفاعك صحيحة هي الأخرى . فبعض النساء كما قالت السيدة الغاضبة كبعض الرجال ، سيئات وسيئون . يثيرون السخط وكثيره . وكما قُلتَ أنت ، فإن بعض النساء تماما كبعض الرجال ، رائعات ورائعون ، يُحتفى بهن ويُكَرَّمون . قُلتُما نفسَ المعنى ، ولكن من زاويتين متكاملتين .
من الشائع أنَّ بعض الرجال كبعض النساء ، يتبادلون تصديق العديد من الأساطير وبناء أحكام مسبقة وفقها ، دون التحقق من صحة ما يسمعون . وجلُّهم يعلمون ، أن من الخطأ التعميم على جنس بأكمله ، لمجرد أن بعض من ينتمون لهذا الجنس ، يرتكبون أخطاء وحماقات أحيانا .
وهذا هو ما يجعل كلا منكم بشكل لا إرادي ، يراقب تصرفات الآخر عندما يقابله ، ويحاول أن يطابق الإشاعات مع ما يراه حقيقة أمامه.
سألني بكل لغات جسده : ما العمل ؟
قلتُ : بإعادة النظر في تقنيات التفكير وطرق التدبر ، بعيدا عن الغرق في فلسفات اقتفاء الأثر . والبدء برؤية الأخر على ما هو عليه حقيقة ، و ليس كما تصوره الإشاعات. فليس من السهل النظر إلى الاخر بحيدة وموضوعية ، إنْ بقي الواحد منا ، ممتلئا بالافكار السلبية والإشاعات عنه ، فلا بد لهذه الأفكار المسبقة ، من أن تؤثرعلى حكمنا النهائي ، حتى على احب الناس الينا .
من الطبيعي أن نختلف حول بعض الامور وأن نرتطم حول بعض القضايا ، وأن تتفاوت وجهات النظر ، ولكن من غير الطبيعي ، الاختلاف حول كل شيء ، وعدم التوافق او التطابق حول اشياء وقضايا اخرى . فنحن وهن معا ، ضرورة للمضي قدما في الحياة .
وعندما يضع أحدكم رأسَه على كتفِ الآخر ، تذكروا المتفائلَ الذي اخترع الطائرة ، ولا تنسوا ذاك المتشائم ، الذي اخترع مِظلَّةَ الطوارئ ؟!
ولِتُبحروا جيدا فيما أقول ، ضعوا نقطةً هنا ، ولا تبحثوا عن أيِّ سطرٍ جديد .
الاردن – 17/2/2020



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكاية بِرٍّ
- وحْدَها تَعْرِفُ ... ! عشوائيات في الحب – العشوائية 17
- إنها صَفعةُ القرن ، يا أمة تضحك من جهلها الأمم
- نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17
- لا عزاء لأغبياء الامة ولا لحمقاها يا امة تضحك من جهلها كل ا ...


المزيد.....




- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - إبْحَثْ عنِ امرأة عشوائيات في الحب - العشوائية 19