أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17















المزيد.....

نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17


سمير محمد ايوب

الحوار المتمدن-العدد: 6469 - 2020 / 1 / 19 - 10:36
المحور: الادب والفن
    


عصرا وصلنا تلَّ الرمان . في أجمل مواقع التلِّ ، ألمُطلة على سد الملك طلال ، دلفنا بوابة دارةِ باذخة . أربعتُنا في سيارة الصديقة العراقية ، أنا بجانبها ، الجراح وزوجته الطبيبة في الكرسي الخلفي من السيارة .
من البوابة الرئيسة ، لاحت مضيفتنا الشاعرة السودانية تتأبط يمين زوجها . تتهدل كعروس في ليلة زفافها. توبها سوداني تقليدي ، مميز برسوم تجمع ألوانا مختلفة . وهي تمد يدها مصافحة ، بان نقش الحناء مطرزا عليها . إكسسواراتها من ألأبانوس ، وحليها من العاج .
قرَأتْ في عينيَّ إعجابي بثوبها ، فقالت فرِحة : تَعْلَم يا سيدي ، أنَّ لباسَ المرأة التقليدي ، هو حجر الزاوية في الهوية السودانية . يسمونه في عامية السودان ، تُوبْ لا ثُوب . يتمازجُ فيه بديعُ أفريقيا ببديع العرب. يجمع بين ألأصالة والمُعاصَرة برفقٍ ، ليبقى مُنسجما مع شيم الحياء وقيم الحشمة .
ونحن نعبر حديقة الدارة ، تناهَت لسمعي إيقاعاتٌ موسيقية سودانية ، فقلتُ مُمازحا مضيفتنا الشاعرة : تُذَكِّرُني طلتُك ، بكوكب الشرق أم كلثوم ، وهي ترتدي الزي السوداني .
قهقه مضيفنا الشاعر قائلا : نعم نعم ، أم كلثوم أشهر من لبس الثوب السوداني . وكان ذلك في فبراير 1968 ، خلال حفلة أقامتها في مسرح أم درمان . يوم غنت روائعها : هذه ليلتي ، والأطلال ، وفات المعاد . يومها قالت السيده الكبيرة عبارتها الشهيرة عن أهل السودان : السودانيون دُوْلْ أهلنا ، إحنا وهُمَّا اخْواتْ ، إحنا الاتنين ولاد النيل .
ما أن إستقر بنا ألمقام حول بركة أنيقة ، تَبينتُ أن مطربنا الليله هو سيِّد خليفة ، أشهر مطربي السودان . إيقاعات أغنياته من عمق النيل والصحراء . أصغينا لأغنيته الخالدة : (إزيُّكم كيفنُّكم ، أنا لِيَّا زمان ما شفتكم . مشتاق كتير كتير لِحَيِّكُم .أنا ما غريب أنا منكم ) . ونحن ننتقي شرابنا المثلج من عربة إتسعت لشراب الكركدية ، التمر هندي ، وقصب السكر والمانجا ، لامست أسماعنا ، أكثر أغاني السودان تميزا وتأثيرا على الوجدان ، وأكثرها رسوخاً في ذاكرتنا الجمعية ( المَامْبُو دا سُودَانِي ، المَامْبُو في كِيَانِي ، في عُودِي وكَمَانِي ، ما أجمل ألحَانِي ، يا حبيبة ما احْلاكِي ، المَامْبُو في غُنَاكِي ) .
على وقع الموسيقى قال مضيفنا مفتتحا ثرثرتنا : قبل وصولكم كنتُ قد إتفقت مع زوجتي ، على أنَّ بين ضلوع الكثيرين منا ، تغفو ألف حكاية لم يكتب لها النجاح ، وحكاية ساحرة أذابت الكثير من أورام الحَزن ، وغيَّرت وهي تتقافز حياتنا للأجمل .
إستأذنَتْ مُضيفتنا زوجها لتقول : لا شيء أجمل ، من أن يقصَّ علينا صاحبُ كلَّ حكايةٍ تجربَتَه . إسمحوا لي أن أكون البادئة . أشعلَتْ لُفافَتها . نفثَت سحابةً مِنْ دُخانها الأبيض الكثيف . إسترخت في مقعدها المريح وهي تقول : بعد فترة من الرحيل المفاجئ لزوجي الأول يرحمه الله ، أدركتُ الفرقَ الشاسعَ بين ما بات يُبعثرني من حُزْنٍ ، والأمان المُتَّكِئ على صحبةٍ كانت تُمسكُ بيدي ، تُساكن روحي . بدأتُ أدرك أنَّ لا إتفاقات مُبرمَة مستدامة مع الفرح . مع الرحيل بالموت أو غير الموت ، عليك أن تقبَل هزائِمك ، وعيناك مفتوحتان ، بسموِ إمرأة ناضجة ، لا بحُزنِ طفلٍ مشاغب .
ولكن جدلا صاخبا تقليديا بين عقلي وقلبي ، كان يقلق كبريائي . عقلٌ يُوسوس بأني بما ورثت من مال ، لم أعد بحاجة للآخرين . وقلبٌ سليم يؤكد ، بأن بعض المال وهْمٌ . فمهما نأيتُ برفقته ، فإني من الآخرين لا بد من جديد دانية . يعطيني عقلي أسبابا لأبتعد . فيعطيني قلبي ألف سبب وسبب للإقتراب .
تعاملت مع هذا الجدل الصاخب بصفاء نفس مطمئنة حكيمة ، لا بذكاء عقل دهقون . فتيقنتُ أنَّ لا شيء أقوى من إرادة الحب على هذه الأرض . فقررتُ أن لا أموت عند الرابعة والأربعين مما مضى من عمري .
صارت الحياة بعده اقسى ، فقررتُ تغييرَ نفسي لأعود أقوى مما كنت في ظلاله . بدأت إعادة بناء معارجي ، وفق أرض حاضري لا وفق حُزْنِيَ الأبْكم ، فحتى أشعة الشمسِ تُحرِقُ ، إذا بالغتَ في الإِقتراب منها .
خشيتُ أن أغدوَ جِدارا من حصى ، عديمة المشاعر ، أوقلبا ميِّتا لا يؤثِّرُ بي . فلم أنتظر من يُحضِر ليَ الزهور . زرعتُ حدائقي . زيَّنْتُ روحي . وتعلمتُ القدرةَ على الإحتمال . فمن الذكاء مع كل وداع أو أيِّ وداعٍ ، أن لا نلهث وراء العصافير على شجر الفقد أو دهاليز الرحيل ، وننسى العصفور الجميل الذي في الصدر .علينا ألإدراك ، أن بعض السعادة ينبع صغيرا بريئا . نحن أقوياء إن أتقنَّا ألإستماع للهمس النابع من ذواتنا ، ولا نصم آذاننا عنه .
بات قطار العمر يجري بي سريعا . وأنا فيه أتخبط ، ما بين خيارخاطئ ، وخيار أحمق آخر ، دون أن أعثر في ثناياه على خياري الحر ألحقيقي ، ألذي يجسد إنسانيتي لحما ودما .
مبكرا آمنت ، أن حضنا واحدا صادقا ، أفضل ألف مرة من هراء آلاف ألأطباء النفسيين ، ونصائح المصلحين الإجتماعيين . فالحياة مليئة بالبدائل ، التي لا يمكن لأيِّ منها ، أن يحل محل آخر .
إمتلأتْ بيادري وجراري ، بخذلان من الحب . مللته بل قل يأست منه . فقررتُ أن أكون وحدي سيدة ما أفعل . فأنا إمرأة لم تُخلق لتكون محل إعجاب الرجال جميعا . بل مكرسة لسعادة رجل واحد . أخرستني كرامتي . وأحالتني أوجاعي بكماء لا تشكو إلا لله . إلى أن إلتقينا في صدفةِ عشاء . أميريَ هذا ، حياةُ تسري على قدمين . زُولٌ مُغرمٌ بالهدوء . له لسانٌ وشفتان . نصفُ حديثه كما ترون في إلتماعات عينيه ، والنصف الآخر في حجم إبتسامته وفي رنينها . فلم أعُدْ من حينها ، سيدةَ ما أشعر به . أزلتُ مِزْلاجَ قلبي . ولم أعد أحْكِمُ إغلاق أبوابه ، ولانوافذه . أقسم أنني لم أعد أدري أين أضعتُ مفاتيحيَ السريَّة .
إحتشدَتْ من حولنا بشكل أنيق ومتقن ، مقدمات الحب ومقتضياته وتبعاته ، تذكرتُ وإياه ، أنَّ الله إذا أحبَّ عبْداً ، وضعَ في طريقه من بِصِدْقٍ يُحِبُّه ، ومن بصدق يُحِبَّه .
مع رَجُلِيَ هذا ، إنتهت جُلُّ حروبي مع عقلٍ ظالمٍ وقلبٍ مظلوم . منذ عشرين عاما ونحن نُبْحِرُ في لُجَجِ الحبِّ بعيونِ النحل ، ألتي لا ترى إلا كلَّ جميل من الزهور، وإبتعدنا سوية عن عيون الذباب ، ألتي لا ترى إلا كل قبيح .
وهنا ، جاء من يعلن ، أن ركن الطعام بات جاهزا لإستقبالنا .



#سمير_محمد_ايوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا عزاء لأغبياء الامة ولا لحمقاها يا امة تضحك من جهلها كل ا ...


المزيد.....




- من إلغاء جولتها الفنية إلى طلاقها.. جنيفر لوبيز تكشف كيف -ان ...
- غزة.. عزف الموسيقى لمواجهة البتر والألم
- لعبة التوقعات.. هل يفوز عمل غير غربي بجائزة نوبل للآداب 2024 ...
- اندمج في تصوير مشهد حب ونسي المخرج.. لحظة محرجة لأندرو غارفي ...
- تردد قناة روتانا سينما 2024 الجديد على نايل سات وعرب سات.. ن ...
- الممثل الخاص لوزير الخارجية الايراني يبحث مع نبيه بري قضايا ...
- سيدني سويني وأماندا سيفريد تلعبان دور البطولة في فيلم مقتبس ...
- فشلت في العثور على والدتها وأختها تزوجت من طليقها.. الممثلة ...
- -دبلوماسية الأفلام-.. روسيا تطور صناعة الأفلام بالتعاون مع ب ...
- كريستوفر نولان يستعد للعودة بفيلم جديد ومات ديمون مرشح للبطو ...


المزيد.....

- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير محمد ايوب - نَحْلُ الحب وذُبابه عشوائيات في الحب - العشوائية 17