أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بين ترامب وفيلم: -الباباوان-















المزيد.....

بين ترامب وفيلم: -الباباوان-


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6485 - 2020 / 2 / 7 - 05:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم أتوقع عندما اخترت مشاهدة فيلم "البابوان" كم سيكون تأثيره شديدًا علي.
لست ناقد أفلام ولن أكون؛ لكنني أنصح مَن ما زالوا يعشقون هذا الفن أن يذهبوا لمشاهدته، وأن يصغوا جيدًا للحوارات التي دارت بين بطليه، الممثّلين القديرين: انتوني هوبكنز وجوناثان برايس.
تستعرض أحداث الفيلم، بشفافية لافتة، جملة من السجالات والجدالات التي عصفت بالكنيسة الكاثوليكية بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2005 ، وبعد انتخاب الكاردينال المحافظ والمتزمت كنسيًا، جوزف راتسينجر ، خلفًا له، ليصبح فيما يلي البابا بنيديكتوس السادس عشر.
كان فوز البابا بنيديكتوس على منافسه، الكاردينال الارجنتيني خورخي برغوليو، المعروف ببساطته وباعتداله وبابتعاده عن الطقسية المتزمتة، بفارق صوتين فقط؛ حيث كشفت هذه النتيجة، عمليًا، عن وجود أزمة جدية داخل أروقة الفاتيكان، واثبتت لمن لم يقرّ بذلك على أنّ مفهوم المسيحية، كنسيًا وايمانيًا، حتى بين قادة تلك الكنيسة وبين أتباعها ، متفاوت بدرجات كبيرة، قد تصل أحيانًا حد النقيض إلى النقيض.
تستحضر احداث الفيلم محطات هامة من التاريخ ودور "بطلي" الفيلم فيها ؛ ففي السبعينيات من القرن المنصرم حكمت الأرجنتين طغمة عسكرية فاشية، لاحق قادتها الرهبنة اليسوعية التي كان يقف على رأسها الكاردينال برغوليو، والذي فشل، كما يعترف هو أمامنا، بالدفاع عن الشعب وعن زملائه الكهنة، فعاش نادمًا على قصوره ومعذبًا من ضميره الذي لم يغفر له ، ولذا فقد التقى البابا بنديكتوس ليقدّم له استقالته.
ولقد تناقش الرجلان حول مفهوم الخطيئة والغفران، وحول مكانة الكنيسة وعلاقاتها مع الناس والحكام والبسطاء؛ وتحاورا حول معنى السعادة وجدارة افناء الذات، وحول الموسيقى والرقص والحب والغناء.
كان الحوار شيقًا لكن البابا بنديكتوس رفض في نهايته طلب استقالة زميله.
لم يقدّر ابن الارجنتين ما كان وقع تلك المحاورات على قلب وعقل رئيسه؛ الى أن فاجأه هذا الأخير حين أخبره بقرار اعتزاله البابوية وبتصميمه على دعم ترشيحه هو ليصبح البابا الارجنتيني الأول.
تنتهي القصة باستقالة البابا بنديكتوس في بداية العام 2013 - وهو حدث لم يسبق له مثيل إلا قبل ستمائة عام - وبانتخاب مطران البساطة والعفوية والتواضع، الارجنتيني خورخي برغوليو، ليصبح فيما يلي البابا فرنسيس.
لم يحدث هذا إلا بعد ان سمعنا البابا بنديكتوس وهو يعترف بأنه أخطأ فعلاً حين غطى على أفعال زمرة من الكهنة الذين تورطوا في عمليات فساد وفي ممارسة اعمال الفسق الجنسي خاصة مع الاطفال؛ وبعد أن عاد، كبابا مستقيل، الى ممارسة حياته اليومية بانسانية طبيعية في الفاتيكان، كما ترينا نهاية الفيلم.
لا غرابة على الاطلاق بأن أستعير رسائل فيلم سينمائي، شبه وثائقي، وأن ألجأ إلى مَجازاته وأنا أكتب عن هموم فلسطين، خاصة بعد نشر وثيقة ترامب التي اعتبرها بعض المغرضين انها نطقت باسم المسيحية، وهذه من ذلك كله براء؛ فانا لا أكتب هنا دفاعًا عن المسيحية بل من أجل فلسطين ومستقبلها.
لا مجال في هذه المقالة لوضع قائمة باسماء جميع الكنائس في العالم التي تدعم حقوق الفلسطينيين ويصلي كهنتها واتباعها من أجل ازالة الاحتلال الاسرائيلي؛ ويكفي ان يتابع القراء بهذا الخصوص تاريخ حاضرة الفاتيكان، وهي المؤسسة المسيحية الكبرى في العالم، كي يعرفوا الحقيقة ويعترفوا كما أتمنى، بأهمية تجنيد هذه الجهات لصالح القضية الفلسطينية.
قد تكون زيارة وفد المطارنة الكاثوليك المكوّن من أربعة وثلاثين مطرانًا لفلسطين، بالتزامن تقريبًا مع الاعلان عن وثيقة ترامب، مفارقة حصلت "بترتيب الهي" لتبعث في نفوس الفلسطينيين بعضًا من الأمل ولتظهر لهم آفاقًا يجب الاستثمار فيها؛ ليس فقط كتعويض عما خسرته فلسطين من مواقف تبناها ذوو القربى، بل لتنبيههم أيضًا بوجود عالم آخر لم يعطَ حقه ولم نستفِد، نحن في فلسطين، من تأثيره الايجابي والعملي كما يجب.
أصدر الوفد بعد زيارته بيانًا سياسيًا هامًا، أشار فيه الى ما شاهده اعضاؤه بأعينهم من ظلم ضد الفلسطينين الذين يعيشون في بؤس صارخ؛فحذروا من خطورة ضياع الأمل الفلسطيني وما قد يفضي اليه هذا الضياع من مآسٍ وحروبات؛ ودعوا حكومات بلادهم وشعوبهم الى العمل من أجل تطبيق القانون الدولي وإلى السير على خطى الكرسي الرسولي في الاعتراف بدولة فلسطين ورفض الدعم المادي والسياسي للمستوطنات الاسرائيلية.
ومن الجدير في هذا السياق الإشارة الى انه في العالم اليوم يوجد عدد كبير من الكنائس التي أعلنت عن مواقف متقدمة جدًا تجاه القضية الفلسطينية، فعلاوة على تضامن إكليروساتها ورعاياها مع المطالب الفلسطينية بالاستقلال وببناء الدولة، نادوا، كذلك، بضرورة الحجيج الى فلسطين وزيارة الاراضي المحتلة ومشاهدة الظلم عينيًا، لا بل سنجد أن بعض تلك الكنائس قد بادرت الى سحب استثماراتها الماليه من صناديق شركات أو من مشاريع ثبُتت علاقاتها مع المستوطنات.

لقد تضمّنت وثيقة ترامب عدة محاور ومواقف منحازة بشكل واضح وكامل لصالح اسرائيل؛ فلم يقبلها الفلسطينيون، لا جملة ولا تفصيلا، وتحفظت منها دول عربية وانتقدتها جهات دولية عديدة وبعضها عارضها بشكل لافت.
مواقف هذه الادارة كانت معروفة للجميع ودوافعها كذلك؛ فعلاوة على تطابق المصالح السياسية والاقتصادية بين النظامين الأمريكي والاسرائيلي، كانت المفاهيم الايمانية الدينية السائدة بين الاوساط الداعمة لترامب ومجموعته عنصرًا هامًا في تجيير القرارات السياسية الأمريكية، بشكل غير مسبوق، لصالح الرؤى الاسرائيلية الدينية الغيبية والقومية المتطرفة، خاصة في كل ما يتعلق بمسألة الحق الالهي المعطى للشعب اليهودي وسيادته الأبدية على ارض فلسطين.
قد تكون هذه الجزئية من أبرز ما نضح من خطبة ترامب، فتأكيد الوثيقة على أسبقية الحق اليهودي يعود لمرجعية ذلك الحق التوراتية أو الالهية وبهذا المعنى تكون الوثيقة، في الواقع، قد نقلتنا الى مرحلة جديدة أخضعت فيها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لقوانين الصراعات الدينية واستبعدت كونه صراعًا سياسيًا، قد يكون أحد أبعاده ذا أنساغ دينية وايمانية.
لم يتأخر رد المنابر العربية الاسلامية على موقف الادارة الامريكية المذكور، فما أن انجز ترامب "صفعته" حتى انبرى الخطباء في عواصم العرب بالتأكيد على ان أرض فلسطين هي وقفية اسلامية لا يفرّط فيها، ولا يتنازل عنها لأي كان؛ وهي، بهذا المعنى، حق اسلامي الهي لا يجاريه أي حق آخر .
لقد تطرقنا في الماضي الى الخطورة الكامنة في تبني هذا المنحى وحذرنا مرارًا ان اصرار بعض العرب على حصر النزاع ببعده الديني فقط وبكونه صراعًا بين حقين الهيّين مدَّعَين، سيضرّ بالمصلحة الوطنية الفلسطينية لأنه يعطي المتطرفين اليهود وحلفاءهم ذريعة لتحقيق مآربهم، خاصة في زمن تميل فيه موازين القوى العالمية لصالحهم، كما هو حال واقعنا في هذه الأيام.
ولقد انتبهت القيادات الوطنية الفلسطينية لهذه المسألة وأصرت، وما زالت تصرّ، على ان الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو صراع سياسي يقف فيه المعتدون والظالمون من جميع الديانات في خندق واحد، بينما يقف احرار العالم ضدهم في خندق واحد ايضًا. ورفضت وترفض القيادة الوطنية الفلسطينية مواجهة ترامب وحلفائه بسبب مسيحيّته أو لكونه "صليبيًا"، كما ينعته الكثيرون؛ وذلك لان تبرير عدائيته للفلسطينيين بهويته الدينية هو اجتهاد خاطيء وغير مجدٍ، ولأن المسيحيين في العالم، مثل جميع اتباع الديانات كلها، لهم مواقف سياسية مختلفة؛ ولأنّ الكثيرين منهم يدعمون فلسطين وحق شعبها في العيش بكرامة بدولة حرة مستقلة.
ولنا في حياة الباباوين اعلاه، عبرات وعبر.
يتبع ...



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهد من ضياعنا في مثلث ترامب
- ماذا بعد سقطة حزب ميرتس؟
- الحرية للاحمدين، قطامش وزهران
- العرب في اسرائيل والمقاطعة المستحيلة
- العرب في اسرائيل ولعنة التطبيع
- خدوش على صفحة هوية ملتبسة
- جامعة بير زيت، تبدد الحلم
- التعليم العربي: بين برج بابل وبرج بيزا
- سامي ابو دياك، وموت أمنية فلسطينية
- القدس مدينة الحجارة الباكية
- مواطنون بين صاروخين
- خيمة الاصرار والامل
- انتهت معركة -المطّلع- وبقيت القدس عليلة
- لنصلي من أجل لبنان وفلسطين
- بسام الشكعه..العظماء لا يموتون
- ليل هبة البارد والطويل
- خوف ورياء وقتل
- العرب في اسرائيل بين نارين
- خلاصات أولية من معركة لم تحسم
- الانتخابات في اسرائيل، يوم الحسم، نداء الواجب


المزيد.....




- السعودية.. أحدث صور -الأمير النائم- بعد غيبوبة 20 عاما
- الإمارات.. فيديو أسلوب استماع محمد بن زايد لفتاة تونسية خلال ...
- السعودية.. فيديو لشخصين يعتديان على سائق سيارة.. والداخلية ت ...
- سليل عائلة نابليون يحذر من خطر الانزلاق إلى نزاع مع روسيا
- عملية احتيال أوروبية
- الولايات المتحدة تنفي شن ضربات على قاعدة عسكرية في العراق
- -بلومبرغ-: إسرائيل طلبت من الولايات المتحدة المزيد من القذائ ...
- مسؤولون أمريكيون: الولايات المتحدة وافقت على سحب قواتها من ا ...
- عدد من الضحايا بقصف على قاعدة عسكرية في العراق
- إسرائيل- إيران.. المواجهة المباشرة علقت، فهل تستعر حرب الوكا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بين ترامب وفيلم: -الباباوان-