أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بسام الشكعه..العظماء لا يموتون














المزيد.....

بسام الشكعه..العظماء لا يموتون


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6383 - 2019 / 10 / 18 - 03:27
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا للرثاء أكتب، بل لأتشرف بعطر ذكراه ؛ فالعظماء لا يُرْثَون لأنهم دموع الأزل الباقية.

كان اسم بسام الشكعة، بالنسبة لأبناء جيلي، يعني حرية فلسطين الحمراء؛ وكان صوته صهيل المدى، إن جلجل لا يتركك تائهًا في مساحات الحيرة، وإن قضى لا يبقيك متسكّعًا في حضن ذلك الالتباس الحافي.

عرفته قائدًا عروبيًّا واثقًا بالفجر حتى عندما كان الآخرون يلتحفون العتمة ويخشون حفيف الشجر وهسيس الليل. وعشت، لسنوات، قريبًا منه فوجدته نبعًا صافيًا حرًّا، وانسانًا لا يخشى في قول كلمة الحق سيفًا؛ وفارسًا يرقّ قلبه لكل من قصده شاكيًا من سطوة الأيام والأنام.

كنت ، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، نشيطًا في الحركة الطلابية الجامعية وبدأت من موقعي أتعرّف على جيل القيادات الفلسطينية في وقت مبكر ؛ ثم صرت متدربًا فمحاميًا في مكتب المحامية الشيوعية التقدمية فيليتسيا لانجر ، حيث التقيت بكبار قادة فلسطين في ذلك الزمن، وفي طليعتهم صاحب الابتسامة الهادئة والجبين العريض بسام الشكعة.

حاول أعداء فلسطين، وعلى رأسهم الاحتلال الاسرائيلي، أن يضعضعوا مكانته القيادية وأن ينالوا من تأثيره السياسي بجميع الوسائل والأحابيل والطرق؛ فلجأوا بخبث، في البدايات، إلى افتعال وتأجيج الصراعات العائلية النابلسية المحلية، لكنهم فشلوا وبقي بسّام رقمًا صعبًا وعلمًا حاضرًا في كل واقعة وحدث، واسمًا وازنًا على كل منصة ومنبر .

لم يخفِ بسام انتماءه السياسي العروبي القومي الناصع، فاستغلّ الوشاة والمغرضون صدقه وأشاعوا أن ولاءه أولًا لسوريا ولبعثها، على حساب فلسطين وشعبها؛ إلا أنه لم يلتفت إلى تلك السفاهات، ومضى على طريق النضال كما تشهد حياته الزاخرة بالتضحيات الجسيمات.

قالوا عنه أنه ارستقراطي وابن لعائلة مترفة ؛ فلم يكترث لذلك أيضًا، بل وقف في وجه العاصفة وتصدّر الميادين؛ وأقام مع رفاق الدرب "لجنة التوجيه الوطني" التي شكلت دعامةً لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني ووتدًا ثبّت دور منظمة التحرير الفلسطينية وما عنته من وحدانية تمثيل الشعب وأهداف كفاحه الوطنية.

عرف أعداء فلسطين أهمية قائد مثل بسام الشكعة وقوة تأثيره الشعبي، وبعد أن فشلوا في إسكاته وفي ثنيه عن مواصلة الكفاح ضد الاحتلال وضد أعوانه، حاولوا منع الناس من التواصل معه، فنصبوا على باب بيته في نابلس حاجزًا عسكريًا، كانت مسؤولية جنوده التنكيد على من يدخل لزيارته ومن يخرج منها. أرادوا ترهيب الزائرين فكانوا يسجلون أسماءهم وتفاصيلهم الخاصة حتى يلاحقوههم. لقد فشلوا مرة أخرى ولم يحققوا اهدافهم بل على العكس تمامًا، فأعداد الزوّار، رغم التنكيل، كانت تتزايد، وبقيت دار بسام عنوانًا للأحرار وللناس وبقي صاحبها "أبًا للنضال" .

شكّل بسام الشكعة، مع ثلة من القادة الوطنيين الفلسطينيين، حالة متميّزة في تاريخ الكفاح الفلسطيني دامت لسنوات طويلة ؛ كنت أنا شاهدًا على جزء مما كانت تعنيه تلك التجربة الفريدة حين اعتُمدت، في بداية ثمانينيات القرن الماضي، من قبله ومن قبل رفيق دربه، الراحل الكبير وحيد حمد الله، رئيس بلدية عنبتا، لأكون محاميًا للدفاع عن أصحاب الأراضي التي صادرها الاحتلال بحجة أنها "أراضي دولة".

تابعت معهما عشرات القضايا وشاهدت بأم عيني كيف كانا ينتفضان اذا سمعا بأمر مصادرة جديدة أو بخيانة صاحب أرض ضعفت ذمته فسرّب أرضه للمستوطنين. لم تكن الخيانة، في ذلك العصر، عنده وعند أترابه ، القادة الوطنيين، مسألة فيها وجهة نظر .

لقد كانوا قادة أوفياء، فشكّلوا مظلّةً وطنية واقية وحصنًا منيعًا حموا تحت سقفه من كان يلجأ اليهم، وعلّقوا على جدرانه سورًا أفادت كيف تكون التضحية سموًّا والعطاء فريضة والوفاء للوطن عربونًا للخلاص.

لقد عرفته معلّما سياسيًا فذًا يستعين بعقله في الشدائد؛ وخبِرْتُهُ صديقًا وفيًا يعطي من قلبه نبضة ومن عروقه وردة كما فعل عندما تجشم عناء السفر الى بلدتي ليشارك في فرحي.

كان العرق يتصبب من جبين ضيفي العزيز وهو يمشي ببطء متكئًا على عكازتيه وبرفقته، أم نضال ، شريكته في الكفاح وفي العناء وفي الأمل. عاتبته على المجيء وقد كان عائدًا من جولة العلاج في فرنسا. ضمّني إلى صدره فشعرت انني أملك الدنيا.

لا أعرف ماذا تعرف أجيال اليوم عن تلك الملاحم التي سطرها جيل تحدّى، بكبرياء الأحرار ، "جنازير دبابة الفاتحين" وغطرسة الرصاص، فوصل بارودها إلى عتبات بيوتهم.

يبكيني جهل "أجيال اليوم" وقطيعتهم عن ذلك التاريخ الناصع من حياة شعبنا؛ ويقلقني فقدانهم لجهات الريح وليواطر الأمل؛ فلقد ضحّى بسام الشكعة، وأمثاله، من أجل استقلال فلسطين والعيش في ربوعها بكرامة، وقاوم بصلابة لم تلن؛ وحتى عندما قطع بارود الفاشيين ساقيه، مضى ماشيًا نحو الشمس بقامة من نور وبعزم من نار.

لقد عرفته انسانًا وقائدًا وصديقًا، فلسطينيًا روى بدمائه تراب الوطن/ نابلس التي أحبها وعاش فيها وسيبقى؛ فالعظماء يرحلون، لكنّهم لا يموتون لأنهم دموع السماء الزكية الأزلية.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليل هبة البارد والطويل
- خوف ورياء وقتل
- العرب في اسرائيل بين نارين
- خلاصات أولية من معركة لم تحسم
- الانتخابات في اسرائيل، يوم الحسم، نداء الواجب
- انتخابات الكنيست، خطاب العقل
- القائمة المشتركة، خطاب التفاؤل
- تقول الحياة: يبقى الغناء أدوم وأنبل
- حين وقف مرسيل ومحمود على مسرح جرش
- غصّات، غصة الموت، غصة أطفال العيساوية
- غصّات:وعد صائب وغصة وادي الحمص
- غصّات، ربحي الأسير ونصّار الشهيد
- غصّات، القائمة المشتركة وذكرى توفيق زياد
- حاج يرأس البنك القومي الإسرائيلي
- في موديعين والعفولة وكرم السلام، العنصرية واحدة والفاشية لا ...
- المشتركة في غرفة الانعاش من جديد
- عقارات باب الخليل ومسرح العبث
- لوحدنا لا نستطيع التغيير ولكن بدوننا لا يمكن أن يحدث التغيير
- أمير مخول أسير محرر أم أسير سابق؟
- النكبة وما أدراك ما النكبة


المزيد.....




- إسرائيل تعلن اقتراب نهاية الحرب مع إيران بعد أن حققت أهدافها ...
- هجوم روسي -ضخم- على العاصمة الأوكرانية كييف ومحيطها
- كاميرا مثبتة بسيارة توثق غارة إيرانية قُرب أشدود بإسرائيل.. ...
- مسؤول إيراني لـCNN: طهران تريد من أمريكا أن -تدفع- ثمن هجمات ...
- من البحرين الى الإمارات.. تعرّف إلى خريطة الانتشار العسكري ا ...
- الصواريخ الإيرانية تجبر الإسرائيليين على البقاء في الملاجئ ل ...
- إساءة عنصرية لروديغر في كأس الأندية... والفيفا يحقق
- بوتين يندد أمام عراقجي بـ -عدوان- إسرائيلي -غير مبرر- على إي ...
- هل أنهت الضربات الأمريكية التهديد الإيراني لإسرائيل؟
- الاتحاد الأوروبي يؤكد على أن إيران -يجب ألا تمتلك أبدا القنب ...


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - بسام الشكعه..العظماء لا يموتون