أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - خيمة الاصرار والامل















المزيد.....

خيمة الاصرار والامل


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6403 - 2019 / 11 / 8 - 03:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



أنهى نوّاب القائمة المشتركة يوم الثلاثاء الفائت إضرابهم عن الطعام وأزالوا خيمة الاعتصام التي نصبوها لمدة ثلاثة أيام كاملة أمام مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي.

زرت خيمتهم متضامنًا، أسوة بعشرات الوفود والشخصيات التي سافرت على طريق الندى، من شمال البلاد وجنوبها، لتعبّر عن موقفها ضد الجريمة والعنف المتفشّين في القرى والمدن العربية، أو ربما لتسعف ضمائرها من عذابات الانتظار على "سين" اليأس ومن آهات التيه في دهاليز العجز.

أخطأ كل الذين هاجموا الخيمة وسكّانها ؛ وأنا لا أعني من يحترفون التشهير محتمين برداء "وطنية " عذراء عارية وأبدية فحسب، بل أقصد أولئك الذين يدّعون بأحقية القيادة ويحاولون اكتسابها عن طريق تقزيم كل خطوة أو قرار يتخذه قادة القائمة المشتركة حتى لو انضمت اليه ، كما في هذه الحالة، لجنة متابعة شؤون الجماهير العربية في إسرائيل واللجنة القطرية لرؤساء المجالس المحلية والبلدية العربية في البلاد.

أمضيت في الخيمة بضع ساعات ذكّرتني كيف كنا ونحن طلّاب جامعيون نتظاهر في ذلك الموقع ونقطع الطرقات، على موكب رئيس الحكومة مرة وعلى وزير المالية مرّات، محتجين على قرار حكومي عنصري بحقنا، نحن المواطنين العرب، أو ضد ضريبة مستحدثة كنا، نحن الطلاب وأهلنا الكادحين واخوتنا فقراء الشعب، ضحاياها.

كل من دخل الخيمة شعر بدفء خفيف ومريح، وأحسّوا، مثلي، بأنه ليس القلق وحده يجمعنا بل هنالك شيء ما جميل ينتظرنا على منحدرات الأمل المفقود، وبأن هذا " الشيء" قد يقودنا نحو وجهة الخلاص التي ما زالت بعيدة.

كان المضربون عن الطعام يستقبلون الوافدين مثل أصحاب العرس ؛ يتحركون بنشاط متثاقل وبطفولة بشوشة وصادقة؛ كان بعضهم يهزأ من جوعه ويستذكر القساوة في اغواء التفاح ؛ ورغم قلة الخبرة في ممارسة طقوس النضال المختلط والموحد ، حرصوا، جميعًا، أن يعايشوا تاريخية اللحظة بعفوية طموحة وبحدس سليم، فأوحوا للضيوف على أنهم، رغم اختلاف منابع الهم والرؤى ، يكوّنون رهطًا متجانسًا وأنهم مصممون، رغم مشاكسات الماضي وحداثة التجربة، على المضيّ، برويّة وبحذر، في فج الضباب، والسير في طريق عساه يقودهم، رغم المشقة والظلمة، نحو تحقيق ذواتهم وايقاف نزيف الدم السائل من شرايين مجتمعنا .

لم تتحوّل الخيمة إلى مزار شعبي يضج بألوف الزائرين، لكنها أصبحت عنوانًا يصعب اغفاله أو غض النظر عن وجوده، ونجحت، بالتالي، في استقطاب عدد من رؤساء المجالس والبلديات العربية وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والى جانبهم، عدد من أعضاء الكنيست اليهود من أحزاب مختلفة، الذين جاءوا ، فيما يشكل سابقة لافتة ومرضية، ليعبّروا عن تضامنهم ووقوفهم ضد سياسة الحكومة وفشلها في مواجهة عصابات الاجرام الناشطة في داخل مجتمعنا العربي وضد اهمالها في معالجة ظواهر العنف وملاحقة العابثين بالقانون وبالسلم الأهلي.

كان حضور وسائل الاعلام المحلية والعبرية والدولية بارزًا وهامًا؛ وشكّلت اشارات تضامن السائقين والعابرين اليهود من أمام الخيمة "لفتة" ايجابية مدّت الحاضرين بوجبة من التفاؤل وعززت قناعتهم بأهمية خطوتهم ونجاحها النسبي في جذب عناصر جديدة من الرأي العام وتجنيدهم لصالح قضايا المواطنين العرب وضد السياسات العنصرية الحكومية بحقهم.

قد نسميها "خيمة الاصرار" على الحياة بكرامة وبدون خوف ووجع ؛ وهي، رغم صغر حجمها، توسطت وواجهت، بمجازية غير مقصودة، مكتب رئيس الحكومة ومبنى المحكمة العليا الاسرائيلية وهما السلطتان المسؤولتان، مع ثالثة الأثافي الكنيست، على تعاسة المواطنين العرب وعلى معاناتهم الطويلة والدائمة.

كان مبنى المحكمة وراءنا، لكن أطياف قضاتها سكنت الخيمة فأشغلتنا مواقفهم المستفزة على الاغلب والملتبسة احيانًا، خاصة عندما عبّر بعض الحاضرين عن ارتياحهم من قرار تلك المحكمة الصادر في أواخر تشرين أول /اكتوبر المنصرم، والقاضي بالزام المستشار القانوني للحكومة بتقديم لائحة اتهام ضد الشرطي الذي قتلت رصاصته الشاب خير الدين حمدان ابن قرية كفركنا الجليلية في العام 2014.

لم يقرأ معظم الناس تفاصيل ذلك القرار ولم يربطوا بينه وبين قرار المحكمة نفسها الذي اجاز ، قبل أيام، ترحيل الناشط الحقوقي عمر شاكر بذريعة تأييده لمقاطعة جميع افرازات الاحتلال الاسرائيلي وممارساته غير الشرعية.

حاولت وبعض الحقوقيين الذين تواجدوا في الخيمة أن اشرح بأن الصدفة فقط أفضت الى "انتصار" الدم العربي على رعونة السياف ومحكمته العليا، ونصحت السامعين بالانتظار لنرى كيف ومتى سيدفع ذلك الشرطي القاتل جزاءه، فالامور، هكذا علمنا القهر، تحكمها خواتيمها وتبقى أماني المظلومين منابت للورد أو للخيبات أحيانًا.

"عندما يستعمل شرطي قوة قاتلة يتطلب الصالح العام تحقيقًا قضائيًا "، هكذا كتب قاضيان، أحدهما عربي، من أصل ثلاثة في تبرير قرارهما المذكور. لم يوافقهما القاضي الثالث، نوعم سولبرغ، وهو مستوطن في الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ فلو ترك الأمر له لقضى بعدم وجود ضرورة لفتح ملف القضية بعد أن أغلقها المستشار القانوني للحكومة. انه قاض يميني وايديولوجي لا يخفي مواقفه السياسية بل يلجأ اليها، سرّاً وعلانية، في تبرير قراراته المسيّسة، مثلما فعل، مع زميليه، في قضية عمر شاكر الذي كان يمثل ويعمل من رام الله باسم منظمة "هيومان رايتز واتش" وهي واحدة من أكبر المنظمات التي تدافع عن جقوق الانسان في العالم.

لقد كتبت ونوّهت في الماضي الى أن "محكمة العدل العليا الاسرائيلية" لم تعد عنوانًا لتظلماتنا، نحن المواطنين العرب، ولا ملجأ لضحايا قمع الاحتلال وممارساته الوحشية اليومية؛ فهذه المحكمة/المؤسسة فقدت مصداقيتها منذ سنوات لكنها تعرّت مؤخرًا بشكل سافر وذلك بعد حشوها المتعمّد بقضاة يمينيين معروفين بمواقفهم السياسية المنحازة.

لم تخفِ وزيرة القضاء السابقة اييلت شاكيد، ولا من سبقها، مخططاتها من أجل السيطرة على جهاز المحاكم الاسرائيلي وفي طليعته "المحكمة العليا" ؛ فقد صرّحت، في اكثر من مناسبة وعلى الملأ، انها تسعى بامعان لتغيير موازين القوى لصالح اليمين وذلك عن طريق ادخال قضاة موالين ، مثل نوعم سولبرغ وشريكته في قرار عمر شاكر القاضية يعيل فيلنر، وهما ليسا الوحيدين.

يسكن القاضي سولبرغ في احدى مستوطنات "جوش عتصيون"، على ما تستدعيه وتعنيه هذه الحقيقة من تبعات ومفاهيم؛ ولا تسكن زميلته القاضية فيلنر في احدى المستوطنات، لكنها بدأت حياتها العامة في العام 1977 كناشطة في محاولة الاستيطان الاولى التي قادتها وبادرت اليها حركة " غوش ايمونيم" الدينية اليمينية الشهيرة، في منطقة سبسطية القريبة من مدينة نابلس.

أسوق هذه المعلومات كي أقنع من ما زالوا يؤمنون بأن المحكمة العليا الاسرائيلية لم تنه عملية انحرافها الكامل عن طريق العدل النسبي والمنقوص الذي طبقته في تعاملها مع قضايانا وقضايا اخوتنا الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 1967؛ وكي أوكد على ان القرار بقضية المرحوم خير الدين حمدان لم يكن إلا محض صدفة.

كنت واضحًا أمام من سمعوني في الخيمة، فنحن نواجه ظواهر الاجرام والعنف في بلداتنا، لكننا نعيش في واقع دولة معظم مؤسساتها تستعدينا وتهملنا، فمعركتنا كبيرة ومتعددة الجبهات.

كانت الخيمة عنوانًا للأمل وبرقةً في عتمة تزداد فحمتها. انها البداية، هكذا اجمع القادة المضربون، ودعوة لمن لا يدمنون مهنة اليأس والتيئيس لينضموا بخطى صغيرة وواثقة على درب طويل يجمعنا، فجميعنا يعرف كيف قد تكون نهايته.



#جواد_بولس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتهت معركة -المطّلع- وبقيت القدس عليلة
- لنصلي من أجل لبنان وفلسطين
- بسام الشكعه..العظماء لا يموتون
- ليل هبة البارد والطويل
- خوف ورياء وقتل
- العرب في اسرائيل بين نارين
- خلاصات أولية من معركة لم تحسم
- الانتخابات في اسرائيل، يوم الحسم، نداء الواجب
- انتخابات الكنيست، خطاب العقل
- القائمة المشتركة، خطاب التفاؤل
- تقول الحياة: يبقى الغناء أدوم وأنبل
- حين وقف مرسيل ومحمود على مسرح جرش
- غصّات، غصة الموت، غصة أطفال العيساوية
- غصّات:وعد صائب وغصة وادي الحمص
- غصّات، ربحي الأسير ونصّار الشهيد
- غصّات، القائمة المشتركة وذكرى توفيق زياد
- حاج يرأس البنك القومي الإسرائيلي
- في موديعين والعفولة وكرم السلام، العنصرية واحدة والفاشية لا ...
- المشتركة في غرفة الانعاش من جديد
- عقارات باب الخليل ومسرح العبث


المزيد.....




- -مستوطنون إسرائيليون- يخربون موقعا أمنيا في الضفة الغربية وي ...
- -عثر على المشتبه به ميتًا-.. مقتل رجلي إطفاء في إطلاق نار بو ...
- بكين تستضيف أول مباراة كرة قدم بين الروبوتات في الصين
- بعد إيران.. هل تستطيع أميركا تنفيذ السيناريو نفسه في كوريا ا ...
- ردّا على شروطها لاستئناف المفاوضات ترامب -لن يقدم- شيئا لإير ...
- حموضة المحيطات تتجاوز الحدود الآمنة والخبراء يحذرون
- مستشار خامنئي: إسرائيل بعثت رسائل تهديد لمسؤولين إيرانيين
- تايمز: جواسيس إسرائيليون داخل إيران منذ سنوات وربما لا يزالو ...
- أكسيوس: أوجه حملة ضغط ترامب لتأييد نتنياهو
- هآرتس: أهل الضفة الغربية يذبحون بهدوء


المزيد.....

- الوعي والإرادة والثورة الثقافية عند غرامشي وماو / زهير الخويلدي
- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - خيمة الاصرار والامل